أكد تنظيم داعش، في 6 يونيو 2021، مقتل أبوبكر شيكاو، قائد جماعة بوكو حرام سيئة السمعة في نيجيريا، منهيًا بذلك أسبوعين من التكهنات حول كونه لا يزال على قيد الحياة. الجدير بالذكر أن شيكاو قد انتحر بعد أن اقتحم مقاتلون من ولاية غرب إفريقيا التابعة لتنظيم داعش مقره في غابة سامبيسا في 20 مايو. وعلى الطريقةِ الجهادية التقليدية، فجّر شيكاو حزامًا ناسفًا ليقتل نفسه، تمامًا كما فعل أبو بكر البغدادي في محافظة إدلب السورية في أكتوبر 2019.
البرناوي: الخليفة الغامض
ولاية غرب إفريقيا التابعة لتنظيم داعش؛ هي فصيل منشق عن بوكو حرام ينتمي إلى داعش، ويرأسه أبو مصعب البرناوي، المنافس منذ فترة طويلة لشيكاو، وابن مؤسس بوكو حرام، محمد يوسف. بالإضافة إلى إعلان وفاة شيكاو، عيّن البرناوي قائدًا جديدًا لبوكو حرام، ما يعني ضمنًا أن داعش سيطر على تنظيمه الأم ويخطط لدمجه.
لا نعرف سوى القليل عن أبو مصعب البرناوي باستثناء حقيقة أنه هُمِشّ من قيادة بوكو حرام من قبل شيكاو، بعد إعدام والده في عام 2019. سيطر شيكاو على المجموعة، وترك له المنصب الشرفي كمتحدث باسم التنظيم.
وصف مقال نشرته صحيفة (الشرق الأوسط) السعودية في عام 2019 البرناوي بأنه شاب يحظى بشعبية، لا يزال في العشرينيات من عمره. ونعلم أيضًا أنه يحظى بإعجاب واحترام القائد الجديد لداعش، أبو إبراهيم القريشي.
علاقة شيكاو المضطربة مع داعش
تجدر الإشارة إلى أن شيكاو كان قد أعلن ولاءَه لداعش في منتصف عام 2015، ثم انشق عنه في عام 2016، على الرغم من إصرار التنظيم أنه قد طُرد. كان شيكاو مستاءً من داعش لعدم تزويده بالمال والسلاح، والاكتفاء بالسماح له فقط برفع الراية السوداء لداعش في نيجيريا، وهو إنجاز يعتقد داعش أنه حسّن أوراق اعتماد شيكاو بشكلٍ كبير داخل المجتمع الجهادي الدولي، ولفت انتباه العالم إليه.
من ناحيةٍ أخرى، تقول الرواية المضادة إن شيكاو كان مشاكسًا جدًا لخليفة داعش المزعوم أبو بكر البغدادي، رافضًا تلقي الأوامر من تنظيم داعش المركزي، حيث نفّذ عملياتٍ سفكت دماء بلا داعي، دون جني أي فوائد سياسية أو عسكرية. وقبل خمس سنوات، وصفوه بأنه “ورم” يجب إزالته، وأضافوا اليوم أنه “وحشيٌّ، ولم يتردد في إيذاء الأبرياء، وقتلهم”. عندما يصف التنظيمُ الأكثر دموية في تاريخ العالم الحديث رجلًا بأنه “قاتل”، فهي شهادة على مدى شراسته الحقيقية.
ما هو الوضع الآن؟
خلال فترة عمله كمتحدث باسم بوكو حرام، تعلم أبو مصعب البرناوي أبجديات إدارة مكتب صحفي، مثل كتابة بيانات متماسكة، وإجراء مقابلات لصحفيين مختارين بعناية. هذه المرة خرج ببيان، ألقى الرعب في قلوب رجال الأمن النيجيري، قائلًا إنه تمكّن من القبض على 30 من كبار مساعدي شيكاو. ومن غير الواضح ما الذي تعتزم ولاية غرب إفريقيا فعله مع هؤلاء الناس. هل ستعدمهم؟ أم أنهم ببساطة سوف يتبرأون من شيكاو؛ زاعمين أنهم أجبروا على القتال معه، ضد إرادتهم. وإذا غيروا ولاءَهم وانضموا إلى ولاية غرب إفريقيا، فإن ذلك قد يجعل داعش أقوى جماعة جهادية في نيجيريا وخارجها.
