شهدت بريطانيا طفرة حديثة في نشاط حركة خالستان، وهي فصيل من المتطرفين السيخ. بالنسبة للكثيرين، حتى داخل دوائر مكافحة التطرف، فإن الخالستانيين غامضون إلى حدٍّ ما، لكنهم يمثلون تحديًا اجتماعيًا وأمنيًا، مع وجود شبكة دولية تعمل في جميع أنحاء العالم.
النشأة والجذور
ظهر السيخ في أوائل القرن السادس عشر في لاهور، في منطقة البنجاب في شبه القارة الهندية، التي أسّسها جورو ناناك، الذي ينحدر من عائلةٍ هندوسية. نمت أعداد السيخ تدريجيًا، وبعد قرنين من الزمان، وفي عام 1710، تمكنوا من إقامة دولة تتمحوّر حول البنجاب. وقد نمت هذه الدولة الأولى بسرعة، ففي نهاية القرن الثامن عشر أنشئت إمبراطورية سيخ أكثر ديمومة، واستمرت كذلك إلى أن غزَت شركة الهند الشرقية البريطانية البنجاب في عام 1849.
بعد بضع سنوات، خلال التمرد الهندي، انحاز السيخ إلى البريطانيين بصورة كبيرة. في أعقاب ذلك، فرض البريطانيون حكمًا مباشرًا على الهند، تحت حكم الراج، وقبل السيخ هذا الترتيب إلى حدٍّ ما، حيث استفادوا من الاستثمار الاقتصادي والتعليمي في البنجاب، وكانوا محل إعجاب بفضل براعتهم العسكرية وولائهم.
ويُشار إلى مشاركة عدد كبير من السيخ ضمن القوات الهندية التي قاتلت تحت العلم البريطاني في الحربين العالميتين. ثم بدأت العلاقات في التدهور في أوائل القرن العشرين، حيث اكتسبت حركة الاستقلال الهندية زخمًا. وكان جل المتظاهرين الذين قتلوا في أمريتسار في أبريل 1919 من السيخ. الجدير بالذكر أن أقدس موقع للسيخ، “هارماندير صاحب” أو “المعبد الذهبي”، يقع في أمريتسار.
انسحبت بريطانيا على عَجلٍ من شبه القارة الهندية في أغسطس 1947. كانت خطط التقسيم لإنشاء الهند وباكستان محل نزاع، فحاولت باكستان الاستيلاء على كشمير، وبدأت حربًا أشعلت موجات من العنف الشعبي الجماعي بين الطوائف بجانب التطهير العرقي. تحولت البنجاب، المتاخمة لكشمير، لتكون مسرحًا للعنف على نحو خاص. من بين سكان البنجاب البالغ عددُهم ثمانية وعشرين مليون نسمة في ذلك الوقت، شكَّل السيخ قرابة أربعة ملايين (حوالي 15%)، وفقدوا في هذه الحرب قرابة ربع مليون قتيل. عندما وضعت الحرب أوزارها، قُسِّمت البنجاب وأصبح معظم السيخ على الجانب الهندي من الخط الفاصل بين الجانبين.
حركة خالستان
تعود أصول حركة خالستان إلى حقبة التقسيم تلك. مع تأسيس باكستان كجمهورية إسلامية علنية لمسلمي شبه القارة الهندية، وتأسيس الهند كجمهورية علمانية ذات أغلبية هندوسية ساحقة، دعا بعض السيخ إلى إنشاء دولة سيخ مستقلة، تُعرف باسم خالستان، تُقام في موطنهم القديم في البنجاب.
في هذا الصدد، ووفقًا لتيري ميلوسكي، صحفي كندي درس الخالستانيين لعقود، أكثر ما يلفت الانتباه في الأراضي المطالب بها لخالستان المستقبلية هو ما لا تتضمنه: أي جزء من البنجاب التاريخي داخل باكستان.
طوال فترة السبعينيات، دعّمت باكستان الانفصاليين السيخ في البنجاب كشكل من أشكال الحرب السياسية، وفي أوائل الثمانينيات، بدأت حملة مسلحة. في أكتوبر 1984، بعد أشهر من عملية عسكرية لقمع التمرد في البنجاب، اغتيلت رئيسة وزراء الهند آنذاك، أنديرا غاندي، على يد حارسيها الشخصيين السيخ، واندلعت موجة من العنف الشعبي ضد السيخ. استغل الخالستانيون هذا الوضع لتعزيز سردية المظلومية، وهو تكتيك شائع لطالما لجأت إليه الجماعات المتطرفة. على مدى العقد التالي، اندلعت حرب، انتهت بهزيمة التمرد الخالستاني في عام 1993.
منذ ذلك الوقت، أصبحت حركة خالستان مجرد ظاهرة “شتات” إلى حد كبير. ويوثّق ميلوسكي أنه في البنجاب، حيث يعيش تسعون في المائة من السيخ في العالم، ويشاركون في انتخابات حرة، فإنهم يصوتون بأغلبية ساحقة لمرشحي السيخ المناهضين للانفصال. ولكن في الشتات، وبمساعدة وكالة الاستخبارات الباكستانية، خاصة فيما يتعلق بالدعاية، تستمر قضية خالستان.
