استضاف موقع “عين أوروبية على التطرف”، مؤخرًا، ندوته السابعة عشرة الافتراضية لمناقشة التحدي اليميني المتطرف، العنيف وغير العنيف، في أمريكا وأوروبا وإسرائيل، الذي أصبح أكثر بروزًا على مدى نصف العقد الماضي، سواء في الخطاب العام أو في الأنظمة السياسية.
لقد حققت القوى اليمينية المتطرفة تقدمًا في أوروبا والولايات المتحدة من خلال الوسائل الديمقراطية، والآن يحدث الشيء نفسه في إسرائيل. يتجه اليمين المتطرف في السلطة إلى إضعاف الممارسات الليبرالية محليًا، وإعادة توجيه بلدانهم بعيدًا عن حلف الناتو، والمؤسسات الدولية الليبرالية الأخرى.
لمناقشة هذه الأمور، وبحث الحلول الممكنة، استضاف موقع “عين أوروبية على التطرف” عددًا من الخبراء؛ هم:
- كولين كلارك، باحث أول في مركز صوفان، ومدير السياسات والبحوث في مجموعة صوفان.
- توماسو فيرجيلي، باحث ما بعد الدكتوراه في مركز برلين للعلوم الاجتماعية.
- ريتشارد باتر، مدير مركز الاتصالات والبحوث البريطاني الإسرائيلي.
- يوناتان ليفي، طالب دكتوراه في المعهد الأوروبي.
- بول موريس، أستاذ فخري في جامعة فيكتوريا، وأستاذ سابق للدراسات الدينية.
______________________________
بدأ كولين كلارك بالإشارة إلى أن اليمين المتطرف في الولايات المتحدة يندرج تحت عنوان “المتطرفون ذوو الدوافع العنصرية أو العرقية”، وفي سياق الديناميات السياسية الحالية، فإن هذا المصطلح مختلف عليه بشدة. ولكن في أوساط الباحثين ووكالات إنفاذ القانون وصانعي السياسات، “بعد ما يقرب من عقدين من تركيز الدول الغربية بشكلٍ حصري تقريبًا على التهديد الذي تُشكّله الجماعات السلفية الجهادية، أصبح من المستحيل الآن تجاهل التحدي الذي تُمثّله حركة متطرفة يمينية متطرفة متنامية”، خاصة بسبب وجود سلسلة من الهجمات القاتلة البارزة. ولقد أصبحت هذه الجماعات أكثر بروزًا عبر الإنترنت، حيث تحتفي المنتديات ووسائل التواصل الاجتماعي الأخرى علنًا بهذه الفظائع، وتستخدمها لمحاولة حشد المزيد من الدعم لأيديولوجياتها.
يقول كلارك إن اليمين المتطرف العالمي يضم طيفًا “واسعًا بطبيعته، وبعيدٌ عن أن يكون متجانسًا”، وعلى الرغم من أن هذا “المصطلح الشامل” لا مفرّ منه، ودقيق حتى الآن، فإنه يخاطر بالخلط بدلًا من توضيح “الاختلافات والروابط” بين مختلف فروع الحركة- دُعاة تفوق البيض، ومناصرو السكان الأصليين، والمناهضون للهجرة، وما إلى ذلك. مشكلة أخرى هي أنها يمكن أن تجعل الحركة تبدو أكثر وحدوية مما هي عليه في الواقع، كما يقول كلارك.
المشهد اليميني المتطرف “متشرذم” إلى حدٍّ كبير، حيث لا تتمتع العديد من الجماعات بقيادة واضحة وتعاني مشكلات خطيرة في التماسك الداخلي، وغالبًا ما تكون عناصرها -“الجماعات الدينية الشوفينية، وعصابات الشوارع الفاشية الجديدة، والأجهزة شبه العسكرية للأحزاب السياسية القائمة”- عدوانية من الناحية العملياتية والأيديولوجية.
