في منتصفِ شهر ديسمبر، اختتم الفرع الأردني لجماعة الإخوان المسلمين، المعروف باسم “جمعية الإخوان المسلمين”، مؤتمره السنوي الثالث في البحر الميت، تحت عنوان “الأردن في ظل التغييرات الدولية”. أغدقت الفعالية التي أقيمت تحت رعاية رئيس الوزراء الأسبق عبد الرؤوف الروابدة، الثناء على الملك عبد الله الثاني، وأنه نجح في “حماية الأمة من مخاطر كبيرة”(1). حضر المؤتمر عددٌ من المسؤولين الأردنيين السابقين، بمن فيهم ثلاثةُ وزراءٍ سابقين، ونائب رئيس وزراء سابق. في خطابه، قال المراقب العام لجمعية الإخوان شرف القضاة إن الجماعةَ تضع اللمسات الأخيرة على “برنامجها الوطني” الجديد، الذي تتوقع أن تعلن عنه “في غضون أسابيع”.
من المؤكد أن توقيت مؤتمرهم -واحتضانه من قبل المؤسسة الرسمية الأردنية- لم يكن من قبيل المصادفة، ذلك أنه جاء في أعقابِ عرضٍ قطري لقطع العلاقات مع جماعة الإخوان المسلمين، في مقابل التقارب مع المملكة العربية السعودية. يُذكر أن الرياض، إلى جانب الإمارات والبحرين ومصر، قطعت علاقاتها مع قطر منذ عامين، اعتراضًا على علاقات الدوحة مع كلٍّ من إيران والإخوان المسلمين. ووضعتِ الدولُ الأربعة، المعروفة باسم اللجنة الرباعية، قائمة من الشروط لاستعادة علاقاتها مع قطر، من بينها أن تنهي الدوحة دعمها لجماعة الإخوان المسلمين.
تجدر الإشارةُ إلى أن صحيفة “وول ستريت جورنال” كانت أوَّلَ من تحدث عن العرض القطري لفكِّ الارتباطِ بجماعة الإخوان المسلمين في نهاية نوفمبر 2019 إثر زيارة مفاجئة قام بها وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني إلى الرياض(2). وفي حالِ إحرازِ تقدمٍ على هذه الجبهة، فسوف يحملُ عواقب وخيمة للتنظيم العالمي لجماعةِ الإخوان المسلمين، الذي اعتمد بشدة على الدوحة في توفيرِ ملاذٍ آمن، وتمويلٍ، ومنصاتٍ إعلامية عبر قناة الجزيرة. ويواجه التنظيم أيضًا خطرًا كبيرًا يتمثل في قيام إدارة ترامب بتصنيفه منظمةً إرهابية، لا يختلف عن تنظيم القاعدة، مما يزيد من تعقيد نشاطهم في جميع أنحاء الشرق الأوسط. وهكذا، فإن تخلِّيَ قطر عنهم أو تصنيفهم منظمة إرهابية من قبل الولايات المتحدة -أو كلاهما- من شأنه أن يُربك حسابات الجماعة. وفي ظلِّ حالة الضعف والتشرد التي يعيشونها حاليًا، سيكون لدى جماعة الإخوان حليف واحد فقط في المنطقة تلجأ إليه: الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي يعادي جميع الدول العربية تقريبًا، خاصة بعد الأحداث الأخيرة مع إرسال الأتراك إلى ليبيا لدعم حكومة فايز السراج التي لها صلات بجماعة الإخوان المسلمين.
الحكمة التقليدية تقول إن أعضاء جماعة الإخوان المسلمين في الدوحة بحاجة إلى البدءِ في البحثِ عن مضيف جديد وغطاء سياسي جديد في الشرق الأوسط. ويبدو الأردن بديلًا منطقيًا، نظرًا لأنها الدولة العربية الوحيدة التي تسمح للجماعة بالعمل فيها والتي لا يزال لدى الجماعة مركز قوة كبير بها. في هذا الصدد، قال ديمتري فرولوفسكي؛ باحث روسي متخصص في شؤون الشرق الأوسط: “التنظيم متجذر بعمق ولديه مجموعات من الموالين الذين يتسمون بالقدرة على الصمود”. وأضاف في حديثه إلى موقع “عين أوروبية على التطرف” قائلًا: “إنها تزعم دومًا أنها القوة الوحيدة القادرة على التحديث، وتحاول تأكيد ذلك لدى الكثيرين، وتطرح نفسها بديلًا لبعضِ النخب الحاكمة التي تصفها بالفساد”.
الإخوان والمملكة الأردنية
كان الجد الأكبر للملك الأردني الملك عبد الله الأول، ينظر بإيجابية إلى الإخوان المسلمين، حيث حضر حفل تدشين الجماعة عام 1945 في عمان -حيث كانت تُصنَّف في ذلك الوقت كمؤسسة خيرية- وقال: “إذا كانت هذه هي أهدافكم، سجلوني عضوًا”(4)، حتى أنه عرض أن يعيِّن عبد الحكيم عابدين، صهر مؤسس جماعة الإخوان المسلمين حسن البنا، وزيرًا في الحكومة الأردنية.
