د. أكرم عمروف، محلل سياسات
لم تحظَ دراسةُ قضيةِ التطرف، في قيرغيزستان، بتحقيقاتٍ كافية لفترة طويلة. يأتي هذا في الوقت الذي أولى الخبراء والباحثون مزيدًا من الاهتمام لدراسة التطرف، وتصاعد التطرف العنيف، والإرهاب في الدول المجاورة. لقد تحولت قيرغيزستان، مؤخرًا، إلى إحدى البؤر الساخنة في آسيا الوسطى، من حيث التطرف الديني. ورغم أن الدولة لم تشهد أعدادًا كبيرة من الهجمات الإرهابية، فإنّ تناميَ عدد الشباب المنضمين إلى الجماعات الدينية المتطرفة، بل العنيفة، يكشف أوجه القصور الموجودة، في التحليل الحالي للسلطات القيرغيزية، لأسبابِ التطرف وأساليبها في معالجة هذه القضية.
الخصائص الرئيسة للتطرف في قيرغيزستان في الوقت الراهن
- تجنبت قيرغيزستان وقوع حوادث إرهابية واسعة النطاق على أراضيها خلال فترة استقلالها
على النقيضِ من الدول الأخرى، من الملاحظ أن الهجمات التي وقعت في قيرغيزستان، على مدار السنوات القليلة الماضية، كانت صغيرة وأقل فتكًا. ففي عام 2010، وقع انفجار بالقرب من المركز الرياضي أسفر عن إصابة اثنين من ضباط الشرطة، ومحاولة فاشلة لتفجير قنبلة بالقرب من إدارة الشرطة المركزية في بيشكيك(1). أعلنت الجماعة الإرهابية المحلية “جيش المهدي” مسؤوليتها عن هذه الحوادث، غير أن وكالات إنفاذ القانون القيرغيزية سرعان ما قتلت أو احتجزت معظم أعضاء الجماعة(2).
في أغسطس 2016، حاول انتحاريٌّ دخول السفارة الصينية في بيشكيك، ثم فجّر نفسه في سيارته بالقرب من بوابه البعثة الدبلوماسية، ما أدّى إلى مقتل المهاجم وإصابة ثلاثة موظفين محليين(3). وحول هذا الحادث، قالت السلطات القيرغيزية إن سراج الدين مختاروف، الملقب بـ “أبو صلاح”، مواطن من جنوب قيرغيزستان، زعيم جماعة “كتيبة التوحيد والجهاد” الإرهابية، هو من أمر بالهجوم(4). ويُعتقد أن هذه الأخيرة هي أيضًا من كانت وراء تفجير المترو في سانت بطرسبرغ، في أبريل 2017، الذي قام به مواطن قيرغيزي، وأسفر عن مقتل أربعة عشر شخصًا، وجرح 50 آخرين(5).
- تشهد المناطق الجنوبية من الدولة زيادة متنامية في التطرف بين الشباب
يمكن قياس تركيز التشدد في جنوب الدولة، بعددٍ من الطرق. فعلى سبيل المثال، في ذروة شعبيته في عام 2016، انضم نحو 860 مواطنًا قيرغيزيًّا إلى تنظيم “داعش”، وهو أعلى معدل من المجندين الأجانب؛ مقارنة بعدد السكان في جميع دول آسيا الوسطى(6)، وكان 77% من هؤلاء الناس من المقاطعات الجنوبية في قيرغيزستان(7).
وهناك مؤشرٌ آخر ذو دلالة، هو أن 94.5%من الأشخاص المدرجين في قائمة المراقبة الخاصة لوكالات إنفاذ القانون، في عام 2016، يعيشون في المناطق الجنوبية، نصفهم تقريبًا من مقاطعة جلال آباد، وأكثر من الثلث من مقاطعه أوش(8).
ووفقًا لمقابلاتٍ واسعة النطاق أجرتها منظماتٌ غير حكومية مختلفة، في عام 2013، أيّد خُمس السكان تطبيق الشريعة في الحياة اليومية، وكان الدعم الأكبر لهذا في الأجزاء الجنوبية من البلاد، 62% في باتكن، و44% في أوش(9).