يضيف كلارك أن اليمين المتطرف المعاصر يفتقر إلى الجاذبية الجماهيرية التي كان يحظى بها اليمين المتطرف بين الحربين العالميتين، وبينما يتم تأطير أيديولوجية اليمين المتطرف من حيث السياسة الداخلية، فإنهم عمومًا لا يدعون إلى تغييرات سياسية داخل الأنظمة السياسية القائمة. حتى مع اكتساب بعض الجماعات اليمينية المتطرفة نفوذًا على الأنظمة السياسية الغربية، فقد حدث هذا جنبًا إلى جنب مع زيادة التشرذم، خاصة في أوروبا، ويعود ذلك جزئيًا إلى تصاعد رد الدولة ضدها. ومع ذلك، فلا تزال هذه الجماعات والفصائل قادرة على العنف، وإلهام العنف للآخرين ضد الأعداء المتصوَّرين.
“في حين أن المخاوف بشأن استيلاء الفاشيين الجدد على أوروبا مبالغ فيها، لا يزال من المهم تحديد [هذه] المنظمات المنتشرة وتتبع تطورها”، كما يقول كلارك، الذي يحدد بعد ذلك أربع فئات من اليمين المتطرف:
1- البرلمانية: هذه هي المجموعات التي تتشكَّل في أحزاب، وتركِّز على “النجاح الانتخابي”، مع محاولات هامشية “لاقتحام المشهد السياسي”.
2- حركات الاحتجاج: غالبًا ما تتوحد حول قضايا سياسية محددة حيث يريدون إجراء تغييرات، وتميل هذه إلى توجيه “غضب السكان الأصليين”، وليس لديها خطة تذكر لإعادة هيكلة المجتمع على نطاق أوسع.
3- حركات الشوارع: ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالفئة الثانية، ولكنها أقل اهتمامًا بأي شيء يرتبط بالسياسة الانتخابية، وأكثر تركيزًا على جهود التعبئة الجماهيرية على النمط الفاشي الكلاسيكي.
4- الحركات السرية: تنتشر هذه المجموعات عبر الإنترنت، وهي في معظمها أكثر تطرفًا في خطابها و”أكثر ميلًا لممارسة العنف، سواء العفوي أو المتعمد”.
يختتم كلارك حديثه بالإشارة إلى أن صعود اليمين المتطرف يعتمد جزئيًا على الجغرافيا السياسية. ومن الأمثلة البارزة الأخيرة الحرب في سوريا التي امتدت آثارها إلى أوروبا، خاصة مشكلة اللاجئين، التي أثّرت على الوضع السياسي بطريقةٍ عزّزت اليمين المتطرف.
______________________________
توماسو فيرجيلي يرى أنه يجب التمييز بين التطرف العنيف وغير العنيف، لأنه في حين أن “أحدهما يمكن أن يؤدي إلى الآخر، فإن هذا ليس هو الحال بالضرورة”، وفي أوروبا لا تزال إحصاءات يوروبول تظهر أنه، من حيث الإرهاب، “أكبر تهديد حتى الآن هو الجهادية، وإلى حدٍّ ما… اليسار المتطرف”. في عام 2021، كانت هناك أربع هجمات في الاتحاد الأوروبي: ثلاثة من الجهاديين، وواحد من اليسار المتطرف. ومن بين الذين اعتقلوا لارتكابهم جرائم إرهابية في الفترة نفسها، كان ثلثهم من الجهاديين. وقال فيرجيلي إن هذا “لا يقلِّل من التهديد السياسي لليمين المتطرف”، لكن من المهم إجراء هذه التمييزات.
وبتعريفه “للتطرف”، يؤيد فيرجيلي ما قدمته وزارة الداخلية الاتحادية الألمانية، الذي ينص على أن “التطرف” هو أي شيء “يهدِّد النظام الدستوري”، ويعتزم استبدال النظام الديمقراطي الليبرالي بنظام شمولي قائم على أيديولوجيته الخاصة. وهذا يساعد على منع الأفكار غير السائدة من الوقوع تحت تعريف فضفاض لـ “التطرف”.
