كاتيما ديل مار هيرنانديز دومينجيز*
تزامنًا مع معاناتنا جرَّاء جائحة كوفيد-19، تشهد مجتمعاتنا استقطابًا عميقًا وتشرذمًا اجتماعيًا في مسارين رئيسيين؛ حيث يمكننا ملاحظة بوضوح ظهور حركتين مختلفتين: إحداهما تقوم على الكراهية والنزعة الفردية والمقاومة والرغبة العميقة في العودة إلى حياة ما قبل الوباء. فيما تقوم الأخرى على تعزيز الروابط المجتمعية، وبناء شبكات الأمان الاجتماعي.
المتطرفون ينتهزون الوباء
في الحركة الأولى، تتصاعد روايات اليمين المتطرف. وقد أظهرتِ الأبحاث التي أُجريت مؤخرًا بواسطة معهد الحوار الاستراتيجي؛ وهو مؤسسةٌ فكرية مقرها لندن معنية برصد التطرف والمعلومات المضللة، أن العنصريين البيض يستخدمون كوفيد-19 كسلاحٍ ضد الأقليات العرقية، لا سيما ضد المجتمعات المسلمة. وفي هذا الصدد، قال جاكوب ديفي؛ كبير مديري الأبحاث في المعهد: “لقد شهدنا عددًا من الحالات لأشخاصٍ تريد نشر الفيروس عمدًا، ومن ثم يجعلون من أنفسهم سلاحًا بيولوجيًا”.
وفقًا للمعهد، ازدهرت قنوات تطبيق “تلجرام” المرتبطة بتفوق البيض والعنصرية، حيث ارتفع عدد المستخدمين بأكثر من 6,000 مستخدم في شهر مارس. وازداد عدد مستخدمي قناة واحدة للعنصريين المؤمنين بتفوق البيض، التي ركزت على وجه التحديد على كوفيد-19، من 300 فقط إلى 2700 مستخدم في شهر مارس فقط، وهو معدل مذهل يشكل ارتفاعًا بنسبة 800%.
تنتشر مظاهر هذه الحركة في جميع أنحاء العالم. ففي الهند، أطلق أنصار حكومة حزب بهاراتيا جاناتا اليميني المتطرف اسم “جهاد كورونا” على انتشار الفيروس؛ زاعمين أن الوباء مؤامرة حاكها المسلمون لإصابة الهندوس وتسميمهم. لذا، شهد المسلمون مقاطعة أعمالهم في جميع أنحاء الدولة، وأطلق على المتطوعين الذين يوزعون الحصص الطبية اسم “إرهابيي فيروس كورونا”، واتُهم مسلمون آخرون بالبصق في الطعام وتلويث إمدادات المياه بالفيروس. ونتيجة لذلك، تعرض المسلمون للهجوم والضرب بل والإعدام خارج نطاق القانون على أيدي غوغاء هندوس.
من ناحيةٍ أخرى، فى الولايات المتحدة، أطلق مكتب التحقيقات الفيدرالى فى 24 مارس النار على رجل وقتله بينما كان يستعد لمهاجمة مستشفى في منطقة كانساس سيتي حيث يعالج مرضى فيروس كورونا. ووفقًا لمكتب التحقيقات الفيدرالي، فقد فكّر الرجل في مهاجمة مسجد وكنيس ومدرسة بها عددٌ كبير من الطلاب السود قبل أن يستقر في المستشفى.
وفي المملكة المتحدة، سعل رجل ادّعى أنه كان مصابًا بفيروس كورونا في وجه امرأة مسلمة محجبة. وفي إسبانيا، يختلق السياسيون أخبارًا مزيفة ضد المجتمعات المسلمة كنواقل للفيروس من خلال عرض مقاطع فيديو بشكل متعمد يظهر تجمعات رمضانية من السنوات السابقة كما لو كانت تحدث اليوم، ما يغذِّي فكرة النقاء الثقافي المتخيل وتغريب الإسلام.
وكما تقول كاسي ميلر، خبيرة “المركز القانوني لمكافحة الفقر في الجنوب”، “لقد رحب العنصريون البيض بفيروس كورونا؛ لأنه يعني أننا قد نُدفع أكثر باتجاه الانهيار الحضاري، وهو هدفهم لأنه فقط بعد أن يحدث ذلك يمكنهم بناء دولتهم العرقية البيضاء”.
