أحاور اليوم الدكتور لورنزو فيدينو مدير برنامج مكافحة التطرف في جامعة جورج واشنطن، وخبير في الإسلام السياسي في أوروبا وأمريكا الشمالية. تركز بحوثه على ديناميات تجنيد الشبكات الجهادية في الغرب، والسياسات الحكومية لمكافحة التطرف العنيف، وأنشطة التنظيمات المستوحاة من جماعة الإخوان المسلمين في الغرب.
في عام 2010، نشر كتابًا بعنوان «الإخوان المسلمون الجدد في الغرب». ومؤخرًا نشر كتابًا جديدًا له بعنوان «الدائرة المغلقة: الانضمام إلى جماعة الإخوان المسلمين وتركها في الغرب»، ويقدم وجهات نظر فريدة من داخل الجماعة حول أيديولوجيتها واستراتيجياتها، وكيفية وسبب قرار بعض الأفراد تركها..
برزوسكيويتش: عندما تتحدث عن العالم المُعقد للإخوان المسلمين في الغرب، فأنت أفضل الخبراء في هذا الشأن. في كتابك الأخير بعنوان «الدائرة المغلقة»، تروي كيف بدأ اهتمامك بالجماعة. هل يمكنك أن تخبرنا شيئًا عن ذلك؟
فيدينو: أولًا وقبل كل شيء، لست متأكدًا من أنه يمكنني وصف نفسي بأفضل الخبراء في هذا الشأن، ولكن شكرًا لك. في عام 2014، كلَّفتني الحكومة البريطانية بالعمل على إنجاز المراجعة الرسمية الخاصة بالإخوان المسلمين، وعندما سألتُ الراحل تشارلز فار، مدير مكتب الأمن ومكافحة الإرهاب في وزارة الداخلية آنذاك، لماذا اختاروني، قال: “إذا كنا نريد خبيرًا في شؤون الإخوان المسلمين في مصر، فهناك ما لا يقل عن أربعين خبيرًا. وبالنسبة للإخوان في الأردن فهناك دزينة من الخبراء، والأمر كذلك بالنسبة لسوريا. لكن بالنسبة للإخوان في الغرب؟ لا يوجد سواك. إنها دينامية مُحيّرة، لأن الموضوع له أهمية بالغة من منظور السياسة العامة”.
بدأتُ اهتم بهذا الموضوع في أواخر فترة التسعينيات. في ذلك الوقت، ظهر اسم مسجد في مسقط رأسي في مدينة ميلانو، في الأخبار باعتباره مركزًا للجهاديين الذين يذهبون إلى البوسنة. ما أثار دهشتي حقيقة أن الأشخاص الذين كانوا يدفعون أموالًا للمسجد لم يكونوا جهاديين متشددين، بل كانوا عبارة عن حفنة قليلة من رجال الأعمال البارزين في الشرق الأوسط الذين ترأسوا أيضًا شبكة من الشركات في مختلف القارات، وسيطروا على بنك في جزر البهاما، وقضوا عقودًا في رفقة النخب في الشرق والغرب.
كانوا أعضاء بارعين بشكل ملحوظ في جماعة الإخوان المسلمين في أوطانهم الأصلية، لكنهم استقروا في الغرب في العقود السابقة هربًا من الاضطهاد، ولعبوا دورًا حاسمًا في إنشاء شبكة الإخوان في أوروبا وأمريكا الشمالية. وقد زودتني مجموعة ميلانو، وتلك المرتبطة بها، بلمحة عن التطور والطبيعة عبر الوطنية لجماعة الإخوان: شركات وهمية في ليختنشتاين، ومصنع للدواجن وشركة برمجيات في أمريكا، واستثمارات عقارية في أفريقيا والشرق الأوسط، واتصالات رفيعة المستوى في جميع أنحاء العالم. وفي الوقت نفسه، كانت لديهم آراء بغيضة، واتصالات مع بعض أشد الإرهابيين عنفاً في العالم. لقد سحرني ذلك.
