جيوفاني جياكالوني*

لقد أدَّى الوضع الحالي في إيران، في ظل الاحتجاجات التي اندلعت مباشرة في أعقاب وفاة مهسا أميني البالغة من العمر 22 عامًا، في سبتمبر 2022، إلى إدانةٍ دولية وخروج مظاهرات تضامنية في أوروبا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة وكندا. تجدر الإشارة إلى أن الشرطة الدينية في إيران كانت قد ألقت القبض على أميني في طهران في 13 سبتمبر، بزعم انتهاكها لقواعد النظام الصارمة التي تتطلب من النساء ارتداء الحجاب.
لكن اللافت للنظر أن رد فعل المسؤولين الحكوميين الغربيين جاء متباينًا. على سبيل المثال، أيّدت وزيرة الخارجية الكندية، ميلاني جولي، خروج النساء إلى شوارع إيران للاحتجاج على الوضع، واستضافت اجتماعًا لإظهار تضامن كندا مع النساء الإيرانيات اللواتي يكافحن داخل الدولة، وفرضت عقوبات على الهيئات الحكومية الإيرانية الرئيسة. ومع ذلك، أبدت دول أخرى مواقف أقل قوة أو حتى التزمت الصمت بشأن حملة القمع التي يشنها النظام الخميني.
على الجانب الآخر، يبدو الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة أكثر قلقًا بشأن تزويد إيران لروسيا بالطائرات المسيّرة في حربها ضد أوكرانيا، من القلقِ بشأن مذبحة النظام للمتظاهرين، والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان. وقد قال ممثل السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، إن الكتلة المكونة من 27 عضوًا “تبحث” فرض عقوبات على إيران بسبب وفاة أميني.
في 18 أكتوبر، جمّد الاتحاد الأوروبي أصول أحد عشر شخصًا، من بينهم اثنان من كبار مسؤولي شرطة الأخلاق، هما محمد رستمي، والحاج أحمد ميرزائي، ووزير الإعلام عيسى زاربور (الذي أشير إلى أنه مسؤول عن قطع الإنترنت بعد بدء الاحتجاجات). كما مُنع هؤلاء الأفراد من السفر إلى أوروبا. ومع ذلك، يرى البعض أن هذه التدابير ضعيفة للغاية، ومن غير المرجح أن تذهب بروكسل إلى أبعد من ذلك.
من ناحيةٍ أخرى، استدعت الحكومة الإيرانية السفيرين الإيطالي والسويدي، في الفترة الممتدة ما بين نهاية ديسمبر وأوائل يناير، بسبب “تصريحات تدخلية” أدْلت بها الحكومات الأوروبية التي أدانت العنف ضد المتظاهرين. ووفقًا لإيران، فإن الاتحاد الأوروبي يتدخل في الشؤون الداخلية للجمهورية.
وفي منتصف ديسمبر، وافق البرلمان الإيطالي على قرارٍ يدعو إيران إلى التوقف فورًا عن إصدار أحكام الإعدام على المتظاهرين المناهضين للحكومة. ومع ذلك، ذكرت الحكومة الإيطالية أيضًا أنها تريد “إبقاء الباب مفتوحًا أمام الدبلوماسية” مع طهران، لا سيّما بشأن البرنامج النووي الإيراني.
وفي أوائل أكتوبر، انتقد السفير البريطاني لدى إيران، سايمون شيركليف، حملة القمع التي يشنها النظام، ولكن الحكومة البريطانية لم تتخذ أي خطواتٍ كبيرة ضد طهران. من ناحيةٍ أخرى، أعلنت بريطانيا في 20 أكتوبر فرض عقوبات على ثلاث جنرالات إيرانيين (محمد حسين باقري، وسيد حجة الله قريشي، وسعيد أغاجاني)، بالإضافة إلى شركة “شاهد” لصناعة الطيران، الشركة الإيرانية المصنعة للطائرات بدون طيار التي تستخدمها روسيا في أوكرانيا.
