ألقى وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو خطابًا في نادي الصحافة الوطني في 12 يناير 2021 كشف فيه أدلة جديدة حول علاقة إيران بتنظيم القاعدة، والخطر الذي تشكِّله على تقدُّم السلام في الشرق الأوسط، كاتفاقات إبراهيم التي أبرمت مؤخرًا بين إسرائيل والدول العربية المعتدلة؛ مثل البحرين، والإمارات العربية المتحدة.
للمرةِ الأولى، بدأ بومبيو بتأكيده علنًا أن نائب زعيم تنظيم القاعدة، عبد الله أحمد عبد الله (أبو محمد المصري)، قُتل في طهران في 7 أغسطس 2020. ومن المثير للاهتمام أن بومبيو أكد –كما سبق وذكرنا هنا في موقع “عين أوروبية على التطرف” في شهر نوفمبر– إلى أن تغطية صحيفة نيويورك تايمز التي تقول فيها إنها “تفاجأت” بوجود عبد الله في إيران هي نفسها مُفاجِئة؛ لأن الحقائق بشأن إيواء قيادات القاعدة في إيران راسخة وموثقة جيدًا. وقال بومبيو: “لم يكن ذلك مُفاجِئًا على الإطلاق.. القاعدة لديها مقر جديد.. إنه جمهورية إيران الإسلامية”.
وأضاف بومبيو أن تنظيم القاعدة طُرد من أفغانستان وفُكِّك بعد عام 2001، لكن الحكومة الإيرانية منحته ملاذًا آمنًا، و”مكن كيان [أسامة] بن لادن الشرير من اكتساب قوة وقدراتٍ”. ودعا بومبيو الدولَ الأخرى إلى الاعتراف بهذه العلاقة بين إيران والقاعدة، والعمل مع الولايات المتحدة لتقويضها.
وأشار بومبيو إلى أن تقرير لجنة 11 سبتمبر، الذي نُشر في عام 2004، وثّق الصلات بين إيران والقاعدة التي تمتد “لما يقرب من ثلاثة عقود”، إلى أوائل التسعينيات، عندما تدّرب عناصر من القاعدة في سهل البقاع في لبنان مع حزب الله المدعوم من إيران. كان هذا قبل هجمات 11 سبتمبر.
وعن هجمات 11 سبتمبر نفسها، أشار بومبيو إلى أنه “لا يوجد دليل على أن إيران ساعدت في التخطيط لهجمات 11 سبتمبر، أو كانت على علم مسبق بها”، ولكن من الصحيح أيضًا أن “ما لا يقل عن ثمانية من خاطفي الطائرات سافروا عبر إيران بين أكتوبر 2000 وفبراير من عام 2001”. وعلاوة على ذلك، كانت إيران تنتهج سياسة دائمة ومنهجية بعدم ختم جوازات سفر الجهاديين القادمين من أفغانستان والمغادرين إليها، لتجنب إثارة الشكوك في بلدانهم الأصلية، الأمر الذي ربما كان قد قاد لاكتشاف مؤامرة 11 سبتمبر ومنعها. واقتبس بومبيو عن بن لادن قوله في أحد رسائله: “إيران هي شرياننا الرئيس للأموال والأفراد والاتصالات. لا داعي للقتال مع إيران، إلا إذا أجبرتم على ذلك”.
كانت هذه الحقائق، من بين أمور أخرى، هي التي أدّت إلى صدور حكم قضائي أمريكي أثبت أن إيران مسؤولة عن هجمات 11 سبتمبر، كما قال بومبيو، وفي عام 2013، أحبطت كندا مؤامرة إرهابية ضد منظومة القطارات في تورونتو، كان يوجهها عناصر تنظيم القاعدة في إيران.
لقد ظلَّتِ الظروف الدقيقة التي اكتنفت الإبقاء على زعماء القاعدة في إيران موضع جدل. وسعى بومبيو إلى حسم هذا الجدل اليوم، قائلًا إنه حتى عام 2015، أبقت وزارة الاستخبارات الإيرانية والأهم من ذلك الحرس الثوري الإيراني، قادة القاعدة تحت رقابة شديدة في ظروف أقرب إلى الإقامة الجبرية، ولكن حدث “تغيّر هائل” في ذلك العام، وليس من قبيل الصدفة أن ذلك حدث في الوقت الذي تم فيه التوقيع على خطة العمل الشاملة المشتركة أو الاتفاق النووي.
