تبدو السياسة القطرية منذ عام 2010 وقت فوزها بتنظيم كأس العالم لكرة القدم 2022، سياسة مسيئة خارجيا وداخلياً. ومع ظهور أزمة فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19)، فإن ممارسات قطر وسياساتها الحكومية قد تقود إلى عدم استقرار أوسع نطاقاً.
على الصعيد الخارجي، فإن الأمر البارز فيما يتعلق بكأس العالم 2022 هو استخدام قطر الرشوة للفوز بحق استضافة البطولة في المقام الأول، وهو نموذج واضح على الكيفية التي تستغل من خلالها قطر لثروتها الحكومية الهائلة لزرع الفساد والفوضى في النظام الدولي. الأمر ذاته شوهد في مجالات أخرى منها رعاية الدوحة للجماعات الإسلاموية المتطرفة والإرهابية. وقد تم الكشف عن معلومات جديدة في الآونة الأخيرة بشأن هذين الأمرين.
قطر وإفساد الفيفا
فيما يتعلق بالفيفا، ذكرت صحيفة التايمز اللندنية في مارس 2019 أن قطر وجهت قرابة مليار دولار إلى الفيفا بطريقة “شكلت خرقا سافراً للقواعد الخاصة بمكافحة الرشوة”، كان العنصر الأكثر إثارة للدهشة للكثيرين هو أن الفيفا لديه قواعد لمكافحة الرشوة لكنها لم تطبق. الحقيقة أن ما فعلته قطر، وفقاً لصحيفة “التايمز”، هو استخدام قناة الجزيرة في هذه المهمة. فقناة الجزيرة سيئة السمعة منصة إعلامية تسيطر عليها الدولة، وتستخدم محطةً للدعاية للمتطرفين الإسلامويين، بما في ذلك، وفي مراحل مختلفة، تنظيم “القاعدة“، كما أنها منصة مستمرة لجماعة الإخوان المسلمين. وقد استخدمتِ الجزيرة كوسيط خفي لدفع مبالغ طائلة للفيفا مقابل حقوق البث التلفزيوني لبطولة كأس العالم، مع وعد بمبلغ إضافي قدره 100 مليون دولار فقط إذا كانت قطر هي المضيفة. وبعد سنوات عدة وقِّع عقدٌ ضخم مشابه، وبطريقة غير مبررة، قبل وقت قصير من وقف الفيفا تحقيقاته الطويلة الأمد في الفساد في عملية تقديم الملفات، وعدم إصدار نتائجه.
وتبين في وقت سابق أن ممثل قطر في الفيفا، محمد بن همام، أحد أقطاب شركات مقاولات البناء والتعمير، كان يوزع رِشى على مسؤولين في الفيفا للتأثير على قراراتهم في عام 2010. واتهم همام بالفعل بدفع مبالغ مالية لمندوبين أفارقة لدعم ترشيح قطر لبطولة كأس العالم 2022، والمساعدة في تعيين رئيس الفيفا جوزيف سيب بلاتر الذي منح قطر تنظيم البطولة في وقتٍ لاحق، والذي تصرَّف بشكلٍ عام كرئيس لمنظمة إجرامية”، على حد قول أحد المراقبين.
من جانبٍ آخر، لم تترك قطر الأمورَ للصدفة، حيث شنَّت حملة “عمليات سوداء” متطورة للإضرار بملفات منافسيها. الجدير بالذكر أن أحد المتطلبات الرئيسة لاستضافة كأس العالم، هو أن تكون اللعبة شائعة محليا في الدول التي تتقدم بطلب الاستضافة. وكانتِ الولايات المتحدة، وأستراليا، المنافسين الرئيسيين لقطر في عام 2010. ولترجيح كفتها، جندت قطر مسؤولين سابقين في وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، لإدارة حملة علاقات عامة تعمل على تقليص الرغبة الشعبية في الولايات المتحدة وأستراليا لاستضافة هذا الحدث، من خلال تسليط الضوء على جميع التكاليف المرتبطة بتنظيم بطولة كأس العالم. ويبدو أن تأثير الحيل القذرة القطرية كان ملحوظًا بشكلٍ خاص في الولايات المتحدة، حيث شارك الرئيس باراك أوباما شخصيًّا -الذي كان آنذاك في ذروة شعبيته العالمية- في محاولة فوز بلاده بتنظيم بطولة كأس العالم 2022.
وأخيرًا، أتاحت وزارة العدل الأمريكية هذه المعلومات بشكل رسمي في 6 أبريل، حيث أصدر المدعون العامون ثلاث لوائح اتهام تورط فيها حكومتا قطر وروسيا في دفع رِشى لمسؤولي الفيفا. وبالطبع، ترفض الدوحة هذه الادعاءات.
انتهاكات لحقوق العمالة الوافدة
على الصعيد المحلي، هناك تقارير متواترة عن سوء معاملة قطر واستغلالها للعمالة الوافدة الذين يعملون في إنشاء البنية التحتية للبطولة، على الرغم من مزاعم الحكومة القطرية بأنها حلَّت هذه المسألة.