ومع ذلك، يتعين على الحكومة البريطانية الآن التعامل مع قضية علي رضا أكبري، مواطن بريطاني إيراني مزدوج الجنسية، متهم بالتجسس، وحكم عليه بالإعدام. حثت المملكة المتحدة إيران على وقف الإعدام المخطط له، والإفراج عنه فورًا، وطلبت أيضًا اتاحة زيارة عاجلة لمسؤولي القنصلية، لكن الحكومة الإيرانية لا تعترف بالجنسية المزدوجة للإيرانيين.
موقف الولايات المتحدة لا يختلف كثيرًا -على ما يبدو- عن موقف داونينج ستريت، حيث تدّعي إدارة بايدن دعمها للمتظاهرين مع تجنب اتخاذ أي خطواتٍ جذرية ضد النظام الخميني للبقاء ملتزمًا بالمحادثات النووية (يمكنك مطالعة بيان البيت الأبيض). في 6 أكتوبر، فرض مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على سبعة من كبار القادة داخل الحكومة الإيرانية، والأجهزة الأمنية، بسبب قطع الإنترنت في إيران، واستمرار العنف ضد المتظاهرين، إجراءٌ من المرجح ألا يكون له تأثير على طهران.
وفي 20 أكتوبر، أعلن منسق الأمن القومي للاتصالات في البيت الأبيض، جون كيربي، موقفًا صارمًا من مبيعات الأسلحة للنظام الإيراني إلى موسكو: “سنواصل الوقوف مع شركائنا في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط ضد التهديد الإيراني”. وعلى الرغم من هذا الإعلان، ترفض الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون إغلاق الباب أمام الاتفاق النووي، والنهج الدبلوماسي مع إيران، بغض النظر عما إذا كانت إيران تقدم أيضًا طائرات مسيّرة إلى روسيا لاستخدامها في أوكرانيا. في غضون ذلك، ينتظر المتظاهرون من الحكومات الغربية اتخاذ تدابير ملموسة ضد النظام.
هذا الغياب لموقف واضح وقوي من قبل الحكومات الغربية تجاه النظام الإيراني يؤثر بالتأكيد سلبيًا على الاحتجاجات، حيث يفتقد المتظاهرون لوجود دعم دولي كبير وعملي من المجتمع الدولي، بينما يُعرّضون حياتهم للخطر. أما النظام الإيراني فيدرك جيدًا حقيقة أن الغرب لن يتخذ أي إجراءات جديّة ضد طهران طالما بقيت القضية على المستوى الداخلي. يبدو أن الغرب يعتبر حقوق الإنسان للشعب الإيراني مشكلةً إيرانية. لا توجد حكومة غربية على استعداد لتجاوز خط معين، في ظلِّ حقيقة أن الجبهة الصينية والأوكرانية-الروسية لها أولوية أعلى على أجندة الأعمال الغربية.
التستّر على الجريمة
بداية الأحداث كانت في 13 سبتمبر، عندما ألقت “شرطة الأخلاق” القبض على مهسا أميني أثناء وجودها بصحبة عائلتها. ثم نُقلت إلى عهدة شرطة الأمن العام. ووفقًا لابنة عم أميني، فقد تعرّضت للضرب والإهانة في الشاحنة، كما شهد على ذلك المعتقلون الآخرون. بمجرد وصولها إلى مركز الشرطة، بدأت تفقد البصر وأغمي عليها. استغرق وصول سيارة الإسعاف أكثر من ثلاثين دقيقة، وساعة ونصف للوصول إلى مستشفى كسرى. الجدير بالذكر أن العيادة التي عالجت أميني أصدرت بيانًا على “إنستجرام” قالت فيه إنها كانت متوفية دماغيًا بالفعل عند وصولها. لكن المنشور حُذف في 19 سبتمبر.
