كايل أورتون*
قال رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت إن بلاده “تواجه موجة جديدة من الإرهاب”. تأتي تصريحات بينيت في أعقاب تعرض إسرائيل لثلاث هجماتٍ خلال الأيام العشرة الماضية، أسفرت عن مقتل أحد عشر شخصًا. وقد اعترف تنظيم داعش فعليًا بتنفيذ هجومين، وهي المرة الأولى منذ خمس سنوات التي ينفذ فيها التنظيم الإرهابي هجمات في الدولة اليهودية. هذا الانقطاع يُعزى جزئيًا إلى حقيقة أن داعش، على عكس بعض المتطرفين الإسلامويين الآخرين، لا يجعل قضية معاداة إسرائيل ركيزة أساسية لدعايته، ومن غير الواضح بعد عما إذا كان هذا قد بدأ يتغير.
الهجمات الأخيرة
في 22 مارس، قُتل أربعة أشخاص -عرفوا بأنهم دوريس ياخباس (49 عامًا)، والحاخام موشيه كرافيسكي (50 عامًا)، ولورا إسحاق (43 عامًا)، ومناحيم يشيزكل (67 عامًا)- وأصيب اثنان بجروحٍ في هجوم في بئر السبع في جنوب إسرائيل. دهس المهاجم، محمد أبو القيعان، بسيارته راكب دراجة هوائية، ثم خرج من سيارته في محطة وقود وطعن امرأة، وبعد ذلك انتقل إلى مركز للتسوق، حيث طعن عددًا من الأشخاص الآخرين، إلى أن قُتل برصاص سائق حافلة محلي.
كان أبو القيعان بدويًا من بلدة حورة، التي تقع على قرابة عشرة أميال شمال شرق بئر السبع، وكان قد سُجن في عام 2016 بتهمة الترويج لتنظيم داعش والتخطيط للانضمام إلى “الخلافة” في سوريا. وقد نجح أفراد من عائلة أبو القيعان في الانضمام إلى داعش في سوريا والعراق. وكان أبو القيعان قد خضع لبرنامج إعادة تأهيل في السجن وأُطلق سراحه في عام 2019 بعد أن “أعرب عن ندمه على دعمه للجماعة الإرهابية”.
مشكلة محاكاة الامتثال لبرامج إعادة تأهيل المتطرفين واجهتِ العديدَ من الحكومات الغربية، وكانت بريطانيا حالة بارزة، حيث نفذت العديد من الهجمات الأخيرة من قبل أشخاص ذكرت هذه البرامج أنها قد نجحت في تأهيلهم، فيما استمروا في تبني وجهات نظر متطرفة. ولعل المثال الأكثر سوءًا هو عثمان خان، الذي قتل شخصين في نوفمبر 2019 أثناء حضوره مؤتمرًا لإعادة تأهيل المتطرفين في لندن، حيث تم تقديمه كمثال على إعادة التأهيل الناجحة.
احتفلت حركتا حماس والجهاد الإسلامي في فلسطين بهجوم بئر السبع، الذي وقع في ذكرى اليوم الذي قُتل فيه أحمد ياسين، أحد مؤسسي حماس، في عام 2004، في عملية إسرائيلية لمكافحة الإرهاب. حركتا حماس والجهاد الإسلامي في فلسطين تربطهما علاقات وثيقة مه النظام الإيراني. وحتى بعد هجمات 11 سبتمبر، كانت هناك مقاومة تحليلية كبيرة –بما في ذلك داخل الحكومات الغربية– لفكرة أن إيران “الشيعية” يمكن أن تعمل مع الجماعات “السنية” مثل حماس. بيد أنه ليس هناك شك الآن. الجدير بالذكر أن لدى إيران علاقة ممتدة مع تنظيم القاعدة، يعود تاريخها من الناحية العملياتية إلى أوائل التسعينيات، خاصة في البوسنة (كما اعترفت إيران نفسها).
من جانبه، رد تنظيم القاعدة على الجميل المتمثل في المأوى الذي تواصل الجمهورية الإسلامية توفيره لكبار قادة القاعدة، بامتناع قيادة القاعدة عن شنِّ هجماتٍ على إيران، حتى أنه أمر سلفه، داعش، بالكف عن خطابه التحريضي ضد طهران.
