ديفيد دي روش وجاكسون إمبري
من المتوقع أن يكون لقرار الزعيم الروسي فلاديمير بوتين غزو أوكرانيا في شهر فبراير تأثيرٌ عالمي بعيد المدى، بما في ذلك تأثيراتٌ على الشرق الأوسط. سيؤثر الغزو على الشرق الأوسط في ثلاث مناطق أساسية. الأول، هو التصور العالمي للتفوق العسكري الروسي. والثاني، هو تأكيد صحة مفهوم الولايات المتحدة المتعلق بدعم الشركاء عن بُعد. والثالث، هو زعزعة استقرار الدول الأكثر فقرًا، بسبب أزمة الغذاء التي خلقها بوتين.
الفشل على المستوى المنهجي والأفراد للقوات الروسية
يمكن القول، ببساطة، إن أداء القوات المسلحة الروسية لم يرقَ إلى توقعات معظم محللي الأمن والدفاع. وقد أضرَّ هذا الأداء الضعيف بصورة الكفاءة العسكرية الروسية. لقد انتشرت الآلاف من الصور ومقاطع الفيديو على الإنترنت التي لا تظهر التدريب الضعيف للقوات البرية الروسية فحسب، بل الحالة السيئة لصيانة معداتها أيضًا. ورأينا أرتال المركبات الاحتياطية التي نفد وقودها، ناهيك عن أنظمة الدفاع الجوي ذات المستوى العالمي التي تبلغ قيمتها عدة ملايين من الدولارات، مثل “بانتسير-إس1” التي شلت حركتها نتيجة اهتراء الإطارات بسبب الفساد وضعف الصيانة. هاتان الحالتان ليستا معزولتين، ولكنهما تظهران فشلًا منهجيًا أكبر للقوات الروسية في مجالاتٍ مثل مهارات الجندي الأساسية، والتحفيز، وخطوط إعادة الإمداد، وصيانة المعدات.
الفشل الثاني غير المتوقع للجيش الروسي هو إخفاقه في تحقيق التفوق في المجال الجوي أو حتى تحقيق السيطرة الكاملة على معظم المجال الجوي المحلي لساحة المعركة. عدم فعالية الحرب الإلكترونية الروسية فاجأت معظم المراقبين، بمن فيهم أنا.
الفشل الثالث هو افتقار بطاريات الصواريخ والمدفعية الروسية بعيدة المدى إلى الدقة والفعالية بشكل عام. على سبيل المثال، يُقدّر معدل فشل الصواريخ الروسية بحوالي خمسين في المئة، وأحيانًا أعلى. وفي حين كانت هناك تقارير عن استخدام الصواريخ التي تفوق سرعتها سرعة الصوت، فقد حلّق الروس بنمط الطيران المعقد الذي تفوق سرعته سرعة الصوت، لكنهم استخدموا مسار الصواريخ الباليستية القياسي. وفي الوقت نفسه، وعلى الرغم من أننا رأينا أنظمة صواريخ مختلفة (مثل صواريخ كروز كاليبر) تُستخدم من عددٍ من المنصات، تتراوح من الغواصات إلى الطائرات، فإن النقص العام في القدرة على الاستهداف كان لافتًا للانتباه. كل هذا يعني أن العديد من الضربات الصاروخية أصابت البنية التحتية المدنية بدلًا من الأهداف العسكرية عالية القيمة. هذا النوع من الاستخدام يقلِّل الأثرَ الاستراتيجي العام لهذه الأسلحة.
على نطاقٍ أوسع، سيكون لأوجه القصور في حرب روسيا في أوكرانيا تأثير استراتيجي سلبي على روسيا. ذلك أن العديد من الدول، بما في ذلك في الشرق الأوسط، كانت تنظر إلى الأنظمة الروسية الصنع كبديل جذاب لأنظمة الدفاع الجوي الغربية. أما الآن فسوف ترتاب هذه الدول في جدوى الأنظمة الروسية، بعد أن شهدت ضعف أدائها.
فلقد فشل العديد من الأسلحة المتقدمة، وأنظمة مركبات الدفاع الجوي مثل Osa وTunguska وShilka وStrela 10M في الارتقاء إلى مستوى التوقعات. وأظهرت القوات الأوكرانية انكشاف وضعف أنظمة الدفاع الجوي الروسية أمام أنظمة الأسلحة منخفضة التكلفة والمتاحة بسهولة مثل الطائرات المسلحة بدون طيار.
ومن الآن فصاعدًا، سيفقد النموذج الروسي للدفاع الجوي، فضلًا على صورته كنموذج رائد في الحرب الإلكترونية، جاذبيته لدى العديد من الجيوش الأجنبية. وفي حين أن الخطة الروسية التي روّجت لطبقات متكاملة من أنظمة الدفاع الجوي بدت سليمة، فإننا نرى الآن عيوب هذا النموذج وأسلحته، في الممارسة العملية.
