يرى البروفيسور إيان إيدجر، المتخصصُ في علم الأنثروبولوجي بجامعة درم في المملكة المتحدة، أن الجماعات الإسلاموية المتشددة، من أمثال “القاعدة” و”طالبان”، تستغل الأحلام والآمال الخاصة بالأفراد العاديين في “إلهام الجهاد العنيف وإضفاء الشرعية عليه”[1]. كما تلعب الأحلام أيضًا دورًا في إلهام أعضاء تنظيم داعش، عبر ادعاء قادتهم رؤيتهم للأحلام، ومن ثم تبنيهم القرارات بناء على ذلك. وبصفة عامة، تحظى الأحلام بمكانة مهمة في الإسلام ومذاهبه المتعددة؛ مثل الصوفية، والسلفية، والسنة، والشيعة، وكذلك الطوائف التي تمثل أقلية مثل العلويين والأحمدية[2].
هناك ثلاث فئات من الأحلام في التراث الإسلامي: الأحلام [الأمنيات]، وأحلام عادية (المنام)، وأحلام في شكل وحي رباني (الرؤيا). وتستمد الفئة الأولى من الرغبات الإنسانية، وقد يأتي هذا النوع من الأحلام من الشيطان ومن النفس. أما الفئة الثانية فهي نتاج تفكير الشخص. وكلا الفئتين تعتبران أحلامًا لا قيمة لها، في حين أن الفئة الثالثة هي التي تُعد حلمًا حقيقيًا. وتنبغي الإشارة إلى أن معنى الأحلام ووظيفتها في الفكر الإسلامي يختلف تمامًا عن الفهم الغربي لها. فالغرب ينظر إلى الأحلام على أنها تُفسر العالم الداخلي واللا وعي للشخص الحالم. أما في التراث الإسلامي، فالأحلام ليست انعكاسًا للا وعي، بل هي بمنزلة استبصار للشؤون الخفية للعالم. بعبارةٍ أخرى، تفسير الأحلام يتجه نحو الخارج، وليس الداخل[3]، وهذا عكس النظرة الغربية التي تنظر لمحتوى الحلم – لا سيّما من منظور فرويد- كانعكاس وترميز (وتعني هنا معالجتها في الذاكرة) لخبرات الماضي. وللأحلام الحقيقية/الرؤى معانٍ ووظائفٌ عدّة في الإسلام. إذ يُنظر إليها على أنها مصدر للمعرفة الميتافيزيقية، و”اطلاع على المستقبل”، ووحي. وتعتبر صيغة بديلة من المعرفة بالأمور غير المرئية من العالم، والمستقبل، وتقدم إرشادًا للممارسة الأخلاقية والدينية. باختصار، الرؤى هي طريقة لتوصيل الحقيقة من دار الحق.
في القرآن، الإلهام الإلهي من خلال الأحلام نادر، لكنه يحدث. ولعل المثال المهم في هذا الصدد هو الآية رقم 43 من سورة الأنفال: “إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ” في هذه الآية، يصف النبي محمد “رؤيته” التي رآها قبل معركة بدر. في هذه الرؤية، جعل الله الجيشَ يرى العدو أقلَّ مما هو بالفعل، مما شجع المسلمين على القتال. وفي هذا الصدد، يرى البروفيسور إيان إيدجر[4] أن هذه الآية مرتبطة بالجهاد، وهي الوحيدة التي تجمع بين الحلم ومفهوم الجهاد.
