ترى آيان هرسي علي أن هجرة المسلمين تُضعِف باستمرار حقوق المرأة في أوروبا، وبطريقةٍ قابلة للقياس. قامت هرسي بإعداد دراسة تطبيقية على طالبي اللجوء والمهاجرين حديثًا حيث تقول إن الدراسة توصلت إلى أن هؤلاء يرتكبون كمًّا كبيرًا من الجرائم الجنسية بصورة لا تتناسب مع أعدادهم، ويساهمون في ثقافة العزلة الفعلية التي تقع فيها النساء -على الأقل في بعض أجزاء القارة الأوروبية- حيث يقررن الخروج أقل من أقرانهن الذكور، ويشاركن بصورة أقل في المجتمع.
هذه اتهامات تعتبر متطرفة، لذلك لم يحظ كتاب هرسي «الفريسة: الإسلام والهجرة وتآكل حقوق المرأة» بمراجعاتٍ كثيرة من قبل وسائل الإعلام. وفي حين أشادت به مجموعة متنوعة من الوسائل الإعلامية المحافظة، تجاهلته وسائل الإعلام اليسارية أو رفضته باعتباره ينطوي على النفاق والتضليل. لم تكن هذه الردود مفاجئة. بل كانت حتمية ليس بسبب محتويات كتب هرسي الخمسة السابقة.
خلال فحصها عما إذا كان هناك جماعات ديموغرافية محددة ترتكب جرائم محددة، توضح هرسي أن هناك تفاوتًا في البيانات والأرقام، والأدلة المتاحة غير كافية. ذلك أن معدلات الإبلاغ عن الجرائم الجنسية وإدانتها منخفضة جدًا، وتعريفات الجرائم الجنسية تختلف من دولةٍ لأخرى، ما يجعل من الصعب جدًا الحصول على إحصاءات دقيقة، بل يصعب العثور عليها بالأساس، ومن ثم يصعب تقييمها بعد ذلك، ولا يزال من الصعب مقارنتها. ولنأخذ مثالا واحدًا فقط: لقد كانت آخر مرة نشرت فيها السويد بيانات علنية عن وضع الهجرة للمجرمين هي عام 1996. ومنذ ذلك الحين، تُرك الأمر للمبادرات التي يقوم بها علماء الاجتماع والصحف، لإجراء استطلاعات الرأي الخاصة بهم، وخلصوا إلى نتائج مثيرة للاستقطاب، كما هو متوقع.
وكدليلٍ على ذلك، سأعيد إنتاج بعض الأرقام من جداول هرسي: بالنسبة للدنمارك، وفقًا لمكتب الإحصاءات في الدولة، بين عامي 2014 و2018، لم ينخفض عدد أحكام الاغتصاب الصادرة بحق “المهاجرين غير الغربيين وأحفادهم” إلى أقل من 39%، وكان في عام 2014 مرتفعًا حيث وصل إلى 47%. وبلغت نسبة الإدانات بالتحرش التي صدرت للمجموعة نفسها في الفترة نفسها 21% في عام 2014، و26% في العام التالي، و28% في عام 2016، و35% في عام 2017، وفي عام 2018 كانت 18%.
توضح البيانات وفقًا للعديد من وزارات الداخلية، بأن الأجانب من جميع الأنواع ممثلون تمثيلًا زائدًا بشكل عام في أرقام الجريمة، بما في ذلك الجرائم الجنسية. في فرنسا، يشكّل الأجانب 7% من السكان، ولكن 14% من المشتبه في ارتكابهم جرائم جنسية. بين عامي 2014 و2018، ارتفعت نسبة غير الألمان المشتبه في ممارسة العنف الجنسي في الدولة من 18 إلى 29%. ومن المرجح أن يكون طالبو اللجوء في ألمانيا أكثر عُرضة للاشتباه في كل فئة من فئات الجريمة من نسبتهم من السكان (الرقم الإجمالي هو 8.3%)؛ ومن المرجح أن يشتبه في ارتكابهم جرائم جنسية أكثر من ذلك قليلًا (9%).
تعزو هرسي معظم هذا الارتفاع في الجرائم الجنسية إلى أزمة اللاجئين في البحر الأبيض المتوسط، بعد اندلاع الربيع العربي قبل عشر سنوات، لا سيما في عام 2015 مع قبول ألمانيا لمليون طالب لجوء، والارتفاع الإجمالي في الهجرة عبر القارة. وقد عجّل ذلك بارتفاع عدد السكان عمومًا، خاصة -لأن الشباب كانوا أكثر عُرضة للقيام بمثل هذه الرحلة الصعبة- بين السكان الذكور الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و40 عامًا، الذين يرجح أن يرتكبوا جرائم جنسية. وفي الولايات القضائية الفردية، تشير الأدلة بالفعل إلى زيادة متناسبة في الجريمة، بما في ذلك الجرائم الجنسية، في الفترة من 2014 إلى 2015، خاصة بعد عام 2017.
ومع ذلك، وكما تلاحظ هرسي نفسها، فعلى الرغم من كل الأرقام المذكورة أعلاه، فليس هناك الكثير من المعلومات المتوفرة التي يمكن الاستعانة بها. فهناك حواجز مؤسسية لا نهاية لها تعرقل التوصل إلى استنتاجاتٍ قاطعة بشأن العنف الجنسي.