عودة عقلية الدعم الدفاعي الأمريكي
قد يؤدي نجاح توفير الأسلحة الأمريكية والغربية، إضافة إلى برامج المشورة العسكرية السابقة، إلى الاعتراف بأن الولايات المتحدة يمكنها دعم القوات الشريكة عن بُعد. إذ ظهر اعتقادٌ دولي بعد الانسحاب الكارثي للقوات الأمريكية من أفغانستان أن الولايات المتحدة لن تكون عاجزة فحسب، بل ستكون غير راغبة في توفير قدرات دفاعية كافية لدول خارج نصف الكرة الغربي أيضًا. ومع ذلك، فإن نجاح الإمدادات العسكرية الأمريكية إلى أوكرانيا يجب أن يغيّر هذه الرواية.
لا تتخذ الولايات المتحدة إجراءاتٍ قتالية مباشرة، مثل إنشاء منطقة حظر جوي أو إرسال قوات دعم بري، بل تقدم أسلحة ومعدات لتغيير قواعد اللعبة للقوات الأوكرانية. على سبيل المثال، أثبت شحن قطع مدفعية الهاوتزر من طراز M777، التي تعد جزءًا مهمًا من الترسانة العسكرية الأمريكية، فعاليته للغاية في ساحة المعركة، وربما الأكثر من ذلك نظام المدفعية الصاروخية عالية الحركة (HIMARS). وهكذا، أثبتت الولايات المتحدة أنها قادرة، حتى بدون معاهدة رسمية أو تحالف أو قوات على الأرض، على دعم المجهود الحربي الأوكراني بشكلٍ كبير.
علاوة على ما سبق، فلا يمكن أن يمر تأثير المستشارين العسكريين الأمريكيين السابقين للقوات الأوكرانية دون تقدير. خلال الغزو الروسي لشبه جزيرة القرم ودونباس عام 2014، هزمت القوات الأوكرانية هزيمة ساحقة على يد القوات الروسية. بعد فترة وجيزة من هذه الهزيمة، بدأ الجيش الأوكراني العمل مع المستشارين الغربيين لتحسين هيكلهم العسكري، وقدراتهم القيادية. وقد أولت إعادة الهيكلة هذه تركيزًا قويًا على تطوير قدرات القادة الصغار، بدلًا من نهج “من القمة إلى القاعدة” الذي يحظى بشعبية في النموذج العسكري الروسي. وجاءت النتائج مذهلة. لقد أظهرت القوات الأوكرانية القوة التي يقدمها كادر القادة الصغار المتعلم تكتيكيًا في ساحة المعركة. لدى العديد من دول الشرق الأوسط، حاليًا، هياكل رتب عسكرية أقرب إلى النموذج الروسي من النماذج الغربية. وبعد رؤية التحسن الجذري الذي طرأ على قدرات الجنود منخفضي المستوى في القوات الأوكرانية، ينبغي لدول الشرق الأوسط أن تتبنى إعادة هيكلة قواتها العسكرية.
أزمة الغذاء العالمية تؤدي إلى زعزعة الاستقرار السياسي
معلوم أن روسيا وأوكرانيا هما من أكبر منتجي القمح في العالم. في عام 2020، صدّرت روسيا 37,3 مليون طن من القمح، بينما صدّرت أوكرانيا 18,1 مليون طن. وما من شك في أن تدمير الأراضي الزراعية في أوكرانيا واتلافها، وحصار الموانئ الروسية، وإزالة القمح الروسي من السوق بسبب العقوبات، كلها عوامل من شأنها أن تتسبب في ارتفاعٍ حاد في أسعار القمح في السوق الدولية. ومن المرجح ألا يؤثر هذا الارتفاع على الدول الغنية، لكنه قد يؤثر سلبًا على الدول النامية في أماكن مثل الشرق الأوسط.
على سبيل المثال، تستورد مصر القمح سنويًا أكثر من أي دولة أخرى، وفقًا لمرصد التعقيد الاقتصادي. عندما ارتفعت أسعار المواد الغذائية آخر مرة في عام 2011، تسبب ذلك في نقص الغذاء الذي أدّى إلى تفاقم التوترات السياسية القائمة في ليبيا وسوريا واليمن. وأحدث ذلك تغييرًا سياسيًا كبيرًا، وأسهم في الحركة الاجتماعية المعروفة باسم “الربيع العربي”.
عندما ترتفع أسعار المواد الغذائية في منطقةٍ مضطربة سياسيًا، فإنها غالبًا ما تؤدِّي إلى زيادة عدم الاستقرار. ولذلك، فإن ارتفاع أسعار المواد الغذائية الناجم عن الغزو الروسي لأوكرانيا قد يسهم في مزيدٍ من عدم الاستقرار السياسي في الشرق الأوسط في المستقبل. وبشكلٍ عام، فمن المتوقع أن يؤثر الغزو الروسي لأوكرانيا على الصراع والديناميات السياسية في الشرق الأوسط بطرقٍ مختلفة، ولكن الوقت وحده هو الذي سيظهر مدى تأثر كل منطقة من هذه المناطق.
* يسعى موقعُ «عين أوروبية على التطرف» إلى نشرِ وجهاتِ نظرٍ مختلفة، لكنه لا يؤيد بالضرورة الآراء التي يُعبِّر عنها الكتّابُ المساهمون، والآراء الواردة في هذا المقال تُعبِّر عن وجهةِ نظر الكاتب فقط.