صادرت شرطةُ الأموال الإيطالية 14 طنًّا متريًّا من الأمفيتامينات في 1 يوليو. وقد أثار ذلك مرة أخرى قضية الجماعات الجهادية وتعاونها مع العصابات الإجرامية، لا سيما في مجال تجارة المخدرات، التي تناولناها كثيرًا في موقع “عين أوروبية على التطرف“.
العملية
ذكر بيان “جوارديا دي فينانزا” (شرطة الأموال) الذي صدر يوم الأربعاء الموافق الأول من يوليو، أن الضباط تعقَّبوا ثلاثَ حاويات قادمة إلى ميناء ساليرنو جنوب غرب إيطاليا، وعثروا على 84 مليون قرص قيمتها السوقية تقدر بمليار يورو.
وأوضح المحققون أن هذه أكبر كمية تصادر من المخدرات على مستوى العالم من حيث القيمة والحجم، وأن المخدرات كانت مخبأة بشكلٍ جيد، ولم تكتشفها الماسحات الضوئية في الميناء. من جانبه، أشاد رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي بـنجاح العملية التي قامت بها شرطة الأموال الإيطالية التي وجَّهت ضربة قوية للإرهاب الدولي، وأظهرت يقظة إيطاليا، وذلك بفضل العمل الدؤوب والواسع النطاق الذي قامت به أجهزة الاستخبارات.
من جانبه ذكر البريجيدير جابرييل فيلا، رئيس شرطة الأموال في نابولي، لشبكة “سي إن إن” إنه يعتقد أن عددًا من الجماعات الإجرامية ربما تجمعوا معًا لشراء الشحنة الضخمة؛ لأن المهربين لا يرسلون عادة هذا الكم الكبير من المخدرات في وقتٍ واحد، فهو أمر محفوف بالمخاطر للغاية، ولا يمكن لأي مجموعة واحدة أن تتعامل مع تلك الكمية من الحبوب المخدرة في وقت واحد. ويبدو أن تنظيم “داعش” كان من بين الجماعات المسؤولة عن ذلك، وفقًا لتقارير مفصلة من مجلة “دير شبيغل”.
الصلة بين الجريمة والإرهاب
أيًّا كانت تفاصيل هذه القضية، فإن دراسات الإرهاب والتطرف توضح أن الصلة بين الجريمة والإرهاب باتت حاسمة بشكلٍ متزايد، وهي أمر أساسي لفهم الديناميات المتغيرة باستمرار لتمويل الإرهاب، والخدمات اللوجيستية، وهيكلة الشبكات.
في هذا الصدد، يحذِّر رسلان تراد من أن المؤسسات الأوروبية تصدر بشكل دوري تقارير عن وجود اتصالات محتملة بين الجماعات الإرهابية، وجماعات المافيا الأوروبية، منذ فترة التسعينيات. وبعد عام 2004، عندما وقع تفجير مدريد، اتضح أنه حدث نتيجة تحالف من هذا النوع، بين المافيا والخلايا الإرهابية، حيث وجه ما يقرب من 50,000 يورو إلى منظمي الهجوم.
ومن جرَّاء هذه التحالفات، تساعد الجريمة المنظمة الجماعات الإرهابية في الوصول إلى الأسلحة وتوفير الخدمات اللوجيستية وفرص السفر. وبهذه الطريقة، تعتمد الجماعات الإرهابية على العصابات الإجرامية المحلية في أوروبا لكي تعمل بحرية في القارة. كما تم تزويد خلايا داعش المسؤولة عن الهجمات في باريس وبروكسل في 2015 و2016 بوثائق مزورة وأسلحة ولوجيستيات.
في هذه القضية، تحديدًا، يبدو أنه كان من المخطط إرسال الشحنة أولًا إلى كامورا -جماعة المافيا الرئيسة التي تتكون من عائلات كامبانيا- وشبكاتها، ثم إلى قنوات توزيع مختلفة في جميع أنحاء أوروبا.
