على مدار السنوات الـ 15 الماضية، برزت مفاهيم التطرف ومكافحته كمصطلحات شمولية لفهم العمليات التي يتحول فيها الناس إلى إرهابيين ومتطرفين. وقد حان الوقت لإعادة النظر في الطريقة التي ننظر بها إلى هذين المفهومين، كما ينبغي النظر من جديد في كيفية تقديمهما في المنافذ الإعلامية والسياقات الاجتماعية.
هنالك خلافات كبيرة بين الأكاديميين والخبراء حول معنى التطرف، وطبيعته وتهديده. بينما كرس العديد من الباحثين أوقاتهم وجهدهم لإثبات أن هذه الظاهرة ليست خطرًا في حد ذاتها، عمل آخرون بكل جدّ لإقناعنا بأن التطرف هو السبب الجذري لغالبية أعمال العنف التي نراها اليوم، وأنه يشكل تهديدًا كبيرًا للمجتمعات الحديثة.
ترجع جذور هذا الجدل حول التطرف إلى التعقيد التاريخي للمصطلح ذاته، وإلى الطابع الغامض للتعريفات بشكل عام. في العديد من البلدان الديمقراطية الغربية، التطرف ليس جريمة، بل إن فكرة التطرف ذاتها قد تحمل دلالات إيجابية، لا سيما في الدول التي اعتبرت فيها المبادئ التأسيسية متطرفة (نيومان، 2013).
وبالفعل، فإن كتب التاريخ مليئة بأمثلة عن الأبطال، والآباء المؤسسين، ومقاتلي الحرية مثل غاندي، ومالكوم إكس، ومارتن لوثر كينغ، وجرى اعتبار هؤلاء كـ ” متطرفين”خطيرين من قبل معاصريهم، ولكن اليوم، يحتفل الناس بهم كأبطال وصانعي سلام، ممن صنعوا مساهمات إيجابية في المجتمع. وينطبق الأمر نفسه على الحركات في القرنين التاسع عشر والعشرين، التي ناضلت من أجل الحقوق المتساوية للنساء والأقليات، لكنها صنفت على أنها متطرفة في ذلك الوقت، لأنها تحدّت الوضع الراهن المهيمن.
ويمكن القول إن كل حركة ناضلت من أجل التغيير، تعرضت لاتهامات التطرف. والأهم من ذلك، العديد من النشطاء لم، ولا يمانعون -بكل فخر- وصف أنفسهم بـ “المتطرفين”، أو وصف أيديولوجياتهم السياسية بـ “المتطرفة”.
إذًا، ما الذي يحدث؟ هل التطرف جيد أم سيء؟ هل ينبغي تشجيع المتطرفين؟ أم ينبغي إعادة تأهيلهم ودمجهم في المجتمع؟ حاول العديد من الخبراء حل هذه المعضلة التعريفية، من خلال القول إن مصطلح “التطرف” يكون إشكاليًا في علاقته مع السلوك غير القانوني. ولكن، “التطرف” اليوم هو تعبير عن الفكر السياسي المشروع (فريق خبراء حول التطرف العنيف، 2008).
ماذا يقول العلماء والباحثون؟
في الأدبيات الأكاديمية، يُعرَّف التطرف على أنه: “رفض الوضع الراهن”، لكن ليس بالضرورة بأسلوب إشكالي (بارليت & ميلر، 2012). وبالنسبة لباحثين آخرين، التطرف هو الحالة الذهنية التي تسبق الإرهاب (ماستورز & سايرز، 2014)، لكن التطرف والأصولية والإرهاب، تعني أشياء مختلفة لأناس مختلفين.
غالبًا ما يستند الغموض والالتباس حول التطرف إلى المصالح السياسية والخلفية الثقافية والانتماءات الدينية للناظر. بكلمات أخرى، التطرف، على غرار الإرهاب، هو مسألة إدراك وتصور: “قد يكون رجل متطرفًا بنظر أحدهم، لكنه مقاتل حرية بنظر آخر” (نيومان، 2013).
ينبع هذا الغموض من مفاهيم التطرف، التي تؤكد على الفِكر المتطرف باعتباره “تطرفًا إدراكيًا” من جهة، وتركز على العمل المتطرف باعتباره “تطرفًا سلوكيًا” من جهة أخرى. وينطوي الأخير على الانخراط في أنشطة راديكالية، سواء كانت قانونية أم سرية، تؤدي إلى الإرهاب في غالب الأحيان (مولينز وهافيز، 2015).
إن فهم الآليات الكامنة وراء أشكال التطرف هو المفتاح لفهم “سبب وكيفية انتقال الأفراد من التطرف الإدراكي إلى التطرف السلوكي” (كويهلر، 2014). هذا لا ينطوي بالضرورة على القيام بأعمال معينة؛ فقد يعني ببساطة تقديم الدعم لتغييرات واسعة وشاسعة في مجتمع أو نظام، دون استخدام وسائل عنيفة لتحقيق هذه الغاية (هيرش، وآخرون، 2015). إن التحول من التطرف إلى العنف عملية معقدة وغامضة، تنطوي على تطوير المعتقدات والأيديولوجيات المتطرفة إلى أن تقود الفرد إلى العنف.
علاوة على ذلك، لا ينبغي المساواة ما بين “التطرف الفكري” و”التطرف السلوكي”؛ فالميول الراديكالية قد لا تتحول بالضرورة إلى عنف أو إرهاب. وليس بالضرورة أن ينتقل الفرد الراديكالي المتطرف إلى الإرهاب، وليس كل الإرهابيين متطرفين سياسيًا أو أيديولوجيًا (هاروغان &التيير، 2012). في الواقع، غالبية المتطرفين (الراديكاليين) لا يلجأون إلى العنف أبدًا للتعبير عن آرائهم وتحقيق أهدافهم (شميد، 2013).
دراسات التطرف:
تركز غالبية دراسات التطرف على العوامل الرئيسة التي تساعد على خلق مناخ مُواتٍ للعنف والإرهاب. ينشأ التطرف أحيانًا من (وعبر) عوامل محددة، أو يكون نتاج لعملية تدريجية ذات مراحل وعلامات وعوامل واضحة ومعروفة (كينغ & تيلر، 2011).
يقسم كوهلر (2014) مدارس التطرف إلى 4 أنواع نظرية:
- نظريات اجتماعية.
- نظريات حركة اجتماعية.
- نظريات تجريبية.
- (4) نظريات نفسية.
يقول كوهلر إن المدرسة الاجتماعية تربط بين التطرف وأزمة الهوية الفردية. بينما ترى “الحركة الاجتماعية” أن التطرف يحدث بسبب شبكات المعارف، وديناميكيات الجماعة، وضغط الأقران، والواقع الناتج عن ذلك. أما النظرية التجريبية فتنظر إلى الدوافع والمحفزات والعوامل الاقتصادية – الاجتماعية والخلفيات والانتماءات الفردية.
وأخيرًا، توضح المدرسة النفسية أن الضعف العاطفي، وعدم الرضى عن النشاط السياسي الحالي، والاعتقاد بأن استخدام العنف ليس مناقضًا للأخلاق، والإحساس بروابط اجتماعية وانجذاب نحو المجموعات الراديكالية، جميعها تؤدي إلى التطرف.
النص كاملًا متوفر باللغة الإنجليزية هنا