هناك جانب آخر شد انتباهي بصورة أكبر، ففي حين تأسست جماعة الإخوان المسلمين في مصر وركزت أيديولوجيتها الأصلية على إعادة تشكيل المجتمعات ذات الأغلبية المسلمة في الشرق الأوسط، كان من الواضح أنها أقامت وجودًا لها في الغرب منذ فترة طويلة. وسرعان ما اتضح أيضًا أنها أنشأت منظمات، وإن لم تطلق على نفسها اسم “الإخوان المسلمين”، بل وفي الواقع راحت تدحض التهم التي تقول إن لها صلات بالجماعة، إلا أنها في الحقيقة كانت مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بها، ولعبت دورًا حاسمًا في ديناميات المجتمعات الإسلامية الغربية. فلقد سيطروا على عدد كبير من المساجد، وأصبحوا ممثلين بحكم الأمر الواقع (وقد يسميهم البعض حراس البوابة) للمجتمعات المذكورة في نظر المؤسسات الغربية. وكان السؤال: ما هي الآثار المترتبة على هذه التطورات التي حدثت في معظم الدول الغربية، وما هي الاختلافات الموجودة بين تجارب الدول المختلفة في هذا الصدد؟
في الواقع، هذا ما كنت أحاول دراسته على مدى السنوات العشرين الماضية.
برزوسكيويتش: كيف توصلت إلى فكرة تأليف كتاب عن الأفراد الذين يتركون الإخوان؟
فيدينو: على مر السنين، “تعثرت” مرارًا وتكرارًا في الأفراد الذين تركوا شبكات الإخوان المسلمين في مختلف الدول الغربية. والتقيت شخصيًّا بعددٍ من هؤلاء. والبعض الآخر كتب عن تجربته في كتب أو مدونات. لقد أذهلتني نظرتهم “من الداخل”، فهي طريقة فريدة لتعميق معرفتي بمنظمة سرية مشهورة. كما كنت مفتونًا بالعمليات النفسية التي دفعتهم إلى الانضمام إلى جماعة الإخوان المسلمين، والأكثر من ذلك، تركها.
ولذلك قررت أن يستند كتابي الجديد على مقابلاتي معهم. الأفراد الذين وصفتهم شغلوا مناصب مختلفة في الجماعة، من كبار القادة إلى المتملقين. كانوا يعملون في دولٍ مختلفة وفي أوقات مختلفة، ومن الواضح أن لديهم أسباب مختلفة للانضمام للجماعة وتركها.
وبالتالي، فكل فصل مبني على ثلاث دورات من التشدد: الانجذاب، والانضمام، والرحيل. يركز الجزء الأول على كيفية انضمام كل فرد إلى جماعة الإخوان المسلمين، مع إيلاء اهتمام خاص لأساليب التجنيد التي يستخدمها التنظيم، والدوافع النفسية التي دفعت الفرد إلى الانضمام. ويصف القسم الثاني حياة الفرد داخل التنظيم: الدور الذي لعبه، والأنشطة التي انخرط فيها، والتنظيمات والأشخاص الذين تفاعل معهم. ويغطي القسم الثالث فك الارتباط: الأسباب التي دفعت كل فرد إلى ترك التنظيم، وكيف فعل ذلك، وما هي الآثار التي أعقبت ذلك.
برزوسكيويتش: يبدو أن أولئك الذين تركوا الجماعة بدأوا في الآونة الأخيرة فقط الحديث عن رحلتهم الخاصة معها. هل واجهت صعوبات في إقناعهم بالتحدث معك؟
فيدينو: بالنسبة للأعضاء السابقين الاثني عشر تقريبًا، الذين أجريت معهم مقابلات مطولة، وحددتهم بالاسم، لم تكن هناك مشكلة. لكن عدد قليل من الأعضاء السابقين الآخرين الذين اتصلت بهم رفضوا التحدث معي، فيما وافق عدد قليل منهم على الحديث معي دون الكشف عن هويتهم.