وتعليقًا على حديث كلارك حول الطبيعة المتشظية لليمين المتطرف، يقترح فيرجيلي تصنيفًا يقسمه إلى قسمين عريضين: “اليمين المتطرف التقليدي” و”اليمين الجديد”. ويرى فيرجيلي أن اليمين المتطرف التقليدي مُتجذِّر بعمق في النازية الجديدة والفاشية، ويتقاسم العديد من المبادئ الأيديولوجية مع الجهادية، واليسار المتطرف: هذه الحركات معادية بشدة للفردانية، ومعادية للغرب، ومناهضة للرأسمالية، وعلى الساحة الدولية معادية لأمريكا، ومناهضة لحلف الناتو، ومعادية لإسرائيل، وعادة ما تكون موالية لروسيا. وبالتالي، على سبيل المثال، في فرنسا، لا يوجد تمييز بين زعيم اليسار المتطرف جان لوك ميلانشون، وزعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان في أي من هذه القضايا.
على الجانب الآخر، اليمين الجديد إما ينحدر من جذور مختلفة تمامًا أو، إذا كانت له جذور في الفاشية الجديدة، فقد انفصل بشكلٍ جذري وعلني عن هذه الجذور. هذا هو الحال مع فراتيلي فيتاليا، التي أصبحت زعيمتها، جورجيا ميلوني، رئيسة وزراء إيطاليا في أكتوبر، ومع ديمقراطيي السويد، الذين أصبحوا أكبر حزب فردي في البرلمان السويدي قبل شهر. تقدِّم هذه الأحزاب نفسها على أنهم “زعماء الليبرالية والغرب”، على عكس اليمين المتطرف التقليدي، الذي يحتقر الليبرالية ويعتقد أن النظام الغربي منحط وفاسد، ويجب تدميره. يقول فيرجيلي: “هذه الاختلافات واضحة أيضًا في السياسة الخارجية”: فهي مؤيدة لأمريكا وإسرائيل، وأكثر تباينًا بشأن روسيا، بعضهم ظلوا مؤيدين لموسكو، لكن ميلوني أثبتت أنها حليف قوي لأوكرانيا ضد الغزو الروسي.
متفقًا مع كلارك على أن الجماعات اليمينية المتطرفة لا تميل إلى التركيز على السياسة في حدِّ ذاتها، يشير فيرجيلي إلى الطريقة التي يعزّز بها اليمين المتطرف واليسار المتطرف بعضهما البعض، يتم تبني المواقف المتطرفة كرد فعل على بعضها البعض، ومن ثم تبرر المواقف المتطرفة للطرف الآخر مواقفها. الشيء الذي يستغله كلا الجانبين هو الهوية، و”أهدافهما” رمزية للغاية وليست عملية. يعطي فيرجيلي مثالًا على الدين: تتبنى الكثير من الجماعات اليمينية المتطرفة المسيحية كهوية، بينما لا تعيش حياة تسترشد بالإيمان، وعادة ما تحتقرهم الكنائس السائدة. هذا صحيح حتى عندما يتبنى اليمين المتطرف القضايا الرئيسة التي يهتم بها المتدينون بالفعل، مثل حقوق المثليين والإجهاض: اليمين المتطرف يثير الكثير من الضجيج حول هذه القضايا، لكن لا أحد منهم يقوم بأي محاولة جادة لتغيير تشريعات الدولة. بهذا المعنى، كما يقول فيرجيلي، إسرائيل هي استثناء، لأن الجانب الديني أكثر مركزية بكثير في الجوانب العملية لحياة الأفراد، وللإطار التشريعي للدولة.
القضية الرئيسة التي يتبناها اليمين المتطرف في أوروبا هي الهجرة، حسبما يرى فيرجيلي. والسبب في أن اليمين المتطرف حقق قدرًا من النجاح في هذا هو أنهم حددوا مشكلات مجتمعية حقيقية، ووجدوا أن التيار السائد غير مستعد حتى للحديث عنها. لحسن الحظ، بدأ هذا يتغيّر، كما يقول فيرجيلي، حيث يعالج الاتحاد الأوروبي الآن هذه المشكلات، ويقلِّل من الاستقطاب من خلال وضع سيادة القانون في صميم إجراءاته: الاتحاد الأوروبي قلق بالقدر ذاته بشأن قضايا نقاط التوتر التي يستغلها اليمين المتطرف مثل الهجرة غير الشرعية، وحول القضايا التي استغلها اليسار المتطرف، مثل إساءة استخدام السلطة القضائية في المجر وبولندا.