وكما توضح الفيلسوفة مارينا جارسيس، إذا انتصر الخوف والشك بين الجيران، فإننا سنمضي خطوة إلى الأمام نحو مجتمع استبدادي حيث ستكون هناك رقابة اجتماعية أكثر صرامة ضد التهديدات الخارجية المُتخيّلة.
الحياة بعد الجائحة
يبدو أن كوفيد- 19 أحدث، وكشف في الوقت ذاته، عن أزمة في نظام حياتنا تسمح بظهور نظام جديد. وهذه الأزمة تعلِّمنا درسًا إنسانيًا كشف عن ضعفنا، وحاجتنا إلى التكافل، وترابط مجتمعاتنا ببعضها بعضًا. إذ أنه لم يعد بوسعنا الاستمرار في وضع مصالح رأس المال قبل مصالح الحياة، لأنه حتى وفق تلك الشروط، لا يمكن للرأسمالية أن تزدهر عندما يتم تدمير كل شيء من حولنا.
وفي هذا الصدد، تقول أندريا بيتر-جونكالفس؛ رئيس مؤسسة “فلير جفرنانس“، وهي منظمةٌ غير حكومية مقرها بروكسل تركز على الحياة المستدامة: “لقد ساعدت الهالة العلمية التي تحيط بالاقتصاد على ترسيخ طريقة أيديولوجية للغاية في ترتيب المجتمع حول الفكرة الرئيسة القائلة بأن الجدارة الفردية هي طريقة قائمة على الأدلة لتحقيق العدالة الاجتماعية، والتأكد من وجود الإنصاف والتوازن في العالم”.
وأضافت “أن قاعدة الأدلة كانت دائمًا ضعيفة في أفضل الحالات.. وقد ساعد الاقتصاد على فرض نظرة عالمية فردية وتنافسية من خلال الاستخفاف والسخرية بشأن أي بدائل، [التي] تُعتبر غير علمية ومتخلفة وأيديولوجية، وبصراحة، غبية”.
والطريقة الوحيدة للتعافي هي الابتعاد عن هذا النموذج والتركيز على ما هو ضروري حقًّا. إن الاضطراب الناجم عن فيروس كورونا يبيِّن لنا مدى التأثير الذي يمكن أن يحدثه شخصٌ واحد ومدى قوتنا كأفراد. نحن ندرك الآن أن أيَّ واحد منا يفشل في اتخاذ تدابير مسؤولة يضرّ مباشرة بالمجتمع بأسره من خلال المخاطرة بانتشار الفيروس، وزيادة معدل الوفيات على الصعيد الوطني. الحقيقة هي أننا كان لدينا دائمًا هذه القوة، ولكن فيروس كورونا أوضحها للجميع.
أعتقد أنه ينبغي علينا تسخير هذا الشعور بالقوة الفردية للدفع باتجاه عالم جديد يتمحور حول قدسية الحياة. الأرض لديها توازن ذاتي، ونحن معها لأننا جزء منها. بعضُ الأضرار التي لحقت بالبيئة، التي تسبَّبنا فيها بأنفسنا، يتم إصلاحها. والمرحلة المقبلة هي فرصة غير مسبوقة لبناء عالم أكثر تماسكًا وأمانًا للجميع. وختامًا، يقول مانيش سريفاستافا من “معهد بريسينسنج”، وهو مركز أبحاث يركز على الابتكار: “وراء… الرجل والمرأة، الهندوس أو المسلمين، البيض والسود، هناك مجال نحتاج للوصول إليه… نحتاج إلى إعداد كل ما يلزم لكشف هذا المجال”.
– يسعى موقعُ «عين أوروبية على التطرف» إلى نشرِ وجهاتِ نظرٍ مختلفة، لكنه لا يؤيد بالضرورة الآراء التي يُعبِّر عنها الكتّابُ المساهمون، والآراء الواردة في هذا المقال تُعبِّر عن وجهةِ نظر الكاتب فقط.
*أستاذةالأنثروبولوجيا الثقافية، مؤسسة abunDance، وعضو بشبكة التوعية ضد التطرف