ثمة اتجاه مثير للقلق بدأ يظهر في الهند حاليًا يتعلق بقضية عقد “مزاد” لبيع النساء المسلمات على الإنترنت. ورغم أنه مزاد وهميٌّ، حيث لا يوجد أحد يشتري أو يبيع، فما يتم في الواقع هو تحميل صور لنساء مسلمات مأخوذة من حساباتهن على وسائل التواصل الاجتماعي، فإن الفعل نفسه تفوح منه رائحة كراهية النساء، والكراهية للمسلمين، وتدني احترام الذات.
ظهرت هذه القضية لأول مرة في يونيو من العام الماضي. ظهر تطبيق يحمل اسم “سولي ديلز” أي صفقات سولي استضافته شركة (GitHub) المملوكة لشركة مايكروسوفت، مع ملفات لنساء مسلمات في مزادٍ مزيف. وظلَّ الأمر كذلك لمدة شهرين إلى أن بدأت الشكاوى تتدفق، ومن ثم تم وقفه. ولكن لم توجه تهمة إلى أي شخص أو يعاقب. ويعتقد أن هذا قد شجع أولئك الذين يقفون وراء هذا العمل لإنشاء تطبيق مماثل -يحمل اسم “Bulli Bai”- للمرة الثانية. بيد أن الشرطة في مومباي بعد تلقي بلاغات، تصرفت بسرعة هذه المرة، وألقي القبض على ثلاثة أشخاص من ثلاثة مواقع جغرافية مختلفة، يُشار إلى أن البلاغات السابقة كانت قدمت في نيودلهي، ولم تستجب الشرطة لها. الثلاثة؛ رجلان وامرأة هم طلاب في أوائل العشرينات من العمر. والمتهم الرئيس طالب في تكنولوجيا المعلومات يبلغ من العمر 20 عامًا. وذكرت التقارير أن شرطة دلهي قالت إنه كان متورطًا في كلا التطبيقين.
تسلط قضية “تطبيقات المزادات” الضوء على قضايا عدة. أولًا، الكراهية المطلقة. ولا تزال القضية قيد التحقيق، وبالتالي لا يُعرف ما إذا كان هناك أي حافز مالي للجناة الثلاثة المزعومين. لكن حقيقة أن جميع الصور التي حمِّلت على الإنترنت كانت لمسلمات، بعضهن بارزات، يشير إلى بعد طائفي واضح.
الهند آخذة في أن تصبح مجتمعًا مستقطبًا، ويحدث هذا الاستقطاب على مختلف المستويات. هناك استقطاب بين قطاعات الهندوس، طائفة الأغلبية، وشرائح من المسلمين، أكبر أقلية. وهناك أيضًا استقطاب، وربما أكثر ضراوة، بين أولئك الذين ينتمون إلى ما يسمى بالجناح السياسي “الليبرالي”، الذي غالبًا ما يمثل “اليسار الليبرالي”، وأولئك الذين ليس فقط يمثلون “اليمين”، ولكن حتى يمين الوسط الأكثر اعتدالًا. يتم اتخاذ مواقف افتراضية والانقسام واضح في كل من وسائل الإعلام والمجتمع المدني، اللذين غالبًا ما يشكلان الخطاب ويصيغانه.
يؤدي هذا إلى تسييس المجتمع الهندي. وعادة ما يكون أولئك الذين ينتمون إلى الجانب الليبرالي واليساري من مؤيدي و/أو أعضاء أحزاب المعارضة، وفي مقدمتها المؤتمر الوطني الهندي، الذي سيطر على السياسة الهندية لما يقرب من سبعة عقود بعد الاستقلال في عام 1947، ولكنه يقتصر الآن على بضعة جيوب فقط من الهند، وبعض الأحزاب الإقليمية، وأحزاب اليسار التي تكاد تكون منفية، ولكنها عالية الصوت. ويؤيد اليمين ويمين الوسط في الغالب حزب بهاراتيا جاناتا القومي الهندوسي الحاكم. وهذا يؤدي إلى تسييس حتى القضايا البسيطة، التي غالبًا ما تبتلع في الخطاب الأكبر، اليمين مقابل اليسار الليبرالي.