في 27 مارس، قُتل شرطيان إسرائيليان-عربيان يبلغان من العمر 18 عامًا من أم الفحم، هما شيريل أبو قراط ويزن فلاح، رميًا بالرصاص في الخضيرة. وقتل المهاجمان، أحدهما على الأقل أدين سابقًا بدعم تنظيم داعش، في غارة لمكافحة الإرهاب، وألقي القبض على خمسة أشخاص على صلة بالهجوم. وعثر بحوزة القاتلين على “أكثر من 1,100 رصاصة وثلاثة مسدسات وسكاكين، فضلًا على دروع واقية”.
وعلى غرار نمطها الراسخ، انتشر مقطع فيديو يظهر فيه المهاجمان وهما يتعهدان بالولاء لـ “الخليفة” الجديد لتنظيم داعش، أبو الحسن الهاشمي القريشي، وبعد ساعات أصدر التنظيم بيانًا رسميًا بالهجوم عبر وكالة أعماق، قائلًا إن اثنين من عناصر تنظيم “الدولة الإسلامية في فلسطين”- أيمن اغبارية وخالد اغبارية- قتلا أفرادًا من “الشرطة اليهودية”. وكان خالد، الذي تم تحديده في بعض التقارير باسم إبراهيم اغبارية، على قوائم مراقبة السلطات الإسرائيلية منذ عام 2016 على الأقل عندما اعتقل في تركيا أثناء محاولته الانضمام إلى داعش.
يعترف بيان داعش الذي ذكر أسماء أبناء العمومة اغبارية أيضًا بأن “أبو القيعان” كان يعمل لصالح التنظيم، واصفًا إياه بأنه مهاجم “انغماسي”. ووصف مفوض الشرطة الإسرائيلية “أبو القيعان” بأنه ينتمي إلى فئة “الذئاب المنفردة”، ولكن هناك كل الأسباب التي تدعو إلى الشك في ذلك: ذلك أن “الذئاب المنفردة” الحقيقية نادرة الحدوث، ذلك أنه بالكاد كانت أي من الهجمات التي تبناها داعش من هذا النوع حقًا (أي مجرد استقاء “الإلهام” دون شكل من أشكال التوجيه من التنظيم)، ناهيك عن أن تزامنها مع هجوم الخضيرة صارخة للغاية، بحيث لا يمكن تجاهلها: سيكون من المدهش أكثر إذا كانت هذه الهجمات مستقلة حقًا.
من غير المرجح أن يكون تدبير داعش لهجوم الخضيرة في الوقت الذي كانت فيه إسرائيل تستضيف قمة تاريخية في النقب بحضور وزراء خارجية أربع دول عربية: البحرين، ومصر، والمغرب، والإمارات، من قبيل المصادفة.
في 29 مارس، قتل مسلح خمسة أشخاص في بني براك، مركز مهم لليهود الحريديم على بعد أقل من خمسة أميال شرق تل أبيب. وأظهرت لقطاتُ فيديو مقلقة، وزِّعت عبر وسائل التواصل الاجتماعي، الرجلَ وهو يتجول وهو يطلق النار على المارة. الضحايا هم: أفيشاي يتشيزكل، مدرس وحاخام يبلغ من العمر 29 عامًا؛ وأمير خوري، شرطي إسرائيلي من أصل عربي يبلغ من العمر 32 عامًا أصيب بجروح قاتلة، بينما كان يقود دراجة نارية باتجاه المهاجم حتى يتمكن شريكه على ظهر الدراجة من إطلاق النار على المهاجم؛ ويعقوب شالوم، 36 عامًا من سكان البلدة؛ وعاملي بناء أوكرانيين، هما فيكتور سوروكوبوت (32 عامًا)، وديميتري ميتريك (24 عامًا).
القاتل في حادثة بني براك يُدعى ضياء حمارشة، 27 عامًا، من قرية يعبد في شمال الضفة الغربية. وكان حمارشة قد أمضى في السابق عامين ونصف العام في سجن إسرائيلي بعد محاولته أن يصبح انتحاريًا: فقد تواصل حمارشة مع كل من حماس والجهاد الإسلامي في فلسطين في عام 2011، وقدم نفسه على أنه قاتل انتحاري، لكن عميل الجهاد الإسلامي في فلسطين الذي تواصل معه احتال عليه، ولم يعطه السترة الانتحارية التي دفع ثمنها.