برزوسكيويتش: تحدثت في كتابك عن مقابلة أعضاء سابقين من خلفيات، وأصول، وقصص شخصية متنوعة. ومع ذلك، حددت بعض أوجه التشابه الحاسمة بين مساراتهم. ما هي الأسباب المتكررة التي دفعتهم إلى ترك الجماعة؟ هل ترى أنه شكل من أشكال فك الارتباط؟
فيدينو: كل قصة، بالطبع، لها خصوصياتها، ولكن هناك في الواقع أنماط مشتركة. لقد تحدثوا جميعًا عن الإحباط من المسائل التنظيمية والأيديولوجية على حد سواء، وأظهروا مزيجًا من خيبة الأمل من كيفية عمل الجماعة والأفكار التي تتبناها.
فيما يتعلق بالتنظيم، هناك شكوى شائعة تتمثل في افتقار الإخوان إلى الديمقراطية الداخلية. تطبيق الجماعة الصارم لمبدأ “السمع والطاعة” -أو كما يسميه عضو سابق في جماعة الإخوان المسلمين في بلجيكا بسخرية، “أغلق فمك وأطع”، مثل الجندي الجيد الخاضع للقائد العظيم ولجميع القادة الصغار من ذوي الرتب المتوسطة لكنهم أعلى منه”- غالبًا ما تكون إحدى الخطوات الأولى على طريق خيبة الأمل وفك الارتباط بالتنظيم. وعلى حد قول محمد لويزي؛ عضو سابق ينتقد الجماعة بصراحة في فرنسا، “يمكن للقادة الكبار أن يقرروا ما يرون بمكالمة هاتفية، متجاهلين الانتخابات والإجراءات واللوائح الداخلية الأساسية”. فالفساد الداخلي، والمحسوبية، والافتقار إلى مبدأ الجدارة، هي من بين القضايا التي كثيرًا ما تُذكر في هذا السياق.
ثمة مصدر مشترك آخر للإحباط هو السرية المفرطة. يتفق جميع الأعضاء السابقين الذين قابلتهم على أنه في حين أن السرية كانت مفهومة في الشرق الأوسط بالنسبة للتنظيم من أجل النجاة من القمع القاسي للأنظمة المحلية، فإنها غير ضرورية على الإطلاق في الغرب، خاصة تلك السرية المفرطة المتعمدة. وهناك حسرة من هذه السرية التي تغلف جميع جوانب حياة الجماعة، إلا أن الأعضاء السابقين يشعرون بالإحباط الشديد إزاء إنكار وجود الإخوان في الغرب. ويرى الكثيرون أن الجماعة سوف تتمتع في الواقع بمزيد من النجاح في جهودها للانخراط في المجتمعات، إذا قدمت نفسها على ما هي عليه، ذلك لأنه يُنظر إلى السرية على أنها تخفي العار أو تشكل محاولة لإخفاء أجندات مظلمة. ويتفق الجميع على أنها نقطة ضعف استراتيجية كبرى وسلوك مُنفّر، ما يساهم بشكل كبير في إحباطهم وفك الارتباط بها.
في حين أن جميع الأعضاء الذين تحدثت معهم أشاروا إلى أوجه الخلل المنظورة في التنظيم باعتبارها عوامل حاسمة في قرارهم ترك الجماعة، فإن المخاوف العميقة بشأن أيديولوجية الإخوان كان لها في معظم الحالات الوزن الأكبر. والواقع أن الإحباطات بشأن الأمور الداخلية للتنظيم غالبًا ما زرعت البذرة الأولى من الشك، الأمر الذي دفع الأفراد بعد ذلك إلى دراسة القضايا الأساسية المتعلقة بالالتزام بعقيدة الإخوان. القضايا الأيديولوجية التي أدَّت بكل فرد إلى فكّ الارتباط معقدةٌ وشخصية، وتختلف من حالة إلى أخرى. وقد تحدث جميع الذين أجريت معهم المقابلات، بطريقة أو بأخرى، عن إحباطهم من إعطاء جماعة الإخوان الغربية الأولوية للسياسة على الدين كقضية رئيسة.
