بقلم الباحث والمحلل السياسي السويدي الكبير ماغنوس نورويل.
نقدم في هذه المقالة تحليلًا ووصفًا موجزًا لجماعة الإخوان المسلمين في السويد، استنادًا إلى تقريرين رسميين سويديين، جرى نشرهما بتكليف من وكالة الطوارئ المدنية السويدية. نُشر التقرير الأول قبل عام واحد على شكل دراسة تمهيدية لبعض الخطوط الأساسية للحركة، ونُشر التقرير الثاني بتاريخ 15 آذار/مارس 2018. ويعتمد تحليلنا على دراسة وثائق سياسة تقليدية أعدتها جماعة الإخوان المسلمين الأوروبية لتوجيه عملها في المجالات السياسية الجديدة، فضلًا عن دراسة الطبيعة التنظيمية والإستراتيجية لأنشطة الحركة في السويد.
وكما هو الحال في البلدان الأوروبية الأخرى، تستخدم المنظمات والشخصيات التابعة للإخوان المسلمين مجموعة متنوعة من الوسائل للوصول إلى أهدافها الحزبية. وهي تعمل من خلال الأحزاب السياسية السويدية، والمنظمات غير الحكومية، ومنظمات المجتمع المدني الأخرى، من خلال الاتصال المباشر مع الهيئات الحكومية على المستويين المحلي والوطني.
تمكنت جماعة الإخوان على مر السنين من بناء مؤسسات قوية في السويد، بعد أن ضمنت عمليات تمويل من الأموال السويدية العامة، وبعد أن أتقنت فن الاحتيال في هذا البلد منذ سنين طويلة. وقد أشار الباحث والخبير في شؤون الإخوان، لورينزو فيدينو، إلى أن “جماعة الإخوان الأم تعتمد على ثلاث فئات من الكيانات السويدية: أعضاء الإخوان أنفسهم، وشبكات الإخوان غير المباشرة، والمنظمات المتأثرة بالإخوان”.
يعمل الإخوان في السويد منذ أكثر من ثلاثة عقود، وقاموا ببناء هيكل مؤسسي يستخدم بسلاسة “النموذج السويدي” للاستفادة الكاملة من نظام المنح السخي والمساعدات المالية من الخزائن العامة. كما وأنشأت جماعة الإخوان منظمات مستقلة ظاهريًا لكنها ترتبط بها، تشمل شبكات من المدارس والشركات والجمعيات الخيرية وغيرها من الكيانات، كل واحدة تنتمي إلى إحدى الفئات الثلاث المذكورة سابقًا، وتحصل على تمويلها من أموال دافعي الضرائب.
المظلة الكبيرة
من المهم الملاحظة أن الإخوان في السويد جزءٌ لا يتجزأ من بنية جماعة الإخوان الأوسع في أوروبا، الشبكة التنظيمية للإخوان في أوروبا، التي تسمى “اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا”. هذا “الاتحاد” يضع تحت مظلته منظمة الرابطة الإسلامية في السويد، فضلًا عن المنظمات التابعة الأخرى في مختلف البلدان الأوروبية.
ويمكن توضيح الهيكل التنظيمي للمنظمات السويدية الإخوانية كما يلي: اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا يشكل مظلة للرابطة الإسلامية السويدية، بينما تشكل “الرابطة” السويدية مظلة لعدد من المنظمات السويدية، بما فيها المجلس الإسلامي السويدي، ومسجد ستوكهولم والأصول التابعة له، والإغاثة الإسلامية، ومسجد غوتنبرغ ومنشآته، ومنظمة المسلمين الشباب السويديين، واتحاد ابن رشد للدراسات، ومنظمة الاتحادات الإسلامية المتحدة في السويد.
وخلال دراستنا لطبيعة الفِكر الإخواني، لاحظنا أن الجماعة تتبنى مفهوم “الإسلاموية” أو “الإسلام السياسي” كإستراتيجية عامة لها، وهو فِكر غير متميز في الدين الإسلامي، بل مجرد أيديولوجية سياسية، تستمد شرعيتها من الإسلام لتبرير سياسات الإخوان المصبوغة بالدين. وقد استنتجنا أن الإخوان يحاولون تصدير “نسخة أخرى من الإسلام”، بما يتناقض تمامًا مع العلاقة الطبيعية بين الفرد والدولة، من ناحية الخصوصية والحماية والانتخابات النزيهة والحقوق العامة وحق الاختيار الشخصي.
