فيديا أريانتي*
في فبراير 2020، أدَّى رفض الحكومة الإندونيسية إعادة 689 إندونيسيًّا إلى وطنهم -باستثناء أيتامٍ مختارين تقلّ أعمارهم عن 10 سنوات- الذين انضموا إلى تنظيم “داعش” في العراق وسوريا، إلى إعادةِ القضية الساخنة؛ قضيةِ العائدين من داعش إلى جنوب شرق آسيا، إلى دائرة الأضواء. وتعلَّلَتِ الحكومة بأسبابٍ أمنية في اتخاذ هذا القرار، مشددةً على الحاجة إلى احتواء انتشار “فيروس التطرف” بين الإندونيسيين.
من الجوانبِ غير المعروفة لهذه الظاهرة مدى تلقي أعضاء داعش للدعم والتمويل من إندونيسيا. ففي الوقتِ نفسه تقريبًا الذي أعلنت فيه الحكومة هذا القرار، نظَّمتِ العديدُ من الجمعيات الخيرية غير الرسمية الموالية لتنظيم داعش في إندونيسيا حملاتٍ لجمع التبرعات لمساعدة النساء والأطفال الإندونيسيين المحتجزين في مخيمي “الهول” و”روج” للاجئين في سوريا الذي تديره قوات سوريا الديمقراطية الكردية.
ويعاني هؤلاء الإندونيسيون؛ شأنهم شأن غيرهم من سكان المخيم، نقصَ الغذاء، فضلًا عن المرافق الأساسية للصرف الصحي والرعاية الصحية. لكن الأمر الأكثر إثارة للقلق هو أن الجماعات الموالية لداعش تحشد بالفعل الموارد للمساعدة في إعادة مواطنيهم المنتسبين للتنظيم إلى ديارهم. ومن ثم، فإن العودة غير المقيدة المحتملة للمواطنين الإندونيسيين من سوريا -التي يسعى المجتمع المحلي المؤيد للجهاديين في تسهيلها- تثير احتمال وجود تهديدٍ إرهابي جديد لإندونيسيا.
تمويل ذو اتجاهين
في الفترةِ بين عامي 2014-2018، كان تدفق الأموال يأتي في الغالب من مقاتلي داعش الإندونيسيين في سوريا -الذين كان لدى العديد منهم إمكانية الوصول إلى الاحتياطيات المركزية لداعش- وإرسالها إلى إندونيسيا. وكان المستفيدون من هذه الأموال هم جماعات مثل “مجاهدي إندونيسيا تيمور”، أو “جماعة أنصار الدولة”، أو خلايا مرتبطة ارتباطًا وثيقاً بمقاتلين من تنظيم داعش الإندونيسيين في سوريا. وقد استُخدمت الأموال في الغالب في عمليات هذه الجماعات في إندونيسيا والفلبين (اللوجيستيات، وشراء الأسلحة، وحشد المقاتلين، والتحضير للهجمات) وللرعاية الجزئية أو الكاملة لسفر أقارب مقاتلي داعش أو غيرهم من أعضاء التنظيم إلى سوريا.
ومع ذلك، كانت هناك مؤشرات على أن هذا الاتجاه قد ينعكس. أصبح هناك عددٌ متنامٍ من أتباع داعش الإندونيسيين يجدون أنفسهم محاصرين في المخيمات أو وسط مجموعات فاشلة في سوريا، وباتوا يفتقرون إلى الموارد التي كانت لديهم في السابق. وبدلًا من أن يتمكنوا من إعادة الأموال إلى ديارهم، فإنهم يعتمدون الآن على التمويل القادم إليهم من إندونيسيا للبقاء على قيد الحياة. ويتبرع أنصار داعش في إندونيسيا للنساء الإندونيسيات في سوريا (أغلبهن زوجات مقاتلي داعش) لمساعدتهن على إعالة أطفالهن، حيث أن أزواجهن إما قُتلوا أو سُجنوا. ومن المرجح أن يزداد هذا التدفق النقدي العكسي بعد إعلان الحكومة العام رفض إعادة الإندونيسيين المقاتلين إلى الوطن.
مهمة التهريب الصعبة
رغم ما سبق ذكره، فإن إخراج أنصار داعش من سوريا أمرٌ صعب للغاية. الخطوة الأولى لإعادة هؤلاء المواطنين -خاصة النساء والأطفال- هي تهريبهم من مخيمي الهول وروج، وهو ما قد يكلِّف ما بين 2000 و8000 دولار للشخص الواحد. في عام 2019، حاولت ست نساء بلجيكيات على الأقل، وعشرات الأجانب الآخرين، الفرارَ من مخيم الهول بمساعدة المهربين أو نجحوا في ذلك بالفعل. وفي العام نفسه، زعمت مجموعة من أنصار تنظيم القاعدة مقرها في محافظة إدلب الشمالية الغربية أنها أنقذت أربع نساء من المخيم نفسه. وأفادت تقارير أنه توجد مرافق لتحويل الأموال في الجزء الرئيس من المخيم الذي تقيم فيه النساء السوريات والعراقيات. لذا، يمكن للإندونيسيين الذين يعيشون في قسم الأجانب في المخيم، أن يتلقوا أموالًا أجنبية من أي شخص يعيش في الجزء الرئيس من المخيم أو إعطاء الأموال لمهرب لمساعدتهم على الفرار.
