قررتِ الولاياتُ المتحدة الأمريكية، هذا الأسبوع، تصنيف الحرس الثوري الإيراني، بأكملِه، منظمةً إرهابيةً. يأتي هذا القرار في إطار ما تسميه الولايات المتحدة الأمريكية حملة “الضغط القصوى” ضد النظام الإيراني، الذي رد بتهديد الولايات المتحدة وحلفائها.
بحلول عام 1979، كانت الثورة التي استمرت عاما في إيران -التي اتسمت عمليًّا باحتجاجاتٍ عنيفة وأعمال شغب- تقتربُ من ذروتها. وكانت العاصمة طهران مشتعلة. وكان قائد الثورة بلا منازع آية الله روح الله الخميني، يعيش آنذاك في باريس. ونظم رجال الدين الموالين للخميني، وحلفاؤهم من التجار، أعمال الفوضى التي ضربت الشوارع، واستطاعوا، بمساعدة من الشيوعيين، تنظيم سلسلة من الإضرابات في حقول النفط، أدّت إلى شلّ النظام الإيراني بأكمله. ونظرًا لعدم رغبة الشاه السابق، محمد رضا بهلوي، في استخدام القوة المميتة على نطاقٍ واسع في استعادة النظام، فقد غادر الدولة إلى المنفى، تاركًا خلفه حكومةً مؤقتةً حاولت التوصل إلى تسويةٍ مع المعارضة. غير أنه بعد شهر، عاد الخميني منتصرًا، ونفذ الإسلاميون انقلابهم الذي كانوا يخططون له منذ وقتٍ طويل(1).
وهكذا، أصبحت القوات شبه العسكرية التابعة لقيادة الخميني، التي أوصلته إلى سدّة الحكم في انقلابٍ على الطريقة البلشفية، هي الحرس الثوري الإيراني، غير أنها كانت في الحقيقة قد تشكّلت، وتدرّبت على يد منظمة التحرير الفلسطينية، في لبنان، وأماكن أخرى، على مدار سنوات عدّة، في أواخر فترة السبعينيات.
غالبًا ما يُسمى “حزب الله” اللبناني، خطأً، بـ “وكيل” إيران، في حين أنه في الواقع مُكون عضوي أصيل في الحرس الثوري(2). وبدلًا من حلّ الجيش الامبراطوري، وإحلاله بآخر، تخلّص الخميني من قيادة الجيش، عبر عمليات تطهيرٍ واسعة، ومئات من عمليات الإعدام، في غضون شهرين، في ربيع عام 1979، مستبدلًا بِقياداته آخرين من الموالين له، فيما واصل الحرسُ الثوريُّ عملَه كمؤسسةٍ موازية للجيش.
كان لهذا مزايا عدّة. تفادت الجمهورية الإسلامية الوليدة مواجهة داخلية فوضوية، مثلما حدث في العراق عقب قيام قوات الاحتلال الأمريكي بحلّ الجيش العراقي، مما دفع الكثير من أفراده للانضمام إلى حركة التمرد. واصل نظام الخميني دفع رواتب العسكريين المدربين، وأبقاهم تحت أعينه. وقد أسهمت حربُ العراق في تخفيف حدّة التوتر: اضطلع الجيش بمهمته الأساسية، في تأمين سلامة الأراضي الإيرانية، ومن ثمّ، لم يكن لديه وقتٌ يذكر للانخراط في السياسة الداخلية.
من ناحيةٍ أخرى، كان لدى الحرس الثوري تكليف يتجاوز الدفاع عن الدولة، ألا وهو الدفاع عن الثورة، بمعنى النظام الديني الذي فرضه الخميني على إيران، الذي يجعل عمليًّا مهمة الحرس الثوري ضد الإيرانيين، بقدر ما هي ضد الأجانب. وبمرور الوقت، تم تخصيص الموارد بطريقة تضعف من الجيش، وتقوِّي شوكةَ الحرس الثوري(3).
إضافةً إلى ذلك، يسيطرُ الحرسُ الثوريُّ على كيانين متخصصين: الأول؛ هو “قوات الباسيج”، التي تتألف من موالين من رجال الدين، والتي تتولى مسؤولية الأمن المحلي. والثاني؛ هو “قوة القدس”، التي يقودها قاسم سليماني، المسؤول عن تصدير الثورة الإسلامية. من الناحية العملية، هذا يعني أن قوة القدس هي العنصر المنوط بالتخطيط للعمليات الإرهابية، في مختلف أرجاء العالم، والتواصل مع وكلاء إيران الأجانب(4).
