قراءة: دانييل ريكنباشير[1]
يعد كتاب مارتن فرامبتون المعنون بـ “الإخوان المسلمون والغرب: تاريخ من العداء والمشاركة” كتابا مميزا من ناحية الاتساع وسعة الاطلاع، ويقدم صورة دقيقة ومفصلة عن العلاقات بين الإخوان المسلمين والغرب، والمقصود بالغرب هنا الولايات المتحدة والمملكة المتحدة. يغطي الكتاب الفترة من عشرينيات القرن الماضي حتى ما يسمى “الربيع العربي”، ويتميز باعتماده على مصادر استثنائية؛ إذ لم يطلع المؤلف على الملفات المتعلقة بالموضوع في الأرشيفين البريطاني والأمريكي فحسب، وإنما أجرى أيضًا مقابلات شخصية مع قيادات بارزة في جماعة الإخوان المسلمين وتابع سيرهم الذاتية ومحاضراتهم التي ألقوها حول المواضيع التي ناقشها في الكتاب.
يوضح فرامبتون كيف أسهم مؤسس الجماعة حسن البنا في تشكيل تصور الجماعة للغرب؛ إذ كان ينظر إليه على أنه “الآخر” الغريب الذي يواجه الإسلام. ومن وجهة نظره، كانت الحضارة الغربية حضارة خالية من أي روح، لأنها حضارة مادية، ولا تزال تتمسك بأفكار “الصليبيين” الذين يريدون تدمير الإسلام. وقد أثار المسلمون المعجبون بالحضارة الغربية غضب البنا. وعلى الرغم من أن البنا صنف جماعته كحركة سلفية، فإن فرامبتون أكد أنها تأثرت كثيرًا بالحضارة الغربية.
لم يتنبه البريطانيون إلى الإخوان المسلمين إلا عند مشاركتهم في الثورة العربية الكبرى في فلسطين (1936-1939)، عندما حاولوا رشوة البنا من أجل التوقف عن المشاركة في الثورة. وقد ساهم الإخوان بعد الحرب العالمية الثانية في المواجهات العسكرية المسلحة ضد البريطانيين.
بعد قيام ثورة 1952، وقف الغرب ضد جمال عبد الناصر في صف الإخوان، لأن عبد الناصر انحاز إلى الاتحاد السوفيتي، لكنهم لاحقًا توصلوا إلى فكرة أن من غير الممكن أن يصل الإخوان إلى السلطة لأنهم رأوا فيها جماعة رجعية، خصوصًا بعد محاولتهم الانقلابية على الحكم.
مع حلول اتفاقية كامب ديفيد عام 1979، وقفت الولايات المتحدة إلى جانب نظام السادات، مبتعدة عن الإخوان. وهكذا، ظلت العلاقات بين الطرفين متقطعة وفاترة حتى منتصف العقد الأول من القرن الحالي.
حوالي العام 2005، بدأت بريطانيا بتوثيق علاقاتها مع الإخوان المسلمين لاعتقادها أن الجماعة من الممكن أن تكون شريكًا في مواجهة الجماعات المتطرفة والسلفية المتشددة. وفي الفترة الرئاسية الثانية للرئيس الأمريكي جورج بوش، أعاد الأمريكيون الحوار مع الإخوان بعد أن توقفت بالكامل بسبب أحدث سبتمبر/أيلول 2001. واصلت إدارة باراك أوباما التعاون مع الإخوان بسبب الاعتقاد بأن هذه الحركة تساهم في مواجهة الحركات التقدمية، وليس بسبب دعوات “العودة إلى الإسلام” التي أطلقها البنا.
يوضح فرامبتون أن الإخوان حاولوا استغلال الكليشيهات التي كان يطلقها الغربيون حول الديمقراطية والحرية لتقديم صورة معتدلة عن أنفسهم. ولم تكن الرغبة الإخوانية في التواصل مع الغرب تعني الرغبة في الانفتاح والحوار مع ثقافتها، وإنما كانت أسلوبًا براغماتيًا في كثير من الأحيان.
وحتى مع الشعارات الجذابة التي يطلقها قيادات الإخوان، خصوصًا الذين هاجروا إلى الغرب، لا تزال الجماعة تنظر إلى الغرب على أنه الخصم اللدود للمسلمين، بالطريقة ذاتها التي تحدث عنها حسن البنا قبل أكثر من 90 سنة، مما يثبت أن الجماعة فشلت في تغيير أيديولوجياتها رغم فترات التقارب مع العالم الغربي.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] الباحث في مرحلة ما بعد الدكتوراه في مجالي التاريخ الحديث والعلاقات الدولية في جامعة كونكورديا في كندا.
النص كاملًا متوفر باللغة الإنجليزية هنا