صور المستشفى المنشورة، أظهرت أميني وهي تنزف من أذنها وبيّنت وجود كدمات تحت عينيها. كما أظهرت الفحوصات الطبية لجمجمتها، التي سرّبها قراصنة الإنترنت، وجود كسور عظمية ونزيف في الدماغ. وقال العديد من الأطباء، بعد رؤية صور أميني في المستشفى، على وسائل التواصل الاجتماعي إن سبب النزيف من أذنها يمكن أن يكون ضربة على الرأس. غير أن هذه التصريحات لا تتطابق مع الرواية التي قدمتها السلطات الإيرانية التي أعلنت أن سبب الوفاة نوبة قلبية. وفي رسالة بتاريخ 13 أكتوبر، اتهم أكثر من 800 عضو في المجلس الطبي الإيراني رئيسَ المجلس الطبي الإيراني بالمساعدة في تستر الحكومة على سبب وفاة أميني.
الاحتجاجات في الغرب
اندلعت الاحتجاجات الأولى بعد جنازة أميني في مدينة سقز الغربية، عندما مزقت النساء حجابهن تضامنًا معها. ومنذ ذلك الحين، انتشرت الاحتجاجات في جميع أنحاء الدولة. وردًا على ذلك، استدعى النظام الإيراني شرطة مكافحة الشغب في محاولة لقمع الاحتجاجات، وحجب الإنترنت عن بعض المناطق. ومع تزايد أعداد الاحتجاجات، قُطع الإنترنت تمامًا. ومع ذلك، بحلول ذلك الوقت، كانت الاحتجاجات قد انتشرت بالفعل على المستوى الدولي مع تنظيم مظاهرات كبرى على أساسٍ أسبوعي في أوروبا والولايات المتحدة وكندا.
في البداية، اعتقد الكثيرون أن المظاهرات ستخمد في غضون أسبوعين. لكن الأمور، حتى الآن، تسير في اتجاه مختلف. ففي لندن، تستمر الاحتجاجات في جذب آلاف الأشخاص، وفي 22 أكتوبر تدفق آلاف الأشخاص إلى شوارع برلين (80,000 شخص، وفقًا للشرطة) لدعم الانتفاضة الإيرانية.
في ميلانو، ينظّم الطلاب والمهنيون الإيرانيون -جنبًا إلى جنب مع المراكز الاجتماعية والمنظمات النسوية- احتجاجاتٍ في المنطقة التي تمتدُ بين ميداني “دومو” و”ديلا سكالا”. وفي روما، هناك دور واضح لمجاهدي خلق، منظمة إسلاموية-ماركسية مقرها ألبانيا.
من بين الشعارات المختلفة التي انتشرت خلال الاحتجاجات في الغرب، لوحظ شعار يحمل دلالة خاصة، كونه يعبر بوضوح عما يعتقده العديد من المتظاهرين: “إلى قادة العالم: النساء الإيرانيات لا يَحْتجنَ منكم الإنقاذ، بل يَحْتجنَ منكم فقط التوقف عن إنقاذ قاتليهم”.
التجسس الإيراني في الخارج
إذا كان النظام الإيراني يرد على المستوى المحلي بحملات قمع ضد المتظاهرين، وقطع الإنترنت، فإنه في أوروبا يعمل على مستوى مختلف. في العديد من الدول، مثل إيطاليا والمملكة المتحدة وكندا، تم التعرف على الأفراد المرتبطين بالنظام أثناء تصوير المتظاهرين. وتمت مطاردتهم ثم تسليمهم إلى الشرطة التي أجرت عمليات التفتيش اللازمة. ليس من الواضح ما إذا كان هؤلاء الأشخاص قد أُرسلوا من قبل القنصليات الإيرانية المختلفة في بلدانهم، أو إذا كانوا أعضاء في الاستخبارات أو مجرد متعاطفين مع النظام.
ومع ذلك، فمن الواضح أن الهدف هو تحديد هوية المواطنين الإيرانيين، ومن ثم المضي قدمًا في عمليات الانتقام المحتملة، إن لم يكن ضدهم كما هو الحال في الخارج، فضد أقاربهم في إيران. وقال متظاهر إيراني في ميلانو طلب عدم الكشف عن هويته “الإيرانيون هنا في إيطاليا ليسوا كثيرين. إنهم يعرفون من نحن، خاصة الطلاب. إنهم يتتبعوننا، وبمجرد أن يعرفوا من نحن، يستهدفون أقاربنا في إيران. يعتقلونهم ويفتشون منازلنا. نحن نعيش في رعب”.
