عين أوروبية على التطرف
أصبحت الطائرات المسيّرة أكثر انتشارًا وحضورًا في الحروب الأخيرة. لكن الأمر تعدى استخدام الدول لها، سواء في الحروب النظامية أو ضد الجماعات الإرهابية، وما يُثار من جدل حول استخدام هذا النوع من الطائرات ضد الإرهابيين. ففي السنوات القليلة الماضية، ظهرت مشكلة جديدة: استخدام الطائرات الميسّرة بواسطة المنظمات الإرهابية مثل داعش، وحزب الله، والحوثيين، وجبهة النصرة، ناهيك عن الجماعات غير الدينية، مثل حزب العمال الكردستاني.
وفي السنوات الأخيرة، نفّذت هذه الجماعات الإرهابية هجماتٍ بطائرات مسيّرة استهدفت مواقع مختلفة في دول الشرق الأوسط مثل القواعد العسكرية ومواقع تخزين النفط والمطارات وما إلى ذلك. وقد دفعت هذه الهجمات دول الشرق الأوسط إلى تعزيز استراتيجياتها الأمنية لمواجهة الهجمات المحتملة بالطائرات للجماعات الإرهابية.
بعد فترةٍ وجيزة من إعلان داعش “خلافته” في عام 2014، بدأ في استخدام طائرات مسيّرة كجزء مما كان في الأساس عمليات عسكرية تقليدية لتوسيع حدود دويلته. ومع اقتراب التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة من الموصل، “عاصمة” داعش العراقية، في 2016-2017، أصبحت الطائرات المسيّرة سمة رئيسية للاستراتيجية الدفاعية للإرهابيين.
أحد الرجال المسؤولين بشكلٍ رئيس عن برنامج الطائرات المسيّرة جهادي بريطاني يُدعى جنيد حسين الذي يُوصف أيضًا بأنه خبير الأمن السيبراني لداعش، وكان أحد “مدربيها” الإرهابيين، حيث تتولى تدريب المؤيدين الغربيين لداعش، من خلال أعمال إرهابية في المدن الغربية.
من الأهمية بمكان هنا ملاحظة أن الطائرات المسيّرة لم تستخدم فقط كأداة عسكرية مباشرة -لإسقاط الذخائر أو تنفيذ عمليات استطلاع- ولكنها استخدمت أيضا كأداة دعائية، أي كوسيلة غير مباشرة لتعزيز داعش. فعلى سبيل المثال، استخدم داعش الطائرات المسيّرة لالتقاط مقاطع مصوّرة لمقاتليه، وهم ينفذون عملياتٍ انتحارية بسيارات مفخّخة، ومن ثم استخدمت هذه اللقطات في منتجات إعلامية ساعدت على تماسك تنظيم داعش وتجنيد الأنصار.
من الملاحظ أيضًا أن تنظيم القاعدة أقل نشاطًا بكثير في استخدام تكنولوجيا الطائرات المسيّرة من داعش، لكن الفرع السوري السابق لتنظيم القاعدة، المعروف الآن باسم هيئة تحرير الشام، كان استثناءً، خاصةً عندما يتعلق الأمر باستخدام الطائرات المسيّرة كأداة إعلامية ودعائية، وقد شنَّ مسلحو هيئة تحرير الشام هجومًا شهيرًا بسرب من الطائرات المسيّرة على قاعدة روسية في سوريا في يناير 2018، باستخدام طائرات مسيّرة محلية الصنع “مُجمعة من محرك صغير وخشب رقائقي رخيص وعدد من الصواريخ الصغيرة”.
مع تدمير “الخلافة” المزعومة في عام 2019، أصبح برنامج الطائرات المسيّرة أقل أهمية بكثير لتكتيكاته، ولكن مع انخفاض تكلفة مثل هذه الطائرات وزيادة تنوعها مع مرور الوقت، سيكون لدى داعش العديد من الخيارات الأخرى عندما يعتزم تصعيد حملته الهجومية في الفترة المقبلة.
ربما تكون أبرز جماعة غير جهادية استخدمت الطائرات المسيّرة بشكلٍ جدي هي حزب العمال الكردستاني. لقد استخدم حزب العمال الكردستاني الطائرات المسيّرة كجزء من حملته الإرهابية ضد تركيا، وفي محاولة لمواجهة جهود الأتراك لاقتلاع حزب العمال الكردستاني من مخابئهم الجبلية في شمال العراق، مع بعض النجاح.
إضافة إلى ما سبق، استخدم حزب الله والحوثيون الطائرات المسيّرة لمهاجمة أهداف مختلفة. نفّذ حزب الله هجمات عدة ضد أهداف إسرائيلية باستخدام طائرات مسيّرة إيرانية الصنع. فعلى سبيل المثال، أطلق حزب الله ثلاث طائرات إيرانية مسيّرة في يوليو الماضي ضد حقل كاريش البحري للغاز، الواقع في البحر بين إسرائيل ولبنان.