“قررت إيران [تقريبًا في عام 2015] السماح لتنظيم القاعدة بإنشاء مقر عملياتي جديد بشرط أن يلتزم عناصر القاعدة بقواعد النظام الإيراني التي تحكم إقامتهم داخل الدولة: التحكم والسيطرة”. وقد مُنح التنظيم حرية أكبر في التنقل، وإن كان تحت إشراف السلطات الإيرانية بشكل مستمر، وبالإضافة إلى الملاذ الآمن، قدمت الاستخبارات الإيرانية والحرس الثوري “الدعم اللوجستي” للقاعدة، مثل وثائق السفر.
وقال بومبيو إنه بدعمٍ من إيران، “رسّخ تنظيم القاعدة قيادته داخل طهران”، وشعرتِ الجماعةُ بالأمن والأمان الكافيين -وتمكنت من جمع ما يكفي من المال- للبدء من جديد في “التخطيط لهجمات في جميعِ أنحاء العالم”. وأضاف “أودُّ أن أقول إن إيران هي بالفعل أفغانستان الجديدة؛ باعتبارها المركز الجغرافي الرئيس للقاعدة”، بيد أن الأمر أسوأ في الواقع “حيث إن القاعدة لم يعد محصوراً في جبال هندوكوش: إنه يمتلك “غطاءً صلبًا من حماية النظام الإيراني” و”مجموعة من الدعم الإيراني” التي تحجب الولايات المتحدة عن أنشطة القاعدة، وتجعل استهداف قادته انتقاماً للأعمال الإرهابية أكثر خطورة.
ويقول بومبيو إن إيران والقاعدة “شريكان في الإرهاب”، ويشكِّلان تهديدًا للمنطقةِ بأسرها، لا سيما “التقدم المحرز في اتفاقات إبراهيم” للسلام، مضيفًا أنه “إذا تمكَّن تنظيم القاعدة من استخدام الهجمات الارهابية في المنطقة لابتزاز الدول، وإثنائها عن الانضمام إلى السلام الدافئ مع اسرائيل، فإننا نخاطر بوقف زخم الأجيال من أجل السلام في الشرق الأوسط”. ولا شك أن التهديد سيمتد إلى العالم بأسره، إلى أوروبا وخارجها. وذّكر بومبيو جمهوره بأن أجزاء رئيسة من مؤامرة 11 سبتمبر خُططت في ألمانيا.
وبالنظر إلى المستقبل، تساءل بومبيو: “من يقول إن [هجمات القاعدة التي ترعاها إيران] ليست الشكل التالي للابتزاز للضغط على الدول للعودة إلى اتفاق نووي؟” وقبل أن تصل الأمور إلى هذا الحد، يقول بومبيو إنه يجب على الدول الحرة أن تتحرك “لسحق محور إيران- القاعدة” و”عدم الكذب.. بشأن الاعتدال الإيراني”. وحثّ بومبيو الأمم المتحدة وجميع الدول على تطبيق العقوبات -وفق القانون الدولي- على المؤسسات الإيرانية المتورطة في التآمر مع إرهابيي القاعدة.
واختتم بومبيو خطابه بالإعلان عن فرض عقوبات على اثنين من رموز القاعدة في إيران؛ أحدهما سعودي، هو سلطان يوسف حسن العارف، والآخر مغربي هو محمد أباتي (عبد الرحمن المغربي)، بالإضافة إلى ثلاثة من قادة الكتائب الكردية التابعة للقاعدة: إسماعيل فؤاد رسول أحمد (عبد الله كردي)، وفؤاد أحمد نوري علي الشاخان (بلال كركوكي)، ونعمة حماه رحيم حماه شريف (سعد تويلي). الجدير بالذكر أن كتائب القاعدة الكردية تنشط في المنطقة الحدودية بين إيران والعراق، عبر أشكالٍ مختلفة من الدعم الذي يمكن إنكاره من إيران.
وصدر أول رد فعل من إيران من وزير خارجيتها محمد جواد ظريف، الذي كانت تغريدته، رغم نبرتها الطنانة، حذِرة للغاية في مضمونها. أكدّ ظريف أن أيًّا من منفذي هجمات 11/9 “لم يأت من” إيران بمعنى أنه لا يحمل جنسيتها، وهذا صحيح، فهو لم ينكر تقديم التسهيلات لخاطفي الطائرات في 11 سبتمبر في 2000 و2001، ولا إيواء قادة القاعدة حتى الوقت الحاضر.