آنا أجيليرا*

يعيث الإرهاب فسادًا في منطقة حوض بحيرة تشاد ويعصف بها الجوع، ما يتسبب في أزمة إنسانية حادة. ذلك أن ملايين الأشخاص في حاجةٍ ماسّة إلى المساعدة، بعدما دمُرت سبل معيشتهم وانقطعت طرق وصولهم إلى الضروريات الأساسية، نتيجة للعنف وعدم الاستقرار الذي تسببه الجماعات الإرهابية، مثل بوكو حرام، وولاية داعش في غرب إفريقيا.
من جانبها، تعمل الأمم المتحدة وشركاؤها، بلا كلل، لمعالجة تأثيرات الإرهاب في منطقة حوض بحيرة تشاد، وتقديم المساعدة الإنسانية، ودعم مبادرات التنمية، والعمل مع الحكومات لتعزيز الاستقرار والأمن. ومع ذلك، وعلى الرغم من هذه الجهود، فلا تزال الأزمة الإنسانية في المنطقة قائمة.
أثر الإرهاب على الأمن الغذائي
تعرقل الجماعات الإرهابية مثل بوكو حرام وولاية داعش في غرب إفريقيا إنتاج الأغذية وتجارتها، ما يؤدّى إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية، وحرمان ملايين الأشخاص من الحصول على الضروريات الأساسية. فهذه الجماعات المسلحة تهاجم المزارعين وتدمر محاصيلهم وتحرق الأسواق، ما يلحق خسائر كبيرة في المحاصيل ويؤدّي إلى انخفاض الإنتاجية الزراعية.
في ولاية بورنو، يُعتقد أن جماعة بوكو حرام أوقفت زراعة أكثر من 400 هكتار من القمح في المنطقة، وكذلك في ولايات أخرى في الجزء الشمالي الشرقي من نيجيريا. وفي النيجر، قُتل ما لا يقل عن 11 مزارعًا محليًا برصاص عناصر من داعش في سبتمبر 2022، وسط اتهامات بتسريب معلومات عن مخابئ الإرهابيين.
بالإضافة إلى ذلك، دفع الصراع ملايين الأشخاص إلى النزوح، وتسبب في انعدام الأمن الغذائي، وأجبرهم على الاعتماد على الاقتصادات غير المشروعة للبقاء على قيد الحياة، الأمر الذي يفاقم دورة العنف في نهاية المطاف.
إضافة إلى ذلك، يُعطل الإرهاب الاقتصادات المحلية، ما يؤدّي بدوره إلى فقدان سبل عيش المزارعين والتجار وغيرهم من منتجي الأغذية. وهذا يقود إلى الحد من تنوّع النظم الغذائية المحلية وقدرتها على الصمود، ويجعلها أكثر عُرضة للصدمات الطبيعية مثل الجفاف والفيضانات.
ويبدو الوضع في منطقة حوض بحيرة تشاد حرجًا على نحو خاص، حيث تُحذّر الأمم المتحدة من خطر وقوع ملايين الناس في المنطقة في براثن المجاعة. وقد وضع ذلك الوكالات الإنسانية على خط المواجهة من حيث تقديم المساعدات الغذائية الطارئة، والدعم الغذائي، وتوفير فرص كسب العيش للمحتاجين.
تعمل الوكالات الإنسانية بلا كلل لدعم المجتمعات المتضررة، لكن جهودها أعيقت بسبب نقص التمويل والتحديات الأمنية ومحدودية الوصول إلى المناطق المتضررة من النزاع. وعلى الرغم من هذه التحديات، فإنها تواصل تقديم المساعدة المُنقذة للحياة لملايين الأشخاص في المنطقة.
الوضع مُزْرٍ على نحوٍ خاص في شمال شرق نيجيريا، حيث بوكو حرام أكثر نشاطًا. وفي ولاية بورنو، بؤرة الأزمة، يحتاج أكثر من 4 ملايين شخص إلى مساعدات غذائية، ويعاني أكثر من 320,000 طفل من سوء التغذية الحاد الوخيم.
الاستجابة الإنسانية
تُعد الاستجابة الدولية للأزمة في منطقة حوض بحيرة تشاد عنصرًا حاسمًا في الجهد الإنساني. وتعمل الأمم المتحدة مع شركائها لتنسيق إيصال المساعدات المُنقِذة للحياة إلى ملايين الأشخاص المتضررين من الأزمة.
من بين المبادرات الأساسية التي اتخذتها الأمم المتحدة إنشاء “لجنة حوض بحيرة تشاد”، التي تجمع بين الدول المتضررة، مثل تشاد والكاميرون والنيجر ونيجيريا، لتعزيز التعاون الإقليمي وتنسيق الاستجابة المشتركة للأزمة.
تعمل لجنة حوض بحيرة تشاد على تحسين التنسيق عبر الحدود، وتعزيز السلام والأمن، ودعم سبل العيش والتنمية الاقتصادية في المجتمعات المتضررة. وتهدف مبادراتٍ أخرى، مثل برنامج العمل الاستراتيجي لحوض بحيرة تشاد لعام 2017، إلى الحد من التأثيرات المتزايدة لتغيّر البيئة والمناخ والممارسات غير الملائمة.