الطائرات المسيّرة التي يستخدمها حزب الله مصنوعة في إيران التي درّبت مقاتلي الحزب على كيفية استخدام هذا النوع من الطائرات في المعسكرات داخل الأراضي السورية. الإيرانيون درّبوا مقاتلي حزب الله أيضًا على كيفية تجميع أجزاء الطائرات المسيّرة، بعد تهريبها من إيران عبر سوريا.
وبالمثل، يتلقى الحوثيون الدعم من إيران لتعزيز قدراتهم العسكرية، خاصة في مجال الطائرات المسيّرة. شاهد 131 و136 مثالان على طائراتٍ مسيّرة إيرانية الصنع يستخدمها الحوثيون لمهاجمة العديد من الدول.
علاوة على ذلك، يقدم حزب الله تدريبات لميليشيا الحوثي على كيفية تجميع الطائرات الإيرانية المسيّرة واستخدامها في تنفيذ الهجمات.
ربما ليس من المستغرب، في هذه الحالة، أن تشارك إيران، الدولة الإرهابية البارزة في العالم، في تصنيع الطائرات المسيّرة وانتشارها. وقد حقق النظام الإيراني انتصارًا دعائيًا مهمًا على الأمريكيين في ديسمبر 2011 بإسقاطه طائرة مسيّرة أمريكية من طراز “سينتينل- آر كيو-170” فوق الأراضي الإيرانية. إن اعتراف الرئيس باراك أوباما آنذاك علنًا بأنه طلب إعادة الطائرة المسيّرة، وأن الإيرانيين رفضوا، لم يؤدّ إلا إلى زيادة الإذلال. ولكن اتضح أن الضرر المادي كان أكبر من ذلك.
لم يكن الإيرانيون جددًا في لعبة الطائرات المسيّرة -فقد بدأوا في استخدامها في وقتٍ متأخر من الحرب الرهيبة التي شنتها الثورة الإيرانية على صدام حسين في الثمانينيات- لكن التكنولوجيا التي استولت عليها في عام 2011 قد سرّعت قدرات الطائرات الإيرانية المسيّرة على مدى العقد الماضي، وعزَّزت إيران هذه القدرات عبر شبكة الحرس الثوري في جميع أرجاء المنطقة.
وقد استخدم حزب الله، التابع للحرس الثوري الإيراني في لبنان، الطائرات المسيّرة كجزءٍ من حرب إيران التي لا هوادة فيها ضد إسرائيل، وكثيرًا ما تستخدم جماعة أنصار الله التابعة للحرس الثوري الإيراني في اليمن الطائرات المسيّرة لمضايقة منافس إيران الإقليمي الكبير، المملكة العربية السعودية. واستخدم الإيرانيون الطائرات المسيّرة مباشرة، في هجوم استراتيجي على صناعة النفط السعودية، في سبتمبر 2019.
غدت تكنولوجيا الطائرات المسيّرة الآن أرخص وأكثر انتشارًا، في ظلِّ توفر مجموعة متنوعة من الاستخدامات التجارية وحتى الترفيهية المشروعة والقانونية تمامًا. بالإضافة إلى التكلفة الهائلة، يبلغ طول طائرة من طراز ريبر (Reaper) 36 قدمًا، وعرضها مع جناحيها 66 قدمًا، ما يحد من ملكيتها لأولئك الذين ليس لديهم مساحة تخزين كهذه. أما الآن، فإن طول الطائرة المسيّرة القادرة على حمل حمولة متفجّرة لا يتعدى قدماً فقط، وكذلك عرضها، ويمكن شراؤها من متجر أمازون مقابل خمسين دولارًا.
خلاصة القول، الطائرات المسيّرة تُعد عاملًا مضاعفًا للقوة، بالنسبة للإرهابيين والعاملين في مجال مكافحة الإرهاب على حد سواء، حيث توفّر بدائل أرخص وأكثر دقة في كثير من الأحيان، سواء كان ذلك في استخدامها للقضاء على الإرهابيين، أو في الهجمات التي يشنها الإرهابيون على المنشآت النفطية.
إن وجود طائرات مسيّرة في أيدي الإرهابيين يشكّل مصدر قلقٍ وخطرٍ جسيم يهدد استقرار الدول وسلامة مواطنيها. وفي الواقع، يميل الإرهابيون إلى استخدام الطائرات المسيّرة والاستفادة من ميزاتها المتمثلة في سهولة الاستخدام ورخص الثمن والموثوقية.
وعليه، فإن الطائرات المسيّرة تمثّل تحديًا خطيرًا وحاسمًا لواضعي السياسات في مجال الأمن ومكافحة الإرهاب الذين يُطلب منهم اتخاذ تدابير للحدِّ من هذه التهديدات.