إسحاق كفير*
يشير الإرهاب البيولوجي إلى الاستخدام المتعمد للسموم البيولوجية أو الكائنات المسببة للأمراض التي يمكن أن تسبِّب المرضَ والموت في النباتات والحيوانات والبشر، من أجل إكراه الحكومات أو السكان المدنيين أو التأثير عليهم أو تخويفهم لتحقيق مكاسب سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية. ومعروفٌ أن استخدام العوامل البيولوجية (الأسلحة البيولوجية) لإلحاق الضرر كان سمة من سمات الحروب لقرونٍ عدة. وقد حدثت أول محاولة مسجلة في القرن السادس عندما استخدم الآشوريون فطريات الإرجوت ضد أعدائهم. وفي القرن الرابع عشر، قذف التتار جثثًا ملوثة بالطاعون تجاه أعدائهم. وخلال الحرب العالمية الأولى، جرّب الألمان استخدام الجمرة الخبيثة. وفي الثلاثينيات، أنشأ اليابانيون برنامج الأسلحة البيولوجية من خلال الوحدة 721 سيئة السمعة، التي أجرت أيضًا تجارب على البشر. وفي تاريخٍ أكثر حداثة، استخدم صدام حسين الأسلحة الكيماوية ضد السكان الأكراد في حلبجة.
يشير الأكاديميون المتخصصون في مكافحة الإرهاب ويذر وبانتوتشي وبلوم إلى أنه على الرغم من تفرق الهجمات الإرهابية على مرِّ السنين، فإن التهديد لا يزال قائمًا، بسبب الطبيعة المتطورة للإرهاب. وينبغي إيلاء اهتمامٍ خاص لإمكانية قيام جهات فاعلة من غير الدول باستخدام عوامل بيولوجية؛ مثل الجمرة الخبيثة (البكتيريا)، أو كوفيد-19 (فيروس)، أو البوتولينوم (سم) في الهجمات الإرهابية.
وقد أدى الانتشار المتزايد للتفشي الطبيعي لفيروساتٍ مثل المتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة “سارس”، ومتلازمة الشرق الأوسط التنفسية “ميرس”، وإنفلونزا الطيور، والآن كوفيد-19 -التي أودت بحياة ما يقرب من 4 ملايين شخص على مستوى العالم- إلى ادّعاء تنظيم داعش والقاعدة وغيرهما من التنظيمات أن مثل هذه الأمراض تعاقب من لا يستحقون الحياة، وتدل على علل المجتمع المعاصر.
أرخص وأكثر قوة
يمكن أن تصبح الأسلحة البيولوجية الأسلحة المفضلة للجهات الفاعلة من غير الدول لأسباب عدة. أولًا، أنها أقوى من العوامل الكيمائية وتوفر طريقًا أرخص إلى القدرة الكيميائية والبيولوجية والإشعاعية والنووية. ثانيًا، هناك المزيد من اللوائح/القيود المتعلقة بالمعدات الكيميائية أو النووية أو الإشعاعية، في حين أن مسببات الأمراض البيولوجية الخطيرة أكثر توافرًا، وكذلك الحصول على التكنولوجيا البيولوجية.
وعلى الرغم من سهولة الوصول إليها، فإن الأسلحة البيولوجية تواجه تحدياتٍ: أولًا، ليس من السهل تطوير جميع الأسلحة البيولوجية وإيصالها لهدفها، ولهذا السبب يميز المرء بين مسببات الأمراض التي تحدث بشكل طبيعي مثل عصيات الجمرة الخبيثة القاتلة والاصطناعية. ثانيًا، إن امتلاك القدرة لا يعني أن المرء لديه الإرادة لتنفيذ مثل هذه الهجمات، حيث يصعب جدًا السيطرة على الأسلحة البيولوجية.
دراسات حالة جهادية
على مدار العقدين الماضيين، كانت هناك أمثلة على استخدام تنظيم القاعدة وداعش للعوامل البيولوجية أو التطلع إلى استخدامها. وقد بدأ ذلك بعد 11 سبتمبر بقليل عندما اكتشفتِ القيادة المركزية الأمريكية أن تنظيم القاعدة طوّر مختبرًا في أفغانستان لفحص مسببات الأمراض، وتحديدًا الجمرة الخبيثة. وزعم جورج تينيت مدير وكالة الاستخبارات المركزية آنذاك، أن أسامة بن لادن يعتقد أن الحصول على مثل هذه القدرات واجب ديني.
في عام 2008، نشر مدحت مرسي السيد عمر، مدير برنامج الأسلحة الكيميائية التابع لتنظيم القاعدة، الذي حمل اسم “الزبادي”، أدلة حول كيفية تصنيع الأسلحة البيولوجية والكيميائية. وفي أوائل 2010، كان مسؤولو الاستخبارات الأمريكية قلقين من أن فرعًا للقاعدة في اليمن يتطلع إلى شراء حبوب الخروع المستخدمة في تصنيع مادة الريسين. وفي يونيو 2018، اعتقلت قوات الأمن الألمانية سيف الله؛ متعاطف مع تنظيم داعش، لمحاولته صنع قنبلة الريسين، وقبل شهر، اعتقل ضباط شرطة مكافحة الإرهاب الفرنسيون شقيقين زعما أنهما كانا يستعدان لتنفيذ هجومٍ إرهابي باستخدام متفجرات أو قنابل الريسين. وقد حمّل أحدهما بالفعل موادَّ تعليمية حول كيفية صنع سم من مادة الريسين.