وحتى قبل القضاء على شيكاو، كانوا بالفعل الوسطاء الرئيسيين في المجتمع الجهادي في الدولة، وذلك بفضل الأموال التي كانت تأتي إليهم من زعيم داعش الجديد، أبو إبراهيم القريشي. ظلت بوكو حرام أشهر الجماعات الجهادية الأفريقية، بسبب عمليات شيكاو الوحشية مثل اختطاف تلاميذ المدارس، وتفجير المدارس والكنائس. ولكن إلقاء نظرة على قوتها يحكي قصة مختلفة: فبوكو حرام لديها ما بين 1,200 و1,500 مقاتل (كثير منهم من الأطفال) في حين يبلغ قوام قوة ولاية غرب إفريقيا 5,000 مقاتل.
ستحقق ولاية غرب إفريقيا مكسبًا كبيرًا إذا تمكنت من السيطرة على غابة سامبيسا، وهي منطقة تبلغ مساحتها 6,000 كيلومتر مربع عبر الشمال والشرق، إلى جانب منطقة غوزا الجبلية بالقرب من الحدود الكاميرونية، وتمتد إلى بعض أجزاء كانو، المركز التجاري لشمال نيجيريا. وبسبب سيطرة شيكاو على هذه المنطقة على وجه التحديد، تمكّن من البقاء على قيد الحياة لفترة طويلة، مستخدمًا تضاريسها الطبيعية للتهرب من عمليات الاستطلاع والقصف الجوي الذي يقوم به الجيش النيجيري. ويسيطر التنظيم بالفعل على غابة ألاجارنو الكثيفة وبحيرة تشاد، ما يسمح له الآن باجتياح الطريق السريع الرئيس المؤدي إلى مايدوجوري، عاصمة مقاطعة بورنو.
ولاية غرب إفريقيا راسخة في منطقة بحيرة تشاد، حيث تعامل السكان المحليين بشكل أفضل من شيكاو، وغالبًا أفضل من السلطات الرسمية النيجيرية. وعلى عكس ما حدث مع داعش في العراق وسوريا، لا يقوم داعش في نيجيريا بقطع رؤوس المدنيين، بل يستهدف فقط العسكريين النيجيريين. علاوة على ذلك، فإنه يساعد السكان المحليين من خلال حفر الآبار، ومراقبة سرقة الماشية، وتوفير الرعاية الصحية، بالإضافة إلى فرض نظام ضريبي معقول.
وبالتالي، فإن سكان المناطق التي كانت تحت سيطرة شيكاو لن يمانعوا -إن لم يرحبوا- بالتحول إلى ولاية غرب إفريقيا، معتبرين أنها أفضل الشَّرِّين. فهي تدفع أموالاً أفضل لمقاتليها، في نهاية الأمر، ولديها أيديولوجية جهادية واضحة مقارنة بجماعة شيكاو، الذي حكم من خلال الإرهاب، مع عائد مالي ضئيل جدًا لقواته، ولم يكن أبدًا ملتزمًا بالإسلام السلفي، كما كان يعلن في كثيرٍ من الأحيان في مقاطع الفيديو على يوتيوب.
من الناحية العسكرية، لا تعاني ولاية غرب إفريقيا من نقص في المقاتلين، وذلك بفضل الدعم المقدم من أبو إبراهيم القريشي، حيث يوجد لدى تنظيم داعش في الصحراء الكبرى (1,000 مقاتل)، ولديه القدرة على تجنيد مقاتلين من الجماعات الأفريقية الشقيقة القوية مثل “جماعة نصر الإسلام والمسلمين” (2,000 مقاتل). وإذا جمعنا 5,000 مقاتل الذين تمتلكهم ولاية غرب إفريقيا، و1,500 مقاتل الذين انتقلوا إلى بوكو حرام، فإن هذا سيعني أن قوة مكافحة الإرهاب في الساحل تواجه قوة قتالية تضم قرابة 9,500 إرهابي، معظمهم موالون لداعش. وهذا يُشكّل تحديًا كبيرًا لإفريقيا، بل لأي حكومة في أي جزءٍ من العالم، خاصة بالنسبة لحكومات ذات قدرات محدودة جدًا مثل نيجيريا.
رغم أنه من غير المتوقع أن ينشق جميع مقاتلو بوكو حرام، وينضموا إلى ولاية غرب إفريقيا، فإن الكثيرين منهم سوف ينضمون، خوفًا من قتلهم إذا ما رفضوا. ولكن آخرين سوف يشقون طريقهم الخاص، متعهدين بالانتقام لمقتل شيكاو، وسيحاولون في الوقت ذاته إيجاد قائد ميداني يحل محله، متحديًا أبو مصعب البرناوي، وفي نهاية المطاف الإطاحة به.