ومن أبرز أعراض الإسلاموية الجلية في ممارسات الإخوان في السويد، ازدواجية الخطاب، والعنف في غالب الأحيان، والعداء تجاه الآخر، والكراهية الصريحة للحداثة، والتحريض على من يحمل فكرًا مختلفًا بأساليب التلقين والوعظ والدعوة. ولهذا، يمكن الجزم بتشابه كبير بين جماعة الإخوان والمنظمات الإسلامية الأكثر صراحة في عنفها، مثل داعش.
نشطت جماعة الإخوان في السويد منذ السبعينيات من القرن الماضي، وبدأت ببناء شبكاتها بدءًا بتكوين “منشورات إعلامية” في الثمانينيات. إحدى أكثر هذه المنشورات انتشارًا ما يسمى “فهم الإسلام”، وهي بمثابة نسخة طبق الأصل عن سياسة الإخوان العامة تجاه التغيير المجتمعي، وتحتوي على الأفكار التي أصبحت الجماعة معروفة بها.
الهياكل والاتحادات الإخوانية السويدية
تتألف كل منظمة من المنظمات التابعة للإخوان في السويد من مجلس شورى تحت قيادة أمير أو زعيم. ويتكون كل مجلس من اثني عشر شخصًا يتناوبون على رئاسته. وينقسم الأعضاء بدورهم إلى وحدات صغيرة تتألف من خمسة أفراد ليشكّلون بذلك “أسرة” أو “عائلة”. وتقوم “الأسرة” بدورها بتنظيم اجتماعات أسبوعية، يتخللها مناقشة الأمور الأيديولوجية في البلاد.
جرى إنشاء الرابطة الإسلامية السويدية في التسعينيات لتوفير هيكل تنظيمي عام للهيئات الإخوانية المختلفة في البلاد. ويعتبر “الاتحاد الإسلامي في ستوكهولم” الجسد الأصلي الذي انبثقت عنه المنظمات الأخرى، بما في ذلك المنظمات الكائنة في غوتنبرغ ومالمو.
وتمكنت الجماعة بسرعة من الحصول على مساعدات مالية لبناء شبكاتها السويدية بعدما تأقلمت مع المعايير السويدية للاتحادات. ولكن الإخوان يعملون في بنية خفية إلى حد ما، ترتبط بشبكة عالمية أكثر من ارتباطها بالهوية السويدية.
تعمل المنظمات التابعة للإخوان بشكل غير مباشر وبأسلوب ذكي، وتتخذ أشكالًا مجتمعية عدة، وتنفي ارتباطها بالجماعة الأم. والهدف من ذلك هو تسهيل عمل أعضاء الجماعة وتحقيق سيطرة بالطريقة المثلى.
وعلى مر السنين، خلقت الجماعة عددًا كبيرًا من المنظمات والمؤسسات السويدية، وتمكنت من الحصول على الملايين من التمويل العام والإعانات الحكومية، من خلال لجنة دعم المجتمعات الدينية، والوكالة السويدية للشباب والمجتمع المدني، وصندوق الميراث العام وغيرها. وبالإضافة إلى الوكالات الحكومية، تقدم الهيئات الإقليمية والبلدية دعمًا ومساهمات على شكل منح للمؤسسات الإخوانية غير المباشرة في السويد.
وصل عمل الإخوان في السويد إلى عمق كبير مقارنة بغيرها من الدول الأوروبية، إلى درجة أن العديد من الوكالات الحكومية والسياسيين والصحفيين باتوا يتواصلون مع منظمات الإخوان دون معرفتهم بحقيقة ارتباطها المباشر مع الإخوان.
الخلاصة
هنالك جهل عام في صفوف السياسيين السويديين بشأن المجموعات المنتسبة إلى جماعة الإخوان، وبشأن مفهوم الإسلام السياسي ككل. وقد حان الوقت للاعتراف بالمشاكل المتجذرة المنبثقة عن وصول الجماعة إلى المال العام دون قيود، ولا بد من تحقيق رقابة على الأفراد الذين يديرون منظمات قد تكون بديلًا عن اللبنات الأساسية للمجتمع.
النص كاملًا متوفر باللغة الإنجليزية بجزئيه: الأول / الثاني