آنا جوساروفا**
في بادرةِ حسن نية، شكّل الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي مجموعة عمل لشؤون تتار القرم في 18 مايو في محاولة منه لمعالجة بعض المظالم التي تعانيها الأقلية العرقية في الدولة. الجدير بالذكر أن تتار القرم مسلمون سُنّة ينتمون إلى المذهب الحنفي، ولديهم جذور عميقة في شبه جزيرة القرم. ويوجد قرابة 250,000 مسلم من التتار يشكلون أكثر من 12% من سكان شبه جزيرة القرم.
منذ ضم روسيا شبه جزيرة القرم في عام 2014، أخضع هؤلاء المسلمين ثقافيًا وعرقيًا، وحرموا من العمل، ومن لغتهم، وصحفهم، وطريقة حياتهم الخاصة، في محاولة لطردهم منها. وبعد عملية الضم، أصبحت أوكرانيا أول دولة تعترف بترحيل الاتحاد السوفييتي للتتار في عام 1944 باعتباره نوعًا من الإبادة الجماعية، وهو اعتراف قامت به ثلاث دول أخرى منذ ذلك الحين. ومع ذلك، كان يُنظر إلى خطوة زيلينسكي لمعالجة مظالم تتار القرم إلى حد كبير على أنها مجرد مناورة ضمن استراتيجية العلاقات العامة.
أهمية إعادة الدمج
يسعى تتار القرم إلى الحصول على الاستقلال الذاتي منذ عقود. وقبل ضم روسيا لشبه جزيرة القرم، كانت الجالية المسلمة تحاول وضع مطالبها على أجندة الدولة. وتجدر الإشارة إلى أن إعادة الأراضي والمواقع الثقافية والدينية مثل المساجد والنصب التذكارية والمساعدة المالية ليست سوى بعض الوعود التي كانت السلطات المحلية بطيئة في الوفاء بها. وقد أدى هذا الضم إلى تعقيد سعيهم إلى الحكم الذاتي، حيث أوضحت روسيا أنها لا تعتزم إعادة شبه الجزيرة إلى أوكرانيا. ونظراً لهذا، يرى مسلمو القرم أنه من أجل الحفاظ على هويتهم في الدولة، فإن إعادة الدمج في المجتمع الأوكراني من خلال التماسك أمر حيوي.
رؤية ديمقراطية مشتركة
المسار المؤيد لأوروبا وللديمقراطية أمر حيوي لنجاح أوكرانيا، والمسلمون في شبه جزيرة القرم يشاطرون هذه الرؤية. وفي الواقع، ساند زعماء تتار القرم علنًا الرئيس الأوكراني السابق والمؤيد لأوروبا بيترو بوروشينكو خلال الانتخابات الأخيرة، غير أنه لم يحالفه الحظ. والآن تعمل الجالية المسلمة مع الرئيس زيلينسكي في محاولة لتعزيز مصالحها. وقد بدأ هذا التعاون يؤتي ثماره، كما يتضح من استحداث عطلات رسمية جديدة للمسلمين، ولأول مرة، عُين مسلم نائبًا لوزير الخارجية. وقد اعتبرت هذه التطورات خطوات أولى في العملية الطويلة لإعادة دمج تتار القرم.
الحرمان والتطرف
في حين لا توجد أبحاث كافية متاحة حول تطرف تتار القرم، فإن حرمانهم الاجتماعي والاقتصادي القاسي معروف على نطاق واسع. وقد تفاقم هذا الوضع بسبب نهج الكرملين المثير للجدل في مكافحة الإرهاب. فعلى سبيل المثال، حظرت روسيا مجلس تتار القرم -هيئته التنفيذية- واصفة إياه بأنه منظمة متطرفة ورفعت دعوى جنائية ضد زعيمه. كما اضطهدت موسكو واعتقلت المئات من تتار القرم لمشاركتهم في “حزب التحرير”، وهي جماعة إرهابية محظورة في روسيا وألمانيا وتركيا وباكستان وكازاخستان وطاجيكستان وأوزبكستان. غير أن أوكرانيا والمملكة المتحدة ودول أوروبية أخرى لم تصنفها كجماعة إرهابية. ومع ذلك، فلا بد من الإشارة إلى أن الجماعة كانت على وشك أن تصنف بأنها منظمة إرهابية مرتين في المملكة المتحدة بعد أن تبين أن بعض الإرهابيين هناك كانوا ينتمون في السابق إلى حزب التحرير و/أو تم تلقينهم معتقداته.
الاضطهاد السياسي والديني
يُعتقد أن المدانين بالمشاركة في أنشطة إرهابية في القرم هم في الحقيقة يتعرضون للاضطهاد لأسباب سياسية ودينية، وبالتالي، حكمت عليهم روسيا ظلماً بالسجن لمدد طويلة. وذكرت منظمات حقوق الإنسان أن أعضاء حزب التحرير قد استُهدفوا بصورة غير قانونية، مشيرة إلى أنهم لم ينفذوا أي هجمات إرهابية. ورغم أن الجماعة تسعى إلى استعادة الخلافة، فإنها تدعي رفض العنف كوسيلة لتحقيق ذلك. وأكد السكرتير الصحفي للجماعة، فاضل أمزايف، أن الجماعة لا تريد إقامة خلافة في أوكرانيا. وفي الواقع، لم يزعج حزب التحرير قط السلطات الأوكرانية، حيث لم يُعتقل أي عضو من أعضائه على الإطلاق، وهو ما لم يحدث بالنسبة للمتطرفين اليمينيين في الدولة. وردًّا على العدوان الروسي على تتار القرم، رفعت السلطات الأوكرانية قضايا قانونية ضد روسيا إلى محكمة العدل الدولية، متهمة موسكو بارتكاب جرائم ضد الإنسانية. وهذا يدل على التزام أوكرانيا بالقانون الدولي في مواجهة انتهاكات روسيا المتكررة.
الخلاصة
ختامًا، لا بد من السعي بقوة لإحلال الوئام بين الأديان. فلقد تسبب التقدم البطيء في معالجة مظالم تتار القرم في زيادة الشعور بالضعف والقلق في أوساط المجتمع المسلم هناك. وكانت التوترات بين المسلمين والمسيحيين الأرثوذكس موجودة قبل ضم شبه جزيرة القرم في عام 2014، ما أدى إلى انعدام الثقة المتبادل، وفي بعض الحالات، إلى الاشتباكات. ومن ثم، من الأهمية بمكان بناء الثقة وزيادة اللحمة بين المجتمعات المحلية لتعزيز الوئام بين الأديان.
من الواضح أن وعود التغيير والشعارات السياسية ليست كافية للحفاظ على الوضع الراهن. وسواء كان وعد زيلينسكي بالدفاع عن حقوق تتار القرم حقيقيًّا أو مجرد خطوة كجزء من حملات العلاقات العامة، فالوقت كفيل بأن يظهر الحقيقة. ومع ذلك، يأمل الكثيرون أن يؤدي وعده إلى إعادة دمج تتار القرم في المجتمع الأوكراني، وهي عملية صعبة، ولكنها مهمة وحاسمة في تعزيز الديمقراطية في الدولة.
* يسعى موقعُ «عين أوروبية على التطرف» إلى نشرِ وجهاتِ نظرٍ مختلفة، لكنه لا يؤيد بالضرورة الآراء التي يُعبِّر عنها الكتّابُ المساهمون، والآراء الواردة في هذا المقال تُعبِّر عن وجهةِ نظر الكاتب فقط.
** مدير معهد آسيا الوسطى للدراسات الاستراتيجية