أعلنت كتائب شهداء الأقصى مسؤوليتها عن هجوم بني براك. وهنا، تجدر الإشارة إلى أن كتائب شهداء الأقصى هي الجناح المسلح لحركة فتح، الحزب المهيمن داخل منظمة التحرير الفلسطينية التي تسيطر على السلطة الفلسطينية. ومن غير الواضح مدى مصداقية هذا الادّعاء. فعلى سبيل المثال، أدان رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، الهجوم، رغم أن أحد كبار مساعدي عباس قد أشاد به واعتبره “عملًا بطوليًا“. كما احتفل عددٌ من الجماعات الأخرى بالهجوم أيضًا. ورحَّب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، بهجوم بني براك، قائلًا إنه إنجاز فلسطيني “يدعو للفخر”. وقالت حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين الشيء نفسه تقريبًا. وكان هناك رد فعل شعبي إيجابي في مسقط رأس حمارشة في الضفة الغربية، مع توزيع الحلويات.
ووقع حادث رابع في وقتٍ مبكر من يوم 30 مارس، في نتانيا، حيث طُعن رجل يبلغ من العمر 32 عامًا وجرح على يد مهاجم ألقي القبض عليه بعد ذلك بوقتٍ قصير. وذكر البيان الفوري الذي أصدرته الشرطة الإسرائيلية أن هذا لم يكن هجومًا إرهابيًا، بل قام به شخص “يعاني مرضًا عقليًا”. لكن هذا ليس ذا صلة من الناحية التحليلية: فالإصابة بمرض عقلي لا تعفي شخصًا ما من أن يكون مذنبًا بالإرهاب، ولم يتسنَ في وقت النشر التحقق من صلاته بشبكاتٍ بعينها أو تاريخه الإجرامي، أو أي شيء آخر يخصه.
ووقع هجوم خامس صباح اليوم، جنوب القدس بالقرب من مستوطنة النبي دانيال في الضفة الغربية، حيث طُعن يهودي يبلغ من العمر 28 عامًا كان على متن حافلة بمفك. وقتل المهاجم، وهو فلسطيني يبلغ من العمر 30 عامًا يُدعى نضال جمعة جعفر من ترقوميا، بالرصاص. ويخضع الضحية حاليًا للعلاج. كما وقعت اضطرابات في جنين اليوم، حيث تقوم القوات الإسرائيلية بعمليات تمشيط تتصل بهذه الموجة الإرهابية.
كيف ينظر داعش إلى إسرائيل؟
وقع هجومان إرهابيان في إسرائيل- في يناير 2016 وآخر بعد عام- ويبدو أنهما قد كانا نتيجة التأثر بأيديولوجية داعش. الهجوم الأول وحتى هذا الشهر الذي أعلن تنظيم داعش مسؤوليته عنه في إسرائيل كان في 16 يونيو 2017: حيث هاجم ثلاثة شبان فلسطينيين، تتراوح أعمارهم بين 18 و19 عامًا، مكانين منفصلين في البلدة القديمة في القدس، مستخدمين أسلحة آلية وسكاكين، فأصابوا خمسة أشخاص، توفي أحدهم، شرطية في قوات الحدود تبلغ من العمر 23 عامًا تُدعى هداس مالكا، بعد ساعات. وكما أوضح في ذلك الوقت آدم هوفمان، المحلل في مؤسسة “ويكيسترات” للتحليل الاستراتيجي، و”مركز موشيه ديان”، فإن إعلان داعش مسؤوليته كان مهمًا لسببين: فقد استخدم مصطلح “فلسطين”، بدلًا من “بيت المقدس” كما تفعل الجماعات الجهادية السلفية بشكل عام، وجرى التشكيك في البيان من قبل حماس، التي ادّعت أنها والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين قد نفذتا الهجوم. ولعل أهم إجراء حدث في هذا الصدد مؤخرًا هو قيام الأردن باعتقال خليةٍ تابعة لتنظيم داعش كانت تعتزم مهاجمة الجنود الإسرائيليين في يوليو 2021.
الجدير بالذكر أن هجوم عام 2017 حدث بعد ثلاث سنوات من إعلان “الخلافة” وبداية حملة الإرهاب الخارجية الواسعة النطاق، حيث كانت كل من الخلافة والهجمات الخارجية في الواقع في طريقها إلى التراجع. كان التركيز على إسرائيل غير عاديًا إلى حد ما، ولكن من وجهة نظر داعش، لم تكن إسرائيل ذات مكانة خاصة، ولم تعد أكثر حصانة من أي شيء أو هدف آخر.
كانت هذه النظرة إلى إسرائيل تقريبًا وجهة نظر القاعدة منذ تأسيسها في أواخر الثمانينيات، حتى أواخر العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. فلقد وضع أسامة بن لادن، على سبيل المثال، في إعلانه الجهاد عام 1998 ضد “اليهود والصليبيين” في جميع أنحاء العالم، المملكة العربية السعودية والعراق على رأس قضاياه. ولم تتم الإشارة إلى إسرائيل إلا لفترة وجيزة -وبازدراء، على أنها “الدولة الصغيرة لليهود”- في قائمة من المظالم المعممة.