علاوة على ذلك، تكشف المسارات المختلفة للأفراد الذين خضعوا للتحليل، في مرحلة ما بعد تركهم لانتمائهم للإخوان عن الأسباب المتباينة التي دفعتهم إلى ترك الجماعة. فالبعض، مثل كمال الهلباوي، لا يتخلى عن الإسلام السياسي تمامًا، بل يرفض ببساطة الصيغة التي تتبناها جماعة الإخوان المسلمين، أو على نحو أكثر تحديدًا، قيادة الإخوان الحالية، حيث يعتقد هذا البعض أنها ابتعدت عن التعاليم الأصلية لمؤسس الجماعة، حسن البنا. لكن بالنسبة لآخرين، مثل أحمد عكاري، ومحمد لويزي، وبيير دوراني، فإنهم يرفضون الإسلام السياسي برمته، بكل مظاهره وجوانبه، واعتنقوا بدلًا من ذلك العلمانية، والأشكال التقليدية للإسلام.
برزوسكيويتش: عندما يشكو البعض من غياب الديمقراطية الداخلية وزيادة المحسوبية، فإن بعض الأعضاء السابقين ذهبوا بعيداً حد الحديث عن “كارتلات الإخوان”. فما هي؟
فيدينو: هذا الأمر يتعلق بأحد جوانب غياب الديمقراطية الداخلية التي كنت أناقشها سابقًا. في أوروبا وأمريكا الشمالية، دفع العديد من رواد الإخوان من الجيل الأول زوجاتهم وأطفالهم وأصهارهم إلى بعض المناصب العليا داخل الجماعة، ما خلق نخبة صغيرة من النشطاء المترابطين، وهي “نخبة أرستقراطية” تسيطر على كل شيء.
أفكر في عائلات مثل ندى، وهمت، والزيات، والصغير، والقدوس، والحداد. وفي حين أن العديد من الآباء مؤهلون وقادرون بلا شك، فإن هذه الدينامية أحبطت العديد من النشطاء الذين لا ينتمون إلى أي من هذه الأسر البارزة ورأوا أنفسهم، من وجهة نظرهم، أن الجماعة المركزية تجاوزتهم ظلمًا.
وهذا يقود إلى اتهامات ذات صلة بالتحيز العرقي. ففي العديد من الدول -إسبانيا وإيطاليا، على سبيل المثال- كان المؤسسون الأوائل، وجميعهم تقريبًا من بلاد الشام، وأطفالهم، يسيطرون على قيادة معظم شبكات الإخوان (وبالتالي مختلف المنظمات العامة المرتبطة بجماعة الإخوان التي تدعي أنها تمثل السكان المسلمين في البلاد. وهذا يثير استياء العديد من الناشطين الذين اعتنقوا الإسلام أو الذين ينحدرون من شمال أفريقيا، الذين يشعرون بالتمييز ضدهم. لقد أدرك عددٌ غير قليل منهم؛ نتاج هذا الوضع، أن رواية الإخوان [حول العقيدة العالمية] مجرد كلام أجوف.
برزوسكيويتش: في هذه المرحلة من التاريخ، كيف تختلف أهداف الإخوان في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا عنها في الغرب؟
فيدينو: في بعض الأمور، الإخوان في الغرب يشبهون إلى حد كبير جماعة الإخوان في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. في الواقع، بالنسبة لي، كانت تلك واحدة من أكثر النتائج إثارة للدهشة في المقابلات مع الأعضاء السابقين، كيف أن بعض الجوانب -مثل كيف يتم توظيف الناس في التنظيم، ومنهج التربية، وعمل الأسرة، والهيكل الهرمي- متطابقة تقريبًا بين فرانكفورت أو برمنجهام أو شيكاغو وعمان أو القاهرة.
