أمالينا عبد الناصر**
مقدمة
في مايو 2019، ألقتِ السلطاتُ الماليزية القبض على رجلين عقب قيامهما بتصنيع واختبار متفجرات محلية الصنع شديدة الانفجار، تُعرف باسم تراياستون ترايبِروكسايد (TATP). وتُعد هذه هي المرة الأولى التي يقوم فيها متشددون ماليزيون بتصنيع هذه المتفجرات. هذا التطور المهم في تصنيع قنابل شديدة الانفجار يمثل أمرًا مقلقًا. ومع ذلك، فإن إلقاء نظرة سريعة على دولٍ مثل إندونيسيا والفلبين، تكشف أن استخدام تراياستون ترايبِروكسايد وغيرها من المتفجرات المتطورة ليس بالأمر الجديد. السؤال الذي يطرح نفسه هو من أين وكيف حصل المقاتلون المؤيدون لداعش على هذه الخبرات؟ وفي ظل استمرار المقاتلين في اكتساب مهارات جديدة في تصنيع أنواع مختلفة من المتفجرات، ما هي التوقعات المحتملة لصناعة القنابل في جنوب شرق آسيا؟
ما هي مادة تراياستون ترايبِروكسايد؟
لطالما عُرفت الجماعات المرتبطة بتنظيم داعش في جنوب شرق آسيا باستخدام العبوات الناسفة بدائية الصنع (IED) والاعتماد على الهجمات الانتحارية كطريقة عمل مميزة لها(1). وفي العديد من منشوراته، يحث داعش داعميه على تسليح أي أداة ملائمة، بدءًا من المركبات إلى أواني الضغط واعتبارها سلاح ممكن في العمليات. وفي حين أنه لا يزال يمارس تكتيكاته الأساسية مثل استخدام العبوات الناسفة بدائية الصنع، فقد تطورتِ التكتيكات لتعكس معارفه المتنامية في تصنيع القنابل.
في ضوء ما سبق، أصبح استخدام مادة تراياستون ترايبِروكسايد أمرًا واضحًا في ظل استخدامها بشكلٍ متزايد في الهجماتِ الإرهابية الإقليمية؛ مثل تفجيرات كنائس في مدينة سورابايا في عام 2018 في إندونيسيا. وتُعد هذه أحد أكثر أنواع المتفجرات شيوعًا التي يستخدمها داعش لثلاثةِ أسباب: أولًا، يمكن تصنيعها بمواد يسهل الحصولُ عليها، مثل بيروكسيد الهيدروجين والأسيتون، الذي يمكن شراؤه من أي متجر للمعدات أو سوبر ماركت(2). ثانيًا، هذه المادة قادرة على إحداث انفجار أقوى من المتفجرات العسكرية مثل “تي إن تي”، مما يوقع المزيد من الخسائر. ثالثًا، يصعب اكتشاف هذه المادة عبر الأشعة السينية؛ لأن المواد الكيميائية المستخدمة فيها موجودة في المواد المنزلية مثل صبغات الشعر ومزيلات طلاء الأظافر.
في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، استخدمت مادة تراياستون ترايبِروكسايد في هجمات عيد الفصح الأخيرة في سيريلانكا في شهر أبريل. وفي جنوب شرق آسيا على وجه التحديد، استخدمت خلال سلسلةٍ من الهجمات التي استهدفت كنائس في مدينة سورابايا في عام 2018. علاوة على ذلك، استخدم هذا النوع من المتفجرات ذاتها في تفجيراتِ لندن عام 2005، وتفجيراتِ باريس عام 2015، وتفجيراتِ مانشستر عام 2017(3). كما استخدمها مجرمون أيضًا في أكتوبر 2015 عندما هدد ليوبارد ويسنو كومالا بتفجير عدة قنابل في تانجيرانج، أحد أحياء جاكارتا، في إندونيسيا.
