محمد سنان سياش*
مع بدءِ التصريح طبيًّا بلقاحات كوفيد-19، وتوزيعها في نهاية عام 2020، امتلأتِ القنوات الإعلامية بصور لبعض القادة في العالم؛ مثل رئيس الوزراء السنغافوري لي هسين لونج والرئيس الأمريكي جو بايدن، من بين آخرين، إما خلال تلقيهم للقاح، أو الإعلان عن نيتهم القيام بذلك، في محاولةٍ لتبديد أي عدم ثقة عامة تجاه اللقاحات.
ومن المرجح أن يتلقى ملايين الأشخاص اللقاح في عام 2021، على أمل القضاء على خطر كوفيد-19. ومع ذلك، سارع المتشددون المناهضون للقاحات ، فضلاً عن شريحة كبيرة من السكان الذين لا يثقون فيها، إلى الإعلان عن معارضتهم لحملة التطعيم الحالية. اللافت أن المناهضين للتطعيم يشكِّلون نسبةً كبيرة تصل إلى 20% من سكان العالم (تم احتسابها باستخدام طرق أخذ العينات العشوائية) حيث يوجد في دول مثل فرنسا وأوكرانيا نسبة مرتفعة تصل إلى 55٪ من سكانها تعارض التطعيم. في ضوء هذا، فمن المثير للاهتمام بحثُ ما إذا كانت الجماعات الإرهابية تعارض التطعيم، وما هي التداعيات الأخرى المترتبة على موقفهم هذا.
سوابق تاريخية لمعارضة التطعيمات
يبدو أن الأمر ليس بجديد، فالسوابق التاريخية تشير إلى مواقف عارضت فيها دول وجماعات حملات التطعيم المختلفة. فمثلًا هناك معارضة لحملات التطعيم ضد شلل الأطفال في نيجيريا وباكستان وأفغانستان، وهي السبب في أن هذه الدول الثلاث الوحيدة في العالم التي لا تزال تشهد تفشي شلل الأطفال. ومن المثيرِ للاهتمام أن هذه الدول لديها أيضًا وجود كبير للجماعات الإرهابية، مع سيطرة تنظيم “بوكو حرام” على نيجيريا، وحركة طالبان وداعش على أجزاء كثيرة من أفغانستان، والمناطق الحدودية في باكستان.
تُعزى معارضة لقاحات شلل الأطفال في هذه الدول إلى ثلاثة أسبابٍ رئيسة: أولًا، خوفٌ (في غير محله) من أن تحتوي اللقاحات على الجيلاتين المشتق من الخنازير، الذي لا يتناوله المسلمون. ثانيًا، الخرافة القائلة بأن لقاحات شلل الأطفال تسبب العقم (الدول الثلاث جميعها) وإصابات العظام (نيجيريا فقط)، وبالتالي، يعتبرونها استراتيجية غربية لاستهداف المسلمين. ويرجع جزءٌ من هذا الخوف إلى أن موزعي اللقاحات ارتدوا السترات نفسها التي يرتديها موظفو تنظيم الأسرة. ثالثًا، فكرة أن العاملين في مجال التطعيم ضد شلل الأطفال مع وصولهم إلى مختلف القرى النائية يمكن أن يكونوا جواسيس مؤثرين للدول الغربية التي تحاول القضاء على الجماعات الإرهابية. واكتسبت هذه النقطة الأخيرة مصداقية نظرًا لحملة التطعيم الزائفة ضد الالتهاب الفيروسي الكبدي التي أطلقتها وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية كجزء من مطاردة أسامة بن لادن في عام 2011.
كانتِ المعارضة كبيرة لدرجة أن العاملين الصحيين تعرضوا للمضايقة والقتل في الدول الثلاث جميعها. وعلاوة على ذلك، يستمر شلل الأطفال في الانتشار في هذه الدول. وبالنظر إلى هذه الخبرة، فإن المتوقع أن يفاقم ذلك التحديات المتعلقة بقبول لقاح كوفيد-19. ومع قدرة كوفيد 19 على الانتشار السريع، فمن المرجَّح أن ينتهي المطاف بالأماكن التي لا تسمح فيها الجماعات الإرهابية بالتطعيمات إلى نشر المرض في جميع أنحاء المنطقة (وحتى أجزاء أخرى) بسبب طبيعة كوفيد-19 الأكثر قابلية للانتشار.
التغلب على التحديات
يبدو أن خطر كوفيد 19 سوف يجعل الاستجابةَ مختلفة، فلقد أخذ أغلبُ الجماعات الإرهابية تقريبًا كوفيد-19 على محمل الجد، حيث حذر تنظيم داعش مقاتليه من السفر إلى أوروبا، بينما نشر أيضًا توجيهات حول كيفية التعامل مع المرض في منافذه الدعائية. وحتى أعضاء حركة طالبان، الذين كانوا من المناهضين لشلل الأطفال، شوهدوا يوزعون المواد المطهرة ويعملون على الحفاظ على المسافة الاجتماعية في المناطق التي يسيطرون عليها.
الموقف الجاد من التعامل مع انتشار المرض قد يدفع إلى توقع موافقة الجماعات على إعطاء اللقاحات في المناطق التي تسيطر عليها. ذلك أن رفض القيام بذلك سيجعلها أضعف من الناحية التكتيكية بسبب إصابة أفرادها بالفيروس، وتمرد السكان الخاضعين لسيطرتهم عليهم بسبب سوء الأحوال الطبية. لكن على أرض الواقع تبدو الصورة مختلفة، فقد رفضت فروع تنظيم داعش في نيجيريا (بوكو حرام) وأفغانستان (تنظيم الدولة الإسلامية خراسان) إدارة حملات التطعيم أو تسهيلها.
ومن ثم فإن المجتمع الدولي يواجه في هذه الحالة تحديًا حقيقيًّا، وقد يكون من أبرز الحلول إشراكُ رجال الدين في شرح ضرورة التطعيم، وأنه خال من أي مكوناتٍ من الخنازير، كما حدث في حالة أفغانستان. ومن الأهمية بمكان إيجاد السلطة الدينية المحلية المناسبة للقيام بذلك. وللقضاء على المخاوف المحيطة بالعقم والآثار الجانبية الأخرى، سيكون من المفيد رؤية القادة المحليين والوطنيين وهم يأخذون اللقاح.
وختامًا، فمن المرجح أن تواجه عمليات التطعيم معارضة من الجماعات الإرهابية في الأراضي التي تسيطر عليها، ومن ناحيةٍ أخرى، هناك مخاوف من إمكانية استهداف مراكز تخزين التطعيم. هذه مخاوف جديّة، وينبغي توفير الحماية الكافية لمراكز اللقاحات.
* يعمل محللًا أول في المركز الدولي لأبحاث العنف السياسي والإرهاب، التابع لكلية إس. راجاراتنام للدراسات الدولية في جامعة نانيانج التكنولوجية في سنغافورة.