لكن جماعة براجماتية مثل جماعة الإخوان تُصمم دائمًا أهدافها لتناسب البيئة التي تعمل فيها. وفي حين تؤيد شبكات الإخوان الغربية وتدعم (قولًا وفعلًا) جهود أسلمة المجتمع، والحصول على قوة أقرانها في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إلا أنها تدرك أيضاً أن الأهداف في الدول غير ذات الأغلبية المسلمة في الغرب يجب أن تكون مختلفة واقعياً. وهنا أود القول أن لها أهدافًا ثلاثة:
الأول هو إقناع المسلمين الغربيين بنظرتهم السياسية والدينية للعالم. وكما قال يوسف القرضاوي، فإن الغرب هو عبارة عن “صفحة بيضاء” يمكن للإخوان أن “يلعبوا فيها دور القيادة المفقودة للأمة الإسلامية بكل اتجاهاتها وجماعاتها”.
والثاني، المتصل إلى حد كبير بالأول، وهو تنصيب أنفسهم كممثلين رسميين أو فعليين للجالية المسلمة في دولهم. ورغم نشاطهم الدؤوب ومواردهم الوفيرة، فلم يتمكن الإخوان من خلق حركة جماهيرية وجذب ولاء أعداد كبيرة من المسلمين الغربيين. وفي حين وصلت المفاهيم والقضايا والأطر التي أدخلها الإخوان إلى العديد منهم، فإن معظم المسلمين الغربيين إما يقاومون بنشاط نفوذ الإخوان أو يتجاهلونه ببساطة. ويدرك الإخوان أن العلاقة التفضيلية مع النخب الغربية يمكن أن توفر لهم رأس المال المادي والسياسي الذي من شأنه أن يسمح لهم بتوسيع نطاق انتشارهم ونفوذهم بشكل كبير داخل المجتمع. ومن خلال الاستفادة من مثل هذه العلاقة، في الواقع، يهدف الإخوان إلى أن تعهد إليهم الحكومات الغربية بإدارة جميع جوانب الحياة الإسلامية في كل دولة ينشطون فيها.
ومن الناحية المثالية، يرغبون في أن يصبحوا أولئك الذين تُكلفهم الحكومات بإعداد المناهج الدراسية واختيار المعلمين للتعليم الإسلامي في المدارس العامة، وتعيين الأئمة في المؤسسات العامة مثل الجيش أو الشرطة أو السجون، وتلقي الإعانات لإدارة مختلف الخدمات الاجتماعية. ومن شأن هذا الموقف أيضًا أن يسمح لهم بأن يكونوا الصوت الإسلامي الرسمي بحكم الأمر الواقع في المناقشات العامة، وفي وسائل الإعلام، ما يجعلهم يتفوقون على القوى المنافسة لهم. ومن شأن السلطات والشرعية التي تمنحها لهم الحكومات الغربية أن تسمح لهم بممارسة نفوذ متنامٍ بشكل كبير على المجتمع الإسلامي. وبإجراء عملية حسابية سياسية ذكية، يسعى الإخوان الغربيون لتحويل محاولتهم لقيادة المجتمع إلى نبوءة ذاتية التحقق.
وأخيرًا، فإن موقف ممثلي المسلمين الغربيين من شأنه أن يسمح للإخوان بالتأثير على صنع السياسات الغربية بشأن جميع القضايا ذات الصلة بالإسلام، سواء كانت ذات صلة بالسياسة الداخلية أو الخارجية.