استخدامات تراياسِتون ترايبِروكسايد: من إندونيسيا إلى ماليزيا
وقع أول هجوم ناجح مرتبط بتنظيم داعش في ماليزيا في عام 2016 عندما شنَّت خليةٌ محلية هجومًا بقنبلة يدوية على ملهى موفيدا الليلي في بوشونج، في سيلانجور. وكانت الخلية قد تعلمت كيفية تصنيع العبوات الناسفة من خلال الإنترنت(4). وفي حالاتٍ أخرى، تبادل المسلحون الموالون لداعش في المنطقة الأدلة الإرشادية لتصنيع القنابل عبر مجموعات وقنوات على تطبيق “تلجرام”. ورغم توفر هذه الأدلة الإرشادية على الإنترنت من المصادر المفتوحة، لم يستغلها أعضاء ما سمي بـ”مجموعة الذئاب”، محمد سيزاني ومحمد نور الأمين، الثنائي الذي تمكن من تجميع أول متفجرات من مادة تراياستون ترايبِروكسايد في ماليزيا. وقد كشفتِ التحقيقات أنهما خضعا لتدريبات على صنع القنابل في عام 2018 مع “جماعة أنصار الدولة” (JAD)، وهي جماعة إندونيسية موالية لداعش في يوجياكارتا(5). خلال التدريب، تمكنا من اكتساب مهاراتٍ لصناعة متفجرات متنوعة، بما في ذلك السيارات المفخخة(6). ورغم أن مدة تدريبهما لم تكن معروفة، أطلق عليهما اسم “خبراء القنابل” في وقت اعتقالهما، لقدرتهما على صناعة تراياستون ترايبِروكسايد.
هذا يدل على تطورين مهمين: أولًا، إدراك أعضاء داعش لأهمية التدريب على صنع القنابل دون اتصال بالإنترنت؛ لأنه يوفر درجة معينة من التدريب والممارسة للإرهابيين على التعامل مع هذه المتفجرات الحساسة. في هذه الحالة، من الواضح أن الثنائي تلقى تدريبًا كافيًا ليتمكن من تصنيع المادة المتفجرة بثقة وبدقة، دون أن تنفجر قبل الوقت المحدد لها. ذلك أن التاريخ يعج بحوادث للإرهابيين الذين انفجرت قنابلهم قبل الأوان أو لم تنفجر في الوقت المحدد(7).
ثانيًا، هذا التطور يوضح الروابط عبر الوطنية العميقة بين المؤيدين لداعش في ماليزيا وإندونيسيا(8). وعادةً ما يضطلع مؤيدو داعش بأدوار تنسيقية، حيث يساعدون المؤيدين من إندونيسيا على السفر إلى الفلبين. وفي حالاتٍ أخرى، يحصل المتشددون الموالون لداعش من ماليزيا على الدعم اللوجيستي والمالي من متشددين أجانب. ومن ثم، فإن الأمر اللافت هو سفر الماليزيين المؤيدين لتنظيم داعش إلى إندونيسيا لاكتساب مهاراتٍ جديدة، فهذا يسمح لهم باستعارةِ وتنفيذ أساليب عملياتية جديدة غريبة على السلطات الماليزية. وقد تجاوزت الروابط بين المتشددين في كلتا الدولتين نقل السلع لتشمل التدريب والمعرفة أيضًا.
عمليةُ نقل المعرفة هذه مهمةٌ؛ نظرًا لأن المتشددين الماليزيين الموالين لداعش يُشتهرون بمهاراتهم في تصنيع القنابل. لكنهم كانوا ماهرين في المتفجراتِ محلية الصنع المنخفضة الجودة، ولم تكن لديهم خبرة في صنع العبوات شديدة الانفجار. وكان من هؤلاء نجيب حسين(9)، ومروان(10) وأمين باكو. ويعتقد أن الثلاثة قد قتلوا أو في عداد الموتى. وفي ضوء هذا، من المرجح أن يؤدي نقل خبرات صنع المتفجرات المتطورة من إندونيسيا إلى ماليزيا إلى تعزيز أساليب داعش بشكلٍ عام، ويشكل تهديدًا متزايدًا لجنوب شرق آسيا.
وعلى عكسِ المتشددين الموالين لداعش في ماليزيا، فإن أولئك الموجودين في إندونيسيا أكثر دراية بمادة تراياسِتون ترايبِروكسايد. بعض الخلايا الإرهابية التابعة للأخيرة، على وجه التحديد، تقرأ أدلة صنع القنابل على الإنترنت أو الإرشادات التي يقدمها المتشدد الإندونيسي الشهير الذي يقاتل في صفوف داعش في سوريا، باهرون نعيم(11). ورغم أنه لم تكن لديه خبرة في تصنيع القنابل قبل مغادرته إلى سوريا، فإنه قام بإعداد أدلة إرشادية لكيفية تصنيع القنابل، واشتهر بأنه صانع قنابل بارع. وقد نُشرت هذه الأدلة الإرشادية في مدوناته، وأشارت إليها الخلايا/ الأفراد الإندونيسيين الموالين لداعش(12).