في عالم الجهاديين، هناك الكثير من القادة الذين يقومون بخطواتٍ أو يتخذون قرارات مهمة بناء على الأحلام أو هكذا يزعمون. في مثل هذه الحالات، يزعم هؤلاء القادة أن الرؤيا هي بمنزلة إلهام من الله، ومن ثم يرونها بُشرى، ويعتقدون أنها وحي إلهي. ومن ثم تكون الأحلام موجِّهة نحو المستقبل، ولا ينظر إليها على أنها مجرد وصف للأنا أو الماضي الخاص بالشخص الحالم. توجد أمثلة كثيرة لقادة اتخذوا قراراتٍ مهمة بناء على ما زعموا أنهم رأوه في أحلامهم. وأحد الأمثلة على ذلك هو ما زعمه أسامة بن لادن عقب هجمات 11 سبتمبر، حيث زعم رؤيا الحلم التالي:
“قال لي عبدالله عزام، طيّب الله ثراه، لا تسجل أي شيء (… الصوت غير مسموع…)، واعتقدتُ أن هذه بشرى خير، وأن الله سوف يكرمنا (… الصوت غير مسموع…). أبو الحسن (المصري)، الذي ظهر على قناة الجزيرة منذ بضعة أيام، وخاطب الأمريكيين قائلًا: “إذا كنتم رجالًا فعلًا، تعالوا هنا وواجهونا” (… الصوت غير مسموع…) قال لي قبل عام “رأيت في المنام، أننا نلعب مباراة كرة قدم ضد الأمريكيين. وعندما ظهر فريقنا في الملعب، كانوا جميعهم طيارين!” هذا ما قاله: “لذا تساءلت عما إذا كانت تلك مباراة كرة قدم أم مباراة بين طيارين”. ولم يعرف (أبو الحسن) أي شيء عن العملية إلا عندما سمع بها على الراديو. وقال إن المباراة استمرت وهزمناهم. لقد كانت تلك بشرى خير لنا”[5].
وزعم رجلٌ، غير معروف الهوية، بعيدًا عن الكاميرا: “لقد قال عبد الرحمن الغامري إنه رأى رؤيا، قبل العملية، أن طائرة تصطدم بمبنى مرتفع. ولم يعلم أي شيء عنها”[6]. مثال آخر، هو زعم الملا عمر أن شخصيةً ذات قدسية زارته لكي ينقذ أفغانستان، ويطبق الشريعة الإسلامية. وفسّر هذا الحلم على أنه ضرورة مطلقة. يشهد على ذلك رحيم الله يوسف زاي، الذي قال إن الملا عمر جاء باستراتيجيات الحرب من أحلامه: “لقد حفظتُ هذه القصص، لا يمكن أن تحدث عملية عسكرية كبيرة إلا بعد أن يحصل على تعليماتٍ في أحلامه، لقد كان من أشد المؤمنين بالأحلام.. سمعتُ الكثير من قادة طالبان والمقاتلين يقولون: انتبه، كما تعلم، الملا عمر رجل تقي تأتيه تعليمات في أحلامه ويتبعها”[7]. ويعتقد أعضاء تنظيم داعش والقاعدة وطالبان، في مثل هذه الرؤى، ويعتبرونها بمنزلة وحي إلهي.
في مارس 2015، زعم الموقع الإلكتروني للحزب الديمقراطي الكردستاني أن “أبوبكر البغدادي أمر مقاتليه بالانسحاب من المدينة، بعد رؤيا رأى فيها النبي محمد، الذي أمره بمغادرة مدينة الموصل”[8]. وهكذا، من الواضح أن عملية صنع القرار لدى البغدادي والملا عمر قد تأثرت بأحلامهم الحقيقية/الرؤى. ورغم أنه يمكن فبركة الأحلام، واختلاق حدوثها، فإن الكذب بشأن الأحلام يعتبر خطيئة خطيرة في الإسلام. ويُقال إن هناك مكان خاص في جهنم لمثل هؤلاء الناس.