برزوسكيويتش: يستخدم بيير دوراني؛ عضو سويدي سابق في جماعة الإخوان وأحد من قابلتهم، مصطلح “الساذج أزرق العينين”. ماذا يعني بذلك؟
فيدينو: بيير هو شخص مثير للاهتمام جدًّا. كونه ولد لأب باكستاني وأم سويدية في أوائل التسعينيات، وجنِّد على يد رواد جماعة الإخوان في السويد؛ لأن لغته الأم هي السويدية، وكونه أشقر وأزرق العينين، فهو يعتبر وجهًا مطمئنًا للمجتمع السويدي، على حد قوله. عقب سنوات من انضمامه للشبكة، اتضح لبيير أن ما كان يدور في خلد قادة الإخوان للسويد كان مختلفًا جدًّا عما قالوه علنًا، وما يريدونه. وعلى كثرة حديثهم عن الاندماج، وإيجاد طريقة لجعل الإسلام متوافقًا مع السويد -وهو أمر لا يزال بيير يعتقد أنه ممكن تمامًا- فإن الإخوان يكنُّون ازدراءً عميقاً للمجتمع السويدي والشعب السويدي. ويصف بيير هذه المواقف بأنها عنصرية محضة، ويقدم العديد من الأمثلة على قادة الإخوان الذين يسخرون من الشعب السويدي بسبب سذاجتهم المتصورة، وأخلاقهم غير المنضبطة، والافتقار إلى النظافة الشخصية. كما شعر بيير بنفس القدر من الانزعاج من أشكال العنصرية داخل المجتمع الإسلامي.
ويرى أن قيادة الإخوان المسلمين، المؤلفة إلى حدٍّ كبير من العرب، تحدثت أيضًا باستخفافٍ عن المسلمين الإريتريين والصوماليين، وغيرهم من المسلمين الأفارقة، محطمة بذلك المثل الأعلى للإخوة في الإسلام بغض النظر عن اللون الذي ينبغي أن يتسم به ليس فقط التنظيم، ولكن المجتمع العالمي بأكمله من المؤمنين بالإسلام.
لكن فكرة السذاجة، بحسب بيير، ليست فكرة خاطئة تمامًا عند تطبيقها على كيفية تعامل السويد -وجميع الدول الغربية الأخرى- مع جماعة الإخوان المسلمين. ويرى أن “المجتمع السويدي لم يتمكن من التعامل مع جميع التعقيدات والخلافات التي تحدث هنا”. وعندما يتعلق الأمر بالإسلام، يقول إن المؤسسة السويدية قبلت ظاهريًا الادعاء الكاذب الذي أدلت به مجموعة صغيرة من الناشطين المنظمين وذوي الدهاء بأنهم يمثلون المجتمع الإسلامي بأسره.
ولم تكن المؤسسة السويدية تمتلك أدواتٍ لفهم الديناميات المعقدة داخل الإسلام العالمي، وداخل المجتمع الإسلامي الجديد الذي ينمو بسرعة في الدولة، واحتضنت المؤسسة السويدية بشكل كامل أقلية نشطة، متجاهلة الأصوات الأخرى العديدة التي تشكل فسيفساء الإسلام في السويد. “الإخوان هم الذين شرحوا للدولة السويدية ما هو الإسلام”.
ووفقًا لبيير، فإن هذا الجهل يسير جنباً إلى جنب مع عنصرين آخرين من المجتمع السويدي: تركيزه على الثقة واحتضانه للصواب السياسي. ويرى أن “الثقافة السويدية، والعودة إلى زمن الفايكنج.. تُثمِّن الثقةَ بشكل كبير. الناس لا يتوقعون الازدواجية ويجدون صعوبة في تصور أن شخصًا ما سيحاول خداعهم”.
هذه “السذاجة زرقاء العينين”، كما يقول بيير، صبت في مصلحة الإخوان، الذين “لم يكونوا صادقين حول من هم وماذا يريدون”، ونادرًا ما تم التشكيك في دوافعهم الحقيقية.
السمة المساعدة الأخرى التي استغلها الإخوان بالقدر ذاته، هي المستوى العالي من الصواب السياسي الذي يتسم به المجتمع السويدي. “الجميع خائفون جدًا من تسمية الأشياء بمسمياتها”، يتنهد بيير، متحسرًا على عدم قدرة العديد من سكان السويد على رؤية أو، على نحو أفضل، التعبير علنًا عن أي آراء سلبية حول الأقليات، حتى عندما لن يكون ذلك بمنزلة إظهار التحيز بل ببساطة معاملتهم بنفس الطريقة التي يمكن أن يعاملوا بها العرقيات السويدية. وعلاوة على ذلك، يرى أن الإخوان تعلموا كيفية استخدام لغة حقوق الإنسان والديمقراطية والتعددية الثقافية لمصلحتهم الخاصة دون أن يُثمِّنوا حقًّا تلك المفاهيم. وأن قدرتهم على استخدام لغة اليسار السويدي المعاصر قد مكنتهم من أن يُنظر إليهم على أنهم مجموعة من الضحايا، ومن رفض أي نقد يوجه إليهم باعتباره تعصبًا ضدهم.
