داني سيترينوفيتش*
القوة العسكرية لحزب الله حقيقة معروفة للجميع. فالجماعة الشيعية اللبنانية المسلحة المدعومة من إيران، التي تعمل كـ “دولة داخل دولة”، تمتلك ترسانة أسلحة ضخمة تضم آلاف الصواريخ المتقدمة التي تستهدف أكثر المنشآت استراتيجية في إسرائيل. ورغم أن هذه القدرات العسكرية المتقدمة تجعل من حزب الله أحد أقوى التنظيمات الإرهابية اليوم، فإن الأحداث الأخيرة في لبنان وإيران أضعفت نفوذه السياسي. كما أن حملة “الضغط الأقصى” التي شنها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب ضد إيران، وتنامي المشاعر المناهضة للحكومة في لبنان، على مدى السنوات القليلة الماضية، قد أرْخَت قبضة الحزب على السلطة، على الرغم من قوته العسكرية.
علاوة على ذلك، صنّفت دولٌ عدة حزب الله منظمةً إرهابية بسبب سجله الحافل في ارتكاب أعمال إرهابية في جميع أنحاء العالم. ومع ذلك، فمن الأهمية بمكان ملاحظة حقيقة أن أنشطة حزب الله لا تقتصر على إنشاء خلايا إرهابية لارتكاب هجماتٍ عنيفة، بل تتجاوز ذلك. فأنشطته السرية وغير المشروعة في جميع أنحاء العالم -مثل الاتجار بالمخدرات وغسل الأموال وتحريض السكان الشيعة المحليين- تساعد على دعم عملياته محليًا في لبنان. وينبغي ملاحظة أن معظم التدابير التي تتخذها الدول ضد حزب الله توجه إلى عمليات الحزب في لبنان. أما على الصعيد الدولي، ورغم وجود محاولات لإحباط الهجمات الإرهابية، لا تُتخذ إجراءاتٌ تُذكر لمكافحة أنشطة الحزب غير المشروعة والإجرامية.
دور المراكز الدينية
في الآونة الأخيرة، داهمتِ السلطاتُ المراكزَ الدينية الشيعية في فرنسا وألمانيا، واعتقلت قادة تلك المراكز للاشتباه في تورطهم في دعم حزب الله ماليًا، وفي عمليات التجنيد، وفي إخفاء الأسلحة. وهذا يُسلِّط الضوءَ على الصلة القوية بين أنشطة حزب الله العالمية غير المشروعة، والمراكز الدينية الشيعية، والحاجة إلى التحرك ضد هذه المؤسسات نفسها التي توفر أرضًا خصبة للتطرف الديني للطوائف الشيعية في جميع أنحاء العالم. ففي هذه المراكز الدينية، يُلقي رجال الدين خطبًا مثيرة للفتنة مؤيدة للحزب ويعربون عن تضامنهم مع سياسة الحزب وقادته، ويشجعون الشيعة على الذهاب للدراسة في المراكز الدينية في إيران، حيث يتم تلقينهم بشكل صحيح الأيديولوجية “الخمينية”.
تراجع الشعبية
على مدارِ السنوات القليلة الماضية، شهد حزب الله تراجعًا كبيرًا في شعبيته في لبنان، وفي أعقاب انفجار بيروت في أغسطس 2020، ظهرت عداوة متنامية من اللبنانيين تجاه الحزب، حتى بين قطاعات السكان الشيعة المحليين. ذلك أن قبضة حزب الله الوحشية على النظام السياسي الفاشل في الدولة جعلت اللبنانيين ينقلبون عليه، ويحمِّلونه، عن حق، مسؤوليةَ الوضع السيئ في الدولة، بما في ذلك الأزمة الاقتصادية غير المسبوقة.
