يوجد التطرف الإسلاموي في أمريكا اللاتينية منذ قرابة أربعة عقود، ويتنامى نشاط الجماعات المتطرفة نتيجة مجموعة من العوامل، منها: الفساد المستشري، والحكومات الصديقة للإسلامويين مثل تلك التي تنتمي إلى كتلة “التحالف البوليفاري لشعوب أمريكتنا” (ALBA)1، واستغلال شبكات الاتجار غير المشروع، خاصة شبكات تهريب المخدرات وغسل الأموال، للفرص من وجود هذه الجماعات، وعدم وجود قوانين رادعة لمكافحة الإرهاب.
في هذا الصدد، من المثير للاهتمام أنه حتى الآن، وعلى الرغم من وجودها الطويل الأمد في أمريكا اللاتينية وحرية التنقل التي تتمتع بها هناك، لم ترتكب المنظمات الإسلاموية هناك سوى ثلاث هجماتٍ إرهابية كبرى، جميعها ضد أهداف يهودية، وفي الأرجنتين، وارتكبها وكيل إيران اللبناني حزب الله. ربما يعني هذا أن الإسلامويين يفضلون استخدام قارة أمريكا اللاتينية كمركز للخدمات اللوجستية والأنشطة المدرة للدخل -كما سيتم مناقشته في التقرير- بدلًا من شنِّ هجمات.
أسفر الهجوم الرئيس الأول، الذي وقع في 17 مارس 1992، عن تحطم شاحنة محملة بالمتفجرات بالسفارة الإسرائيلية في بوينس آيرس، ما أسفر عن مقتل تسعة وعشرين شخصًا وجرح أكثر من 240 آخرين. وتبنى الهجوم “منظمة الجهاد الإسلامي”، وحدة تابعة لحزب الله، وإن كان الحزب ينكر هذه التبعية2. وفي 18 يوليو 1994، قاد انتحاري من حزب الله سيارة مفخخة ضد مبنى مركز الجالية اليهودية، الرابطة الأرجنتينية-الإسرائيلية، في بوينس آيرس، ما أدّى إلى مقتل خمسة وثمانين شخصًا، وإصابة أكثر من 300 آخرين. وفي اليوم التالي، أسفر تفجير انتحاري على متن الرحلة 901 من مطار ألاس شيريكاناس عن مقتل واحدٍ وعشرين شخصًا في بنما، من بينهم اثنا عشر يهوديًا. وعلى الرغم أن السلطات لم تصل رسميًا إلى الجهة المنفذة، لكن السلطات الأمريكية والبنمية تعتبره هجومًا إرهابيًا، وتشتبه في أن حزب الله يقف وراءه3.
المنظمة الإسلاموية الرائدة في أمريكا اللاتينية هي بلا شك حزب الله، الذي كان موجودًا وفاعلًا منذ أوائل فترة الثمانينيات. اعتمد “حزب الله” اللبناني على عملية تواصل واسعة النطاق، نفذتها إيران بعد ثورة عام 1979، كما أوضح جوزيف هومير، المدير التنفيذي لـ”مركز مجتمع حر آمن”، مركز أبحاث للأمن القومي في واشنطن العاصمة:
منذ ثورة 1979، تدير إيران عمليات استخباراتية من خلال شبكتها الدبلوماسية أو مراكزها الثقافية في دول مثل الأرجنتين والبرازيل وبيرو وأوروجواي. … ظاهريا، يقومون بتدريس الثقافة الإسلامية وتقديم المنح للدراسة في الجامعات الإيرانية. لكن في الخفاء، يستخدمون نظامًا استخباراتيًا متصلًا بالسفارات لفهم كيفية عمل العصابات والمجتمعات العربية هناك. هذه هي الطريقة التي يدربون بها القادة الذين يستخدمون الدين كذريعة لمواصلة العمل في هذه الشبكات”4.
وشدد هومير أيضًا على حقيقة أن معظم تشريعات أمريكا اللاتينية لا تجرِّم الجماعات الإرهابية الإسلاموية، الأمر الذي يصبح نقطة ضعف في عالم معولم يكافح من أجل القضاء عليها5.