في مدونته، تحت عنوان “باهرون نعيم: التحليل والاستراتيجية والاستخبارات المضادة”(13)، وضع المتشدد الإندونيسي نصائح وطرق حول كيف يصبح الشخص قرصانًا وجاسوسًا. والأهم من ذلك، أنه وضع أدلة إرشادية لصنع القنابل بعنوان “كيفية تصنع قنبلة في 10 دقائق”، و”اصنع مواد متفجرة في مطبخك”، ودروس في صنع القنابل، بما في ذلك مادة تراياستون ترايبِروكسايد، التي استفاد منها فعليًا العديد من المتشددين في محاولتهم إنتاج متفجرات(14). ونجح كتيب سيئ السمعة بعنوان «أساسيات القنابل النووية»، على وجه الخصوص، في إلهام إرهابي إندونيسي لبناء “قنبلة قذرة” في عام 2018.
لتصنيع مادة تراياستون ترايبِروكسايد، يقوم الإرهابيون بشراء المواد الكيميائية من أماكن مختلفة تتراوح ما بين المتاجر العادية(15) التي تبيع ألواح الألمنيوم ومحامل الكريات، إلى المتاجر الإلكترونية، وجميعها تبيع منتجاتٍ عادية يمكن استخدامها في صنع القنابل. ومن الأمثلة على ذلك ديتا أوبريانتو، أحد الانتحاريين في تفجيرات كنائس سورابايا في عام 2018. اشترى ديتا مواد كيميائية مثل بيروكسيد الهيدروجين لصنع تراياستون ترايبِروكسايد من متجر عبر الإنترنت لتجنب اكتشاف السلطات له، حيث كان من الممكن أن تقوم متاجر المواد الكيميائية بإبلاغ السلطات(16). إضافة إلى ذلك، ولضمان عدم ترك أي أثرٍ مشبوه، امتنع عن استخدام التحويلات البنكية في دفع قيمة مشترياته. وبدلًا من ذلك، كان يتوجه إلى المتاجر التي تقدم الخدمات المالية لإجراء المدفوعات عبر الإنترنت.
الاستخدام المحتمل للمواد المشعة
إضافة إلى تصنيع مادة تراياستون ترايبِروكسايد، جرَّب المتشددون الموالون لتنظيم داعش، في جنوب شرق آسيا، قنابل مميتة مثل تلك التي تستخدم المواد المشعة كخليطٍ في قنبلة تقليدية. وقد أثبتت الخلايا المؤيدة لداعش في إندونيسيا قدرتها على تجميع قنبلة قذرة، وإن كانت في مرحلة بدائية للغاية. في عام 2017، حصلت خلية مرتبطة بجماعة “أنصار الدولة” في باندونج على المعرفة الكيميائية لتحويل مادة الثوريوم 232 منخفضة الإشعاع إلى اليورانيوم 233(17) اعتمادًا على الدليل الإرشادي لباهرون نعيم. غير أن الأمر الأكثر إثارة للقلق، في العام ذاته، هو أن خلية مقرها باندونج اشترت بيروكسيد الهيدروجين وعشرات من أغلفة البتروماكس، وبدأت نظريًا عملية استخراج الثوريوم لصنع “قنبلة نووية صغيرة”.
هذه المحاولات التي جرت في إندونيسيا أقنعت السلطات الماليزية باحتمال قيام مؤيدي داعش المحليين باستخدام المواد المشعة لإنتاج قنابل(18). وعلى مدارِ السنوات القليلة الماضية، سجَّلت السلطات الماليزية حالات فقدان مواد مشعة ونووية. وفي مناسبات عدة، اكتشفت هيئة الطاقة الذرية والتراخيص مواد مشعة ملقاة دون أي أثر واضح لأصولها، والغرض من استخدامها. ومن ثم، فمن المحتمل أن تقع مثل هذه المواد في أيدي المتشددين، مما يستدعي الكثير من التدقيق والتحقيق.
الخلاصة
ينبغي على حكومات المنطقة عدمُ الاستهانةِ بمساعي المتشددين الموالين لداعش لتطوير قنابل متطورة؛ مثل تراياستون ترايبِروكسايد أو استخدام مواد مشعة في الهجمات المستقبلية. ونظرًا لتنامي العلاقات عبر الوطنية بين الخلايا المتشددة في المنطقة، فمن المتوقع أن تتواصل عملية نقل المعرفة عبر الشبكات الإرهابية. وبهذه الطريقة ستسعى الجماعات الموالية لداعش في المنطقة لضمان استمراريتها، رغم فقدان داعش لمعاقله الرئيسة في سوريا وزعيمه أبو بكر البغدادي، وسوف تتشبث بخطاب الجماعة الذي يحض على الثبات والصمود.
* يسعى موقعُ «عين أوروبية على التطرف» إلى نشرِ وجهاتِ نظرٍ مختلفة، لكنه لا يؤيد بالضرورة الآراء التي يُعبِّر عنها الكتّابُ المساهمون، والآراء الواردة في هذا المقال تُعبِّر عن وجهةِ نظر الكاتب فقط.