الأقراص المخدرة التي جرَت مصادرتها تحمل اسم الكبتاجون، الذي غالبًا ما يستخدمه الجهاديون، وفي الأصل فإن الكبتاجون هو الاسم التجاري لمنتج طبي، لم يعد يُنتج الآن، ولكن المخدرات التي تحمل اسم الكبتاجون تضبط بشكل دوري في الشرق الأوسط، وفقًا لمركز الرصد الأوروبي للمخدرات والإدمان (EMCDDA).
ولا تزال حقيقةُ أن داعش يموِّل جزءًا كبيرًا من أنشطته، من خلال الاتجار بالمخدرات الاصطناعية المنتجة بشكلٍ رئيس في سوريا. والمخدرات مربحة إلى حد أن الاتجار بالمجوهرات والأسلحة يتضاءل بالمقارنة، لا سيما تجارة الكوكايين. ويقدّر الخبراء أن غسيل الأموال وتهريب المخدرات يحقق أرباحًا تزيد على نصف تريليون دولار في جميع أنحاء العالم.
استغلال نقاط الضعف
في ظلِّ تبنيها الملحوظ للسياسة الواقعية ومنطق الأعمال التجارية، تعتمد المنظمات الإرهابية دائمًا على المخدرات والجريمة لتمويل أنشطتها. الحركات الجهادية ليست استثناء؛ لأنها تعتمد بشكل منهجي على ما تراه نقاط ضعف “الكفار”، ومنها الفجور وعدم ضبط النفس، لضرب عصفورين بحجر واحد: توفير نظام تمويل مربح وزيادة إضعاف المجتمعات الغربية من الداخل.
الأدبيات التي تبحث الرؤية الجهادية لإدمان المخدرات في الإسلام نادرة جدًّا. على الورق، يلتزم الجهاديون بما جاء في القرآن للمسكرات. وقد ذكر القرآن أن الخمر محرَّم لأسباب ترفيهية، وأسماه “رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ” (الآية رقم 90 من سورة المائدة)، وجاء في (الآية رقم 219 من سورة البقرة) “وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا”.
ومن الواضحِ أن الاحتياجات الملموسة للمال والتمويل تسود في الممارسة العملية. وفيما يتعلق بالكبتاجون، توضِّح المصادرُ الإيطالية أنه يوزَّع في جميعِ أنحاء الشرق الأوسط، ويستخدمه المقاتلون -لأنه يمنع الخوف والألم- والمدنيون.
في عام 2017، أشار راجان بصرا وبيتر نيومان إلى أنه حتى مجلة “رومية”؛ إحدى المجلات الرئيسة لداعش، قد أشادت بالمجرمين الذين تحولوا إلى جهاديين، وشجَّعت استخدام الجريمة من أجل الجهاد. ويصف النعي الخاص بمكرم أبروقي، الملقب بأبو مجاهد الفرنسي، المنشور في العدد 11، كيف تحوَّل من “رجل العصابات الشرس” إلى مسلم حقيقي. المثير للاهتمام في هذ الصدد هو أن داعش يعترف أيضًا باستخدام الشبكات الإجرامية، ويذكر التأبين صراحة أن أبروقي أمَّن جوازات سفر مزوَّرة للجهاديين المحتملين الذين مُنعوا من السفر، ويشير إلى أنه هو نفسه استخدم جوازَ سفر مزورًا للسفر إلى سوريا.
التداعيات
في ظلِّ التنامي السريع للتهديدات الإرهابية في جميع أنحاء العالم، بدأ صنَّاعُ السياسات والباحثون والخبراء يستكشفون بشكلٍ متزايد أبعاد العلاقة بين الجريمة والإرهاب. ومع ذلك، فإن هذا الجهد لا يزال في مراحله المبكرة، ويتطلب بلا شك المزيدَ من العمل. علاوةً على ذلك، فإنهم يفعلون ذلك بشكلٍ حصري تقريبًا من منظور الإرهاب: كيف تدعم الجريمة المنظمة الإرهابَ. وقليلون هم الذين يستكشفون الجانب الآخر من العلاقة، التي لا تزال غير معروفة إلى حد كبير.
وختامًا، سيستمر الجهاديون في استغلال الانحطاط الأخلاقي المزعوم الذي يدّعون محاربته، ومن ثم يتعين على الحكومات مواصلة تقييم التطورات المتعددة بين الجريمة والإرهاب.