في 7 مارس، انضمت سويسرا إلى العدد المتزايد من الدول الأوروبية التي حظرت البرقع. أغلبية ضئيلة من الناخبين، (51%)، أيّدت مبادرة شعبية أقرت فرض حظر على كافة أشكال غطاء الوجه، بما في ذلك تلك التي يطبقها مثيرو الشغب. وعلى الرغم من أن النقاب والبرقع لم يردا صراحة في نص المبادرة الشعبية، التي ستدخل الآن الدستور السويسري، فإنهما كانا محور النقاش العام والحملات السياسية.
ماذا حدث في عقد؟
الجدير بالذكر أن هذه المبادرة أطلقتها “لجنة ايجركينجر” التى تتكون من أعضاء من “حزب الشعب السويسرى” المحافظ، و”الاتحاد الديمقراطى الفيدرالى الإنجيلى البروتستانتي”. وتصف لجنة إيجركينجر مهمتها الأساسية بأنها “إعلام السكان بالمدى الذي وصلت إليه سويسرا من الأسلمة وآثارها”، وإعداد حملات سياسية لمواجهتها.
كما وقفت اللجنة نفسها وراء مبادرة حظر بناء المآذن قبل عقد من الزمن، التي أطلقت إثر الخلاف العام الذي نشب نتيجة خطط جمعية تركية إسلامية لها صلات بمنظمة “الذئاب الرمادية” القومية التركية المتطرفة لبناء مئذنة في بلدية سويسرية صغيرة. وقد حظيت المبادرة بتأييد حاسم (57.5%) من السكان السويسريين في عام 2009. وقد فاجأ القرار معظم المراقبين، حيث توقعت استطلاعات الرأي أن تُمنى المبادرة بهزيمة مدوية.
ومع ذلك، ثبت أن التصويت على غطاء الوجه يختلف عن التصويت على المآذن في نواحٍ عدة. وفي حين أن القرار الذي اتخذ قبل اثني عشر عامًا كان مفاجئًا، فإن استطلاعات الرأي المبكرة هذه المرة أشارت إلى فوز حاسم للمؤيدين، على الرغم من أن حزب الشعب السويسرى هو الوحيد الذي أيّد المبادرة بين الأحزاب الرئيسة. وفي حين انقسم التصويت على المآذن بشكل رئيس على طول الانقسام بين اليسار واليمين، كانت الائتلافات المعارضة للمبادرة والمؤيدة لها هذه المرة واسعة النطاق، ومتنوعة سياسيًا. ويمكن رؤية نتائج هذه التحالفات الجديدة في النتائج النهائية.
كانت المناطق المحافظة، لا سيما تلك التي تقع في جبال الألب، التي تعتمد بشكل كبير على السياحة، أقل حماسًا بكثير لحظر غطاء الوجه مما كانت عليه قبل اثني عشر عامًا بشأن حظر المآذن، على الأرجح بسبب الخوف من أن يتسبب ذلك في تنفير السياح من منطقة الخليج، الذين يشكلون نسبة متزايدة من زوار سويسرا، الذين هم موضع تقدير كبير لثروتهم. من ناحيةٍ أخرى، في هذه المرة أيّدت المناطق الناطقة بالفرنسية حظر غطاء الوجه بأعلى الأرقام، رغم أنها رفضت حظر المآذن في المرة الماضية. وبشكل عام، كان اليسار أكثر نجاحًا في تعبئة قاعدته الانتخابية ضد المبادرة، لكن 20% إلى 30% اختاروا عدم اتباع الخط الحزبي.
الحجج السياسية
في المقام الأول، استند مؤيدو المبادرة في حججهم على حقوق الإنسان والأمن والثقافة الوطنية التي تظهر الوجه، ولا تغطيه. وكان من أبرز هؤلاء الذين أيّدوا المبادرة مفكرين وناشطين علمانيين من أصول شرق أوسطية، فضلًا عن رجال دين معتدلين. وجادلوا بأن الحجاب والنقاب هما رمزان لأيديولوجية الإسلام السياسي، كما أنهما يعبران أيضًا عن تبعية المرأة وتجريدها من إنسانيتها.
من ناحيةٍ أخرى، نظر معارضو المبادرة اليساريون أنها تمثل مسعى عنصري يستهدف جميع المسلمين، زاعمين أنها ستؤدي إلى زيادة كراهية المسلمين. من جهتهم، حذر المعارضون المحافظون من الأحزاب الوسطية من الانعكاسات السلبية المحتملة على الاقتصاد، وقالوا إن المبادرة رمزية إلى حد كبير، ولا تعالج أي قضايا ذات أهمية.
من بين الطرق المثيرة للاهتمام التي تقاطعت بها القضية مع الانقسامات السياسية التقليدية هو الصدع الذي أحدثته بين الناشطات النسويات. ففي حين رفضتِ المنظمات الرئيسة التي تتبنى التعددية هذه المبادرة، أعربت نساء بارزات تنتمين إلى الموجة الثانية من النسوية عن تأييدها للمبادرة. وبالمثل، رأى العديد من مؤيدي حظر غطاء الوجه أن معارضي المبادرة هم الذين يَصِمون المسلمين بأنهم متطرفون بزعمهم أن غطاء الوجه رمز للإسلام. هذا كان رأي قاسم الغزالي، المفكر السويسري المغربي الأصل، الذي رأى في الحظر علامة على التضامن مع المرأة في العالم الإسلامي ومع “غالبية الجالية المسلمة السويسرية، التي ترفض التطرف ورموزه”. وأخيرًا، قال بعض معارضي حظر غطاء بالوجه إنه قد يؤدي إلى التطرف وردود فعل عنيفة. والسؤال: هل هناك خطر لرد فعل عنيف؟
رد فعل عنيف: من أي طرف؟
الجدير بالذكر أن سويسرا عانت من التطرف الإسلاموي والعنف أقل من جيرانها الأوروبيين في العقد الماضي، رغم التصويت المتعلق بحظر بناء المآذن في عام 2009، ما يدل على عدم وجود صلة واضحة بين هذه السياسة والتطرف. هناك أسباب عدة قد تكون وراء هذه الحالة. الجالية المسلمة في سويسرا أكثر تجانسًا من جيرانها، حيث إن أغلبيتها تنحدر من طوائف أكثر علمانية، ومن البلقان. وأبرزها من الألبان والبوسنيين والأتراك.