تحدي التطرف والإرهاب الذي يمثله الخالستانيون في الشتات
إن كون “الشتات” أكثر تطرفًا من السكان “في الوطن” ليس ظاهرة غير عادية: فالنزعة الجهادية لها جاذبية غير متناسبة مع عدد السكان المسلمين في الغرب، مقارنة بالمسلمين في الدول الإسلامية. على سبيل المثال، اعتمدت حركة نمور تحرير تاميل إيلام أو “نمور التاميل” اعتمادًا كبيرًا على تمويل الشتات لشن حربهم ضد سريلانكا. بعد سقوط نمور تحرير تاميل إيلام في عام 2009، التي تُعد واحدة من أكثر الهزائم الحاسمة للتمرد في العصر الحديث، تلاشت جاذبية نمور تحرير التاميل في سريلانكا ويسعى التاميل للاندماج في الدولة والمجتمع، لكن “معظم التاميل في الخارج لا يزالون ملتزمين بشدة بحركة نمو التاميل، لإقامة دولة منفصلة في سريلانكا”.
وعلى نحوٍ مماثل، يسعى الخالستانيون خارج الهند إلى تعزيز أسطورة “القضية الضائعة” بين السكان السيخ في الشتات، ويقدمون أهدافهم بلغة أقلية مقموعة تسعى للحصول على حقوقها. نتيجة لهذه الرواية، يتصرّف الخالستانيون كبيادق في يد باكستان في لعبة جيوسياسية، وما نجم عن ذلك من عنف مروّع لحركة خالستان خلال حربها في فترة الثمانينيات، وليس في الهند فقط.
يقول ميلوسكي:
خطط [ناشط في حركة خالستان] لوضع قنابل على طائرتين هنديتين في أواخر يونيو من عام 1985. تسببت إحداها في مقتل 329 شخصًا كانوا على متن رحلة الخطوط الجوية الهندية رقم 182 من مونتريال إلى هيثرو. وانفجرت الطائرة الأخرى على الأرض في مطار ناريتا في اليابان، ما أسفر عن مقتل اثنين من مناولي الأمتعة أثناء نقلها إلى رحلة أخرى لشركة طيران الهند… كان [تدمير الرحلة 182]، إلى حد كبير، أسوأ جريمة قتل جماعي في كندا والهجوم الأكثر دموية على الطيران في تاريخ العالم حتى هجمات 11 سبتمبر. ومع ذلك، وبقدر ما هو مروّع، فإن عدد الضحايا لا يتجاوز واحدًا ونصف في المائة من إجمالي القتلى الذين لقوا حتفهم خلال أكثر من عقد من الصراع المسلح من أجل خالستان.
الجدير بالذكر أن كندا قد عُرفت لبعض الوقت بأنها بؤرة مركزية في شبكة خالستاني، تلتف حول منظمة تُطلق على نفسها اسم “السيخ من أجل العدالة”. الحكومة الكندية الحالية متورطة حاليًا بتقاعسها، على الرغم من التحذيرات، وتصادمت أوتاوا مع الحكومة الهندية بسبب عدم اهتمامها بأنشطة المتطرفين الخالستانيين.
الخالستانيون في بريطانيا
في الأشهر القليلة الماضية، أصبح انتشار حركة خالستان في بريطانيا معروفًا. في فبراير، حذرت المراجعة المستقلة لبرنامج “منع”، برنامج بريطاني لمكافحة التطرف، برئاسة ويليام شوكروس، من “التطرف المؤّيد لخالستان الناشئ من مجتمعات السيخ في المملكة المتحدة”. قال شوكروس إن الخالستانيين كانوا يحرضون السيخ في بريطانيا ضد الحكومة، وينشرون معلوماتٍ مضللة بأن الحكومة البريطانية كانت تقمع السيخ وتساعد الحكومة الهندية على فعل الشيء نفسه في الهند، بينما “تمجد العنف الذي تقوم به الحركة المؤيدة لخالستان في الهند”. وقال شوكروس إن هذا كان “مزيجًا سامًا محتملًا للمستقبل”.
ما كان يُخشى أن يقع في المستقبل، حدث بسرعة إلى حد ما. ففي 19 مارس، هاجم متطرفون خالستانيون المفوضية العليا الهندية في لندن، ما أدّى إلى إصابة اثنين من حراس الأمن. ألقت الشرطة القبض على شخص واحد، ويجري التحقيق في الواقعة.
وختامًا، لا ينبغي أن يركز التحقيق على كيفية حدوث هذا الحدث فحسب، بل على البيئة الأوسع التي أفرزته وتصحيح الأخطاء التي أفضت إلى إهمال هذا التهديد لفترة طويلة جدًا. ويروّج نشطاء خالستانيون، لأيديولوجية ومجموعة من روايات نظرية المؤامرة التي تشجع السيخ في بريطانيا على الاعتقاد بأنهم يتعرّضون لهجوم لا هوادة فيه، وبالتالي فإن العنف مُبرّر “دفاعًا عن النفس”. هذا أمر خطير بالنسبة للسيخ، ويخاطر بجذب الشباب وغيرهم إلى الإرهاب والإجرام، ويُعرّض المجتمع بأسره للخطر من خلال خلق انقساماتٍ داخل مجموعة سكانية متنوعة تحتاج إلى التفاهم والانسجام مع المجتمعات المحلية لتزدهر.