واثق واثق*
أعلنتِ الحكومة البريطانية مؤخرًا تصنيف حركة حماس منظمة إرهابية. ولكن هناك منظمة فلسطينية أخرى ينبغي إضافتها إلى تلك القائمة، هي الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين
ما الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين؟
الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين؛ هي أبرز منظمة إرهابية يسارية في الأراضي الفلسطينية المحتلة. وهي ماركسية-لينينية-اشتراكية بطبيعتها، وقد أسَّسها الدكتور جورج حبش، بعد حرب الأيام الستة في يونيو 1967.
إضافةً إلى حركة فتح، تُعتبر الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين الفصيلَ الثاني الذي يشكّل منظمة التحرير الفلسطينية، المنظمة الجامعة الرئيسة للحركة الوطنية الفلسطينية. وتعتبر الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين حركتيْ فتح وحماس قوتين سياسيتين غير شرعيتين، خاصة منذ إجراء الانتخابات الأخيرة للسلطة الوطنية الفلسطينية في عام 2006. وبالتالي، فإنها تقاطع المشاركة في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، والمجلس الوطني الفلسطيني.
كما تعارض الجبهة الشعبية الموقف الأكثر اعتدالًا لحركة فتح، ومن ثم تسلك نهجًا أكثر تشددًا تجاه التطلعات الوطنية الفلسطينية. على سبيل المثال، لا تعترف بدولة إسرائيل، وترفض وتعارض أيَّ مفاوضات مع الحكومة الإسرائيلية. وعليه، فإنها أقل برجماتية بكثيرٍ من بعض نظرائها الإسلامويين، الذين يدعمون- في ميزان الاحتمالات- تسوية الدولتين بشكل ما على “حل” الدولة الواحدة. وللجبهة الشعبية أيضًا جناح مسلح، هو كتائب أبو علي مصطفى، التي سميت على اسم أحد قادتها السابقين.
لقد أدركتِ الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، منذ فترة طويلة، أن الحصول على الدعم من القوى الخارجية من شأنه أن يعزِّز شبكة دعمها، ويزودها بالموارد اللازمة لتنفيذ أهدافها المعلنة، والصمود، ومن الناحية النظرية، لتصبح في نهاية المطاف قوة سياسية شرعية قادرة على حكم المنطقة.
حصلت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين على دعمٍ من الاتحاد السوفييتي السابق، والصين وكوريا الشمالية، وهي دول متنوعة أيديولوجيًا، ما يثبت برجماتية الجبهة من جهةٍ أخرى في سعيها لتحقيق أهدافها المتطرفة. وفي ظلِّ انحسار الدعم المقدم من الدول الثلاث السابقة في السنوات الأخيرة، ومن أجل الحفاظ على استمراريتها، اعتمدت الجبهة الشعبية أكثر من أي وقتٍ مضى على إيران.
ورغم أن الجبهة علمانية بطبيعتها، لكن العمل مع ثيوقراطية يقودها الشيعة لم يكن أبدًا مشكلة: وبالتالي، فإنها تتلقى التدريب والدعم المالي والمساعدة العسكرية من نظرائها الإسلامويين عند الحاجة. ولتعزيز هذا التحالف، اتخذتِ الجبهة موقفًا مؤيدًا للأسد بشأن سوريا. في الواقع، حتى في الوقت الذي أظهرت فيه حماس مؤشرات على الابتعاد عن إيران، لم ترَ الجبهة في ذلك سوى فرصة لكسب المزيد من الدعم من حكومةٍ ذات أهداف مشتركة، هي تدمير إسرائيل.
ومع ذلك، فلم تحصل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين على الاعتراف الذي سعَت إليه. واستمرت في تنفيذ هجماتٍ إرهابية، ورفض التعامل مع الدول الشرعية أو مواطنيها، الأمر الذي أدى إلى الردِّ عليها بالمثل. تنظر الجبهة إلى جميع الإسرائيليين واليهود على أنهم أهداف مشروعة، في كل مكان، لأنها في حالة “مقاومة”. هذه الرواية متجذرة في قصة المظلومية، التي أثبتت أنها واحدة من أنجح طرق التجنيد التي تتبعها.