** باحثة في مركز بحث العنف السياسي والإرهاب بسنغافورة.
المراجع:
1 Lourdes, M. Islamic State launches first successful attack in Malaysia. July 4, 2016. Retrieved from https://edition.cnn.com/2016/07/04/homepage2/islamic-state-attack-malaysia/index.html.
2 Macan-Makar, M. Islamic State sneaks into Asia through family terror cells. May 21, 2019. Retrieved from https://asia.nikkei.com/Spotlight/Asia-Insight/Islamic-State-sneaks-into-Asia-through-family-terror-cells.
3 Doherty, B. Manchester bomb used same explosive as Paris and Brussels attacks, says US lawmaker. May 25, 2017. Retrieved from https://www.theguardian.com/uk-news/2017/may/25/manchester-bomb-same-explosive-paris-brussels-attacks-mike-mccaul.
4 Teen who targeted Malaysia beer festival a skilled bomb-maker. October 20, 2017. Retrieved from https://www.tnp.sg/news/world/teen-who-targeted-malaysia-beer-festival-skilled-bomb-maker.
5Arrested Malaysian militants tested bombs in Kedah. May 24, 2019. Retrieved from https://www.asiaone.com/malaysia/arrested-malaysian-militants-tested-bombs-kedah.
6 Malaysia detains three accused of planning attacks, links to IS. May 16, 2019. Retrieved from https://www.reuters.com/article/us-malaysia-security/malaysia-detains-three-accused-of-planning-attacks-links-to-is-idUSKCN1SM168.
7 MacAskill, E., & Hopkins, N. Bomb-making guides are online, but getting them to work is not easy | Ewen MacAskill and Nick Hopkins. May 23, 2017. Retrieved from https://www.theguardian.com/uk-news/2017/may/23/bomb-making-guides-are-online-but-getting-them-to-work-is-not-easy.
8 Abdul Nasir, A. Countering the visible and potent threat of Islamic State in Malaysia., September 24. 2019. Retrieved from https://www.todayonline.com/commentary/islamic-state-wants-stay-relevant-and-visible-malaysia-how-can-terror-threat-be-overcome.
9 Golingai, P., & Katharason, P. K. Malaysian bomb maker believed killed in Basilan. December 16, 2015. Retrieved from https://www.thestar.com.my/news/nation/2015/12/16/malaysian-bomb-maker-killed/.
10 Hume, T. FBI confirms most wanted terror suspect Marwan dead. April 3, 2015. Retrieved from https://edition.cnn.com/2015/04/03/world/philippines-marwan-confirmed-dead/index.html.
11 Moore, J. An ISIS-inspired jihadi group planned a chemical bomb attack on Indonesia’s presidential palace. August 17, 2017. Retrieved from https://www.newsweek.com/indonesia-foils-isis-inspired-chemical-bomb-plot-presidential-palace-651774.
12 The Ongoing Problem of Pro-ISIS Cells in Indonesia. April 29, 2019. Retrieved from http://file.understandingconflict.org/file/2019/04/Report_56_Final.pdf.
13 Gunaratna, R. Life and Death of Bahrun Naim: SE Asia’s Most Wanted Terrorist. October 3, 2018. Retrieved from https://www.benarnews.org/english/commentaries/asia-pacific-threat-update/bahrun-death-10032018124337.html.
14 Galih, B. Terduga Teroris di Bima-Kampung Melayu Belajar Bom dari Bahrun Naim. June 19, 2017. Retrieved from https://nasional.kompas.com/read/2017/06/19/11345891/terduga.teroris.di.bima-kampung.melayu.belajar.bom.dari.bahrun.naim.
15 Chan, F. Suspect arrested after ‘pressure-cooker’ blew up prematurely in Bandung. July 8, 2017. Retrieved from https://www.straitstimes.com/world/europe/suspect-arrested-after-pressure-cooker-blew-up-prematurely-in-bandung.
16 The Surabaya Bombings and the Future of ISIS in Indonesia. October 18, 2018. Retrieved from http://www.understandingconflict.org/en/conflict/read/75/The-Surabaya-Bombings-and-the-Future-of-ISIS-in-Indonesia.
17 Allard, T. Exclusive: Indonesian militants planned ‘dirty bomb’ attack – sources. August 25, 2017. Retrieved from https://www.reuters.com/article/us-indonesia-security/exclusive-indonesian-militants-planned-dirty-bomb-attack-sources-idUSKCN1B51FW.
18 IS supporters in Malaysia may build bombs with radioactive materials. January 2, 2018. Retrieved from https://www.todayonline.com/world/supporters-malaysia-may-build-bombs-radioactive-materials.