في روما، خلال مظاهرة نُظمت في منتصف أكتوبر، قالت طالبة إيرانية للتلفزيون الحكومي الإيطالي “راي” إنهم جميعًا يخشون إظهار وجوههم لأن هناك متسللين يتبعون النظام داخل المظاهرات: “إنهم يراقبوننا هنا أيضًا. يتسللون ويهددوننا بأنهم رأونا نشارك في المظاهرة السابقة، وأنه إذا واصلنا المشاركة في المظاهرات، فستكون هناك عواقب”. وأضافت أيضًا أن هؤلاء الأفراد هم دائمًا الأفراد أنفسهم. إنهم معروفون وربما يتحققون من شبكاتهم الاجتماعية ورسائل البريد الإلكتروني أيضًا: “هنا، لسنا خائفين، لكننا قلقون من الانتقام من عائلاتنا في إيران”.
في غضون ذلك، تقوم إيران أيضًا باعتقال مواطنين غربيين على الأراضي الإيرانية. ومن بين هؤلاء سبعة مواطنين فرنسيين متهمون بارتكاب جناياتٍ مختلفة، تشمل “التآمر والتواطؤ للإضرار بالأمن القومي”، والمواطن البلجيكي أوليفييه فانديكاستيل، ومدونة السفر الإيطالية أليسيا بيبيرنو البالغة من العمر 30 عامًا. وقد أطلق سراح الأخيرة في أوائل نوفمبر. ووفقًا للسلطات الإيرانية، اعتقل أربعون مواطنًا أجنبيًا خلال “أعمال شغب” منذ سبتمبر 2022. باختصار، النظام الإيراني معروف بهذا النوع من الاستراتيجية: اختطاف المواطنين الغربيين لاستخدامهم كورقة ضغط على دولهم.
الدعاية الإيرانية
بالإضافة إلى الاعتقالات والقمع ومراقبة المتظاهرين في الخارج، طهران نشطة للغاية في الدعاية السياسية والدينية، لا سيّما عبر المواقع الإلكترونية والمراكز الدينية والثقافية. ويمكن القول إن القاسم المشترك في دعاية طهران فيما يتعلق بالثورات هو أن الاضطرابات عبارة عن مؤامراتٍ تنظمها قوى أجنبية، على وجه التحديد، الولايات المتحدة وإسرائيل والمملكة المتحدة.
وقد نشر مركز الإمام المهدي الإسلامي، ومقره روما، مؤخرًا مقالة مطولة على موقعه على الإنترنت، “الإسلام الشيعي“، بعنوان: “الأموال القذرة: العميلة الأمريكية تقود أعمال الشغب التي تسببت فيها وكالة المخابرات المركزية في إيران”. ركّز المقال على مسيح علي نجاد غومي، المشار إليها على أنها “السلاح” الذي اختارته واشنطن، وأنها تعمل من مخبأ محمي من قبل مكتب التحقيقات الفيدرالي:
“تعمل مسيح علي نجاد من ملجأ لمصلحة مكتب التحقيقات الفيدرالي، وقد عاشت في الولايات المتحدة على مدى العقد الماضي تعمل بدوامٍ كامل في إذاعة صوت أمريكا الناطقة بالفارسية)، مجموعة إعلامية دعائية في واشنطن تموّلها مباشرة “هيئة محافظي البث” (BBG)، ذراع القوة الناعمة للإمبراطورية المدعومة بالكامل من قبل الكونجرس الأمريكي، التي أنشئت لإنتاج سرديات تخدم مصالح الكوربورقراطية”؛ أي الشركات الكبرى التي تحكم واشنطن.
المقالة نفسها نشرت باللغة الإيطالية على موقع وكالة أنباء القرآن الدولية (IQNA) التي تأسّست في عام 2003 بحضور رئيس جمهورية إيران الإسلامية، ووصفت على موقعها على الإنترنت بأنها “أول وأكبر وكالة أنباء للقرآن في العالم الإسلامي”.