في الوقتِ الحالي، يشعر حزب الله نفسه بالضغط الاقتصادي بسبب العقوبات الدولية الفعّالة المفروضة على إيران -الداعم المالي الرئيس له- فضلًا عن حقيقة أن الحرب السورية المستمرة منذ قرابة عقد من الزمان استنزفت خزائن طهران. ونتيجة للمشكلات المالية لطهران وتضاؤل مصداقيتها، يجد الحزب صعوبة بالغة في الحفاظ على قبضته على السلطة.
ونظرًا لتراجع قدرة إيران على تمويل الجماعة، يسعى الحزب جاهدًا للبحث عن مصادر تمويل دولية من خلال الجاليات الشيعية في جميع أنحاء العالم. ولذلك، يتم اختطاف حملات جمع التبرعات “البريئة” -التي تقودها مثل هذه المراكز الدينية، لمساعدة ضحايا الحرب في سوريا أو اليمن- لتكون بمثابة قناة لتمويل أنشطة حزب الله في لبنان. علاوة على ذلك، يكثّف الحزب أنشطته غير المشروعة والإجرامية في جميع أنحاء العالم، مضيفًا عشرات الملايين من الدولارات إلى خزائنه.
فرصة سانحة
بناء على ما سبق ذكره، ينبغي تكثيف الجهود الدولية لمكافحة أنشطة الحزب غير المشروعة في جميع أنحاء العالم. هذا هو الوقت المناسب لملاحقة الجماعة في الوقت الذي تعاني فيه من تراجع شعبيتها على نطاقٍ واسع داخل لبنان. كما أن العمل ضد الأنشطة غير المشروعة للجماعة سيبعث برسالة إلى اللبنانيين مفادها أن حزب الله لا يمكنه المشاركة في أي خطاب سياسي، ومن ثم لا يمكنه المشاركة في النظام السياسي. وبدون شنِّ حملة دولية واسعة النطاق ضد أنشطة الجماعة، فلا يمكن إضعافها بشكل كبير، حتى وإن كانت تواجه عدم شعبية غير مسبوقة داخل لبنان.
ونظرًا للهيكل المعقد والمتطور لشبكات حزب الله- المصممة لحماية أصول التنظيم حتى في حالة كشف أحدها- فمن الضروري التعامل مع المسألة بطريقةٍ محسوبة وموحَّدة لتقويض البنيّة التحتيّة الدولية للحزب. لذا، أوصي بالخطوات التالية وأشجعها:
- توسيع نطاق “مجموعة تنسيق إنفاذ القانون” التي تقودها وزارة الخارجية الأمريكية، بحيث يكون لديها تفويضٌ للتعامل مع جميع أنشطة حزب الله غير المشروعة خارج لبنان.
- تطوير آلية فعّالة لتبادلِ المعلومات الاستخبارية تحت قيادة فرقة العمل المعنية بأنشطة حزب الله خارج لبنان والمرتبطة بطريقة عمل التنظيم.
- تشكيل فرق عملياتية مخصصة تحت قيادة فرقة العمل لعرقلة طرق تحويل الأموال إلى الحزب في لبنان، بناء على المعلومات الاستخبارية التي يتم جمعها.
- مراقبة خطابات التحريض والكراهية التي يلقيها رجال الدين التابعون لحزب الله في المراكز الدينية في جميع أنحاء العالم، التي توفر أرضًا خصبة للتجنيد لمصلحة حزب الله.
ومن شأن الجمع بين هذه الخطوات أن يضعف كثيرًا حزب الله -الذي هو على الأقل سياسيًا واقتصاديًا في واحدة من أسوأ الفترات منذ تأسيسه- وأن يحسِّن ظروف التغيير السياسي في لبنان. ومن الواضح أن قوة حزب الله في لبنان تعتمد إلى حد كبير على الدعم الذي يحصل عليه من المراكز الشيعية على مستوى العالم. لذا، فإن اتباع تكتيك “حركة الكماشة” وحده هو الذي سيؤدي إلى إضعاف التنظيم بشكل كبير، وتحقيق التغيير الذي طال انتظاره في لبنان.
* باحث أول في معهد آبا إيبان للدبلوماسية الدولية في إسرائيل.