خلال هذا الأسبوع، رضخ الرئيس التونسي، قيس سعيد، لمتطلبات الواقع ومدد الفترة الانتقالية اللازمة لانتشال الدولة من المستنقع الذي وجدت نفسها فيه، بعد عقد من سوء الإدارة في ظل الحكومات التي يهيمن عليها حزب النهضة، الفرع المحلي لجماعة الإخوان المسلمين.
لقد تصرّف حزب النهضة خلال وجوده في السلطة، كما تفعل تنظيمات الإخوان دائمًا، السعي للسيطرة على مفاصل الدولة والمجتمع، الواحدة تلو الأخرى، وبذلك بالغ في تقدير قوته، ما أثار ردَّ فعل قويًّا في دولة لا يزال المكون العلماني يشغل مساحة كبيرة بين السكان. أفضى هذا الوضع إلى تحركات احتجاجية في وقتٍ سابق من هذا العام اعتبرت نفسها محاولة لاستعادة ثورة “الربيع العربي” الأصلية من الوضع الذي اختطفه الإسلامويون.
في خضم تفشي الفساد وتفاقم حالة الشلل السياسي- التي اشتدت بسبب جائحة فيروس كورونا، إضافة إلى وحشية رد الحكومة على المحتجين في الشوارع- اتخذ الرئيس سعيد قرارًا في 25 يوليو بإقالة رئيس الوزراء هشام المشيشي، وتجميد عمل البرلمان لفترة أولية مدتها ثلاثون يومًا. وفي 24 أغسطس، مدد سعيد تلك الفترة، ومن المقرر أن يخاطب الأمة لتوضيح التفاصيل في الأيام المقبلة.
على الرغم من الروايات التي نشرها الإخوان ومؤيدوهم الدوليون، الذين وصفوا قرارات سعيّد بأنها “انقلاب”، فإنها جاءت في إطار روح الدستور، وحظيت بدعمٍ شعبي واسع. وفي مقابلة حصرية مع موقع “عين أوروبية على التطرف” بعد وقت قصير من قرارات سعيّد، ألقى محمد ياسين الجلاسي، رئيس النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين، باللائمة في الأزمة بشكل مباشر على الإسلامويين، وأفاد بأن اجتماعاته مع سعيّد بشأن الحفاظ على التقدم الذي أحرز في مجال الحرية في تونس منذ سقوط الاستبداد التام في عام 2011، كانت صريحة ومثمرة.
هذا الأسبوع، قال عميد المحامين التونسيين، إبراهيم بودربالا، الذي أيّد القرارات التي اتخذها سعيد في يوليو كخطوة إيجابية للبلاد، إن “إطالة أمد الإجراءات كان متوقعًا لأن شهرًا واحدًا ليس كافيًا لوضع الأساس للتغيير”. وقد طلب الاتحاد العام التونسي للشغل، الذي يتمتع بنفوذٍ كبير، وغيره من جماعات المصالح الفئوية والمجتمع المدني، من الرئيس توضيح خريطة الطريق التي سيسير عليها قدمًا، ولكن أيًا من هذه الجهات الفاعلة لا يعارض ما فعله سعيد حتى الآن، لا سيما حملة مكافحة الفساد.
الدليل الأخير على أن سعيّد يتصرف بما يتوافق مع الرأي العام، وليس ضده، هو أن جهود الإسلامويين لإلغاء قراره عبر حشد الشارع والأنصار لهم باءت بالفشل: فعلى الرغم من قضاء عشر سنوات في السلطة في توزيع المحسوبيات، وممارسة الأنشطة الدعوية، واستخدام الدولة لتعزيز الاتجاه الإسلاموي في المجتمع، فشل زعيم النهضة راشد الغنوشي في حشد أي معارضة جادة. بل على العكس من ذلك، اضطر الغنوشي للاعتراف بأن هذه الجهود قد أخفقت وحاول عقد اتفاق مع سعيد للمشاركة في المرحلة المقبلة.
في الأسابيع القليلة الماضية، قدمت أفغانستان دليلًا قويًا على ما قد يحدث حالَ الاستعجال في التحولات السياسية: فالأمريكيون لم يخططوا بشكل صحيح لتسليم السلطة إلى الحكومة الأفغانية- حيث سحبوا القدرات الرئيسة التي كانت تحافظ على تلك الحكومة- ما فتح الطريق أمام الفوضى، واستيلاء الجهاديين على الدولة، الأمر الذي يهدد جيران أفغانستان بشكل مباشر ويُصدر مشكلات للعالم بأسره.
في الأسبوع الماضي فقط، استعادت تونس أكثر من 100 مهاجر محتمل بعدما انقلب قاربهم في البحر الأبيض المتوسط، الأمر الذي يُذكّر بأن الدولة تقف على مفترق طرق للسفر غير النظامي إلى أوروبا، وهي مشكلة قانونية وسياسية للاتحاد الأوروبي في حد ذاتها، وقد تؤدي بدورها إلى زيادة مخاطر الجريمة المنظمة والإرهاب.
وختامًا، لا شك أن ضمان وجود دولة تونسية فعّالة ومستقرة أمر حيوي للأمن على جانبي البحر الأبيض المتوسط، ومن ثم يجب إعطاء الرئيس سعيّد الوقت لوضع الأساس لذلك، بدلًا من فرض قراراتٍ متسرّعة بشأن جداول زمنية تعسفية.