حاولت قطر تحسين صورتها في مجال حقوق الإنسان على الصعيد الدولي من خلال الإعلان عن السماح للإسرائيليين والمثليين جنسيًّا بحضور بطولة كأس العالم، رغم عدم وجود علاقات دبلوماسية رسمية مع إسرائيل، ورغم أن المثلية الجنسية مخالفة للشريعة الإسلامية والقانون الذي يحكم قطر، لكن قطر رغبت في استغلال كل ما يمكن أن يدعم موقفها. والحقيقة أن هذه الحيل لا يجب أن تحجب السجل المروع لقطر فيما يتعلق بالعمل القسري، والاتجار بالبشر، والاستغلال السيئ للعمالة الوافدة، والذي تسبب في وفاة العشرات منهم.
في عام 2015، أصدرت منظمة العفو الدولية تقريرًا عن أوضاع العمالة الوافدة في قطر. وكانت المنظمة قد وثَّقت في السابق “استغلال العمال” بشكلٍ منهجي هناك، حيث لا تدفع أجور العمال في كثيرٍ من الأحيان، ويتم أخذ جوازات سفرهم بموجب نظام الكفالة حتى لا يتمكنوا من المغادرة أو حتى الانتقال إلى وظيفة أخرى. بالإضافة إلى ظروف العمل الخطيرة التي يتعرضون لها، والتمييز ضدهم في إمكانية وصولهم إلى نظام العدالة، وعدم إنفاذ قوانين العمل القطرية نفسها. وفي مايو 2014، ادعتِ الدوحة أنها تنفِّذ إصلاحاتٍ في هذا الصدد، لكن الثابت أنه بحلول موعد إعداد تقرير منظمة العفو الدولية، بعد عام، لم يكن هناك “تقدم يُذكر” بشأن أهم القضايا.
رغم الوعود القطرية المستمرة بالإصلاح، لم يحدث تحسن يُذكر بحلول عام 2019. وهناك تقرير جديد لصوفي كازنز في مجلة فورين بولسي يسلط الضوء على أنه مع تفشي فيروس كورونا، تفاقمت جميع نقاط الضعف التي يعانيها العمال من جنوب آسيا، بصفةٍ خاصة في قطر: “فأماكن معيشة العمال الضيقة والمكتظة بأعداد ضخمة، وعدم الحصول على الرعاية الصحية، والمرافق الصحية المناسبة، والأطعمة المغذية تُعرّض فئة العمال التي تعاني بالفعل ضعفًا شديدًا لمزيد من الخطر”.
“التباعد الاجتماعي” مستحيل في ظلّ الظروف التي يُضطر العمال في قطر إلى العيش في ظلها، والتي وصفتها منظمة العفو الدولية بأنها “مكتظة بشكل مرعب“. وفي هذا الأسبوع، ذكرت صحيفة نيويورك تايمز اكتشاف السلطات القطرية لمئات الحالات من الإصابة بفيروس كورونا، بين العمال في منطقة بناء ملاعب خاصة بكأس العالم، وكان التعامل القطري صادمًا، فقد “حبست قطر عشرات الآلاف من العمال في حي مزدحم، ما أثار مخاوف من أن تصبح بؤرة لتفشي فيروس كورونا”.
لا شك أن معرفة الحجم الحقيقي لتفشي فيروس كورونا في قطر أمر بالغ الصعوبة لأنه، وكما تصف كازنز في تحقيقها، ليس فقط من مصلحة الدوحة التقليل من شأن الأزمة، بل لخوف العمال أيضًا من إجراء الفحص، فمن تأتي نتيجة فحصه إيجابية بكوفيد-19 من المرجح أن يتم ترحيله وفقًا للتعسف القطري في التعامل معهم.
قبل أسبوعين، أرسل تحالف يتألف من ستة عشر منظمة غير حكومية ونقابات عمالية رسالة مفتوحة تدعو قطر إلى ضمان حصول العمال الوافدين لديها على الرعاية الصحية بشكلٍ مناسب وفي الوقت المناسب، بما في ذلك الفحوصات خلال أزمة فيروس كورونا، ليس فقط لأن هذه مسألة تتعلق بحقوق الإنسان، ولكن لأنها أمر يتعلق بالصحة العامة.
إن إساءة معاملة العمال في قطر ليست شأنًا داخليًّا. وبدون إجراء فحوصات مناسبة واتخاذ تدابير لاحتواء انتشار الفيروس، سيكون هناك تفشٍ للمرض بين السكان في قطر، خاصة بين العمال والوافدين، الذي يفوق عددهم السكانَ الأصليين بأكثر من سبعة إلى واحد، ومن غير المرجح أن يتم احتواؤه داخل حدود قطر. وهكذا، فإن انتهاكات الحكومة القطرية لحقوق الإنسان تهدد الآن بزعزعة استقرار المنطقة بأكملها.