تأثر الخيارات العسكرية والسياسية الاستراتيجية بالرؤى لا يقتصر على القادة فقط، بل إن المسلحين يتأثرون أيضًا. فعلى سبيل المثال، هناك أبو الحارث الثغري، الذي يشرح من هو أبو المثنى الصومالي: لقد كان مقاتلًا “بعد أن سجنه الصليبيون لمدة سبع سنوات، وتمكن من الفرار من كندا رغم منعه من السفر”[9]. وبالإضافة إلى ذلك، يؤكد الكاتب أن الصومالي رأى حلمًا:
“رأى (أبو المثنى الصومالي) حلمًا، شاهد فيه الحور العين تزُفُّ له أخبارًا سارة بالاستشهاد في تاريخ محدد (لكني لا أتذكره). وقبل أسبوع من استشهاده، قرر العديد من أصدقائنا الذهاب لشراء ملابس عسكرية جديدة. أما هو فقد قال لهم إنه لن يذهب معهم، لأنه يتوقع الاستشهاد قريبًا، وروَى لهم ما رآه في الحلم. وعندما جاء ذلك اليوم، وضع جميع جنود داعش في حالة استنفار بسبب التقدم المفاجئ الذي أحرزه جيشُ النصيرية (العلويين) وحلفاؤه من الرافضة على الخطوط الأمامية بالقرب من كفر حمرة (في ريف حلب الشمالي). واندفع أبو المثنى للقتال، وتقدم في اتجاه العدو، وقاتل حتى أصيب بجروحٍ بليغة، ونزف حتى فاضت روحه إلى ربه. ونظرًا لكثافة نيران العدو، لم يكن من الممكن استعادة جثته من الموقع الأمامي الذي وصل إليه. ندعو الله أن يتقبله، ويضع بركة الخلافة التي نتمتع بها اليوم في ميزان حسناته، هو وجميع الشهداء الآخرين”[10].
في هذا الحلم، أبلغته الحور العين باللحظة التي سيستشهد فيها بالضبط. وكانت هذه الرؤية، بالنسبة لأبي المثنى، حدسًا داخليًا إيجابيًا. ولعل الأمر الجدير بالملاحظة هنا، هو أنه قصَّ رؤياه لرفاقه، كما لو أنه يقول لهم إن أجله قد اقترب، وأنه لا يستطيع الذهاب للتسوق على الإطلاق، لأنه يجب على الطامحِ للشهادة، خلال هذا الوقت، إعداد نفسه من خلال الصلاة وغيرها من العبادات. وعلاوة على ذلك، كان إصراراه خلال المعركة قويًا للغاية، لأنه كان مستمدًا من الرؤية التي رآها في المنام. كان متأكدًا أنه سيموت ويذهب إلى الجنة، حيث يكون مع الحور العين.
وهناك العديد من الأمثلة الأخرى لمثل هذه الرؤى والأحلام، غير أن الأمر المهم هنا هو أن نفهم أن الرؤيا لدى بعض المسلمين هي عملية تواصل مع الله، الذي يقرر النصر، والهزيمة، ويلهم الجيوش أو يوهن معنوياتها، ويكشف الحجاب عن نُذُر/بشارات، وتكتيكات، وزيجات، وصنع القرارات، بل وحتى المستقبل. بناء على ما سبق، يتضح لنا أن الفهم العميق لأهمية الرؤى أمر قد يكون بالغ الأهمية لجهود مكافحة التطرف والإرهاب، على المستوى المحلي. إذ يمكن للشرطة، خلال التحقيقات، استخدام هذه المعرفة لمنع عملية التطرف، على سبيل المثال. وهناك العديد من الحالات التي تم فيها “اعتراض” الأحلام خلال عمليات التحقيق. ومن الأمثلةِ على ذلك، عملية تطرف يحيى معوض محمد راجح الذي أُدين في عام 2006 بتهمٍ تتعلق بالإرهاب في إيطاليا، مع معلمه ومرشده ربيع عثمان السيد أحمد.