أمثلة على العمليات التي نفَّذتها
ينصُّ التعريف الرسمي للإرهاب الذي اعتمدته الحكومة البريطانية، المنصوص عليه في قانون الإرهاب لعام 2000، على ما يلي: “يعرّف قانون المملكة المتحدة الإرهاب بأنه استخدام عمل أو التهديد به، داخل المملكة المتحدة وخارجها على السواء، بهدف التأثير على أي منظمة حكومية دولية أو إلى تخويف الجمهور ولغرض النهوض بقضية سياسية أو دينية أو عرقية أو أيديولوجية”. وتفي الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بهذا التعريف. فخلال سنواتها الأولى، نفَّذت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين مئات الهجمات الإرهابية. ولم تقتصر هذه الهجمات على التفجيرات فحسب، بل كانت رائدة في أساليب اختطاف الطائرات الدولية، خلال فترتي الستينيات والسبعينيات.
فيما يلي بعض الأمثلة:
في عام 1968، في 23 يوليو على وجه الدقة، اختطف ثلاثة أعضاء من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين طائرة من طراز بوينج 707. كان من المقرر أن تحلق الطائرة من روما إلى مطار بن جوريون الدولي، المطار الإسرائيلي الرئيس. غير أن عناصر الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وبعد أن تمكنوا من الوصول إلى مقصورة الطيران، حولوا الطائرة إلى الجزائر العاصمة. وأطلقوا سراح جميع الرهائن، باستثناء اثني عشر راكبًا إسرائيليًا، وعشرة من أفراد الطاقم. عند التخطيط لهذا الاختطاف، كانتِ الجبهة واضحة بشأن ما الذي تريده، والنفوذ السياسي الذي اعتقدت أن هؤلاء الرهائن سوف يمنحونه لها. ونتيجة لذلك، ومن خلال مفاوضات مكثّفة على مدى أربعين يومًا بين الحكومتين الإسرائيلية والجزائرية، تمكّنتِ الجبهة من الحصول على تنازلاتٍ وإطلاق سراح اثني عشر سجينًا عربيًا مدانًا. هذه الحادثة تظهر أنه إذا ما سنحت للجبهة فرصة، بغض النظر عن المدة التي تستغرقها، فإنها ستكون ملتزمة بقضيتها. وهناك تاريخ يؤكد هذا الالتزام. الأمر الذي يبعث على القلق أنه على الرغم من وضع الرهائن هذا، فإن المنظمة لم تُحظر.
بعد ذلك بعامين، رفعت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين -التي تعلمت من اختطافها الأول- سقف طموحاتها. لقد اكتسبت الثقة، واعتقدت أنه لا يمكن المساس بها. وفي سبتمبر 1970، اختطفت الجبهة أربع طائرات ركاب كانت متجهة إلى مدينة نيويورك. وحولت مسار ثلاثٍ من الطائرات، وإجبارها على الهبوط في الزرقاء، الأردن. أصبح مهبط داوسون، وهو مهبط طائرات صحراوي بعيد هو اختيارهم للوجهة، وبات “مطارهم الثوري”. غير أنه تم إحباط اختطاف رحلة واحدة. وقُتل أحد الخاطفين، وهو المواطن الأمريكي باتريك أرجويلو، رميًا بالرصاص، وأُلقي القبض على شريكته، ليلى خالد، وسلِّمت إلى الحكومة البريطانية.
ومن المثير للاهتمام أن طائرة من طراز فيكرز (VC10)، القادمة من البحرين، اختطفت من قبل متعاطف مع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، بدلًا من عضو رسمي، وأرغمت على الهبوط في مهبط طائرات داوسون. وكان الهدف هو الضغط على الحكومة البريطانية للإفراج عن ليلى خالد. مرة أخرى، يظهر هذا أنه إذا سنحت الفرصة، فإن الجبهة ستفعل ما في وسعها لتحقيق هدفها النهائي، توسيع أنشطتها دائمًا، والاستفادة من الدعم المقدم من غير الأعضاء. وما من شكٍّ في أن هذا السلوك وهذه الأيديولوجية يشكِّلان تهديدًا مستمرًا للغرب.
ربما تكون مذبحة مطار اللد واحدة من أبشع الأعمال الإرهابية التي ارتكبتها الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. ففي 30 مايو 1972، استعانت الجبهة بثلاثة أعضاء من الجيش الأحمر الياباني. وكانت هذه خطوة استراتيجية وجهتها كوريا الشمالية: كانت السلطات الإسرائيلية تراقب عن كثب كل الأشخاص الذين تتناسب ملفاتهم مع الإرهابيين في المنطقة، وبالتالي فإن أعضاء الجيش الأحمر الياباني كانوا خارج المراقبة، وهكذا تمكنوا من المرور دون أن يلاحظهم أحد. ونتيجة لهذه العملية، قُتل ستة وعشرون شخصًا بريئًا، وسبعة عشر حاجًا مسيحيًا من أمريكا، وثمانية إسرائيليين من بينهم، وأصيب ثمانون شخصًا.
