د.إدريس لكريني*
تشير الكثير من الدراسات والأبحاث إلى أن التيارات الإسلامية المغربية اعتمدت في بدايات ظهورها، كما هو الأمر بالنسبة لمجمل التيارات المماثلة في المنطقة العربية، على مجموعةٍ من المرتكزات الفكرية التي نهلتها من الأدبيات التي راكمتها جماعة الإخوان، وبخاصة ما تعلق منها بالكتابات التي طرحها رواد هذه الجماعة كالشيخ حسن البنا، وسيد قطب، والشيخ محمد أحمد الراشد[1].. قبل أن تنفتح على التراث الفكري المغربي، خصوصًا وأن جامعة القرويين تخرج فيها عددٌ كبير من الفقهاء والمفكرين الذين أغنوا المكتبات بإسهاماتهم واجتهاداتهم الفكرية في مختلف الحقول المعرفية، وبخاصة منها الفكر الإسلامي..
أخذت هذه التيارات، كما هو الأمر بالنسبة لجماعة العدل والإحسان التي أسسها الشيخ عبد السلام ياسين عام 1973، وحركة التوحيد والإصلاح (1996) الجناح الدعوي لحزب العدالة والتنمية.. في تعزيز مرجعياتها ومحاولة تبيئتها مع الظروف السياسية، والاجتماعية والثقافية القائمة، مع الانفتاح على عدد من الفقهاء والمفكرين من المغرب، أو مفكرين وناشطين من الخارج.
مرّت الحركة الإسلامية بعددٍ من المنعطفات التي أثرَّت بشكلٍ حاسم في مساراتها، كما أسهمت المقتضيات الدستورية التي تمنع إحداث أحزاب سياسية على أساسٍ ديني أو عرقي، إضافة إلى المكانة التي يستأثر بها الملك في النسقين الدستوري والسياسي، في ضبط وعقلنة أداء هذه التيارات.
إن استحضار الأصول المرجعية للتيارات الإسلامية في المغرب، هو أمر مهم، لكونه يسمح بفهم تصوراتها واستيعاب مآلاتها، ومدى تأثرها بمحيطها، أو نقلها لتجارب وقوالب جاهزة ومحاولة تطبيقها في فضاءات اجتماعية مختلفة بشكل تعسّفي..
أولا: الأساس المرجعي للحركة الإسلامية في المغرب
يُرجع بعض الباحثين جذور التيارات الإسلامية في المغرب إلى رواد الحركة الوطنية، كما هو الشأن بالنسبة للزعيم علَّال الفاسي الذي كان منفتحًا في أفكاره.. واعتبر البعض الآخر ظهورها نتاجًا لرفض الحداثة والغرب بشكل عام.. فيما أكّد آخرون أنها جاءت كرد فعل على المد اليساري والقومي، وبعد قيام الثورة في إيران..
ظلّ الإسلام حاضرًا في الحياة السياسية للمغاربة، قبل وبعد الاستقلال، ليس من باب التنظيمات والجماعات الإسلامية، لكن بالتكوين الديني لرجالات الدولة؛ من مفكرين وسياسيين ومقاومين، حيث نجد في الرجل الواحد يجتمع الفقيه والمفكر والسياسي والمقاوم، والأمثلة على ذلك كثيرة، كعبد الله كنون، والعلامة المختار السوسي، وعلَّال الفاسي[2]..
لا تخفى التأثيرات التي ألحقتها الكتب التي ألّفها كلٌّ من حسن البنا، وأحمد الراشد، وفتحي يكن، وسيد قطب، والقرضاوي، وغيرهم.. في المرجعية الفكرية والتربوية للتيارات الإسلامية في المغرب، مع محاولة استحضار الخصوصية الاجتماعية والثقافية والسياسية والدستورية للفضاء الذي نشأت فيه.
فقد اعتمدت حركة الشبيبة الإسلامية في المغرب عند ظهورها، كما هو الشأن بالنسبة لمثيلاتها في مختلف مناطق العالم، على التراكمات الفكرية والاجتهادات الفقهية التي خلفتها جماعة الإخوان التي أسسها حسن البنا في مصر أواخر العشرينيات من القرن الماضي، على مستوى إرساء مرتكزاتها الفكرية، وكذا الاجتهادات التي راكمها أبو الأعلى المودودي عام 1941.. قبل أن تتخلص، تحت ضغط المتغيرات السياسية والاجتماعية، من جزء من هذه التركة، وبخاصة على مستوى تجاوز العمل السري، والأساليب العنيفة في تحقيق الأهداف.
يرى عددٌ من الباحثين أن التيارات الإسلامية في المغرب، استطاعت أن ترسم لها مسارات متعددة، ومختلفة عن عددٍ من الحركات الأجنبية رغم استفادتها منها، كما هو الشأن بالنسبة لحركة الإخوان، وتجارب الإسلام السياسي في تونس والسودان.. بفعل الإسهامات الفكرية التي طرحها عدد من الفقهاء، وقادة هذه الجماعات، والتي تبرز في جوانب عديدة منها ارتباطها بخصوصية المجتمع المغربي، وللضوابط الدستورية التي تؤطر الحياة السياسية بالبلاد.