الأسباب الرئيسية للتطرف
- ارتفاع مستوى الفقر والبطالة يؤدي إلى تصاعد التطرف، لا سيّما بين الشباب
تشيرُ بيانات اللجنة الإحصائية الوطنية لعام 2017، أن 25.6% من السكان في قيرغيزستان يعيشون تحت خط الفقر، وقرابة 50 ألف شخص يعيشون في فقر مدقع(10). وإجمالًا، هناك أكثر من 1.6 مليون شخص يعانون من الفقر، يتركزون في المناطق الجنوبية. وفي عام 2016، ارتفع مستوى الفقر في مقاطعة باتكن من 37% إلى 40.5%، وفي أوش من 24.6 % إلى 33.5 %(11).
ولا تزال معدلات البطالة في ارتفاع مستمر. وفي عام 2017، يُقدر معدل البطالة بين الشباب (الذين تتراوح أعمارهم بين 15-24) بنسبه 15.9%(12). وقد أدى هذا الوضع إلى ظهور ظاهرة هجرة العمال بحثًا عن الوظائف وأجور أفضل. ووفقًا لدائرة الهجرة القيرغيزية، يعمل أكثر من 800 ألف مواطن في دول مختلفة، بشكلٍ رئيس في روسيا وكازاخستان. وفي عام 2017، بلغت تحويلات العاملين بالخارج قرابة 2.5 مليار دولار، أي ما يعادل 34.3% من الناتج المحلي الإجمالي للدولة(13).
- الفساد، وعدم المساواة، وغياب التعليم الديني
تحتل قيرغيزستان المرتبة 132 من بين 180 دولة في “مؤشر مدركات الفساد” لعام 2018(14). وتشير تقديرات برنامج الأمم المتحدة الإنمائي إلى أن قيرغيزستان تخسر 700 مليون دولار في السنة من جراء الفساد؛ أي قرابة 11% من الناتج المحلي الإجمالي(15). ووفقًا للدراسة الاستقصائية، وصف الشباب الفساد بأنه إحدى أكبر مشكلات المجتمع القيرغيزي، وأكد 56% منهم أن الدولة غير عادلة(16).
تجدر الإشارة إلى أن التوترات العرقية في جنوب قيرغيزستان تسببت في تفاقم الظروف المعيشية بشكل كبير. ذلك أن الأقليات العرقية تجد نفسها عُرضة للمعاملة غير المتساوية، فيما يتعلق بالحصول على الوظائف، وتلقي التعليم بلغاتها الخاصة، والوصول إلى النظام القضائي. ويمكن أن تشكل هذه العوامل جزءًا من المسار التصاعدي للتطرف.
إضافة إلى ما سبق، ثبت أن النظام الحالي للتعليم الديني غير قادر على نشر نسخة معتدلة للدين بين الشباب. وفي الفترة ما بين عامي 2015 و2016، اختبرت الإدارة الروحية للمسلمين القيرغيزيين المعرفة الدينية للأئمة في جميع مساجد الدولة البالغة 2,500، ولم يتمكن من اجتيازها سوى 800 إمام(17). علاوة على ذلك، لم يتلق الأئمة أجورًا حتى عام 2014، رغم أن الرواتب المخصصة لهم كانت متواضعة(18).
ولا شك أن هذه المشكلات العميقة والمتداخلة توفر مساحة للمتطرفين لضخ أفكارهم من القاعدة إلى القمة، من خلال اللعب على وتر الفئات المهمشة، ومن القمة إلى القاعدة من خلال تقديم المساعدة مقابل الولاء للأئمة الذين يكتسبون مصداقية بين الشباب.
الخلاصة
وهكذا، تسببتِ المشكلاتُ الاقتصاديةُ المستمرة التي تعاني منها الدولة، بالاقتران مع تدني كفاءة السلطات العامة والاضطرابات السياسية المتكررة، في عرقلة تنفيذ السياسة الاستراتيجية للدولة الرامية لمنع التطرف الديني ومكافحته. كما أن التفاوتات الاجتماعية-الاقتصادية الحالية، إلى جانب عزوف الحكومة المركزية وعجزها عن وضع وتنفيذ برنامج إدماج طويل المدى، تعزز ظهور الأيديولوجيات المتطرفة بين الأقليات العرقية.
ومن شأن زيادة تطوير التعاون، وتبادل المعلومات، ذات الصلة، مع مختلف الدول، فيما يتعلق بالمواطنين القيرغيزيين، الموجودين في مناطق النزاع، أن يساعدَ في تحليل كيف انتهى بهم المطاف إلى السقوط بين براثن الجماعات الإرهابية، والمساعدة في وقف محاولاتها لنشر أفكارها الراديكالية على أراضي قيرغيزستان.
