في ظل تصاعد وتيرة الخطابات اليمينية المتطرفة والمد الأصولي، ووصول أحزاب يمينية جديدة إلى سدة الحكم في بعض دول العالم بما فيها الديمقراطية منها، بات التساؤل حول دقة مقولة أن العالم أصبح بمثابة قرية صغيرة -بفعل تطور شبكة الاتصالات والانفتاح التقني- مشروعًا.
ويبدو أن هذا الانفتاح والانكشاف على الآخر لم يساعد في تحقيق فهم أوسع وأعمق، بل ربما زاد من فكرة الارتداد نحو الذات الأصولية والأيديولوجية، وإلا لماذا يتسع المد الأصولي في مختلف بقاع العالم؟ ولماذا تتصاعد الأصوات اليمينية في أوروبا، ومناطق أخرى؟
هذه الأسئلة وغيرها كانت مدار جدل فكري ونقاش لباحثين ومختصين، جمعتهم ندوة لمركز عين أوروبية على التطرف EER، بالشراكة مع المؤسسة الأوروبية للديمقراطية EFD، حملت عنوان: “الأيديولوجيات الشمولية والتطرف: الإسلاموية وتيارات أقصى اليمين”، أقيمت في 6 سبتمبر/أيلول 2018، كجزء من المنتدى الاقتصادي الـ28 الذي عقد في بولندا.
ويرى الباحث توماسو فيرجيلي، مدير البرامج في المؤسسة الأوروبية للديمقراطية في إيطاليا، أن الأيديولوجيات الشمولية على اختلافها تقوم على الولاء المطلق، مقابل الخوف من “الآخر”، وغياب التنوع بأي صورة من الصور. وتزيد هذه الأيديولوجيات التي تنتشر وتتمدد أكثر فأكثر من تفشي التطرف. كما يرى “فيرجلي” أن أزمة التطرف ليست فقط أزمة أيديولوجيات، بل هي أيضًا أزمة أنظمة شمولية تميل إلى التفكير بصورة حدية (أبيض أو أسود)، ولا ترى أي مكان أو حيز للاختلاف.
وفي سياق فهم ما وراء المد الأصولي في أوروبا، يرى جان ستيلك، منسق ومحلل برنامج الأمن الداخلي في مركز القيم الأوروبية، أن هنالك تحولًا نوعيًا لدى العديد من الجماعات الأوروبية، من الكراهية لليهود إلى الكراهية للمسلمين. ويعتبر “ستيلك” أن إخفاقات السياسات العامة الأوروبية ساهمت في إعادة تنشيط المجموعات اليمينية المتطرفة بفعل مجموعة من العوامل، أبرزها الفشل في معالجة التطرف المتبادل، والفشل في التعامل مع الأنشطة المتطرفة الإسلامية، وأزمة المهاجرين.
وإذ يتفق “توماس فيرجلي” مع التحليل أعلاه، إلا أنه يتساءل: لماذا يتم تجاهل التهديد الذي يمثله التطرف الإسلامي في بعض الأحيان؟ ويجيب فيرجيلي بالقول: “إن بعض الجماعات الإسلامية المتطرفة تمكنت من تصوير نفسها كمعبر وممثل عن التيار الإسلامي المعتدل”.
من جانبه، يرى الكاتب أحمد عكاري، الإمام السابق في الدنمارك، أن بعض الجماعات الإسلامية تتخلى عن استخدام العنف، وذلك لكسب التعاطف، وكسب مؤيدين لها بين الناس، لكنها في الوقت ذاته تحتفظ بالأهداف والأفكار الاستبدادية نفسها.
أزمة المهاجرين غير الشرعيين
واحدة من الأفكار الأوروبية التي يتم طرحها لتفسير تصاعد المد الأصولي بين المسلمين والأوروبيين هي أزمة المهاجرين إلى الدول الأوروبية، خصوصًا غير الشرعيين منهم، وما يرافق ذلك كله من أزمات في الهوية والسلوك.
ويرى بعض المختصين أن حل الأزمات التي رافقت الهجرة الشرعية يقع أولًا على عاتق الدول المصدرة للمهاجرين، وثانيًا على الحكومات المستضيفه لهم، إذ عليها بذل جهد أكبر في دمج المهاجرين في المجتمعات المستضيفة، إلى جانب قيام الحكومات بمواجهة حقيقية لجماعات التطرف الإسلامي، حتى الجماعات غير العنيفة منها، ومراقبة جميع الأنشطة المتطرفة بعناية، وتأسيس إستراتيجية فعالة لمكافحة التطرف.
مواجهة خطاب التطرف
رغم إجماع بعض الباحثين والمختصين الأوروبيين على التصورات أعلاه، إلا أن “فرجيلي” يحذر من محاولات إشراك الجهات الإسلامية المتطرفة، بما فيها التي تقدم نفسها كمعتدلة، مثل الإخوان المسلمين، في صياغة إستراتيجيات مكافحة التطرف، لأنها في حقيقة الأمر طرف في الأزمة، لا في الحل.
وكواحدة من المقترحات العملية لمواجهة خطاب التطرف، أوصت “تانيا بورشنيك”، رئيسة معهد فيزيو في سلوفينيا، بأن يستفيد صانعو السياسات من تجارب بلدان أخرى، نجحت في مكافحة التطرف والمد الأصولي، كما أنه يتوجب على الاتحاد الأوروبي التنبه إلى قدرة تركيا على استخدام قضية المهاجرين في المفاوضات مع الدول الأوروبية، خصوصًا أن واحدة من مبررات التطرف الغربي تجاه المهاجرين، والمسلمين بشكل عام، هي التخوف من عملية “أسلمة أوروبا”، وهو ما يستوجب بنظرهم سرعة اتخاذ إجراءات تحد من الهجرة، وتحافظ على الطابع الديمغرافي للدول الأوروبية.