نشر موقع الإسلام الشيعي مقالة أخرى، قدمت خطاب الإمام خامنئي في 3 أكتوبر، حيث أشار بإصبع الاتهام إلى الولايات المتحدة، وزعم أنه خلال أعمال الشغب “تعرّضت قوات الشرطة والباسيج والسكان للقمع أكثر من أي شخص آخر”. نسخة مشوهة ومقلوبة مقارنة بما شوهد في مقاطع الفيديو التي بثها هواة من داخل إيران. ووفقًا لخامنئي، فإن المضطهدين هم قوات الأمن، وشريحة السكان الموالين للنظام.
في 15 أكتوبر2022، نظّمت جمعية الإمام المهدي الإسلامية فعالية في مكتبة “سينابرو” في روما لمناقشة التطورات في إيران. المتحدثان اللذان دُعيا إلى هذا الحدث هما ماركو حسين موريلي، المتحدث باسم جمعية الإمام المهدي، وهنية تاركيان. تعمل تاركيان، التي يُشار إليها باسم “أستاذة الدراسات الإسلامية”، حاليًا في “معهد المصطفى للدراسات الإسلامية”، فرع إيطاليا، (كما هو موضح في ملفها الشخصي على لينكد إن)، معهد ديني دولي على غرار الجامعة في قم، في إيران، تأسّس في عام 1979 مع فروع دولية ومدارس تابعة له. وفي ديسمبر 2020، فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على المعهد بتهمة تجنيد الطلاب للقتال في سوريا.
من المثير للاهتمام ملاحظة أن تاركيان أيضًا تكتب في موقع “لالوس نيوز“، الذي يعتبر مُقرّبًا من جماعة الإخوان المسلمين، وحزب العدالة والتنمية التركي. على هذا الموقع، توصف تاركيان بأنها إيطالية إيرانية، وأنها “حصلت على درجة الدكتوراه في العلوم الإسلامية في جمعية الزهراء، أهم مركز في إيران للدراسات الإسلامية للمرأة، وأنها على وشك إكمال درجة الماجستير في العلاقات الدولية والدراسات الاستراتيجية”. وهي حاليًا مُعلمة ومنسّقة لبرنامج الماجستير باللغة الإيطالية في الدراسات الإسلامية الذي تنظمه جامعة المصطفى الدولية (إيران).
في مطلع شهر أكتوبر، نشر موقع لالوس نيوز مقالة تحمل عنوانًا رمزيًا: “التدخلات الغربية المعتادة بشأن إيران”، بتوقيع دوناتيلا أمينة سالينا. لا ينبغي أن يكون هذا مفاجئًا، بالنظر إلى أنه في نوفمبر 2021، عهِد علي فايزنيا، رئيس مركز الإمام علي الثقافي الشيعي في ميلانو، إلى محمد أصفا، وهو إمام سني يتبع مسجد بادوفا، وعلي أبو شويمة (إمام مسجد سيجراتي)، وكلاهما يعتبران مرتبطين بأيديولوجية الإخوان المسلمين، للعمل كمندوبين له في مجلس الحوار بين الأديان في منطقة لومبارديا.
علاوة على ذلك، لا يخفي مركز الإمام علي أيديولوجيته، حيث نشر سلسلةً من المنشورات على إنستجرام تشيد بآية الله الخميني، وأخرى تحتفل بالذكرى الثانية لوفاة جنرال الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني. وفي نوفمبر 2021، أعلن مركز الإمام علي عن مؤتمر حول “المقاومة الإسلامية للهيمنة الأمريكية”، شارك فيه القنصل الإيراني أيضًا كمتحدث.
كما نشر المركز سلسلة منشورات أخرى تدعم القضية الفلسطينية. وقد أثار هذه القضية الفريق الإيطالي للأمن والقضايا الإرهابية وإدارة حالات الطوارئ/الجامعة الكاثوليكية في ميلانو، في أبريل 2022. الجدير بالذكر أن مركز الإمام علي ينشط على أساس أسبوعي، كل يوم خميس، حيث يقوم بأنشطة دينية في شقة خاصة جنوب منطقة نافيجلي.