وهنا تجدر الإشارة إلى أن وزارة الخزانة الأمريكية قد أصدرت عقوباتٍ بحق سليماني ومُكون قوة القدس في الحرس الثوري في عام 2007 بسبب التورط في تمويل الإرهاب مع “طالبان ومنظمات إرهابية أخرى”(5). ثم تعرض سليماني لجولتين من العقوبات الشخصية التي أصدرتها وزارة الخزانة الأمريكية في عام 2011، الأولى في مايو بسبب مساعدته لنظام بشار الأسد في سوريا؛ كونه ارتكب جرائم فظيعة بحق المتظاهرين السلميين، والثانية في أكتوبر لتورطه في التخطيط لاغتيال السفير السعودي في واشنطن العاصمة، الهجوم الذي كان سيسفر عن مقتل العديد من المارة الأمريكيين(6).
في يوم الاثنين الماضي، أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية أنها صنّفت الحرسَ الثوريَّ الإيراني، بأكمله، منظمةً إرهابيةً أجنبية، على أن يصبح القرار ساريًا اعتبارًا من 15 أبريل الحالي. وفي هذا الصدد، ذكرت وزارة الخارجية أن هذا القرار “يوضح أن إيران نظامٌ خارج عن القانون، يستخدم الإرهاب كأداة لإدارة شؤون الحكم”، وهذا صحيح “منذ بدايته قبل 40 عامًا”. وأضافت أن “الإجراء هو خطوة مهمة للأمام في حملتنا القصوى للضغط على النظام الإيراني”(7).
ومن جانبِه، أشار وزير الخارجية، مايك بومبيو، في تصريحاته، عقب إعلان أن الحرس الثوري ليس قاتلًا فقط، بما في ذلك الأمريكيين، بدءًا من تفجير ثكنات المارينز في بيروت في عام 1983 وصولًا إلى مقتل 603 جنود أمريكيين في العراق، بل فاسدًا حتى النخاع. وقال بومبيو “قادة إيران مبتزون ليسوا ثوريين”(8).
من جهةٍ أخرى، ردّ النظام الإيراني بتصنيف القوات العسكرية الأمريكية، كافةً، باعتبارهم “إرهابيين”، مهددًا بالانتقام من القوات الأمريكية في المنطقة، وجعل أعضاء البرلمان يرتدون زي الحرس الثوري، ويرددون شعار “الموت لأمريكا” (9).
لا يمكن أن تُؤخذ هذه التهديدات الصادرة من إيران باستخفاف. كما ذكرنا أعلاه، إيران مسؤولة عن مقتل العديد من الأمريكيين في المنطقة، وهي التي هاجمت أمريكيين، ومصالح أمريكية خارج الشرق الأوسط.
هذه الأحداث لا تعودُ لماضٍ سحيق. فخلال العام الماضي، تم ضبط إيران مرارًا وهي تنخرط (أو تحاول الانخراط) في أعمالٍ إرهابية في أوروبا، من اغتيال المنشقين في هولندا(10)، إلى القنبلة الضخمة التي كادت أن تفجرها في تجمع للمعارضين في فرنسا، في يونيو الماضي، حضره مسؤولون سابقون في الحكومة الأمريكية(11).
وفي الشهر الماضي، حذّر مُنسِّق مكافحة الإرهاب من أن الاتحاد الأوروبي وبريطانيا ما زالا معرضين لخطر الإرهاب الإيراني (12).
___________________________________
[1] For the most detailed account of the Iranian revolution see Andrew Scott Cooper’s The Fall of Heaven: The Pahlavis and the Final Days of Imperial Iran (2016).
[2] Badran, T., “Arafat and the Ayatollahs,” Tablet Magazine, 16 January 2019.
[3] Afshon Ostovar gives an in-depth look at the evolution of the IRGC in his 2016 book, Vanguard of the Imam: Religion, Politics, and Iran’s Revolutionary Guards (2016).
[4] Ostovar, Vanguard of the Imam.
[5] “Fact Sheet: Designation of Iranian Entities and Individuals for Proliferation Activities and Support for Terrorism,” U.S. Department of Treasury, 25 October 2007.
[6] “Treasury Sanctions Five Individuals Tied to Iranian Plot to Assassinate the Saudi Arabian Ambassador to the United States,” U.S. Department of Treasury, 11 October 2011.
[7] “Designation of the Islamic Revolutionary Guard Corps,” U.S. Department of State, 8 April 2019
[8] Pompeo, M.R. “Remarks to the Press,” U.S. Department of State, 8 April 2019.
[9] Karimi, N., “Iranian lawmakers convene with chants of ‘Death to America’,” The Associated Press, 9 April 2019
[10] “Dutch foreign minister: Iran behind two political killings,” Reuters, 8 January 2019
[11] Rubin, A.J., “France Ties Iran to Bomb Plot, and Freezes Spy Agency Assets,” The New York Times, 2 October 2018.
[12] Riley-Smith, B., “Britain and EU at risk of Iranian terror attacks at home, US counter-terrorism chief warns,” The Daily Telegraph, 15 March 2019.