بالنسبة لأولئك الذين تمكنوا من الفرار من المخيم، من المرجَّح أن يتم إرسالهم إلى إدلب؛ وهي محافظة تخضع لسيطرة “هيئة تحرير الشام” التابعة لتنظيم القاعدة. وتعتبر هذه المحافظة ملاذًا آمنًا للجهاديين، وترتبط بمعبر باب الهوى الحدودي مع تركيا ما يسهل تهريب الناس إلى خارج سوريا. ومن ثم، يُعتبر دخول تركيا خطوة حاسمة في رحلة العودة إلى الوطن بالنسبة للعديد من مؤيدي داعش الأجانب.
يوجد حاليًا أكثر من 20 امرأة وطفلًا إندونيسيًا في إدلب. ويُعتقد أنهم تمكنوا من الفرار من مخيم عين عيسى الذي تديره قوات سوريا الديمقراطية في شمال سوريا، في أعقاب الغزو التركي في أكتوبر2019. وتقدِّم الجماعات الخيرية الإندونيسية -سواء من التيار الإسلامي الرئيس أو العديد من المنظمات غير الرسمية المؤيدة لهيئة تحرير الشام- المساعدات للاجئين السوريين في إدلب. وهذا يوفر صلةً محتملة بين الإندونيسيين المؤيدين لهيئة تحرير الشام ومواطنيهم المحاصرين هناك.
هذه التمويلات تطرح عددًا من المشكلات المحتملة. أولًا، قد تجد إندونيسيا، من خلال التمويل المستقل من جانب المتعاطفين معها، أن مقاتليها وأسرهم يعودون إلى ديارهم دون رادع. وهذا يخلق تهديدًا محتملًا ما لم تتم مراقبته.
التعاون بين داعش والقاعدة
هناك عواقب محتملة أخرى، فمن التطورات المثيرة للاهتمام تزايد انحياز الجماعات الموالية لداعش والموالية للقاعد في كل من إندونيسيا وسوريا. وفي حين كان التنظيمان على خلافٍ لفترة طويلة، وكانا منخرطين في صراع مرير حول شرعية “خلافة” داعش، هناك أدلة حاليًا على تعاون متقطع، يتم معظمه سرًّا. على سبيلِ المثال، قد لا يكون مؤيدو هيئة تحرير الشام في إندونيسيا على علم بأن جزءًا من تبرعاتهم قد تم صرفه لنساء وأطفال إندونيسيين تابعين لداعش في إدلب. في شهر فبراير، تعاونت منظمة “ريلوان ميديا”، وهي مؤسسة خيرية موالية لداعش أنشئت حديثًا، مع جمعية “الرعاية الإنسانية العالمية” الإندونيسية المؤيدة لهيئة تحرير الشام في سوريا، وصرفت مبالغ نقدية للعديد من النساء الإندونيسيات في مخيمات قوات سوريا الديمقراطية.
قد تكون هذه العلاقة برجماتية إلى حدٍّ كبير؛ استنادًا إلى حقيقة أن العناصر الإندونيسية الموالية لهيئة تحرير الشام (من المقاتلين والعاملين في المجال الإنساني) في إدلب في وضعٍ أفضل لتسليم التبرعات إلى الإندونيسيين المحتجزين في مخيمات قوات سوريا الديمقراطية من خلال شبكات التهريب.
وقد تكون هذه العلاقة أيضًا بداية لانصهارٍ استراتيجي تشهد فيه إندونيسيا قيام كلا المجموعتين -المؤيدة لتنظيم القاعدة والمؤيدة لداعش- بجمع أموالهما معا لمساعدة النساء والأطفال الإندونيسيين في سوريا. وقد يمتد هذا الأمر إلى المقاتلين أيضًا في يومٍ من الأيام. وهذا أمرٌ مقلق بشكل خاص لأنه سيشكِّل سابقة للتنظيمين -اللذين كانا على خلاف مع بعضهما البعض- يتعاونان في المستقبل. وبالنظر إلى أن حجم الشبكات المؤيدة للقاعدة في إندونيسيا، مثل الجماعة الإسلامية، أكبر بكثير من تلك المؤيدة لداعش، فقد مُنحت الجماعات الموالية لداعش (الأكثر عنفًا في كثيرٍ من الأحيان) إمكانية الوصول إلى الموارد التي يمكن أن تعزِّز وجودها وتزيد تهديدها الإرهابي في الدولة.
الخلاصة
على غرارِ الدول الأخرى التي تتعامل مع قضايا سياسية مماثلة فيما يتعلق بمقاتليها الإرهابيين الأجانب وأسرهم في سوريا، كان ينبغي على الحكومة الإندونيسية تقييم خياراتها قبل اتخاذ قرارها بعدم السماح بإعادتهم إلى الوطن. لكن القرار في النهاية يعني أيضًا أن الحكومة قد أضاعت فرصة لإعادة تأهيل أولئك الذين استفاقوا من وهم داعش، والاستفادة منهم كأصواتٍ داخلية موثوقة يمكن أن تساهم في نبذِ التنظيم في إطار برنامج مكافحة التطرف العنيف. ومن خلال رفضهم علنًا بهذه الطريقة، قد تخلق الحكومة تهديداً محتملاً كان من الممكن إدارته بشكل أفضل.
* فيديا أريانتي؛ هي باحثة مشاركة في المركز الدولي لأبحاث العنف السياسي والإرهاب (ICPVTR)، التابع لكلية راجاراتنام للدراسات الدولية (RSIS) بجامعة نانيانغ التكنولوجية، في سنغافورة.