______________________________
من جانبه، ركّز ريتشارد باتر على إسرائيل، مستهلًا حديثه بالإشارة إلى أن المخاوف من انزلاق النظام السياسي الإسرائيلي إلى شيء خطير قديمة قدم الدولة نفسها. بعد وقتٍ قصير من استعادة الدولة اليهودية في أواخر فترة الأربعينيات، كتب دبلوماسي بريطاني تقريرًا بأن إسرائيل كانت “على وشك التحوّل إلى ديكتاتورية” وأن أدلته كانت “كلها مقنعة بشكلٍ فردي”. ويرى باتر أنه ثبت خطؤه وأصبحت إسرائيل ديمقراطية نابضة بالحياة، في الواقع، ديمقراطية ليبرالية اجتماعيًا للغاية. وهذا يشير إلى الحاجة إلى توخي الحذر، واتباع نهج الانتظار والترقب في الانتخابات الأخيرة.
وأوضح باتر أن الانقسام المركزي في السياسة الداخلية الإسرائيلية هو بين أولئك الذين يؤيدون وأولئك الذين يعارضون بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء اليميني السابق الذي أُعيد إلى منصبه. يقول باتر إن الانقسام لا يزال 50-50: لم يكن هناك “زيادة” يمينية. حصل اليمين المتطرف الإسرائيلي، الحركة الصهيونية الدينية، مجتمعة على 11% من الأصوات، ما يعني أن 89% من الدولة يعارضون ذلك، ما يدعم ما قاله كلارك عن أن اليمين المتطرف المعاصر ليس مثل الحركات الجماهيرية في حقبة الثلاثينيات. وبالمثل، فإن اليمين المتطرف في إسرائيل ليس كتلة واحدة، والآن انتهت الانتخابات، وانقسم اليمين المتطرف إلى الأجزاء المكوّنة له أثناء مساومته على المناصب الوزارية. لقد أظهرت هذه الانتخابات أن اليمين “لعب” سياسة أفضل من اليسار، الذي تفتّت وانتهى به الأمر إلى إهدار الأصوات ضمن نظام التمثيل النسبي الذي تمتلكه إسرائيل.
ومن العوامل الطارئة الأخرى في الانتخابات أنها جرَت في ظل أعمال شغب خطيرة بين الطوائف وموجة من الإرهاب، ما وفَّر إحساسًا بالتهديد وقضية شعبوية يمكن لليمين المتطرف استغلالها، وقد فعل. عندما ترشّح إيتمار بن غفير، الذي ربما يكون الأكثر إثارة للقلق من بين الشخصيات اليمينية المتطرفة التي ستجلس في الحكومة المقبلة، وهو عنصري صريح، وناشط ضد حقوق المثليين، زعيم حزب القوة اليهودية (عوتسما يهوديت)، كمستقل في عامي 2020 و2021، حصل على أقل من 1% من الأصوات.
يقول باتر إن وجهة نظر فيرجيلي حول مركزية الهوية مع اليمين المتطرف، واستغلال الدين، واضحة مع بن غفير، وإن كان كما ذكر فيرجيلي أيضًا في حالة اليمين المتطرف الإسرائيلي، فإن الجانب الديني أكثر أصالة وعمقًا.
يلفت باتر النظر إلى أن الشيء المثير للاهتمام حول نتنياهو هو أنه في جميع فترات ولايته السابقة، على الرغم من كونه معشوق اليمين في إسرائيل، فقد توجّه إلى الوسط عند تشكيل ائتلافه. وبهذا المعنى، يُعد هذا الوضع جديدًا.