إضافة إلى ذلك، يتورط حزب الله على نطاقٍ واسع في أنشطة تهريب المخدرات وغسل الأموال، لا سيّما انطلاقًا من قاعدته في الحدود الثلاثية، نقطة التقاطع التي تلتقي فيها حدود الأرجنتين والبرازيل وباراجواي. في عام 2007، أطلقتِ السلطات الأمريكية “عملية كاساندرا”، التي نجحت في اعتقال خمسة عشر شخصًا مرتبطين بحزب الله، متهمين بغسل ملايين اليوروات من أموال المخدرات في أمريكا الجنوبية إلى أوروبا ولبنان6.
ومع ذلك، فإن حزب الله ليس المنظمة الإرهابية الوحيدة التي وجدت ملاذًا آمنًا في أمريكا اللاتينية. بدءًا من فترة التسعينيات، وجدتِ العديد من الجماعات الأخرى مثل الجماعة الإسلامية المصرية، وحركة الجهاد الإسلامي الفلسطيني، وتنظيم القاعدة، ومؤخرًا داعش، موطئ قدمٍ لها في أمريكا اللاتينية7.
وكشفت المعلومات المستقاة من مذكرات خالد شيخ محمد، أحد كبار عناصر تنظيم القاعدة والعقل المدبر لهجمات 11 سبتمبر أنه وأسامة بن لادن زارا مسجدًا في مدينة فوز دو إجوازو، على الجانب البرازيلي من الحدود الثلاثية، في ديسمبر 81995.
علاوة على ذلك، تنشط جماعة الإخوان المسلمين في معظم دول أمريكا اللاتينية، خاصة في المكسيك والبرازيل والأرجنتين وبيرو. ومن المعروف أيضًا أن حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، الفرع الفلسطيني لجماعة الإخوان المسلمين، موجودة على نطاق واسع في أمريكا الجنوبية، وتُركز على حشد الدعم من مختلف الحكومات لقضيتها ضد إسرائيل. على سبيل المثال، كانت حماس تتمتع بعلاقة دافئة مع هوجو تشافيز، رئيس فنزويلا من عام 2002 حتى وفاته في عام 92013. وعندما صنّفت منظمة الدول الأمريكية (OAS)، التحالف الدولي الذي يضم خمسة وثلاثين دولة في نصف الكرة الغربي، حركة حماس منظمةً إرهابية في مايو 2021، اعترضت الأرجنتين وبوليفيا والمكسيك وفنزويلا على القرار10.
وجد داعش عددًا لافتًا للنظر من المتعاطفين في أمريكا اللاتينية، خاصة في ترينيداد وتوباغو حيث انضم قرابة 240 مواطنًا بين عامي 2013 و2016 إلى داعش في سوريا والعراق11، ولا شك أن هذا رقم مذهل في دولة يبلغ إجمالي عدد سكانها 1.3 مليون نسمة12. وكما سيتم بحثه في الفصل الثاني، فإن ترينيداد وتوباغو لديها تاريخ طويل من التطرف الإسلاموي نتيجة لحركة القوة السوداء الأمريكية، ونمو الأيديولوجية السلفية المتشددة في الجزيرة.
بالانتقال جنوبًا، اعتقلت السلطات البرازيلية في يوليو 2016 اثني عشر شخصًا، من عشر مقاطعات برازيلية مختلفة، ينتمون إلى جماعة سيئة التنظيم تدعم داعش. وكانت الخلية تخطط لشن هجماتٍ إرهابية خلال دورة الألعاب الأولمبية في ريو دي جانيرو في الشهر التالي. وهناك قلق متصاعد في البرازيل بشأن انتشار السلفية بين سكان الأحياء الفقيرة. وقد اكتشفت هذه الظاهرة في بيرو، كما سيتم شرحها في الفصل الثالث. ولعله ليس من قبيل الصدفة انتشار السلفية هناك بالنظر إلى أن الأيديولوجية المتطرفة والجهادية تجد طريقها لعقول السكان بسهولة، حيث تغيب المؤسسات وتزدهر حيث يرتفع معدل الفقر.
يمكن تحميل الملف العربي كاملا من هذا