وجاء تبني تنظيم القاعدة لاحقًا لقضية “فلسطين” في رسائل أكثر تواترًا في سياق الحاجة إلى رمز شعبوي لتغيير الصورة الذهنية عن التنظيم بعد الضرر السياسي الذي ألحقته حركة الدولة الإسلامية، التي كانت رسميًا تابعة لتنظيم القاعدة من عام 2004 إلى عام 2006.
يلعب اليهود دورًا محوريًا في نظرة داعش للعالم، بالطبع: فقادة داعش وجنوده يؤمنون إيمانًا عميقًا بالنظرية المعادية للسامية، وبأن اليهود يسيطرون على العالم. لكن إسرائيل لا تزال أقل محورية بكثير في دائرة اهتماماته. وقد خصص المتحدثون الرسميون باسم داعش عددًا قليلًا جدًا من الخطب للنزاع الإسرائيلي الفلسطيني. وبدلًا من ذلك، أثار التنظيم مرارًا وتكرارًا نقطة جدلية تتمثل في مهاجمة الجماعات الإسلاموية الأخرى؛ لأنها تبالغ في التأكيد على قضية معاداة إسرائيل، ما يجعلها، في نظر التنظيم، صنمًا يرقى إلى المعبود. وعندما تظهر إسرائيل في مجلة النبأ، النشرة الإخبارية الأسبوعية للتنظيم، فإنها عادة ما تأتي في هذا السياق: كسلاح ضد المسلمين والإسلامويين الآخرين.
في أوائل عام 2017، سلطت النبأ الضوء على “تصفيتها” للجواسيس الإسرائيليين في سيناء، لكن التوجه الرئيس للمقال كان الهجوم على مصر لاعتمادها على إسرائيل. وعندما ندَّد داعش بنقل الولايات المتحدة سفارتها في إسرائيل من تل أبيب إلى القدس واتفاقات إبراهيم التي طبّعت علاقات إسرائيل الدبلوماسية مع الدول العربية، كان داعش مصرًا على أن هذه ليست سوى أعراض لداء أكثر انتشارًا بين المسلمين الذين لديهم فهم خاطئ للعقيدة. وبحلول وقت الاشتباكات التي وقعت في مايو 2021 بين إسرائيل وحماس، كان التنظيم غاضبًا لأن “الناس يتوقعون منا أن نتحدث عن القدس”، المدينة التي لم تكن استعادتها من قبل القوات الإسلامية أكثر ولا أقل إلحاحًا من استعادة الأندلس (إسبانيا)، التي فقدت في القرن الخامس عشر.
الخلاصة
قد يكون لدى داعش خلايا أخرى نائمة في إسرائيل، وإذا صحَّ ذلك، مع اقتراب شهر رمضان، فمن المرجح أن يتم تفعيلها. فمن المعروف أن التنظيم يتبع ممارسة عامة تتمثل في تصعيد هجماته الإرهابية بحلول شهر رمضان، الذي يبدأ بعد يومين تقريبًا.
داعش موجود منذ فترة طويلة في المناطق الفلسطينية، لكنه يجد صعوبات في تحقيق نجاحاتٍ كبيرة في التسلل إلى الفلسطينيين. وربما تشير هذه الهجمات إلى أن هذ الأمر قد بدأ يتغير. غير أن المشكلة المحتملة ذات الصلة هي أنه في الوقت الذي تتطلع فيه الجماعات الأخرى، بما في ذلك منظمة التحرير الفلسطينية/ السلطة الفلسطينية، لإضعاف تقدم داعش بين السكان الفلسطينيين، تتحول المنافسة إلى شنِّ هجماتٍ إرهابية معادية لإسرائيل.
ومع ذلك، يبدو أن الجانب الأكثر إلحاحًا هو الممارسات الأمنية الإسرائيلية: تحتاج برامج إعادة تأهيل المتطرفين في السجون إلى فحصٍ جاد حتى لا تتحدث مرة أخرى عن إحراز تقدمٍ إيجابي كاذب خطير، من حيث إعادة تأهيل المتطرفين، وكلما ظهر المزيد من المعلومات، بدا أن أجهزة الاستخبارات لديها ثغرة خطيرة في تفكيك الشبكات التي كان ينبغي اكتشافها.
*محلل متخصص في الشؤون السورية ومكافحة الإرهاب.