القضية الثانية، المتعلقة بالأولى، هي أن الكراهية تتخذ وجهًا أكثر ضراوة وشبابًا بشكل متزايد. التوترات بين الهندوس والمسلمين موجودة منذ قرون في الهند. ومع ذلك، كان هناك أيضًا تفاعل بين المجتمعات المحلية، وود بالقدر ذاته. ولكن يبدو أن جيل الشباب يفتقر إلى هذا التفاعل، والكراهية القبيحة والشرسة تطل برأسها. وقد يكون جزء من السبب هو الإرهاب الإسلاموي والاضطرابات التي يسببها، التي أثرت بشكل كبير على الهند في العقدين الماضيين، عندما نشأ جيل المتهمين بهذا “المزاد”. ومع ذلك، فهناك عامل آخر هو أن جميع المتهمين ينحدرون من بلدات صغيرة، حيث تميل المجتمعات المحلية إلى أن تكون أكثر فصلًا، ما يؤدي إلى نقص المعلومات ونقص التفاعل مع الآخرين، ما يقود إلى تعزيز ثقافة “نحن مقابل الآخر” على المجتمعات المحلية وشيطنتها. ويشجع السياسيون ذلك في بعض الأحيان، ثم يميلون إلى الاستفادة من الانقسامات الطائفية، لكسب الدعم السياسي من مجتمعاتهم المحلية.
العامل الثالث؛ هو نوع الجنس وجسد المرأة، بوصفها مؤشرًا على الإقليم الثقافي والملكية. لقد كانت الصور التي تم تحميلها في المزاد للنساء، وليس الرجال. ومن المتوقع أيضًا أن يكون المشترون من الرجال. هذا العمل يستهدف إذلال ليس فقط النساء، اللواتي تم تحميل صورهن، ولكن المجتمع المسلم على نطاقٍ أوسع. فالطريقة الأكثر إذلالًا لضرب المجتمع المحلي هي إذلال نسائه. وكون أن امرأة متورطة فيما حدث يدل على أن الهويات الطائفية تتجاوز نوع الجنس.
الحاجة إلى الإذلال تنبع، من بين أمورٍ أخرى، من الحاجة إلى الانتقام مما يوصف على نطاق واسع بأنه “جهاد الحب”. في حين أن النسبة المئوية للزواج بين الأديان المختلفة في الهند لا تزال صغيرة نسبيًا، فإنه عادة ما يحدث بين نساء هندوسيات مع رجالٍ من طوائف أخرى، في المقام الأول من المسلمين، ثاني أكبر طائفة دينية في الهند، وليس العكس، على الرغم من أن هناك حالات من هذا الأخير، بطبيعة الحال.
وفي حين أن القانون الهندي ينص أيضًا على زواج الأشخاص من مختلف الطوائف الدينية بموجب القانون المدني، دون أن يعتنق أي منهم دين الآخر، فإن الاتجاه السائد في الزيجات بين الهندوس والمسلمين هو أن يعتنق الهندوس الإسلام ويتزوجوا بموجب الشريعة الإسلامية. وقد أطلق على هذا الاتجاه اسم “جهاد الحب”، حيث يزعم أن الرجال المسلمين يغوون نساء من طوائف أخرى لاعتناق الإسلام، من أجل نشر الإسلام. ومن المثير للاهتمام، أن مصطلح “جهاد الحب” صاغته كنيسة مسيحية في جنوب الهند، حيث زعم رجال دين محليون أن رجالًا مسلمين يتزوجون مسيحيات من أجل تحويلهن للإسلام.
ادّعى بعض النشطاء أن هناك مواقع مماثلة تتعرض فيها النساء الهندوسيات للاستهداف والإهانة ويُعرضن للبيع في مزادٍ علني، ولكن تلك الحالات لم تحظ بأي اهتمام. ومع ذلك، فلم تتقدم أي امرأة لتقديم أي شكوى ذات صلة.
يرتبط هذا أيضًا بالإشباع الجنسي. ففي المدن والقرى الصغيرة، لا يمكن دائمًا للشبان والشابات الدخول في علاقات جنسية بشكلٍ مريح. ومن ناحيةٍ أخرى، فإن الاستخدام الواسع النطاق للهواتف النقالة جعل المواد الإباحية أيسر بكثير للهنود من جميع الفئات العمرية والأماكن الجغرافية. ومن ثم، فإن فعل تصفح ملفات تعريف النساء، واختيار الصور الفوتوغرافية وتحميلها، يشير بقوة إلى شهوانية واضحة.
يتعين أيضًا أخذ دور الإنترنت في الاعتبار. فلقد جلبت شبكة الإنترنت الأحداث التي تجري بعيدًا إلى المنزل، وربطت الناس بغض النظر عن موقعهم الجغرافي. ويقع المتهمون الثلاثة الذين اعتقلوا في آخر قضية من قضايا “المزاد” في ثلاثة مواقع مختلفة، بعيدًا عن بعضهم البعض.
