جيمس سنيل*
يبدو التعامل، ومناقشة القضايا والأمور العادية، في أعقاب وقوع حدث جلل، أمرًا ليس سهلًا، ومن ثم ربما ينبغي علينا مناقشة التيار اليميني المتطرف العالمي بشكل مؤثر واستثنائي ومُسهب، بعد إطلاق النار الجماعي في كرايست تشيرش. إن استغلال هذه الحادثة المأساوية في مناقشة أسبابها لا بد أن يتم فورًا، من أجل الحفاظ على الزخم العاطفي، وحالة الحماس، وتفادي ضياع الفرصة دون الوصول إلى نتائج.
وعلينا إدراك أنه في بعض الحالات يسيطر على مجمل الانتباه أحداثٌ فردية لقتلةٍ فاشيين، ورغم خطورة هؤلاء، فإننا لا يجب أن ننشغلَ بهم عن متابعةِ نظرائهم الأيديولوجيين، الأكثر تطرفًا في حقيقة الأمر، والأقل شهرة، والذين يستغلون مثلَ هذه اللحظات الاستثنائية للتغلب على نقاط ضعفهم.
ومن المهم الانتباه أيضًا إلى أنّ أعضاء التيارات اليمينية الجديدة، خاصة اليمين المتطرف، يدعون الضعف، لكن علينا ألَّا نصدق هذه الادعاءات، فلا بد أن نعي أنهم يُخفون في حقيقة الأمر القوة. إنها قوة ترتكز على الملايين الصامتة، التي يمكن أن تصدق ما يطرحونه من خطاب، خاصة عندما تستخدم جماعاتُ اليمين المتطرف القمعَ الذي تتعرض له كأداة خطابية أساسية لجذب الآخرين إليهم، وتوجيه الرسائل إلى الشعب، معتمدين على ما تتلقاه الشخصيات البارزة في هذه الجماعات من معاملةٍ قمعية في وسائل التواصل الاجتماعي، ما يعطي للحركة شكلًا وأهمية.
في أمريكا، الأشياء بشكل عام أضخم، وبالتبيعة عادة ما تكون ادعاءاتُ الشعور بالظلم والوقوع ضحية أكثرَ إثارةً. على سبيل المثال عندما تمّ إغلاق حسابات مواقع التواصل الاجتماعي لأليكس جونز، وهو مُنظّر نظرية المؤامرة وأحد المتطرفين البارزين الذين رسخوا في السنوات الأخيرة أفكاره الغريبة شديدة المحافظة والتقليدية، اُعتبر ذلك مثالًا على ما يبدو أنها حملة تستهدف “إسكات” التوجه اليميني. ويبدو أن وصمةَ العار المتمثلة في أن يُحسب شخصٌ غريب الأطوار على جماعةٍ أو تيار، أمرٌ أقلُّ وطأةً من المكسبِ الذي يمكن تحقيقُه في حال استغلال الادعاء بتعرضه للاضطهاد.
يمتد هذا الاضطهاد أيضًا ليشمل وسائل الإعلام بصورة أعم، وأمثلة إيذائها الواضحة. في أمريكا، يتعرض الأشخاص الذين لديهم برامج تلفزيونية ليلية للقمع إذا رفض الآخرون لهجتهم أو فحوى كلماتهم. في بريطانيا، هناك حالات تدعي التعرض للاضطهاد ذاته، ولكن في كثيرٍ من الأحيان يترافق مع تلميحات أكثر فجاجة بالفساد. حالة تومي روبنسون -وهو لا ينتمي للفاشية، بل هو مجرد رجل يتجاوز كثيرًا القيود التي يفرضها التيار السياسي الرئيسي- مثالٌ واضح على ذلك.
لدى روبنسون سجل متنوع، من كونه زعيمًا لرابطة الدفاع الإنجليزية، مرورًا بادعاءاته السابقة بأنه زعيم أدرك الحق وأبصر الصواب، وصولًا إلى أنه أصبح الآن شخصية بارزة على وسائل التواصل الاجتماعي مع سجل متنامٍ في تحريض الجماهير. يُعزى سلوكُه جزئيًا إلى الشعور بالمظلومية الشخصية، إذ يدعي أنه يتعرض للمعاناة لأنه يرغب في حماية الشعب البريطاني وإخراجه من معاناته. ومنذ سنواتٍ، عندما كتب روبنسون كتاب «عدو الدولة»، حول سوء معاملته المزعومة، والتي تضمنت، حسب قوله، اهتمامًا خاصًا وغير عادل من دوائر حكومية لا علاقة لها بالدعوة، تعاطف معه عدد أكبر من قاعدة معجبيه الحالية.
اجتذبت الفترةُ الأخيرة -وإن كانت وجيزة- التي قضاها في السجن تعاطفًا من المتطرفين اليمينيين في جميع أنحاء العالم، وبات روبنسون قادرًا على مخاطبة حشود ضخمة، عبر حملةٍ إعلامية متطورة يقودها بنفسه، وتُشكّل محور جهدٍ دعائي متأنٍ. وتعتمد الحملةُ الدعائية، في جزءٍ منها، على التركيز على فكرة الاضطهاد الذي يتعرضُ له على منصاتِ وسائلِ التواصلِ الاجتماعي، واعتبار أنه مثالٌ لما تتعرضُ له الشخصياتُ الإعلاميةُ اليمينية. وهذا يبين مدى نجاح اليمين المتطرف في تسليط الضوء على نظرياته المتمثلة في قمع النخبة وإحلال السكان الأصليين بالأجانب، بمساعدةٍ من الحكومات الغربية.
وبما أن الحقيقةَ تعاود الظهورَ عقب كلِّ عملٍ شرير، يجب كذلك أن تفرض نفسها على الادعاءات المُختلقة بالتعرض للاضطهاد. اليمين المتطرف ليس بالقوة التي يزعمها الأعداءُ المتحمسون والمُعلَنون، ولا يتعرض بالقدر ذاتِهِ للاضطهاد الذي يزعمه المدافعون. إذًا هناك حاجةٌ ماسة إلى تقييم معقول وواقعي لقوته، وربما -على الأقل- طريق للمضي قدمًا لتخفيف تجاوزاته.
*كاتب بريطاني