الأسباب الجذرية
تعمل الأمم المتحدة أيضًا على معالجة الأسباب الجذرية للأزمة من خلال الاستثمارات طويلة الأجل في الزراعة والتنمية الريفية، وحل النزاعات، وتعزيز أنظمة الحماية الاجتماعية. فعلى سبيل المثال، ما فتئت منظمة الأغذية والزراعة تدعم المزارعين لتحسين الإنتاجية الزراعية، في حين يقدم برنامج الأغذية العالمي المساعدة الغذائية لملايين الأشخاص في المنطقة. من جانبه، تعهد الاتحاد الأوروبي بتقديم أكثر من 100 مليون يورو كتمويل إنساني لمنطقة بحيرة تشاد في إفريقيا، وخصّص مبلغًا كبيرًا من مساعدات الاتحاد الأوروبي للمنطقة.
وعلى الرغم من جهود المساعدة التي تبذلها الوكالات الإنسانية، فإن نداءات التمويل غالبًا ما لا تحقق التمويلات المستهدفة، ناهيك عن وجود عراقيل تحد من إمكانية الوصول إلى المجتمعات المتضررة، بسبب العنف المستمر وعدم الاستقرار الناجم عن الإرهاب. وقد أدّت جائحة كوفيد-19 واندلاع الحرب في أوكرانيا إلى تفاقم هذه التحديات، في ظل فرض قيود على الحركة واضطرابات في سلاسل التوريد والأسواق.
في إطار استجابتها أيضًا، تعمل الأمم المتحدة على تلبية احتياجات الحماية للسكان المتضررين، ولا سيّما النساء والأطفال الذين غالبًا ما يكونون الأكثر ضعفًا في حالات الأزمات. ومن خلال العمل مع الشركاء المحليين، نجحت الأمم المتحدة في توفير خدمات الحماية، بما في ذلك الدعم النفسي والاجتماعي، وتعزيز حقوق النساء والأطفال في المجتمعات المتضررة.
تصاعد التحديات
على الرغم من الجهود التي تبذلها الأمم المتحدة وشركاؤها، لا تزال الأزمة الإنسانية في منطقة حوض بحيرة تشاد قائمة. فاستمرار العنف وعدم الاستقرار الناجم عن الإرهاب يجعل من الصعب على الجهات الفاعلة الإنسانية الوصول إلى المحتاجين إلى المساعدة. بالإضافة إلى ذلك، فإن التهديدات متعددة القطاعات، مثل تغيّر المناخ، تجعل تقديم المساعدة أكثر صعوبة، وذلك في ظل وجود قيود على الحركة، وتعطيل سلاسل التوريد والأسواق.
في خضم حالة عدم الاستقرار هذه، تتشابك المجالات المؤسسية مع السياقات الإنسانية. وتعاني العديد من الحكومات والمؤسسات الإقليمية ضعف القدرة على معالجة أزمة الغذاء بفعالية. ويشمل ذلك محدودية الخبرة الفنية، وضعف الأُطُر التنظيمية، وعدم كفاية أنظمة الرصد والتقييم، ما قد يجعل من الصعب تنفيذ سياساتٍ وبرامج فعّالة.
علاوة على ذلك، يؤدي ضعف الحوكمة في حوض بحيرة تشاد إلى انتشار الفساد وانعدام المساءلة ومحدودية الشفافية، ما يقوِّض الجهود المبذولة لمعالجة انعدام الأمن الغذائي. وقد أكّد تقرير برنامج الأغذية العالمي لعام 2016 أن الفساد والتقاعس السياسي في توفير الخدمات الاجتماعية الأساسية كان لهما دور أساسي في حدوث الاضطرابات الاجتماعية، وانعدام الأمن الغذائي.
الأزمة الإنسانية في منطقة حوض بحيرة تشاد نموذج صارخ على أثر الإرهاب على الأمن الغذائي والحاجة إلى استجابة مُنسّقة من المجتمع الدولي. لذا، تعمل الأمم المتحدة وشركاؤها على معالجة تداعيات الإرهاب على الأمن الغذائي، وتقديم المساعدات الإنسانية، ودعم مبادرات التنمية، والعمل مع الحكومات لتعزيز الاستقرار والأمن.
ومع ذلك، فإن استمرار العنف وعدم الاستقرار الناجم عن الإرهاب، وكذلك التحديات الناجمة عن التهديدات متعددة القطاعات، لا تزال تُمثّل تحديات كبيرة لهذه الجهود.
* باحثة في المرصد الدولي لدراسات الإرهاب (OIET) في إسبانيا، ومنسقة برنامج الباحثين الشباب.
يسعى موقعُ «عين أوروبية على التطرف» إلى نشرِ وجهاتِ نظرٍ مختلفة، لكنه لا يؤيد بالضرورة الآراء التي يُعبِّر عنها الكتّابُ المساهمون، والآراء الواردة في هذا المقال تُعبِّر عن وجهةِ نظر الكاتب فقط.