وفي يوم الخميس 23 يناير 2023، أحيا المركز الذي يتخذ من ميلانو مقرًا له، ذكرى وفاة قاسم سليماني، القائد العسكري الإيراني الذي خدم في فيلق الحرس الثوري الإسلامي، الذي قتل في 3 يناير 2020 في بغداد، إثر غارة أمريكية بطائرة مسيّرة.
علاوة على ذلك، تستخدم المواقع الدولية الأخرى التي تديرها طهران، مثل (Khamnenei.ir) و(Pars Today) الخطاب نفسه الذي يشير إلى أن الغرب هو المعتدي الذي يتدخل في قضايا إيران الداخلية ويُحرّض على الثورات. ومع ذلك، فإن الجانب المثير للاهتمام فيما يتعلق بجمعية الإمام المهدي الإسلامية ومركز الإمام علي هو الانصهار بين الهدف الديني المتمثل في نشر الإسلام، وكذلك الدعاية السياسية “الخمينية”.
تنبؤات للمستقبل
من الصعب جدًا التنبؤ بمآل هذه المظاهرات، هل ستقود إلى أي شيء ملموس، أو ستصل إلى طريق مسدود مثل “الثورة الخضراء” السابقة. في هذا الصدد، يرى الدكتور راز زيمت من معهد دراسات الأمن القومي (INSS) ومركز التحالف للدراسات الإيرانية في جامعة تل أبيب أنه:
“إذا نجح النظام في قمع موجة الاحتجاجات الحالية، يمكننا أن نتوقع استمرار مظاهر الاضطرابات المدنية، مثل: خلع الحجاب في المجال العام، والمظاهرات والإضرابات في الجامعات، والإضرابات العمالية المتفرقة، وكتابة شعارات مناهضة للمؤسسة، وما إلى ذلك. وفي غياب حلول عملية لمطالب الشعب، قد تنزلق إيران إلى وضعٍ ثوري دائم. قد يستمر هذا الوضع لفترة طويلة، لكنه يعني المزيد من تآكل شرعية النظام المحدودة أصلًا، واستمرار الاحتجاجات، التي يمكن أن تصبح أكثر تواترًا وعنفًا وتطرفًا إلى درجة تُشكّل تهديدًا حقيقيًا لبقاء النظام. ويمكن أن تتحوّل اللحظات الثورية في النهاية إلى ثورة حقيقية”.
في غضون ذلك، ستواصل طهران استخدام أدواتها في الخارج لنشر دعايتها، السياسية والدينية على حد سواء، وفي الوقت ذاته ستحاول مراقبة المظاهرات، وأولئك الذين يُعتبرون “أعداء الثورة”، ثورة تبدو بالية مع تقدم المجتمع الإيراني.
وختامًا، فالنظام الخميني يدرك جيدًا أنه على الرغم من تصريحات الإدانة الصادرة عن الغرب والأمم المتحدة، وعلى الرغم من استدعاء الحكومات الأوروبية للسفراء الإيرانيين، والتغطية الإعلامية الدولية لحملات القمع الدامية التي ترتكبها طهران بحق شعبها، فإن لا أحد في الغرب يريد حاليًا صدامًا مباشرًا مع إيران، خاصة وأن مناطق أخرى من العالم لها الأولوية، مثل أوكرانيا والصين، والآن البرازيل. لذلك، فمن المرجح أن يواصل النظام الإيراني اعتقال المتظاهرين وإصدار أحكام الإعدام.
– يسعى موقعُ «عين أوروبية على التطرف» إلى نشرِ وجهاتِ نظرٍ مختلفة، لكنه لا يؤيد بالضرورة الآراء التي يُعبِّر عنها الكتّابُ المساهمون، والآراء الواردة في هذا المقال تُعبِّر عن وجهةِ نظر الكاتب فقط.
(*) كبير المحللين في الفريق الإيطالي للأمن والقضايا الإرهابية، وإدارة حالات الطوارئ/ الجامعة الكاثوليكية في ميلانو، والمركز البحثي الإسلامي لمكافحة الإرهاب، ومقره بريطانيا. ومنسق فريق “مجموعة أمريكا اللاتينية” التابعة للمعهد الدولي لدراسة الأمن.