في كولونيا، سيُسمح لأكثر من أربعين مجتمعًا مسلمًا برفع الأذان لصلاة الجمعة. وقد أثار قرار عمدة كولونيا، هنريت ريكر، ببدء المشروع التجريبي جدلًا في جميع أنحاء الدولة. تشير أحدث التقديرات إلى أن مدينة كولونيا الضخمة يقطنها حوالي 120,000 نسمة من ثقافاتٍ إسلامية متعددة.
ويستند هذا التقدير إلى تعدادٍ جزئي أُجري في عام 2011 يسمح بتسجيلٍ أكثر دقة من التقديرات التي تستند فقط إلى بلد منشأ المهاجرين، وتوجهاتهم الدينية السائدة. وتجدر الإشارة إلى أن الغالبية العظمى من مسلمي كولونيا هم من السنّة، ومعظمهم من أصل تركي. ويدير المسجد المركزي الكبير الاتحاد التركي الإسلامي للشؤون الدينية، الفرع الألماني لمديرية الشؤون الدينية في الدولة التركية.
على الرغم من أن هذا المسجد، الذي يطغى على أفق المدينة، قد بُني بدعم من السياسيين المحليين، وممثلي الكنائس، فقد تم تجاهل هذا الدعم المحلي بمجرد بنائه: فلقد حضر حفل الافتتاح في سبتمبر 2018 الرئيس التركي أردوغان، ولم يُعط السياسيون في كولونيا أيَّ دورٍ كبير في الحفل. ودُعيت السيدة ريكر إلى القيام بدورٍ هامشي في الحفل، ما دفعها للاعتذار عن الحفل بوقتٍ قصير. ولم تتم دعوة سلفها، العمدة السابق فريتز شراما، الذي دافع عن بناء المسجد لسنواتٍ ضد إرادة حزبه الاتحاد الديمقراطي المسيحي، رسميًا على الإطلاق.
في يناير 2019، عُقد مؤتمر كبير لممثلي التيارات والمنظمات الإسلامية المختلفة في المسجد المركزي، رُفض فيه بشكلٍ واضح “الإسلام الأوروبي” المعتدل والاندماج. وعلى الرغم من هذه الأحداث، سيتم الآن استخدام الموافقة على هذا المشروع مرة أخرى لخطب ود الناخبين المسلمين. وفي هذا الصدد، وصفت ريكر السماح برفع الأذان بأنه معاملة متساوية. ووصفت المشروع، في تغريدةٍ على تويتر، بأنه “بادرة احترام”، تبين أن كولونيا “مدينة الحرية [الدينية] والتنوع”. ذلك أن لدى كولونيا كاتدرائية كبيرة ومشهورة عالميًا، وبالطبع أجراس الكنيسة تدق في كولونيا، فلم لا يكون هناك مسجدٌ؟
بيد أن العمدة ريكر ترتكب الخطأ الذي يقع فيه العديد من الليبراليين، عندما ترى تشابهًا سطحيًا بين جوانب أكبر ديانتين توحيديتين عالميتين، وتفترض أن جميع الأديان كذلك. ولكن الأذان لا يُقارن بقرع أجراس الكنائس، ذلك أنه لا يرمز، كما تفترض، إلى الحرية الدينية والتنوع.
أجراس الكنيسة هي إشارة صوتية بحتة كانت تستخدم في أوقاتٍ سابقة، عندما كان لدى عددٍ قليل من الناس ساعاتهم الخاصة، لتخدم وظيفة اجتماعية لهيكلة اليوم في هذه الدولة. الدعوة الإسلامية إلى الصلاة لها وظيفة مماثلة كذلك، وهي تحديد أوقات الصلاة اليومية، غير أن الأذان يبعث برسالة تختلف بشكل جوهري عن قرع أجراس الكنائس.
الأذان يقول إن الله أكبر؛ أي أعظم من كل شيء، وإنه لا يوجد إله آخر غير الله، وإن محمدًا هو رسوله، وإنه لا نجاة (خلاص) إلا من خلال عبادة الله. وبالتالي، فإن الدعوة الإسلامية للصلاة موجهة بطريقة معينة ضد الصورة المسيحية لله.
وغالبًا ما يحتقر المسلمون المتدينون المفهوم المسيحي للثالوث (الأب والابن والروح القدس) باعتباره إلحادًا. أصل هذا الموقف موجود في القرآن في الآية رقم 116 من سورة النساء: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا}.
هذه الفكرة عن وحدانية الله هي جزء أصيل من العقيدة الإسلامية، ومنذ أوائل التاريخ الإسلامي -لا سيّما النقش على قبة الصخرة– يستخدم هذا التأكيد كسلاحٍ جدلي ضد المسيحية. فانتهاك هذا المعتقد الجوهري يعتبر شركًا، وقد يترتب عليه عواقب وخيمة.
من الواضح أن نوايا العمدة حميدة، لكن ليس من الواضح كيف ستكون الآثار المترتبة على أفعالها. ذلك أن المسلمين المحافظين والأصوليين سيرون في ذلك انتصارًا لعقيدتهم على المسيحية، ومدى سهولة النهوض بقضيتهم في ظلِّ خطاب التنوع المثير هذا.
وهذا لا يتسبب في مشكلة للمجتمع الأوسع فحسب، بل داخل المجتمع الإسلامي الألماني أيضًا. فالمسلمون الليبراليون، وغير المتدينين، على الرغم من الدعاية الأصولية، أكبر بكثير من الرجعيين، ومع ذلك فإنهم يُواجهون الآن مفاجأة وقوف الحكومة إلى جانب خصومهم داخل المجتمع.
إن التسامح والتعددية الثقافية ليسا طريقًا أحادي الاتجاه، ولا يمكن أن ينجحا دون أن يكونا صادقين أولًا، حتى عندما يتعلق الأمر بحقائق غير سارة. لقد أبدت ريكر بادرة احترام، لكنها لم تتوقف أبدًا للنظر فيما إذا كان هناك ردٌّ بالمثل على هذه البادرة الطيبة.