برزوسكيويتش: في كتابك «الدائرة المغلقة»، تذكر بوضوح أنه من الصعب تقييم تأثير ما يسمى بالربيع العربي على الإخوان في الغرب، ولكن يبدو أن السلبيات تفوق الإيجابيات. هل يمكنك إخبارنا بالمزيد عن هذا الأمر؟
فيدينو: اسمحي لي أن أبدأ بتحذير نابع من الطريقة التي أرى بها الإخوان المسلمين على مستوى العالم وفي الغرب. منذ أربعينيات القرن العشرين، انتشرت رسالة الإخوان في جميع الدول ذات الأغلبية العربية والإسلامية تقريبًا. وفي كل دولة، أنشأ الأفراد الذين يعتنقون رؤية الجماعة للعالم شبكات تعكس هيكلها وكيّفوا تكتيكاتها مع الديناميات المحلية والظروف السياسية. ومن الشائع الإشارة إلى هذه الشبكات في كل بلد كفروع للإخوان المسلمين، رغم أن المصطلح لا ينبغي أن يعني سلطة الجماعة الأم المصرية عليها. جميع هذه الجهات الفاعلة تعمل وفقًا لرؤية مشتركة، ولكن مع استقلال تنفيذي، وحرية في تحقيق أهدافها حسبما تراه مناسبًا. وينطبق الشيء نفسه على الغرب، حيث تشكل شبكات الإخوان المحلية في كل دولة نسخة مصغرة من تلك الموجودة في الشرق. وبالتالي، فهناك جماعة الإخوان الفرنسية، وجماعة الإخوان السويدية، وجماعة الإخوان البريطانية، تمامًا كما توجد جماعة الإخوان المصرية والأردنية والسورية، وجميعهم مستقلون على قدم المساواة (ولكن بأعداد أقل بكثير في الغرب بطبيعة الحال).
ومع ذلك، أعود إلى نقطة أن كيانات الإخوان في الغرب مستقلة عن الشرق، ولها تكتيكاتها وأهدافها وتذبذباتها وتقلباتها الخاصة بها. ما حدث في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا خلال الربيع العربي حفزهم أولًا ثم أحبطهم. ولكن في نهاية المطاف، لم يغيِّر ما يفعلونه؛ لأن مركز ثقلهم يوجد بقوة في الغرب.
يمكن القول إن التأثير الأكبر للربيع العربي، على شبكات الإخوان الغربية، كان ماليًا. ذلك أن الاضطرابات الجيوسياسية التي حدثت في العقد الماضي، دفعت العديد من الداعمين التاريخيين للجماعة إلى إنهاء دعمهم الذي كان أحد الأسباب الرئيسة للنفوذ غير المتناسب للإخوان المسلمين في الغرب. واليوم، يقتصر الدعم المالي، على الأقل عندما يتعلق الأمر بالدول، في معظمه، على قطر وتركيا.
برزوسكيويتش: لقد أوضحت أن الإخوان الغربيين يمرون بتغيير واسع النطاق بين الأجيال. كيف سيؤثر ذلك على تطور الجماعة، وبشكل أوسع، ما هي توقعاتك لمستقبل الإخوان في الغرب؟
فيدينو: من الصعب التكهن بذلك، فهناك اتجاهات مختلفة تستحق الملاحظة في السنوات القادمة. وعلى مستوى ما، يبدو أن جماعة الإخوان المسلمين فقدت ذلك الجذب المغناطيسي الذي يُقال إنها مارسته على الكثيرين. وعلاوة على ذلك، على مدى العقود الماضية، وضعت جماعة الإخوان الغربية أولوية لتصبح بمنزلة المحاور الموثوق به للحكومات والنخب الغربية، وفي كثير من الحالات نجحت في تحقيق هذا الهدف. ولكن من أجل القيام بذلك، اضطرت حتمًا إلى التخلي عن بعض مبادئها، وتخفيف بعض من آرائها المتشددة.