ليس من الضروري أن يكون لدى الجماعات الإرهابية أهداف مشتركة للعمل معًا، على الرغم من أنه في هذه الحالة يبدو أن هناك نظرة مشتركة، وتصورًا لوجود قاسم مشترك في المزايا والتعلم. تمكنت الجبهة من الاستفادة من الرسالة “الثورية” في تلك الحقبة، وهي الطريقة التي برَّر بها أوكاموتو، أحد الجناة، القيام بما فعله، حيث قال: “لقد كان هذا واجبي كجندي في الثورة”.
كانت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين حازمة، لا تختلف في ذلك عن تنظيم داعش، في مهمتها المعلنة لتحرير المقاتلين الأسرى من السجون. كان هذا هو الهدف من عمليتهم في 27 يونيو 1976، عندما اختطف اثنان من أعضاء الجبهة طائرة الخطوط الفرنسية من طراز إيرباص A300 -التي تقل 248 راكبًا- الأمر الذي عجّل بوقوع واحدة من أكثر الحوادث الإرهابية سيئة السمعة، ليس فقط من قبل الجبهة الشعبية، ولكن في التاريخ كله.
كانت وجهة الرحلة باريس. لكن تم تحويل الطائرة إلى عنتيبي، المطار الرئيس في أوغندا. وقد رحَّبت بها الحكومة الأوغندية، وكذلك الحاكم آنذاك عيدي أمين شخصيًا. كان هذا بعد أقل من عام بعد أن كان أمين أحد الأصوات الرائدة في دفع قرار اعتبار “الصهيونية عنصرية” الذي رعاه الاتحاد السوفييتي في الأمم المتحدة. فُصل الإسرائيليون، واليهود غير الإسرائيليين، عن بقية الركاب في عنتيبي. ومرة أخرى، أظهرت الجبهة معاداة السامية في صميم أهدافها المعلنة: تدمير إسرائيل من خلال استهداف اليهود. وأطلق سراح الركاب غير اليهود. في هذه المرحلة، قام الجيش الإسرائيلي، بناء على معلوماتٍ استخبارية من الموساد، بتنفيذ “عملية الرعد”.
في الليل، نُقل 100 فرد من الكوماندو إلى أوغندا في عمليةٍ استمرت تسعين دقيقة. قُتل ثلاثة من بين الرهائن الـ 106 المتبقين، وكذلك أحد الكوماندوز الإسرائيليين، المقدم جوناثان نتنياهو، الشقيق الأكبر لرئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو. (تم تغيير اسم العملية بالعامية إلى عملية جوناثان تخليدًا لذكراه). والأهم من ذلك، أن القلق هنا هو أنه في غضون أقل من عقد من الزمان، لم تتمكن الجبهة الشعبية من الحصول على الدعم من الجيش الأحمر الياباني فحسب، بل من الحكومات أيضًا. وقد اكتسبت قضيتها الثورية زخمًا، وتطورت رؤيتها الاستراتيجية وقدراتها، ومع ذلك، فلا تزال الجبهة غير مُصنّفة كمنظمةٍ إرهابية في المملكة المتحدة.
الهدف الأساسي للإرهاب هو إحداث تغيير سياسي من خلال استخدام الترهيب، والعنف، والقتل. لقد تصرفت الجبهة الشعبية بهذه الطريقة بالضبط لفترة طويلة. ومن الأمثلة الرئيسة على ذلك ما حدث بعد شهر من 11/9، عندما اغتالت فرقة من الفلسطينيين، نيابة عن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وزير السياحة الإسرائيلي، رحبعام زئيفي، انتقامًا علنيًا لمقتل أبو علي مصطفى، الزعيم السابق للجبهة الشعبية. وكان زئيفي أول وزير إسرائيلي يُغتال منذ اغتيال إسحاق رابين عام 1995. واكتشف بعد ستة أشهر أنه سُمح للقتلة بالاختباء في رام الله في مجمع المقاطعة، بدلًا من وضعهم قيد الاعتقال، تحت رعاية زعيم منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات.