سيكون هناك العديد من القضايا الرئيسة التي يجب مراقبتها في ظل الحكومة المتشددة الجديدة، حسبما يرى باتر. الأول هو العلاقة بين الدين والدولة. إن النظام اليهودي الديمقراطي في إسرائيل هو عملية توازن دقيقة، ومن الواضح أن اليمين المتطرف يرغب في ترجيح كفة الميزان. وردًا على وجهة نظر فيرجيلي حول سيادة القانون، يقول باتر إن القضية المحورية ربما تكون استقلال القضاء، مؤسسة لها دور كبير في النظام الإسرائيلي، ويرى اليمين أنها تحابي اليسار. وعلى الرغم من أن نتنياهو تحدّث في السابق بحماس لمصلحة استقلال القضاء، فإنه يواجه مشكلاتٍ قانونية شخصية ربما غيّرت هذا التصوّر، ويتعرّض لضغوط شديدة -على وجه التحديد بسبب عادته السابقة في البحث عن شركاء حكوميين في الوسط – “للسماح لليمين بالحكم”، كما يقول باتر. ومن المرجح أن يُنظر إلى ذلك على أن إجراء تغييرات في السلطة القضائية يمكن أن تهدد سيادة القانون.
وفي سياقٍ متصل، يقول باتر إن هناك قلقًا بشأن الوزارات التي ستُسند لبعض هذه الشخصيات اليمينية المتطرفة، تحديدًا بن غفير، الذي سيكون وزيرًا للأمن القومي، حقيبة لم يتضح اختصاصها بعد، ولكن يبدو أن لها سلطات متداخلة مع سلطات وزير الدفاع، أو ربما تحل محلها، مع تداعيات مهمة (ومثيرة للقلق) محتملة على إدارة الضفة الغربية والعلاقات المدنية-العسكرية بشكلٍ عام.
واختتم باتر حديثه بنبرة من التفاؤل. في السياسة الخارجية، من المرجح أن تواصل إسرائيل مسارها الحالي: سيحتفظ نتنياهو بوزارتي الدفاع والخارجية لحزبه الليكود، وباعتباره أحد مهندسي اتفاقيات إبراهيم، فإن اتفاقيات التطبيع مع الدول العربية مثل البحرين والإمارات العربية المتحدة، من المرجح أن يتجه نحو المزيد منها. ويشير باتر إلى أن مصطلح “الدولة العميقة” أصبح تحقيرًا تآمريًا في العديد من الدول الغربية، يشير إلى البيروقراطية الدائمة والأجهزة الأمنية، ولكن في إسرائيل له دلالة أقل سلبية “لأن ‘الدولة العميقة’ في إسرائيل هي في الأساس ‘دولة عميقة’ ليبرالية والمؤسسات قوية”: بالاقتران مع الصحافة الحرة والنابضة بالحياة، نأمل أن تتمكن من كبح أسوأ إغراءات الحكومة الجديدة.
______________________________
من جانبه، قال يوناتان ليفي إنه سيقدم تقييمًا أكثر تشاؤمًا لوضع إسرائيل. يعتمد هذا على عاملين: “تحوّل سريع جدًا نحو اليمين في جميع الأحزاب الإسرائيلية… ولا سيّما في حزب الليكود”.
فبينما كان الليكود حزبًا منتظمًا من يمين الوسط “ربما قبل عقد من الزمن”، يبدو الليكود اليوم أشبه بالأحزاب اليمينية المتطرفة التي يتحالف معها، كما يقول ليفي. يمكن رؤية التحوّل نحو اليمين الإسرائيلي من الناحية التشريعية، وفي الخطاب الذي يعتبر الآن التيار السائد، يضيف ليفي. هذا صحيح بشكلٍ خاص عندما يتعلق الأمر بكيفية تحدّث السياسيين الإسرائيليين عن العرب الإسرائيليين، لكن الاتهامات بأن الناس غير مخلصين أو حتى “خونة” صريحين قد امتدت إلى اليهود الإسرائيليين أيضًا: اليساريين والوسطيين، وأي شخص يعارض نتنياهو. يوضح ليفي أن هذه الحرب الثقافية قد ولدت لغتها الجديدة الخاصة، خاصة أن المصطلح الجديد “معاداة السامية الذاتية” أصبح الآن شائعًا في المعجم السياسي.
على هذا النحو، في حين أن بن غفير هو “تتويج [لهذا الاتجاه] وربما يكون الأكثر رعبًا على الإطلاق”، كما يقول ليفي، فإن حزب الليكود “تغيّر جذريًا” على مدى السنوات العشر الماضية وهذا “تطوّر أكثر أهمية بكثير من حيث السياسة والمجتمع الإسرائيلي”. لقد اعتاد الليكود أن يكون عامل تقييد من حيث السياسة والخطاب، والآن هم “قريبون جدًا” من هذه الجماعات اليمينية المتطرفة التي سيتقاسمون الحكومة معها، كما يقول ليفي.