في الأساس، لا يرى جميع نشطاء الإخوان، بوضوح، ضوءًا إسلاميًا في نهاية نفق الاجتماعات التي لا حصر لها بين الأديان، وولائم جمع الأموال، وندوات الحساسية الإعلامية، وأنشطة أخرى لا تعد ولا تحصى يكرِّس لها التنظيم معظم طاقاته. كما أن البعض في حيرة من أمر تكتيكات مثل التحالفات مع المنظمات النسوية أو منظمات المثليات والمثليين ومزدوجي الميل الجنسي ومغايري الهوية الجنسانية التي، على الرغم من تفسيرها داخليًا على أنها وسائل مفيدة لتحقيق غاية، فإنها تبدو مع ذلك وكأنها تحيد إلى حد كبير عما هو مقبول إسلاميًا. ونتيجة لذلك، تعاني تنظيمات الإخوان الغربية المنافسة مع السلفيين، الذين اجتذب نهجهم الأكثر تشددًا العديد من المسلمين المحافظين الذين كانوا في السابق سينجذبون نحو الإخوان.
في الوقت نفسه، يجد العديد من المسلمين المولودين في الغرب على نحو متنامٍ منابر بديلة للحشد والتعبئة على أساس هويتهم الإسلامية. لم يعد العديد من النشطاء المسلمين الشباب، سواء بدأوا مسارهم في منظماتٍ تنتمي إلى الوسط الغربي للإخوان أم لا، مقيدين باحتكار الجماعة للهوية الإسلامية، وباتوا يعملون بحرية ضمن التيار الرئيس.
وفي الواقع، غالبًا ما يعمل الناشطون المسلمون الغربيون، الذين لديهم نقاط اتصال مع أوساط الإخوان، خارج بنية الجماعة ويصلون إلى مناصب رفيعة في الأحزاب السياسية الغربية والمجتمع المدني، لا سيما في اليسار. ويمكن أن نتحدث، في هذا الصدد، عن “الإسلاموية اليقظة”، وهي مقاربة هجينة تمزج بين المواضيع العزيزة على سياسات الهوية المعاصرة والإسلاموية الكلاسيكية، مع تحريف لنظرية ما بعد الاستعمار. ويتوقف تقارب الاتصالات بين هؤلاء المستقلين، والوسط الإخواني، على الحالة المحددة، ولكن من الواضح أن الإخوان لم يعودوا على نحو متزايد السبيل الوحيد للمسلمين الذين يسعون إلى الانخراط السياسي في الغرب. في الوقت نفسه، الإخوان استغلاليون، يعقدون تحالفات تكتيكية مع لاعبين مستقلين، ما دام أنهم يساعدونهم على تحقيق أهدافهم.
وختامًا، فمن المستحيل في هذه المرحلة التنبؤ بالاتجاه الذي ستذهب إليه جماعة الإخوان في الغرب. ومن العوامل الرئيسة في كل هذا هو التحول بين الأجيال، وسيكون من المثير للاهتمام أن نرى ما إذا كانت قيادة التنظيمات التي بدأها رواد الإخوان ستظل في عهدة أبنائهم وأحفادهم أم ستؤول إلى أفراد آخرين.
وليس من المستبعد أن يتخذ أفراد ومنظمات مختلفة تنتمي إلى الشبكة مساراتٍ معاكسة مع مرور الوقت. وبغض النظر عن هذه التطورات، يبدو واضحًا أن جماعة الإخوان المسلمين ستظل لسنواتٍ مقبلة طرفًا فاعلًا حاسمًا في تشكيل مستقبل الإسلام في الغرب.