كما جلبت شبكة الإنترنت إلى المنازل الهندية أنباء عن مزادٍ علني واسع النطاق للنساء والفتيات اللواتي يؤخذن كعبيد في الأراضي التي يسيطر عليها تنظيم داعش، وهي ظاهرة أثَّرت بشكل كبير على الهنود، خاصة الشباب الهندي. وقد تابع العديد من الهنود من جميع الطوائف، لا سيما الشباب، أخبار أنشطة داعش عن كثب. وفي حين أن البعض قد أشاد بهم، استخدم آخرون داعش للدعاية ونشر الكراهية ضد المجتمع الإسلامي، والتهجم عليه. وقد أدّى ذلك إلى زيادة التنمر والجرائم السيبرانية، وخلق قضية صعبة للهند، حيث إنه من الضروري الحفاظ على التوازن بين مكافحة الجرائم السيبرانية عبر الإنترنت، وضمان أمن الأفراد على الإنترنت.
وأخيرًا، فلا شك أن فشل السلطات في مقاضاة أي شخص وإدانته في المرة الأولى التي انتشر فيها خبر مزاد مزيف على الإنترنت لنساء مسلمات مسؤول مباشرة عن تكرار الجريمة ذاتها مرة أخرى، وتورط الأشخاص أنفسهم. لكن الشرطة في حالة أفضل هذه المرة: لقد كانت استباقية، والتحقيق مستمر، والاعتقالات تمت. ومع ذلك، ينبغي تسريع الإجراءات واستكمال تحقيق شامل، دون خوف أو محاباة، وينبغي الكشف عن جميع الجناة والحقائق: من يقف وراء ذلك، وما هو الدافع، والهدف، وما إلى ذلك. فمجرد الإشهار والفضح لن يخدم أي غرض. ينبغي أن يُطبق ذلك على أي استعرض علني للكراهية، كما حدث مؤخرًا، من جانب طائفة على أخرى.
في هذه القضة تحديدًا، ينبغي للجنة الوطنية للمرأة، التي يتمثل هدفها الرئيس في دعم حقوق المرأة وأمنها، أن تنتبه إلى ذلك.
من التداعيات المأساوية لحالة الاستقطاب بين الليبراليين والمحافظين، التي ذكرت سابقًا، أن الليبراليين يميلون إلى تبرير أي اتجاه سلبي بين المجتمعات الهندية غير الهندوسية، والمبالغة حتى في أصغر مظالمهم، مع غضِّ الطرف عن أي ظلم، متصوّر أو حقيقي، يعبر عنه أي هندوسي. وكنتيجة طبيعية لذلك، يميل المحافظون إلى معارضة أي قضية يهتم بها الليبراليون. ونتيجة لهذا عادة ما يقلل الآخرون أو يتجاهلون حتى القضايا الحقيقية التي يتناولها الليبراليون، التي تشمل الأغلبية الصامتة الكبيرة، التي ليست ليبرالية ولا محافظة. وهذه واحدة من تلك الحالات، التي لم تحظ بالاهتمام الكافي في المجتمع.
علاوة على ذلك، يتعين بناء روايات بديلة، وتشجيع المزيد من التفاعلات بين المجتمعات المحلية. التواصل هو مفتاح التعايش السلمي، ويجب على المجتمعات أن تجلس معًا وتحل خلافاتها، وأن تناقش حتى المواضيع غير المريحة. لا يوجد سوى القليل جدًا من الحوار البناء بين المجتمعات المحلية في المجتمع الهندي. فجميع التفاعلات إما هي من قبيل الاسترضاء أو تندرج تحت ثقافة نحن مقابل هم.
كما يلزم إجراء دراسة جيدة عن الخلفية النفسية-الاجتماعية للمتهم في قضايا “المزاد”. ومن المهم أن نعرف ونفهم ما الذي يحفّز هؤلاء الشباب، من خلفياتٍ مريحة إلى حد معقول، على الانخراط في مثل هذه الأنشطة البغيضة. هؤلاء الأشخاص يلحقون ضررًا بالمجتمع. ويمكن أن تساعد هذه البحوث في تقويم المتهم، ومنع الآخرين من الانخراط في مثل هذه الجرائم.
وحتى ذلك الحين، من المهم جدًا أن يأخذ القانون مجراه وأن تكون سلطات إنفاذ القانون استباقية قبل أن تخرج الأمور عن السيطرة. إن نظام العدالة في الهند بطيء ومتراخ، وهذا أمر خطير لأنه يمكن أن يحفز الناس على أن يأخذوا الأمور بأيديهم. ومع ذلك، فلا ينبغي لأحد أن يكون قادرًا على الإفلات من ترويج الكراهية، لأي سبب من الأسباب. فالهند أكبر بكثير.