يرى ليفي أنه من بعض النواحي، فإن “شخصية نتنياهو المثيرة للإعجاب للغاية، وذكاءه، وقدرته على اللغة الإنجليزية، ومهارات العرض” قد أعطت مظهرًا خادعًا لما وصلت إليه الأمور في إسرائيل لأنه بالمقارنة مع نظرائه الأجانب -البرازيلي جايير بولسونارو، والمجري فيكتور أوربان، والأمريكي دونالد ترامب- فإن نتنياهو “رجل دولة أكثر إثارة للإعجاب بكثير”. ويتابع ليفي، في الواقع هذه الشخصيات الأخرى غير مصقولة، وهذا أعاق كلًّا من البحث الأكاديمي ووسائل الإعلام الشعبية في تصوّرها عن نتنياهو.
مشددًا على ما قاله باتر عن سيادة القانون، يرى ليفي أن “بند التجاوز”[1] الذي يقترحه أعضاء الحكومة الوشيكة هو “على الأرجح أكثر التطورات المحتملة تهديدًا”: إنه سيجرد المحكمة العليا فعليًا من قدرتها على سن مراجعة قضائية، ونقل إسرائيل إلى وضع السيادة البرلمانية الكاملة.
وبقدر ازدراء الأحزاب اليمينية لليسار اليهودي، فإنها ستكون “مترددة في استهداف إسرائيل الليبرالية”، كما هي ممثلة في تل أبيب وضواحيها، كما يوضح ليفي، لأن الليبراليين الإسرائيليين لديهم الكثير من السلطة والمال والمهارات التنظيمية – فهم قادرون تمامًا على التعبئة للدفاع عن مصالحهم. ويضيف ليفي أن المجموعات الأولى التي ستشعر بتأثير سياسات هذه الحكومة الجديدة هي عرب إسرائيل والفلسطينيون: “هذا هو المكان الذي سيضع اليمين المتطرف الإسرائيلي عينه عليه وجهوده وأمواله”. في الواقع، إنه بين المتطرفين اليهود في المستوطنات في الضفة الغربية، حيث قام بن غفير -الرجل الذي “اتهم عشرات المرات لتورطه في العنف” والذي سيكون الآن “مسؤولًا عن الشرطة [و] عن الأجهزة السرية”- بصياغة سياساته.
باختصار، يرى ليفي بأنه في حين أن إسرائيل ليست في خطر جدي من أن تصبح ديكتاتورية، فإن ما يظهر هو “كيان جديد”، بقيادة “الليكود المتطرف جنبًا إلى جنب مع الجهات الفاعلة السياسية المتطرفة والعنيفة، التي اكتسبت شرعية من خلال تعاونها مع الليكود”. الخطر يلوح دائمًا في الأفق بالنسبة لإسرائيل، وتجنب إثارة المشكلات أو تفاقمها يستلزم التعامل مع الأمور “بدقة شديدة”. ونتنياهو على كل عيوبه، كان يعرف كيف يفعل ذلك، كما يقول ليفي. لكن إسرائيل تنتقل إلى عهد جديد، ووضع مختلف.
______________________________
أما بول موريس فقال إن تجربة نيوزيلندا، في حين أنها تعكس أجزاء مما قاله متحدثون آخرون ولديها عناصر مشتركة مع الدول الغربية الأخرى، لكنها مختلفة بعض الشيء. لم يتم الاعتراف بتهديد اليمين المتطرف في نيوزيلندا حتى مذبحة كرايستشيرش في مارس 2019، وبعد ذلك رفعت مستوى التهديد من هذه الجماعات من “منخفض” (ممكن) إلى “متوسط” (محتمل). كان خفض مستوى التهديد هذا مرة أخرى الأسبوع الماضي هو “نهاية الوضع الذي نتج عن هجمات كرايستشيرش”، على حد تعبير موريس، لكنه يرى بأنه من غير المرجح أن تكون هذه نهاية القضية.