__________________
المراجع:
[1] Country Reports: South and Central Asia Overview. // Office of the Coordinator for Counterterrorism, US Department of State, 18 August 2011. https://www.state.gov/j/ct/rls/crt/2010/170258.htm
[2] Kyrgyz Court Jails Members Of Terrorist Group. // RFE/RL’s Kyrgyz Service, 19 July 2013. https://www.rferl.org/a/kyrgyzstan-terrorism-sentencing/25051277.html
[3] Tom Phillips. Suicide bomber attacks Chinese embassy in Kyrgyzstan. // The Guardian, 30 August 2016. https://www.theguardian.com/world/2016/aug/30/bomb-attack-chinese-embassy-kyrgyzstan-bishkek
[4] Uran Botobekov. Central Asian Jihadists Renew its Oath of Allegiance to Al Qaeda Leader. // Modern Diplomacy, 22 January 2019. https://moderndiplomacy.eu/2019/01/22/central-asian-jihadists-renew-its-oath-of-allegiance-to-al-qaeda-leader/
[5] Uran Botobekov. Katibat al Tawhid wal Jihad: A faithful follower of al-Qaeda from Central Asia. // Modern Diplomacy, 27 April 2018. https://moderndiplomacy.eu/2018/04/27/katibat-al-tawhid-wal-jihad-a-faithful-follower-of-al-qaeda-from-central-asia/
[6] Anna Matveeva & Antonio Giustozzi (2018) The Central Asian Militants: Cannon Fodder of Global Jihadism or Revolutionary Vanguard?, Small Wars & Insurgencies, 29:2, 189-206, DOI: 10.1080/09592318.2018.1433472
[7] Anna Matveeva (2018) Radicalisation and Violent Extremism in Kyrgyzstan, The RUSI Journal, 163:1, 30-46, DOI: 10.1080/03071847.2018.1453013
[8] Ibid.
[9] Kyrgyzstan: State Fragility and Radicalisation. // International Crisis Group, Crisis Group Europe and Central Asia Briefing N°83, 3 October 2016. https://www.crisisgroup.org/europe-central-asia/central-asia/kyrgyzstan/kyrgyzstan-state-fragility-and-radicalisation
[10] Poverty rate (per cent). //National Statistical Committee of the Kyrgyz Republic, 2018. http://stat.kg/en/opendata/category/120/
[11] Maria Levina. Kyrgyzstan: growing poverty and poor state budget. // The Times of Central Asia, 4 August 2018. https://www.timesca.com/index.php/news/20086-kyrgyzstan-growing-poverty-and-poor-state-budget
[12] Unemployment, youth total (% of total labor force ages 15-24) (modeled ILO estimate). // The World Bank, September 2018. https://data.worldbank.org/indicator/SL.UEM.1524.ZS?locations=KG
[13] Maria Levina. Kyrgyzstan: different sides of labor migration. // The Times of Central Asia, 28 July 2018. https://www.timesca.com/index.php/news/26-opinion-head/20057-kyrgyzstan-different-sides-of-labor-migration
[14] Corruption Perceptions Index 2018. // Transparency International, 2018. https://www.transparency.org/country/KGZ
[15] Kyrgyzstan: State Fragility and Radicalisation. // International Crisis Group, Crisis Group Europe and Central Asia Briefing N°83, 3 October 2016. https://www.crisisgroup.org/europe-central-asia/central-asia/kyrgyzstan/kyrgyzstan-state-fragility-and-radicalisation
[16] Vulnerability and Resilience of Young People in Kyrgyzstan to Radicalization, Violence and Extremism: Analysis Across Five Domains. // Research Institute for Islamic Studies, 1 February 2019. http://voicesoncentralasia.org/vulnerability-and-resilience-of-young-people-in-kyrgyzstan-to-radicalization-violence-and-extremism-analysis-across-five-domains/
[17] Ulan Nazarov. Programme in Kyrgyzstan aims to instil imams with ‘enlightened Islam’. // Caravanserai, 1 February 2017. http://central.asia-news.com/en_GB/articles/cnmi_ca/features/2017/02/01/feature-01
[18] Timur Toktonaliev. Kyrgyz Imams Tasked With Battling Extremism. // IWPR, 9 December 2016. https://iwpr.net/global-voices/kyrgyz-imams-tasked-battling-extremism