قبل أسبوع، حلّت الذكرى التاسعة عشرة لهجمات 11 سبتمبر؛ الهجمات الإرهابية التي شنَّها تنظيم القاعدة في الولايات المتحدة في 11 سبتمبر 2001. يشكِّل هذا الوقت المهم من السنة نقطة مفيدة يمكن عندها التوقف وفحص الصورة الكبيرة لمعرفة ما أنجزناه في محاربةِ تنظيم القاعدة. وقد أدلى عدد من الخبراء خلال الأسبوع الماضي بآرائهم في هذه المسألة.
قدرة على الصمود
مع صعود تنظيم “داعش” في عام 2014، بعد انفصاله عن تنظيم القاعدة وإعلان الحرب على التنظيم الأم، بدا للكثيرين أن التنظيم الوليد قد تفوق على التنظيم الأم. فقد استولى داعش على أجزاء كبيرة من العراق وسوريا وأعلن “الخلافة”، الهدف النهائي الظاهري لتنظيم القاعدة، الذي تحقق الآن من قبل جماعة أخرى. ولكن مع زوال الخلافة ومقتل الخليفة، تبدو هذه الرواية أقل يقيناً.
في معرض دفاعه عن قرار الرئيس دونالد ترامب بالانسحاب من أفغانستان، في مارس الماضي، أعلن وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، أن تنظيم “القاعدة لم يعد قويًّا كما كان”، وهو تأكيد مباشر لتصريحات الرئيس باراك أوباما قبل أربع سنوات. كما قال بومبيو: “لقد فعلنا ما حاول الرئيس أوباما القيام به، وهو حمل طالبان على الانفصال علنياً عن القاعدة”. وفي هذا الصدد، يشير بومبيو إلى الاتفاق الذي أبرمته الولايات المتحدة مع طالبان في نهاية فبراير، والذي لا يشير إلى انفصال طالبان عن تنظيم القاعدة ولا إلى الالتزام بذلك. والواقع أن حركة طالبان لم تدّعِ حتى الانفصال عن القاعدة.
وفي هذا الصدد، قال أسفانديار مير وكولين كلارك في مجلة “فورين آفيرز”: “لسوء الحظ، يمكن أن تكون تقييمات التهديدات ذات الدوافع السياسية خطيرة للغاية، وتوصيف بومبيو للقاعدة يعكس التمني في أحسن الأحوال والسذاجة في أسوأ الأحوال… يجب على الولايات المتحدة أن تغيّر نظَّارتها الورديّة من أجل تقييم رصين لمسار القاعدة، ولعلاقات التنظيم المستمرة مع طالبان”.
يشير مير وكلارك إلى أنه في الوقت الحالي، ومنذ الأيام المظلمة في الفترة 2014-2015 عندما كان منتسبو تنظيم القاعدة ينشقون في كل اتجاه وينضمون إلى داعش، تمكّن تنظيم القاعدة مؤخرًا من “الصعود من جديد بشكل دراماتيكي”. لقد لفت تنظيم داعش انتباه العالم -وإجراءاته- وفي الظلّ أعاد تنظيم القاعدة بناء نفسه. ويشير المؤلفان إلى أن تنظيم القاعدة “طوّر علاقاته مع سماسرة السلطة المحليين من بلاد الشام إلى شبه القارة الهندية، ودمج الأهداف المحلية وعبر الوطنية في محاولة لتعزيز التماسك وتوسيع قاعدة الدعم”.
علاوة على ذلك، فقد أتقن تنظيم القاعدة ما يسميه البعض نهج “العولمة ذات الطابع المحلي“، ليصبح “أكثر براعة في تحقيق التوازن بين الأهداف العابرة للحدود الوطنية والأولويات الإقليمية، والعمل على المستوى المحلي في الصومال وسوريا واليمن والساحل مع الحفاظ على تركيزه على مواجهة الغرب”.
ويرى مير وكلارك أن “القاعدة لم يعد يتباهى بالقدرة ذاتها على تخطيط وتنفيذ أنواع الهجمات الإرهابية المذهلة العابرة للحدود التي نفذها في السنوات التي سبقت 11/9، لكنه لا يزال قويا”، وهي النقطة التي يوافق عليها علي صوفان المتخصص في مكافحة الإرهاب في مكتب التحقيقات الفيدرالي سابقاً. ومع ذلك، يخلص مير وكلارك إلى أن “ادّعاء إدارة ترامب بأن تنظيم القاعدة في حالة احتضار يتجاهل المرونة القوية التي يتمتع بها التنظيم ويخفق في أخذ عزيمته السياسية في الاعتبار. ووفقاً للأمم المتحدة، لا يزال تنظيم القاعدة في سوريا واليمن يركز على مهاجمة الولايات المتحدة”، بل في نهاية عام 2019، نفّذ القاعدة هجوماً على الأراضي الأمريكية للمرة الأولى منذ سنوات عديدة.