تمكنت جماعةُ الإخوان المسلمين من الحفاظِ على علاقة ودية مع خلفائه الثلاثة، الملك طلال (1951-1952)، والملك حسين (1952-1999)، والملك الحالي عبد الله. وعندما حاول ضباط الجيش الاستيلاء على السلطة في عام 1957، وقفت جماعةُ الإخوان المسلمين إلى جانبِ التاج الهاشمي، وألقت بكامل ثقلها خلف الملك الصبي آنذاك حسين، الذي ردَّ بالمثل بحمايتهم من قوات الأمن التابعة للمخابرات المصرية والسورية التي كانت تطاردهم في جميع أنحاء الشرق الأوسط. قدَّم الإخوان الدعمَ نفسه للملك حسين في سبتمبر 1970، عندما دبَّرت منظمةُ التحرير الفلسطينية تَمرُّدًا على المملكة، على الرغم من أن العديد من أعضاء جماعة الإخوان كانوا فلسطينيين أو أردنيين من أصل فلسطيني. وعندما تَمرَّد الإخوان السوريون على حكومتهم (1979- 1982) وجد الكثير منهم ملاذًا في الأردن.
تدعي الجماعة حاليًا أنها تضم 10,000 عضوٍ ويتم تمثيلها في كلٍّ من الحكومة والبرلمان، بل إن أحد أعضائها تولى منصب رئيس مجلس النواب في أوائل التسعينيات، وفي مرحلةٍ ما، كانت كتلة مؤثرة في البرلمان. وفي عام 1992، أسَّست حزبًا سياسيًا يُسمى “جبهة العمل الإسلامي”.
طموحات ما بعد “الربيع” العربي
بعد اندلاعِ “الربيع العربي”، بدأ أعضاءُ جماعة الإخوان المسلمين الأردنيين يضعون أعينهم على السلطة في عمان، مستلهمين الانتصار الذي حققه محمد مرسي في مصر. وفي يناير 2013، وصف زعيمها همام سعيد، الذي كان مراقبًا عامًا للجماعة في ذلك الوقت، الأردن بأنه “دولة في الخلافة الإسلامية”(5). لكن بعد ثلاثةِ أشهر، وفي مقابلة مع مجلة “ذا أتلانتك”، حسم الملك عبد الله الموقف قائلًا إن الإخوان هم “ذئاب في ثياب حملان”، وإن منعهم من الوصول إلى السلطة “هو معركتنا الرئيسة”(6). في نوفمبر 2014، تم اكتشاف خلية سرية من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين، قيل إنها تقوم بتهريب الأموال والأسلحة للمسلحين الإسلاميين في الضفة الغربية، وتعمل على إنشاء فرع عسكري داخل الأردن بهدف الإطاحة بالحكومة.
في يناير 2015، التقى الملك عبد الله بوفدٍ من جماعة الإخوان المسلمين، وقال بهدوء إنه لم يعد بإمكانه تحمل عنفهم أو انتمائهم الرسمي إلى الفرع الأم لجماعة الإخوان المسلمين في مصر. ثم انقسمتِ الجماعةُ بين ما يُسمى بالكتلة الإصلاحية، كونها “جمعية الإخوان المسلمين” المرخصة من الحكومة، و”جبهة العمل الإسلامي”، في مقابل جماعة الإخوان المسلمين الأصلية، التي تم حلُّها بالقوة. وقال زعيمها عبد المجيد ذنيبات إن الجماعة “يجب أن تصبح أردنية وتخضع للقانون الأردني”، في حين وصف همام سعيد الفصيل المنشق بأنه يمثل “انقلابًا”(7).
في وقتٍ لاحق، اعتُقل أعضاء جماعة الإخوان المسلمين، وتم إغلاق مقرها ومكتبها الإعلامي(8). كما تمت مصادرة ممتلكاتها ونقلها إلى جمعية الإخوان المسلمين. في سبتمبر 2016، فازت جبهة العمل الإسلامي بـ 10 مقاعد من أصل 130 مقعدًا في البرلمان، ما منحها نفوذًا أكبر لمتابعة تنفيذ أجندتها من داخل أروقة السلطة التشريعية. لكن قبل عملية الترشح، تخلى أعضاؤها عن شعارهم “الإسلام هو الحل” لصالح شعار أكثر دقة ووضوحًا هو “النهضة للوطن والكرامة للمواطنين”. واستقال ذنيبات كمراقبٍ عام للجماعة في مارس 2018، وحل محله شرف القضاة، وهو عضو في اتحاد علماء المسلمين الذي يتخذ من الدوحة مقرًا له، الذي كان يترأسه سابقًا يوسف القرضاوي، مُنظّر جماعة الإخوان المسلمين.