إن تقييم خطر الإرهاب البيولوجي يشكّل تحديًا، حيث لا يوجد سوى عددٍ قليل من الأمثلة على الجهات الفاعلة غير الحكومية التي تستخدم العوامل البيولوجية، في ظلِّ تجنُّبِ الجماعات “التقليدية” لهذا الشكل من أشكال الإرهاب، في حين أن الجماعات “غير التقليدية” تستكشف بالفعل استخدام مثل هذه الأدوات. فالأولى تشير إلى الفوضويين والقوميين واليساريين الجديد، في حين أن الأخيرة تشير إلى المحاربين الكونيين المدفوعين بأيديولوجياتٍ دينية، ولديهم استعدادٌ لتنفيذ أعمال عنف خارجة عن الأعراف.
إرادة متنامية لاستخدام العوامل البيولوجية
تنبع ضرورة توخي الحذر إزاء الإرهاب البيولوجي من أن المتطرفين فكروا في استخدام هذه الأدوات بالفعل لتحقيق أهدافهم، وتحديدًا لأنه عندما يتعلق الأمر بالأسلحة البيولوجية، فهناك أدلة على التلاقح المعرفي بين المتطرفين، حيث يراقب بعض الجهاديين ما يفعله المتطرفون اليمينيون في هذا المجال. ومن الأمثلة الرئيسة على ذلك مقاتل تنظيم داعش الذي يُدعى محمد س، الذي كان لديه خلفية في الكيمياء والفيزياء. إذ اكتشفت السلطات أن جهاز الكمبيوتر المحمول الخاص به يحتوي على تعليماتٍ صادرة عن عضو الحزب النازي الأمريكي السابق كيرت ساكسون، حول كيفية استخراج الريسين السام القاتل من حبوب الخروع.
وبعبارةٍ أخرى، قد تتجنب الجماعات التقليدية فكرة استخدام مثل هذه الأدوات، ولكن الأفراد وفروع التنظيمات المتطرفة قد لا يتجنبون ذلك، كما رأينا مع “جماعة أنصار الدولة”، وهي جماعة إندونيسية تابعة لداعش. ففي عام 2019، اكتشفت وحدة مكافحة الإرهاب الإندونيسية، الوحدة رقم 88، متفجراتٍ مغطاة بمادة الأبرين؛ عامل بيولوجي يوجد في بذور البازلاء الوردية. وتفيد التقارير بأن الجماعة كانت تخطط لاستخدام هذه المتفجرات لشن هجوم على مقر الشرطة في سيريبون في غرب جزيرة جاوة.
وقد أبدى داعش اهتمامًا أكبر بالعوامل البيولوجية من تنظيم القاعدة. ففي عام 2014، استولى متمردون سوريون ممن كانوا يقاتلون داعش على جهاز كمبيوتر محمول يتضمن موادَّ دعائية، وفتاوى تتكون من 26 صفحة، كتبها رجل الدين السعودي ناصر الفهد تناقش إمكانية استخدام أسلحة الدمار الشامل. كما اكتشف على الكمبيوتر المحمول أيضًا دليلٌ من 19 صفحة حول كيفية تطوير الأسلحة البيولوجية، بما في ذلك تعليمات حول كيفية استخراج الطاعون الدبلي من الحيوانات المصابة. وتفيد التقارير بأن داعش استخدم الأسلحة الكيميائية أكثر من 30 مرة في سوريا، ويُزعم أن أعضاءَه بحثوا استخدام كبريتيد الهيدروجين في أستراليا والجمرة الخبيثة في كينيا.
الخلاصة
في ظلِّ فقدان أراضيه واستهداف كبار قادته، من الواضح أن صدعًا دينيًّا قد حدث داخل تنظيم داعش. وهناك أدلة على وجود جناحين -“المعتدلين” و”المنشقين”- حيث إن الجناح الأول أقل تصلبًا من الناحية العقائدية؛ لأنه يعترف بمحدودية قدرته على هزيمة الكفار. وقد أثّر هذا الانقسام على استراتيجية التنظيم وتكتيكاته. وفي إفريقيا، ظهرت فروع داعش في منطقة الساحل، وحوض بحيرة تشاد، والقرن الأفريقي، وغرب إفريقيا، ووسط وجنوب إفريقيا. يكمن الخطر هنا في أن بعض هذه الجماعات قد تلجأ إلى استخدام واحدةٍ من العديد من مسببات الأمراض الطبيعية الخطيرة في هجماتها.
وقد دفع تفشي كوفيد-19 الحكومات إلى تكثيف وتحسين قدراتها على التأهب البيولوجي والدفاع البيولوجي. علاوة على ذلك، هناك تنسيق أفضل وإرادة للتعاون في التصدي للمخاطر البيولوجية. لكن من ناحيةٍ أخرى، استغلتِ الجماعات المتطرفة الجائحة وتدابير الإغلاق، مستفيدة من استعداد الناس المتزايد لتبني نظريات المؤامرة. ونتيجة لذلك، هناك احتمال قوي لحدوث موجة جديدة من الأنشطة التي تقوم بها الجهات الفاعلة غير الحكومية التي يمكن أن تشمل استخدام العوامل البيولوجية، بعدما رأى الناس الضررَ الذي يمكن أن تسببه هذه العوامل المُمرضة.
*عضو المجلس الاستشاري، المعهد الدولي للعدالة وسيادة القانون، وأستاذ مساعد في جامعة تشارلز ستورت.