من المؤكد أن التركيبة السكانية للمسلمين، التي تتسم بالتنوع والعلمنة في سويسرا، شكّلت عاملًا دافعًا نحو الاعتدال، لكنها لم تمنع تأسيس جماعات إسلاموية يسيطر عليها إسلامويون في سويسرا، الذين قد يسعون لاستغلال التصويت عبر استدعاء صراع الحضارات. وتشمل هذه الجماعات الإخوان المسلمين، و”مللي جوروش” (الإخوان الأتراك)، و”ديانيت” (الجماعات التركية المرتبطة بالدولة)، والعديد من الجماعات الإسلاموية البوسنية والألبانية. وجميعهم ينشطون في سويسرا، وممثّلون في المنظمات السويسرية الإسلامية الجامعة، التي تعمل مع السلطات لوضع السياسات.
وقد انخرطت حفنة من المنظمات السلفية، أبرزها ما يسمى بالمجلس المركزي الإسلامي، في التحريض ضد المبادرة. وقد أدين قادة المجلس مؤخرا بتهمة الدعاية الإرهابية لصالح فرع من تنظيم القاعدة في سوريا.
تجدر الإشارة إلى أن هناك مشهدًا إسلامويًا عنيفًا في سويسرا، تراقبه أجهزة الأمن بشكل مكثف، حيث انضم نحو تسعين مسلمًا سويسريًا إلى الجماعات الإرهابية الجهادية. وعلاوة على ذلك، وقع هجومان إرهابيان نفذهما أفراد إسلامويون منذ العام الماضي.
رواية رد الفعل القوي والرد عليها
من المتوقع أن يحاول الإسلامويون والسلفيون استغلال نتيجة التصويت لتجنيد بعض المسلمين من خلال الادّعاء بأن سويسرا تضطهد الإسلام والمسلمين ككل، وأن هذه الجماعات توفر الحماية لهم. ومع ذلك، فهناك عوامل عدة تحد من جاذبية أي حملة لتعبئة المسلمين ضد التصويت السويسري.
أولاً، هناك بالفعل حظر شامل على غطاء الوجه في ست دول أوروبية: وبالتالي، سويسرا ليست استثناء في ذلك. وعلاوة على ذلك، لقد فرضت عدة مناطق سويسرية بالفعل حظرًا من هذا القبيل، دون أن تترتب عليها عواقب وخيمة.
ثانياً، إن التنوع العرقي والإيديولوجي الكبير للمجتمع المسلم السويسري ووضعه الاجتماعي الجيد يجعل من الصعب على الإسلامويين بناء رواية المظلومية التي عادة ما تسهم في نجاحٍ على أساسها رسالتهم.
ثالثًا، لقد ساءت الظروف التي كانت تسهم في نجاح حملة غضب إسلاموية دولية، كما رأينا خلال الجدل حول الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للنبي محمد 2005-2006 التي قادت إلى اتخاذ إجراءات جماهيرية جماعية ضد الدنمارك. فلقد سحبت معظم الأنظمة في المنطقة دعمها للجماعات الإسلاموية، وفرضت قيودًا صارمة على هياكلها.
رابعًا، تحافظ الدبلوماسية السويسرية على روابط قوية مع الجهات السياسية الفاعلة في المنطقة، بما في ذلك الإسلامويون، وربما تعمل بالفعل على الحد من رد الفعل القوي المحتمل على القرار.
باختصار، على الرغم من تصدر خبر حظر غطاء الوجه العناوين الدولية، من المتوقع أن تكون عواقب التصويت محدودة.
عواقب المضي قدمًا في القرار
الآثار الملموسة الأكثر إلحاحًا على النساء اللاتي ترتدي غطاء الوجه في سويسرا محدودة بحكم تعريفها: على الرغم من أنها أصبحت مسألة نزاع سياسي، لا أحد يشك جديًا في أن عدد النساء المسلمات اللاتي ترتدي غطاء الوجه صغير نسبيًا. وتشير بعض التصريحات التي صدرت بعد التصويت إلى أن هناك أفرادًا سلفيين يفكرون في مغادرة سويسرا إلى بيئاتٍ أكثر ترحيبًا، وهو أمر غير مؤثر على كلا الجانبين.
وإذا كانت هناك عواقب ذات أصداء أعمق وأطول أمدًا، فهي أن اعتماد المبادرة قد يشير إلى وجود صدع متزايد بين الشعب السويسري، والقيادة السياسية. وللمرة الثانية خلال ما يزيد قليلاً عن عقد من الزمن، أعرب غالبية الناخبين السويسريين عن انزعاجهم من النزعة الإسلاموية، وتأثيرها المتصوّر المتنامي، ومع ذلك تواصل الدولة العمل مع الجهات الإسلاموية الفاعلة، واعتبارها جهات تمثيلية شرعية للمسلمين، ومن المحتمل أن تستمر في ذلك، على الرغم من هذين التوبيخين. ومن المرجح أن تستهدف المبادرات الشعبية المستقبلية هذه المجالات الأكثر أهمية من السياسات الحكومية.