الجدير بالذكر أن هجوم كرايستشيرش نفّذه برينتون تارانت في نيوزيلندا، ولكن أريد له أن يكون حدثًا عالميًا، كما يؤكد موريس: ولهذا السبب بُثّ مباشرة على الإنترنت ليراه العالم كله. يمكن رؤية العنصر الدولي في حقيقة أن تارانت كان أستراليًا، وكان له صلات بالجماعات اليمينية المتطرفة في النمسا وألمانيا وفرنسا وأستراليا والولايات المتحدة. كما أن بيان تارانت يعكس العديد من المفاهيم اليمينية المتطرفة الشائعة في جميع أنحاء الغرب، ومن بينها “نظرية الاستبدال والطبيعة غير الاستيعابية للمسلمين، وغيرهم من المهاجرين”.
وبالعودة إلى نقطة فيرجيلي السابقة: في حين عُرِّف تارانت بأنه مسيحي، فإن مرجعيته كانت إلى تشير إلى ماضٍ (تاريخي مشكوك فيه)- “إلى العالم المسيحي، وليس التدين الشخصي”. كانت نوايا تارانت تشير إلى اعتناقه لمبدأ “التسارعية”. كان يأمل أن يكون هناك انتقام من المسلمين ضد غير المسلمين بسبب ما فعله، وأن يؤدّي ذلك إلى حربٍ عرقية تُمكّن دُعاة تفوق البيض من الوصول إلى السلطة.
بعد فظائع كرايستشيرش، ظهرت مجموعة يمينية متطرفة في نيوزيلندا، تُسمى “آكشن زيلندا” (Action Zealandia)، تعود جذورها إلى حركة دومينيون التي حُلّت بعد حملة أمنية. تنشط هذه المجموعة على وسائل التواصل الاجتماعي، خاصة على تطبيقي “جاب” و”تلجرام”، وتُقصر عضويتها على الأشخاص المنحدرين بالكامل من أصل أوروبي (وحتى في هذه الحالة تستبعد “النساء، والليبرتاريين أو مدمني المخدرات”)؛ وتدعو إلى إعادة تشكيل نيوزيلندا كدولة عرقية ذات أغلبية بيضاء. وتعارض بشدة خطاب وسياسات “إنهاء الاستعمار” الذي تتبعه الحكومة الحالية لنيوزيلندا، ونزعة “التوعية بالعدالة الاجتماعية والعرقية” التي تهيمن على السياسة النيوزيلندية، مشيرة إليها على أنها “نظام ماركسي ليبرالي” يضمر “كراهية أوروبية لشعبنا”. الهدف الرئيس لها تطبيع السياسة اليمينية المتطرفة، مرة أخرى، هدف ثقافي وأيديولوجي أكثر من كونه سياسيًا بحتًا.
الكثير من أعضاء آكشن زيلندا حاصلون على تعليمٍ جامعي، ونشاطهم العملي ينطوي كثيرًا على توزيع المنشورات في الحرم الجامعي، لا سيّما مع حملة “حياة البيض مهمة”. مخرجات آكشن زيلندا الأكثر طولًا هي إلى حدٍّ كبير مقالات معادية للسامية، تُقدم على أنها “بحوث”، تلقي فيها باللوم على اليهود بسبب التعددية الثقافية، والحوار بين الأديان، ومشروعات استرداد الحقوق التاريخية. الأمر الذي يُظهر بعض تعقيد هذه الحركات، تنخرط آكشن زيلندا كثيرًا في القضايا البيئية، وعادة ما ترتبط باليسار. وفي حين أن منشوراتها تُعارض رسميًا العنف، فإنها تميل كثيرًا نحو التحريض، وقد اعتقل العديد من أعضائها لارتكابهم جرائم إرهابية.
