محمد سنان سييش*
مقدمة
مع التحوُّل الذي شهده وباء كوفيد-19 ليصبح ظاهرةً عالمية، بعد أن أصاب أكثر من مليون شخص، وتسبَّب في وفاة أكثر من 70,000 شخص في جميع أنحاء العالم، ناهيك عن التأثيرات المختلفة على الاقتصادات الوطنية، وأسواق العمل، وسلاسل الإمداد، والمناخ، وفي ضوءِ هذا، انتهزتِ الجماعات اليمينية المتطرفة والجهاديون الفرصةَ لنشر أفكارهم بشكل أكبر.
وفي حين دفعتِ الجماعاتُ القومية الغربية باتجاه فكرة نقاء العرق وضلال اليهود، الذين تتهمهم زورًا بإطلاق الوباء، فإن جماعات اليمين المتطرف الهندية قد تحولت نحو ضحيتها المفضلة؛ أي المسلمين.
تفنيد الروايات
هناك ثلاثُ روايات شائعة تحكم توجهات اليمين المتطرف الهندي. أولًا، غالبًا ما تركِّز هذه الروايات على الفعاليات التي يقوم بها المسلمون مثل الصلاة الأسبوعية التي تقام يوم الجمعة، وكذلك التجمعات التي تنظمها جماعة التبليغ، وهي مؤسسة متنقلة غالباً ما ترسل المسلمين في جميع أنحاء العالم للدعوة للدين الإسلامي. صحيح أن التجمعات التي تنظمها جماعة التبليغ تسببت في مشكلات لمختلف السلطات، في الهند وماليزيا وإندونيسيا وباكستان، من بين أماكن أخرى، إلا أن هذا لا يقتصر على هذه الجماعة الدينية وحدها.
ففي الهند، تجاهلت العديد من الجماعات الدينية دعوات التباعد الاجتماعي قبل وبعد الإعلان عن الإغلاق العام. وقد حدثت ثلاث فعاليات دينية أخرى على الأقل نشرت الخطر، بما في ذلك واحدة قام بها يوجي أديتياناث؛ رئيس وزراء أكبر ولاية في الهند بعد الإغلاق العام، وأخرى قام بها زعيم ينتمي للسيخ، تسبب في دخول 40,000 شخص في الحجر الصحي بعد وفاته بسبب الفيروس. ولا شك أن اختيار اليمين المتطرف الهندي التركيز على جماعة التبليغ، رغم حقيقة أن الفعالية التي نظمتها قد حدثت قبل الإغلاق، تؤكد آليات الطعن والتشهير التي يتم استخدامها.
ثانيًا، يحاول المنظرون أيضاً تضخيم عدد الأشخاص الذين يأتون من دول الخليج، محاولين إبراز المناطق الإسلامية كمصدرٍ للعدوى. ومع ذلك، تظهر السجلات من الأسبوع الأول من الإغلاق أنه تم اكتشاف ما يصل إلى 1,000 شخص مصابين بالفيروس؛ معظمهم قادمون من دول مثل إيطاليا والولايات المتحدة والمملكة المتحدة، مع وجود أقل من 20 حالة من هذه الفئة الأولى من الحالات المرتبطة بالشرق الأوسط.
ثالثًا، يحاول العديد من الأفراد الإشارة إلى حالات تخص بعض المسلمين الذين يقاومون أوامر الحكومة بشأن التباعد الاجتماعي/الجسدي. وأظهر أحد مقاطع الفيديو التي تم تداولها على نطاقٍ واسع مسلمين يقاومون الأوامر بالبقاء في منازلهم. غير أن هذا السياق قد تجاهل، مرة أخرى، مئات من الناس من جميع الجماعات الدينية يهربون أو يتجنبون الحجر الصحي في جميع أنحاء الهند، فضلًا عن سكان مناطق مختلفة يقيمون حفلات عيد ميلاد لسياسيين ويخرجون في مسيرات على ضوء الشموع (أمر يثير المفارقة) لإبعاد الفيروس خلال فترة الإغلاق.
ولعل النتيجة الأكثر خطورة وقابلية للتنبؤ هي تداول الأخبار المزيفة، التي هي بالفعل وباء موجود من قبل في الهند، تجاه المسلمين في الدولة. على سبيل المثال، تحتوي المنصات الإلكترونية المختلفة لليمين المتطرف على مقاطع فيديو مفبركة لتزعم أن الطهاة المسلمين يبصقون في الطعام المخصص لغير المسلمين. وبالمثل، صوّرت مقاطع فيديو أخرى الشعائر الصوفية على أنها نشاط بصق جماعي من قبل المسلمين لنشر الفيروس. ويُشار الآن إلى هذه الحالات مجتمعة باسم “جهاد الكورونا“. وفي حين أن المواقع الإخبارية قد فضحت معظم هذه الأساطير، فإن الأخبار لا تزال تنتشر، حيث يُواجه المسلمون ويُطلب منهم الدفاع عن مثل هذه الأعمال في مختلف مجموعات “الواتس آب”.
