يعتبر الكتاب الذي يحمل عنوان “قرصنة داعش – كيفية تدمير الجهاد الإلكتروني” والذي ألفه خبيري مكافحة التطرف مالكولم نانسي وكريس سامبسون، من الكتب الجديرة بالقراءة؛ فبالرغم من التحديات الكبيرة لمهمّتهما، استطاع المؤلفان تحليل كمية ضخمة من المصادر المتعلقة بالموضوع، وتقديم نظرة ثاقبة على تاريخ الجهاد الإلكتروني وتطوره.
وعلى الرغم من الطبيعة التقنية للجهاد الإلكتروني، فإنه من جانب آخر يحمل أبعادا إنسانية. لقد خصص المؤلفان جزءًا من الكتاب للحديث حول أبرز الشخصيات في ساحة المعركة الجهادية الرقمية، بمن فيهم أنور العولقي، المشهور بنشاطه على ساحات الفضاء الإلكتروني والمعروف باسم “بن لادن الإنترنت”، وأبو سياف الذي يعتبر العقل المدبر الذي يدير قاعدة بيانات المنتمين إلى تنظيم داعش، وكذلك جنيد حسين، الموصوف بكونه أول أمير إلكتروني في ظل الخلافة المزعومة.
لقد استغل تنظيما القاعدة وتنظيم “الدولة الإسلامية” داعش، في السنوات الأخيرة قدراتهما السيبرانية من منطلق إدراكهما لأهمية دور المعركة على ساحة الفضاء الإلكتروني في خدمة عملياتهما الدعائية، وكذلك دورها كأداة لوجستية في دعم هجماتهما ضد أعدائهما حول العالم.
ومن منطلق إدراك أهمية الآلة الدعائية، تمتلك داعش الكثير من الأذرع الإعلامية، لكل منها أهدافه وهياكله التنظيمية الخاصة به، ولدى كل ولاية قناة إعلامية رسمية، تحمل اسم الولاية وتقدم بيانات رسمية مشتركة وتقارير وصورًا ومقاطع فيديو.
من جانب آخر تم تأسيس المنصة الإعلامية المعروفة بـ”مركز الحياة للإعلام” بغرض التواصل مع الناس الذين لا يتحدثون اللغة العربية، وتشتهر بإنتاج الأفلام، مثل فيلمي “لهيب الحرب” و”داخل الخلافة”.
أما مؤسسة الفرقان للإنتاج الإعلامي فتعتبر الأداة الإعلامية الرسمية التابعة لقيادة تنظيم داعش، وتُستخدم من قِبل المتحدثين الرسميين باسم “الدولة الإسلامية”، وكذلك من قِبل زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي. وإلى جانب القنوات الرسمية المشهورة، هناك وسائل إعلامية أخرى تابعة، مثل وكالة أعماق التي تغطي أخبار العمليات التي ينفذها التنظيم في جميع أنحاء العالم.
لقد تمكنت هذه القنوات والمنافذ الإعلامية جميعها من نشر محتوياتها على شبكات الإنترنت لسنوات عدة عبر استغلال برامج حاسوبية مختلفة ومواقع إلكترونية، سواء على شبكة الانترنت العادية أو من خلال الشبكة المظلمة Dark web، وأظهرت بذلك سمات مهمة في قدرة التنظيم تمثلت في “سيولته” الشديد التي صعبت من القدرة على الإمساك به، ومرونته العالية التي وفرت له القدرة على التكيف، وتحقيق نجاحات في الجهاد السيبري.
وفي الحقيقة، لم تستطع جهود الشركات الضخمة مثل “غوغل” و”يوتيوب” و”تويتر” إيقاف انتشار الرسائل الدعائية الجهادية. فبرغم الصعوبات، قام فرع الجهاد الإلكتروني بتوظيف أدوات مختلفة للتهرب من التدابير المضادة التي اتخذتها شركات التكنولوجيا الكبيرة، والتي شملت برامج جديدة وشبكات تواصل اجتماعي حديثة مثل “تلغرام” و”روكيت شات” و”فايبر” و”رايوت”. إن هذا الانتشار المستمر في الدعاية الإلكترونية، إلى جانب دعوات الدولة الإسلامية لتنفيذ هجمات فردية دعمًا للجهاد، أدى إلى تنامي تهديد “الذئب المنفرد”، وبات البعض يعدّون لهجماتهم عبر الشبكات الاجتماعية مثل تلغرام.
يمكن للتكنولوجيا أن تكون سلاحًا وأداة كذلك. في أواخر عام 2016، اندمجت مجموعات – مثل “قسم الخلافة الشبح” و”أبناء جيش الخلافة” و”جيش الخلافة الإلكتروني” و”فريق كلاشنكوف للأمن الإلكتروني”– في مجموعة واحدة، وأعلنت عن إنشاء قناة (يو سي سي) “الخلافة الإلكترونية الموحدة على تلغرام”. في الوقت الحاضر، وبرغم بيان تأسيسها القوي، ليس لدى المجموعة سوى قدرات محدودة على تنفيذ هجمات معقدة، وغالبًا ما تقتصر على هجمات بسيطة نسبيًا من نوع DDOS أو ما يعرف بـ”هجمات حجب الخدمة”.
وبعد تحليل الحرب الجهادية الإلكترونية، يقدم المؤلفان تحليلًا مفصلًا لمحتوى ومضمون حملات الخلافة الإعلامية، بالتركيز على التطور عبر المراحل المختلفة للمجموعات الإرهابية، من القاعدة في العراق وحتى تنظيم الدولة الإسلامية اليوم.
وإلى جانب تحليل جهود المنتمين إلى داعش في ساحة المعركة الإلكترونية، يحلل المؤلفان كذلك نشاطات مكافحة الإرهاب ومواجهة نشاط داعش من قبل مختصي القرصنة المنظمة وكذلك جهود الخبراء والأكاديميين في هذا الصدد، على سبيل المثال الحرب المعلنة من قبل مجموعة القرصنة الشهيرة “أنانيموس”، وكذلك محاولات عدد من الباحثين تتبع ورصد النشاط الجهادي الإلكتروني بغرض محاولة احباط تطوره.
هناك سؤال أساسي يتمحور الكتاب حوله، وعبر عنه بوضوح في الفصل الأخير، وهو هل ستكون جهود الباحثين، وأجهزة الأمن، وكبرى شركات التكنولوجيا، لوقف انتشار رسائل الكراهية الجهادية عبر مواقع وساحات المنصات الإلكترونية كافية في تحقيق الهدف المشترك وهو وقف انتشار الرسائل الجهادية، أم أن الأمر يتعدى مجرد تدمير مثل هذه المواقع؟ فعلى سبيل المثال، وعلى الرغم من الجهود المكثفة من جانب شركات التكنولوجيا الكبرى لإغلاق الحسابات التي تنشر رسائل الكراهية، دائمًا ما يتمكن الجهاديون والمنتمون إلى الفكر الداعشي من إيجاد مساحات جديدة أخرى، أفضل من ناحية التخفي، وأكثر صعوبة من ناحية التعقب اللازم للمحللين المنخرطين في دراسة هذه الظاهرة. ربما حان الوقت لتطوير وسائل أخرى مضادة أكثر فعالية.