وسواء اتفق المرء مع هرسي أم لا على أن ثقافة الوافدين الجدد تقف وراء هذا الارتفاع في الجرائم الجنسية، فهناك قضية أخرى تتمثل فيما إذا كان يمكن معالجة هذه المشكلة باستخدام تدابير فنية محضة. والحقيقة المؤسفة هي أن التدابير التي تحظى بشعبية لدى الجماهير في أوروبا وبريطانيا لردع العنف الجنسي ومعاقبته -بما في ذلك إصدار أحكام بالسجن فترات أطول وتطبيق إجراءات شرطية أكثر صرامة- ذات قدرة محدودة إلى حد ما، على الأقل في الظروف الحالية التي لا تحظى فيها تهديدات الترحيل للمهاجرين العنيفين، على سبيل المثال، بمصداقية؛ فجميع الأطراف تعرف أن مثل هذه التدابير نادرًا ما تُنفذ.
وإذا لم تنجح الإجراءات الإدارية وحدها، فلا بد من إجراء نقاش جاد حول هذه الثقافة. وتشير هرسي إلى عددٍ من الأمثلة المقلقة: شبان من أماكن مثل تونس وأفغانستان وسوريا يلمسون أجساد الفتيات في حمامات السباحة، ويغتصبون النساء في الطرقات. وتشير هرسي بشكلٍ أكثر وضوحًا إلى سلوكياتٍ محددة غريبة عن البلدان المضيفة. وعلى وجه الخصوص، تخصص مساحة كبيرة لما تسميه “التحرش الجماعي”، ففي ألمانيا، أصبحت ليلة رأس السنة الجديدة 2015/2016 دراسة حالة شهيرة. هذا النوع من الاعتداءات، الذي لا يمثل نسبة كبيرة من إجمالي حالات العنف الجنسي، مخيف بشكل خاص ويترك أثرًا هائلًا على الرأي العام، وحقيقة أن الشرطة تبدو غير قادرةٍ على وقفه، تزيد الأمر سوءًا.
في معرض وصفها للاعتداءات الجماعية على النساء في كولونيا في ديسمبر 2015 أو “عصابات الاستمالة” في المدن البريطانية، تشير هرسي إلى السمات المشتركة لهذه الاعتداءات: مجموعات من الرجال من المجتمعات ذات الأغلبية المسلمة يهاجمون امرأة أو أكثر معًا. وكان بإمكانها أن تضيف أن تقاعس الشرطة -ورفض قبول حدوث هذه الأمور بعد الإبلاغ عنها- يعنيان أن الجرائم لا تمر دون عقابٍ فحسب، بل لن يتم التعرف على المجرمين أيضًا. وتصف هرسي هذه الأحداث بأنها لا تتناسب أساسًا مع أي نمط، باستثناء الدافع المفترض: احتقار الضحايا الإناث الذي يعني أن الجناة يشعرون بأن لديهم ما يبرر أفعالهم.
وهذا أمر يستحق النقاش من حيث الأسباب والعواقب. وتقول هرسي إن الشباب والفتيان من الثقافات الأبوية هم أكثر عُرضة لارتكاب هذه الأفعال المشينة. ولكن لا تزال هناك فرصة، يمكن إخضاعهم للتربية الجنسية الإلزامية في الدول ذات الأنظمة التعليمية العلمانية. وطالما أنهم يخضعون للقوانين ذاتها التي يخضع لها بقية المواطنين، يمكن إنفاذ تلك القوانين وتعزيزها. ولعل الأهم من ذلك هي العواقب المترتبة على السلطة. لفترةٍ من الوقت، لم تكشف الشرطة عن “عصابات الاستمالة” أو تحاول معالجة أعضائها، ولم تتعامل مع أحداث مثل الاعتداء الجماعي في كولونيا بالجدية الحازمة اللازمة. وهناك ما يدعو للاعتقاد بأنه لا يزال من الممكن استخلاص الدروس الصحيحة من هذه الحالات المحزنة، وهناك بعض المؤشرات على هذه البداية بين أعضاء البرلمان ومسؤولي الشرطة الذين تمت مقابلتهم خلال إعداد هذا الكتاب.
علاوة على ذلك، تربط هرسي هذا باتجاهٍ أوسع نطاقًا يتمثل في إقصاء المرأة ببطء من الحياة العامة. ففي بعض أجزاء بعض المدن الأوروبية، لا تجب رؤية النساء على المقاعد خارج المطاعم؛ ولا يجب أن يدخلن بعض المقاهي خوفًا من أن يلاحقهن الرجال بنظراتٍ محدِّقة، ويتحرشن بهنَّ لفظيًا. وقد ازدادت المضايقات التي تتعرض لها المرأة في الشارع أيضًا. وهذا نتاج المناطق التي لم تطبق فيها نهج الإدماج بشكلٍ صحيح، حيث تعيد العادات القديمة تأكيد نفسها دون منازع، وتفرض الوصاية الذكورية الفعلية على النساء البقاء في الداخل. ورغم أنه تهديد واضح، فإنه ليس عصيًّا على المواجهة.
هذه هي الغالبية العظمى من الحالات التي تقع فيها المرأة فريسة. ويمكن للشرطة والسلطات المعنية أن تحل العديد من أسوأ تلك الحوادث، أو تخفف من حدتها، إذا ما أدّت عملها بشكل أفضل. ويمكن تقليص معظم المشكلات الثقافية التي يصفها الكتاب من خلال تطبيق نماذج إدماج ناجحة لا تعتمد على الاستشارات التي تسعى للربح. ومن شأن إنفاذ نظام أكثر صرامة للعدالة الجنائية أن يعاقب المعتدين جنسيًا من جميع الخلفيات.