تجاهل الإيجابيات والتركيز على السلبيات
استخدام المعرفة غير الكافية لتتناسب مع أجندتهم هو تكتيك شائع من أساليب اليمين المتطرف. وكثيرًا ما تتجاهل هذه الجماعات العديد من الخطوات الوقائية التي تتخذها المؤسسات والسلطات الإسلامية. على سبيل المثال، كانت المملكة العربية السعودية، التي تؤكد أصوات اليمين المتطرف أن غالبية الحالات تأتي منها، قد منعت الناس بالفعل من الذهاب إلى العمرة منذ أوائل مارس وأغلقت جميع المساجد، بما في ذلك المسجد الحرام، وهو أقدس مسجد في العالم، حيث يتخذه المسلمون قبلتهم أثناء الصلاة.
على هذه الخطى، طالبت المنظمات الوطنية في الهند؛ مثل “ديوباند” و”جمعية علماء الهند”، التي تحظى باحترام غالبية المسلمين في الهند، أتباعها بالصلاة في منازلهم. وعلاوة على ذلك، تم الامتثال لهذه التعليمات على المستويات المحلية حيث كثيرًا ما تذيع المساجد عبارات مسجلة مسبقًا تطلب الصلاة في منازلهم بدلاً من القدوم إلى المسجد.
وبالمثل، تم أيضًا تجاهل مختلف المبادرات الاجتماعية والإنسانية التي قام بها أفراد ومنظمات إسلامية للمساعدة في منع انتشار الفيروس، وإدارة تداعيات الإغلاق في الهند. ونسَّقت مختلف المؤسسات الخيرية الإسلامية الجهود عبر مختلف المدن لتوفير الغذاء لأكثر المحرومين -عمال اليومية وسكان الأحياء الفقيرة- وهو الأمر الذي كان ضرورياً نظراً لمخاوف الجوع على مستوى البلاد التي شعر بها هؤلاء الأفراد أثناء الإغلاق. بل إن العديد من المنظمات الإسلامية قدّمت الطعام للمرضى في المستشفيات ولرجال الشرطة.
وذهبت منظمات مثل جمعية علماء الهند خطوات أبعد من هذا من خلال تقديم الاستراحات الخاصة بها كأماكن للعزل. وعلاوة على ذلك، وفي بعض الأمثلة الفائقة التي تدل على عمق روح الأخوة، كان المسلمون يؤدون طقوس الوداع الأخيرة تضامنًا مع جيرانهم الهندوس في حالات الوفاة، بسبب قلة عدد أفراد المجتمع الذين منعهم الخوف من الإصابة بالفيروس من حضور مثل هذه الطقوس.
وفي حين كان الجهل بالفيروس وآثاره شائعًا في جميع المجالات، تمكن المسلمون من المساهمة بشكلٍ إيجابي في مواطنيهم بمجرد تغلبهم على الجمود المعرفي. لذا، ينبغي إبراز هذه المبادرات بقوة لمكافحة الروايات السلبية.
الخوف يولّد العداء
تسبَّب انتشار هذا الفيروس في آثار لا مثيل لها. فهذا العدو الخفي أثار القلقَ في أوساط الناس، الذين غالبًا ما يلومون ما يمكن أن يُرى: أي بعضهم بعضًا. البحث عن التفسير، وعن شخص لإلقاء اللوم عليه، هي مشاعر يمكن أن يستفيد منها المتطرفون في تعزيز أجنداتهم البغيضة. وفي الهند، كان هذا طبيعيًا تمامًا نظرًا لاستمرار عملية الشيطنة التي يخضع لها المسلمون. في الواقع، قبل بضعة أشهر فقط، كان يهيمن على النشرات الإخبارية عناوين عن المسلمين الذين يحاولون تقسيم الهند وزعزعة استقرارها من خلال الاحتجاجات، على الرغم من أن هذه الاحتجاجات تقوم بها الفصائل الدينية والعلمانية المختلفة لمنع التمييز الديني. ومن ثم، فمن الطبيعي إذن أن تواصل الجماعات اليمينية المتطرفة محاولات تعزيز هذه الروايات ونشرها في سياق كوفيد-19.
في هذه الأوقات، يكون لأعضاء الجالية المسلمة، خاصة وسائل الإعلام الرئيسة، دورٌ في التصدي لمثل هذا الخطاب البغيض، وضمان وأد هذه الروايات قبل أن تستحوذ على عقول أفراد المجتمع. وينبغي أن تكون القاعدة الأساسية لمطوري المحتوى هنا هي نشر الحب، وليس الكراهية (أو الفيروس).
* كبير المحللين في المركز الدولي لأبحاث العنف السياسي والإرهاب، بجامعة سنغافورة.