ومع ذلك، يعتقد آخرون أن الإسلاميين في المغرب، وإن تمكنوا من تحقيق الاستقلالية على الصعيد الإيديولوجي والفكري والسياسي، وإنضاج تجربتهم السياسية، ما عكس تطورًا في علاقتهم مع الحكم، وتفعيلًا لمسلسل الإدماج رغم الصعوبات والعوائق التي تعتريه، إلا أن ذلك لا ينفي تأثرهم بالجانب الدعوي والتربوي المشرقي الذي لا يزال حاضرًا[3].
ثانيا: المواكبة الفكرية للمشاركة السياسية لحزب العدالة والتنمية
رغم بعض أوجه الشبه التي تشترك فيه التيارات الإسلامية المنتشرة في المنطقة العربية وغيرها، على مستوى المرجعيات والخطاب وطرق العمل، والمواقف المطروحة بصدد عدد من القضايا السياسية، فإن ثمة الكثير من عناصر الاختلاف التي تميزها، بالنظر إلى البيئة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية الحاضنة لها، وللإطار الدستوري والسياسي الذي يؤطر عملها.
ففي الوقت الذي ما زالت فيه حركاتٌ إسلامية تردد شعارات تقليدية من قبيل عودة نظام الخلافة، وأخرى (شعارات) مبنية على معاداة الديمقراطية، وما يتصل بها من حداثة وتداول سلمي على السلطة.. استطاعت تيارات أخرى أن تراكم اجتهاداتٍ منفتحة، أتاحت لها التموقع في المشهد السياسي بعدد من الدول.
يمكن تصنيف الحركات الإسلامية في المغرب، إلى حركاتٍ تمكنت من ولوج الحياة السياسية، بعد الحصول على الاعتراف، والمشاركة في الانتخابات، وولوج المهام التمثيلية؛ وطنيًّا ومحليًّا، كما هو الشأن بالنسبة لحزب العدالة والتنمية، من جهة أولى، وأخرى ما زالت تشتغل خارج الضوابط الدستورية وقواعد اللعبة السياسية، كما هو الأمر بالنسبة لجماعة العدل والإحسان، من جهة ثانية.
اعتبر بعض الباحثين أن الاجتهادات الفكرية والنظرية التي رافقت أداء حزب العدالة والتنمية وتدرجه من المعارضة إلى السلطة، تظلُّ غير كافية لمواكبة التحولات المجتمعية الراهنة والقضايا الحيوية المطروحة، فيما أكد البعض الآخر، بأن الورقة المذهبية للحزب يشوبها الغموض والعمومية، وذهب آخرون إلى أنه لم يتجاوز بعد الفصل الصارم بين الأداء السياسي من جهة، والنشاط الدعوي من جهة أخرى.
حرص حزب العدالة والتنمية ضمن مسار مشاركته في المشهد السياسي المغربي، على التصاعد المتدرج من تدبير الشأن المحلي إلى الحياة النيابية ثم إلى العمل الحكومي، مما انعكس على تطوير خطاباته وكفاءته في تدبير ومواكبة الشأن العام، وقد أتاح محك المشاركة في تدبير الشأن العام، فرصة لمراجعة الكثير من الأفكار، وتطوير المرجعيات.
*مدير مختبر الدراسات الدستورية وتحليل الأزمات والسياسات بجامعة القاضي عياض، المغرب
[1] يشير ذ.منير الركراكي عضو مجلس (إرشاد جماعة العدل والإحسان) أن “الإمام (يقصد الشيخ عبد السلام ياسين مرشد الجماعة) رحمه الله أشاد بأساليب دعاة مبدعين، أدباء بارعين من أمثال مصطفى صادق الرافعي، وسيد قطب، ومحمد أحمد الراشد، وعبد الله الطنطاوي، وصالح العشماوي، وأحمد شوقي..”. انظر نص الحوار الذي أجري معه (ذ.منير الركراكي) منشورًا بتاريخ 18 يناير، 2014 على الرابط الإلكتروني: https://shortest.link/2y-I
[2] محمد الخلوقي: تحديات التجربة الإسلامية في المغرب (دراسة نقدية)، مركز برق للأبحاث والدراسات، بتاريخ 02 فبراير 2017، على الرابط: https://shortest.link/2qiz
[3] رشيد مقتدر: تحولات التجربة الإسلامية المغربية، ضمن كتاب «ما بعد الإسلام السياسي»، مرحلة جديدة أم أوهام إيديولوجية؟ (مؤلف جماعي) تنسيق محمد سليمان أبو رمان، مؤسسة فريدريش إيبرت، ومركز الدراسات الاستراتيجية، الجامعة الأردنية، الأردن 2018، ص 116
لتحميل كامل الدراسة يرجى الضغط هنا