في هذا الصدد، قال شون يوم؛ باحث وأستاذ بارز في الشرق الأوسط بجامعة تيمبل في الولايات المتحدة، ولديه كتابات أكاديمية حول السياسة الأردنية: “رغم أن المتشددين في المؤسسات الأمنية يشككون في كثيرٍ من الأحيان في دوافع الإخوان، فإنه لا يوجد رأي يحظى بالأغلبية حول ضرورة حظر التيار الإسلامي في الأردن”. وفي حديثه إلى موقع “عين أوروبية على التطرف”، قال إن “التنظيم اليوم أضعف بكثير مما كان عليه في الماضي، وذلك بسبب الانقسامات الداخلية التي تضخمت عبر استمالة الدولة للفصائل المعتدلة داخل الجماعة… صحيح أن الملك عبد الله شخصيًا لا يتفق مع آراء الجماعة أو نزعتها الدينية المحافظة، لكن الرضوخ للضغوط الجيوسياسية وإزالة هذا العنصر من المعادلة المحلية من شأنه أن يصدم الكثيرَ من الأردنيين، إنه ببساطة ليس أولوية كبيرة في قائمة الأهداف السياسية”.
وختامًا، فلقد خابت كلُّ آمالِ الجماعة في دعم نظام الإخوان في دمشق، وكذلك خابت آمالها في الحفاظ على نظام الإخوان في القاهرة. ومع خروج عمر البشير من السلطة في السودان، فإن آمالها الأخيرة في العالم العربي تتركز على ليبيا، وقطر، والأردن. ورغم أن تركيا، التي تعتقد أن الإسلاميين المعتدلين هم الأفضل في مواجهة الجهاديين، قد تستطيع الحفاظ على حكومةٍ تابعةٍ لجماعة الإخوان المسلمين في جزء من ليبيا، وذلك باستخدام قواتها الخاصة والمرتزقة السوريين، فإنه من غير المحتمل هزيمة المشير خليفة حفتر تمامًا. وبالتالي، فإذا تم التوصل إلى اتفاق بين المملكة العربية السعودية وقطر، فقد يتم إجبار جماعة الإخوان في الدوحة على الخروج منها، ومن المؤكد أنهم سيتوجهون ساعتها إلى عمَّان. وفي الوقتِ الذي تعكف فيه جماعة الإخوان المسلمين على إعداد خطة احتياطية بديلة في هذا المشهد الإقليمي الجديد، يبدو الأردن أفضل وآخر أمل لها.
*يسعى موقعُ «عين أوروبية على التطرف» إلى نشرِ وجهاتِ نظرٍ مختلفة، لكنه لا يؤيد بالضرورة الآراء التي يُعبِّر عنها الكتّابُ المساهمون، والآراء الواردة في هذا المقال تُعبِّر عن وجهةِ نظر الكاتب فقط.
**باحث وأستاذ جامعي سوري، متخصص في الدراسات التاريخية، عمل باحثا في مركز كارنيجي، مؤلف كتاب: تحت الراية السوداء- على مشارف الجهاد الجديد”، صدر في 2015.
المراجع:
[1] Intilak Faliyat al-Moutamar al-Sanawi al-Thaleth li Jamiyat al-Ikhwan al-Muslimin “Launch of the third conference of the Muslim Brotherhood Society,” Al-Ghad (December 13, 2019): available here.
[2] Abadi, Salah. Al-Ikhwan al-Muslimeem tutlik mashrouaha al-watani khilal asabee “The Muslim Brotherhood launches its national program within weeks,” al-Rai Newspaper (December 14, 2019): available here.
[3] Strobel, Warren P. “Qataris, Saudis make a new bid to mend a long-fostering feud” Wall Street Journal (November 28, 2019): https://www.wsj.com/articles/qataris-saudis-make-new-bid-to-mend-a-long-festering-feud-11574942401.
[4] Mamdouh, Mumtaz. Ikhwan al-Ordon Min al-Mouwalat ila al-Muarada ila al-Tafakok “The Jordanian Brotherhood from Loyalty to Dissent to Disintegration” Ida2at.com, (December 12, 2019): https://www.ida2at.com/jordan-muslims-brotherhood-loyalty-dissent-disintegration/
[5] Counter Extremism Project: https://www.counterextremism.com/content/muslim-brotherhood-jordan
[6] Goldberg, Jefrey. “The Modern King of the Arab Spring” The Atlantic (April 2013 issue): https://www.theatlantic.com/magazine/archive/2013/04/monarch-in-the-middle/309270/
[7] Schenker, David & Barnhard. “The implosion of Jordan’s Muslim Brotherhood” The Washington Institute (May 11, 2015): https://www.washingtoninstitute.org/policy-analysis/view/the-implosion-of-jordans-muslim-brotherhood
[8] CNN Arabic Hummam Saed yadou Ikhwan al-Ordon ila Ras al-Sufoof “Hammam Saed calls on Jordan Brothers to solidify ranks,” CNN Arabic (April 13, 2016): https://arabic.cnn.com/middleeast/2016/04/13/jordan-muslim-brotherhood-hammam-said