مؤشرات على التشرذم
في مقابل هذا التوجه، تقدم مينا اللامي المتخصصة الإعلامية في الجماعات الجهادية في هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي” نظرة مناقضة لذلك عن تنظيم القاعدة، حيث ترى أن التنظيم يعيش في حالة من التشرذم والفوضى. ففي سوريا، قام فرع القاعدة السابق، هيئة تحرير الشام، بـ”إسكات” قوات القاعدة (التي تحمل اسم “حراس الدين”) في الدولة في شهر يونيو. وفي اليمن، عانى تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية سلسلة من الانتكاسات العسكرية، بما في ذلك مقتل زعيمه بواسطة طائرة أمريكية دون طيار. كما قُتل زعيم تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي في شمال إفريقيا في شهر يونيو ولم يتم بعد تنصيب أي خليفة له. وفي الوقت نفسه، ظل أيمن الظواهري، زعيم القاعدة، متوارياً عن الأنظار بشكل غير معهود منذ أشهر، مما أثار تكهنات بأنه قد يكون ميتاً أو عاجزاً”، حسب اللامي.
ومع ذلك، “لا تزال فروع القاعدة في أفريقيا، في الصومال ومالي، قوة فعّالة”. إذ تسيطر هاتان الجماعتان، “حركة الشباب” و”جماعة نصرة الإسلام والمسلمين” على التوالي، على أراضٍ شاسعة. وترى اللامي أن حركة “الشباب بلا شك هي أقوى وأكبر فروع القاعدة تهديدًا في الوقت الراهن”. “تمتلك الحركة أراضيَ وتمارس شكلًا من أشكال الحكم في معظم المناطق الريفية، في وسط وجنوب الصومال. وبالإضافة إلى ذلك، تُعلن حركة الشباب عن شنّ هجمات يومية وعمليات ضخمة متكررة داخل الصومال وأحياناً في كينيا المجاورة. ومن بين عملياتها الكبرى هذا العام الهجوم الذي وقع في شهر يناير على قاعدة ماندا باي العسكرية الأمريكية في كينيا، الذي أسفر عن مصرع ثلاثة أمريكيين وتدمير عدة طائرات”.
وتخلص اللامي إلى أن القضية بالنسبة لتنظيم القاعدة هي ما إذا كان ينبغي أن يميل إلى أجندته المحلية ويخاطر بالتضحية بالمزيد من أوراق اعتماده الجهادية – أو أن يميل إلى النزعة الجهادية العالمية، ويخاطر بإبعاد المزيد من المسلمين العاديين الذين يعتمد عليهم التنظيم في استراتيجيته الطويلة الأمد.
تنظيم القاعدة ليس وحده
يتفق إيلان بيرمان؛ النائب الأول لرئيس مجلس السياسة الخارجية الأمريكي (AFPC) في واشنطن، مع مير وكلارك على أن تنظيم القاعدة لا يزال يمثل تحديًا قويًا، لا سيما وأن تركيز المجتمع الدولي “بشكل هائل على تنظيم داعش.. وفّر للقاعدة متنفسًا” لإعادة تجميع صفوفه. ومع ذلك، أشار بيرمان إلى أنه في هذه “اللحظة المناسبة لتقييم” الصراع الطويل مع التطرف الإسلامي، لا ينبغي أن يقتصر التركيز على تنظيم القاعدة لوحده.
لقد فقد داعش “خلافته على الأرض” في العراق وسوريا، لكن التنظيم “يظهر مؤشرات جديدة مثيرة للقلق على أنه لا يزال حيًّا”، مع آلاف المقاتلين في عشرات الدول، والوصول إلى “مئات الملايين من الدولارات من التمويل من مصادر مختلفة”. التحدي الذي يطرحه داعش لم ينته بعد. كما يلفت بيرمان الانتباه إلى ظاهرتين إضافيتين خارج الجماعات الشهيرة، وتحديدًا، المنظمتين الجهاديتين الأكثر شهرة.
الأول هو أنه في شمال أفريقيا، هناك العشرات من الجماعات الجهادية شبه الإجرامية التي أعلنت ولاءها للقاعدة أو داعش، ولكن مصالحها في معظمها محلية وولاءاتها غير ثابتة. هناك حديث غير مؤكد عن هذه الجماعات مع إعادة تشكيل المشهد الجهادي، ومن المتوقع أن تكون هناك عواقب دائمة في المكان الذي ستستقر فيه.
والثاني هو الطبيعة المتغيرة للاتصالات والدعاية. فلقد كان استخدام داعش لوسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي مشينًا، غير أن هذا الأمر قد تضاءل الآن مع انهيار الخلافة. ويخلص بيرمان إلى أن الرؤية التي قدمها تنظيم داعش “استمرت”: “المحادثات مع المسؤولين الإقليميين في جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في الأشهر الأخيرة توضح أنه لم يطرأ أي تغيير جوهري على أنماط التجنيد والتطرف والتعبئة في العالم الإسلامي الأوسع، على الرغم من تراجع قوة داعش”.
الخلاصة
الحرب الطويلة في أفغانستان، والبحث عن مخرج، يدفع صانعي السياسات على الاعتقاد بأن المشكلة التي جذبت الغرب للانخراط، أي القاعدة، قد اختفت. ولكنها لم تختف، والواقع هو أن التحدي الذي أدَّى إلى أحداث الحادي عشر من سبتمبر قد استمر في النمو. ومهما كانت المشكلات التي يواجهها القاعدة مع فروعه، فلا يزال التنظيم أكبر حجمًا وأكثر تأثيرًا في العالم الإسلامي الأوسع نطاقًا، وأكثر تماسكًا مما كان عليه في أي وقت مضى.