تتدثّر آكشن زيلندا بالهوية المسيحية -غالبًا ما تختتم منشوراتها على وسائل التواصل الاجتماعي بعبارة “الحمد لله”، على سبيل المثال- لكنها أقل تدينًا بالمعنى الروحي. المجموعة الأكثر وضوحًا في هذا الإطار في نيوزيلندا هي جماعة “أتباع المسيح الخارجون عن القانون” (Outlaws of Christ)، التي تُقدم نفسها على أنها رهبانية من الفرسان الصليبيين. يبدو أن “الخارجون عن القانون” يركّزون في الغالب على التحريض ضد اليهود والمثليين جنسيًا والمهاجرين، تحديدًا الصينيين وغيرهم من شرق آسيا. يشترك “الخارجون عن القانون” مع آكشن زيلندا -وتارانت- في التركيز الشديد على “نظرية الاستبدال”. ولعل الشيء الأكثر إثارة للقلق بشأن “الخارجون عن القانون” هو أنه يبدو أن لديهم بعض الصلات في الجيش.
حظيت رسالة اليمين المتطرف ببعض الظهور في الانتخابات النيوزيلندية الأخيرة، وفي فبراير ومارس 2022، احتلت “قافلة الحرية” أرض البرلمان النيوزيلندي، ما خلق مشهدًا -مع محاكمات صوريّة ودعوات للإطاحة العنيفة بالحكومة- منح المزيد من الفرص لأنشطة الدعاية والتجنيد. شارك في هذا الحدث، مع ما صاحبه من أصداء تمرد 6 يناير في الولايات المتحدة واعتصام سائقي الشاحنات في أوتاوا، مجموعة من الجماعات اليمينية المتطرفة، بما في ذلك آكشن زيلندا، التي عزّزت صلاتها القديمة بعناصر النازيين الجدد في نيوزيلندا ونظرائها الدوليين. الشيء الآخر الذي كان ملحوظًا أيضًا هو أنه شمل عددًا من الأطباء، انتقدوا عمليات الإغلاق خلال فترة جائحة كوفيد-19. ويوضح موريس أن آكشن زيلندا ومجموعات أخرى يقدرون العلوم، ما يُفسِّر جزئيًا تركيزهم على القضايا “الخضراء”، وكانت هذه حالة أخرى من ذلك.
وأضاف موريس أن أجهزة الشرطة والاستخبارات النيوزيلندية تبدو أكثر إدراكًا للتهديد اليميني المتطرف منذ مذبحة كرايستشيرش، وكانت نشطة وناجحة في إجهاض الأنشطة الإرهابية، بما في ذلك الجهود الأخيرة التي بذلتها لإحباط محاولة قاتل محترف من البنجاب اغتيال زعيم سيخي، على الرغم من أنه لا تزال هناك بعض الأسئلة حول الأولويات، على سبيل المثال تركيز الحكومة على “تحرير أجهزة الأمن من التاريخ الاستعماري”. لكن السؤال المفتوح هو ما إذا كانت الأمور تتغيّر بسرعة كافية لمواكبة تطور التهديد. لقد تم إزاحة اليمين المتطرف الذي كنا نعرفه في العقود الماضية، حليقو الرؤوس والغوغائيون الذين يمارسون العنف في الشوارع، من قبل كادر أكثر تعليمًا من الأشخاص القادرين على التعبير عن رسالة أكثر إقناعًا، وجعل عرضهم أقل نفورًا. وقد مكّنهم ذلك من شق طريقهم في السياسة السائدة، كما يقول موريس، وفي بعض النواحي ساعدهم في ذلك أعداؤهم، الذين جعلوا قضية “الامتياز” العرقي بارزة جدًا في السياسة النيوزيلندية.
باختصار، يقول موريس، الأحداث التي وقعت منذ عام 2019 “زادت وعينا”، ومع ذلك “خفّضنا مستوى التهديد لدينا”: جاءت مذبحة كرايستشيرش من جماعة نيوزيلندية هامشية غير مرئية ومفاجئة. ومع ارتفاع صوت اليمين المتطرف وزيادة بروزه واختراقه للتيار السائد، يصبح الوضع مقلقًا للغاية.
______________________________
في فقرة الأسئلة والأجوبة، تناول المتحدثون ما يمكن القيام به، على الصعيدين القانوني والاجتماعي، للتصدي لليمين المتطرف، وكذا الروابط بين اليمين المتطرف الأوروبي-الأمريكي ونظيره الإسرائيلي، بالنظر إلى أن الكثير من المجموعات السابقة معادية للسامية تاريخيًا، وإن كان هذا قد بدأ يتغيّر الآن.