خلال عمليةِ تلقين يحيى، قصّ له ربيع رؤياه: “يقول ربيع ليحيى إن روما ستحتل بعد القسطنطينية، إن شاء الله.. ثم يؤكد (يحيى) أنه مستعد للشهادة: لقد تطهرتُ، ذهبتُ للحج في مكة، أديت حجًا عظيمًا.. فاتتني صلاةُ جماعة فقط، صليتُ في المسجد، والله شهيدٌ على ما أقول، أنني كنت أنوي أداءَها… تفوتني صلاتان، و(بعدها) سأنال الشهادة، وسيتحقق حلمي… ثم يقول إنه رأى النبي في المنام، وسوف يراه مره أخرى بالتأكيد: رأيته (النبي) أربعَ مرات، أقسم لك بالله، مرة كان سعيدًا بي، وأخرى كان غاضبًا مني.. والمرة الأخيرة التي رأيته فيها كنت أحمل بندقية.. وكنت أحلم بإخواني المجاهدين.. وقال له النبي أيضًا إنه سيكون من بين أولئك الذين سيذهبون إلى السماء”[11].
وهكذا، من الواضح جدًا أن ربيع عثمان كان مستعدًا للتضحية بنفسه في سبيل الله. ووفقًا لرؤيته في المنام، فإن كلا الرجلين سيستشهدان. فقد أخبره النبي، في الرؤيا التي رآها، أن رفيقه سيذهب إلى السماء، وربما رفيقه “الأخ المجاهد”، كان يحيى. وفي نهاية عملية التلقين، كان يحيى مستعدًا للسفر إلى سوريا أو إلى دولة أخرى، تتحقق فيها تلك الرؤيا.
غير أن الحلم في هذه العملية التلقينية لا يظهر إلا في نهاية العملية، عندما يكون المجند (يحيى) قد تماهى واندمج في الأيديولوجيا، بشكلٍ جيد. وغالبًا ما تُستخدم الأحلام في الجزءِ الأخير من عملية التلقين، عندما تأتي مرحلة تحويل الأفكار إلى أعمال. ولذلك، فمن وجهه النظر العملياتية، عندما يتم “اعتراض” لحظات مثل اللحظات المذكورة أعلاه، قد يُستنتج منها أن عملية التطرف قد اكتملت، وأن العمل بات قريبًا.
وختامًا، نخلص إلى أن الأحلام مهمةٌ، من وجهة النظر الأكاديمية والعملياتية، على حد سواء، في هذا الإطار بعينه. حتى ولو كانتِ الأحلامُ مزعومةً، فإن الجهاديين يستغلونها لأغراض مختلفة: عمليات التلقين، والدفع نحو التشدد، وعمليات صنع القرار، والاستراتيجيات والتكتيكات الحربية، إلخ. لذا، فيجب أن تواصل دراسة الثقافة الجهادية الكشف عن هذه السمات الثقافية التي لا يُعرف عنها سوى القليل، هذا على الجانب الأكاديمي. وعلى الجانب العملياتي، يمكن أن يقود فهم أهمية الأحلام الجهادية إلى تغيير جوهري في مصير التحقيقات.
* يسعى موقعُ «عين أوروبية على التطرف» إلى نشرِ وجهاتِ نظرٍ مختلفة، لكنه لا يؤيد بالضرورة الآراء التي يُعبِّر عنها الكتّابُ المساهمون، والآراء الواردة في هذا المقال تُعبِّر عن وجهةِ نظر الكاتب فقط.
**محلل للقضايا المتعلقة بالتحديات الناشئة، وقارة أفريقيا في كلية الدفاع التابعة لحلف الناتو في روما. كما يعمل أيضا مدربا أكاديميا في الدورات رفيعة المستوى حول الإرهاب في SIOI (الجمعية الإيطالية للمنظمات الدولية).
المراجع:
[1] Edgar I. R. “The Dreams of Islamic State”, Perspectives on Terrorism, Volume 9, Issue 4, p. 72 (August 2015)
[2] Ibid, p. 73
[3] Jihadi Culture p. 130 and note 11
[4] Jihadi Culture p. 133
[5] Transcript of Osama bin Laden videotape, December 13, 2001
[6] Ibid
[7] Jihadi Culture p. 141
[8] Edgar I. R. “The Dreams of Islamic State”, Perspectives on Terrorism, Volume 9, Issue 4, p. 79. (August 2015)
[9] Dabiq magazine, Issue 15, p. 10
[10] Ibid p.10
[11] Electronic surveillance