ولإظهار أن الانقسام الأيديولوجي لم يكن عائقًا أمام التعاون في أي من الاتجاهين، أوضحت حماس في الفترة التي سبقت الانتخابات الفلسطينية عام 2006 أنها تعتزم الإفراج عن القتلة إذا ما وصلت إلى السلطة. الأمر الذي تتشاطره المنظمتان هو رغبتهما في تدمير إسرائيل. تمكّن الجيش الإسرائيلي من القبض على القتلة، ومحاكمتهم، والحكم عليهم بالسجن لفترات طويلة. وحتى في الوقت الذي طبقت فيه إسرائيل سيادة القانون والعناية الواجبة في هذه القضية الأكثر صعوبة، لا يمكن قول الشيء نفسه عن المنظمات المصممة على تدمير إسرائيل ومواطنيها.
وقد كشف تقرير عن أن إجرام الجبهة الشعبية قد توسّع مرة أخرى في عام 2005 فلقد جاء ذكر الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وزعيمها أحمد جبريل، في تقرير للأمم المتحدة كمتآمرين في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري، بقيادة سوريا وإيران.
وقد أثبت التحول من الاختطاف إلى القتل المباشر في قضية زئيفي أنه تغيير دائم في الاستراتيجية، كما يتضح من التفجير الانتحاري الذي وقع في عيد الميلاد عام 2003. عُرف هذا التفجير أيضًا باسم تفجير محطة حافلات مفترق جيها، خارج تل أبيب مباشرة، الذي أسفر عن مقتل أربعة أشخاص وإصابة ستة عشر بعد أن فجّر سعيد حناني، البالغ من العمر 18 عامًا من قرية بيت فوريك في الضفة الغربية، نفسه.
وتباهت الجبهة الشعبية بمسؤوليتها عن الهجوم. وليس من قبيل المصادفة أن هذا الهجوم جاء بعد فترة وجيزة من قيام طائرات هليكوبتر إسرائيلية بقتل قائد في الجهاد الإسلامي الفلسطيني، وأربعة فلسطينيين آخرين في غزة. لقد تعلمت الجبهة الشعبية، الرائدة والمتفوقة في اختطاف الطائرات، بسرعة من منافسيها الإسلامويين، ووسعت أنشطتها لتشمل التفجيراتِ الانتحارية.
أهمية حظر الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين
لا ينبغي أن يُنظر إلى حظر الجبهة الشعبية على أنه تعدٍّ على الحريات المدنية. ويجب أن يُحرم أولئك الذين يدعمون مثل هذه المنظمة من “أوكسجين الدعاية الذي يعتمدون عليه”، كما قالت ذات مرة إحدى الشخصيات البارزة. ذلك أن حظر الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ليس مسألة حرية تعبير، بل خطوة رمزية ومادية لتعزيز حماية الإسرائيليين واليهود، وفي نهاية المطاف حماية جميع مواطنيها ضد تهديدٍ حقيقي.
علاوة على ذلك، فإن من شأن حظر الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أن يحقق العديد من المكاسب الاستراتيجية للحكومة البريطانية، في حربها ضد الإرهاب. وفي حين أن حظر منظمة إرهابية لا يعني بالضرورة أن أولئك الذين يدعمونها سيكونون أقل تعاطفًا معها أو مع قضيتها، فإنه سيمنع ترجمة هذا التعاطف -أو يسمح للحكومة بمنع هذا التعاطف- إلى تهديدٍ للعقد الاجتماعي الذي يربط جميع الناس في المملكة المتحدة، ويحميهم.
كما أنها فرصة لأن تتولى الحكومة زمام القيادة فيما يتعلق بسردية يبدو أنها تمر دون تحدٍ. وكلما طالت مدة بقاء الجبهة الشعبية منظمة إرهابية غير مصنّفة، كلما اكتسبت شرعية أكبر، ومعها المجندون والمال والقدرة على دعم الجماعات الأخرى التي تشاطرها القضيةَ ذاتها. ومن مصلحتنا جميعًا ضمان عدم السماح لهذا النوع من السرديات بالانتشار والترسّخ.
لقد أصابت الحكومة في تصنيف حماس والجهاد الإسلامي كمنظمتين إرهابيتين. وينسحب المنطق الأمني والقانوني ذاته على الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. ولهذا السبب أحثُّ وزيرة الداخلية، وبرلمانييها، على أخذ هذه المسألة على محمل الجدِّ، وتصنيف الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين كمنظمةٍ إرهابية في أقرب وقت ممكن عمليًا.
* باحث في جمعية هنري جاكسون.