توماسو فيرجيليو*
“سوف نخرج من هذا شعبًا أفضل”… كان ذلك شعار الايطاليين عندما عصفت جائحة كوفيد-19 بالدولة، ورغم أننا لم نخرج منها بعد، ولكننا في حالةٍ أسوأ، مما كنا عليه بالفعل.
الولايات المتحدة الأمريكية تقود الطريق
حالة الاستقطاب غير المسبوقة في الولايات المتحدة مثالٌ جيد على ذلك: إذ لم يسبق في التاريخ أن رأينا رئيسًا للولايات المتحدة يحرّض (أو لا يتوقف، اعتمادًا على نسخٍ مختلفة من الرواية) على أعمال شغب ضد ما يمكن القول إنه أقدس معبد للديمقراطية في العالم المعاصر. ولم يكن هذا سوى غيضٍ من فيض من التطرف المستمر، سواء من ناحية الحركات اليسارية أو اليمينية.
فمن ناحيةٍ، كان هناك دعاة تفوق البيض، الذين يمسكون بالبنادق في أيديهم، وهم يهتفون لحركة “بوجالو” والحرب العرقية؛ ومن ناحيةٍ أخرى، قام محتجون من حركة “أنتيفا” ومتظاهرون متطرفون من حركة “حياة السود مهمة” بإحراق مبانٍ عامة، واحتلال أجزاء من المدن عسكريًا لإنشاء جيوب بائسة خالية من الشرطة، لا سيما في سياتل وبورتلاند. بل في حالاتٍ أخرى، رأينا الجماعتين معًا، كما هو الحال في ريتشموند في يوليو، ما يوضح أن المتطرفين تجمعهم الكثيرُ من القواسم المشتركة عن الأشياء التي تُقسمهم1.
ورغم أن جذور هذا الاستقطاب قديمة، لكن الوباء قد فاقم السخط الاجتماعي، وخلق أرضيّة خصبة لمزيدٍ من الفوضى، كما أظهرت تلك الميليشيات، في تكساس، التي استخدمت الأسلحة “للدفاع” عن أصحاب المحلات الذين انتهكوا تدابير الإغلاق2.
أوروبا: المشكلة نفسها، والأسباب مختلفة
هل أوروبا أفضل؟ لا على الإطلاق، وإن كان ذلك لأسبابٍ مختلفة.
في مقالٍ حديث في صحيفة “فاينانشيال تايمز”، حذرت كاميلا كافنديش؛ الرئيس السابق لوحدة السياسات في داونينج ستريت، والباحثة في جامعة هارفارد، من أن الحريات الفردية وسيادة القانون على المحك بسبب تدابير مكافحة كوفيد-19، حتى في أوروبا الديمقراطية. الأمر الأسوأ من ذلك، هو أننا أصبحنا مرتاحين جدًا مع هذه الفكرة3.
وفي هذا الصدد، يستشهد المقال ببياناتٍ من مؤسسة “فريدوم هاوس”، التي تفيد بأن ما لا يقل عن 80 دولة في العالم قد استخدمت كوفيد-19 كذريعةٍ لكبح حقوق الإنسان. وفي أوروبا، فإن المثال الذي يتبادر إلى الذهن على الفور هو فيكتور أوربان في المجر، حيث منح مشروعُ قانون برلماني في مارس 2020 الحكومةَ سلطةَ مواصلة الحكم بمرسوم دون تاريخ انتهاء4. ورغم أن القانون، بهذا الشكل، قد ألغي في يونيو، فقد أشار المنتقدون إلى أن مشروع القانون الجديد لا يزال يمنح الحكومة صلاحيات استثنائية ودون رقابة5.
ومع ذلك، سيكون من قبيل الطمأنة الذاتية الخادعة أن نعزو جاذبية النزعة الاستبدادية إلى الديكتاتوريات والحكام المستبدين الطامحين. حسنًا، أوروبا الغربية القديمة، حتى وإن أصبحت محصنة ضد الفيروس الحالي، فلا تزال غير محصنة ضد فيروس الصلاحيات غير المقيدة.
المملكة المتحدة أحد الأمثلة على ذلك، كما ترى كافنديش، ومعها كوكبة كبيرة مع المعلقين القانونيين من مؤسساتٍ مرموقة الذين وجهوا انتقادات لاذعة ضد قانون فيروس كورونا في المملكة المتحدة لعام 2020، سواء لأسبابٍ إجرائية أو موضوعية6. فيما يتعلق بالأول، فقد أشاروا إلى عدم كفاية مشاركة البرلمان وغياب الشفافية وآليات المراجعة القضائية. أما فيما يتعلق بالأخير، فقد نددوا بالتدابير الاستثنائية التي تسمح للحكومة بتعليق الحريات الديمقراطية الرئيسة، مثل الحق في التظاهر، لمدة سنتين، وصلاحية الشرطة في تطبيق الاعتقال الإداري (أي دون أمر من قاضٍ) على “الأشخاص حاملي العدوى المحتملين”. وسيكون من المثير للاهتمام معرفة من هو غير المُعدي المحتمل، في ظل جائحة تتسم بارتفاع حصيلة الحالات التي لا أعراض لها. وفي الواقع -المفاجأة الكبرى- هي أن المراجعة التي أطلقتها دائرة الادعاء الملكي خلصت إلى أن، على الأقل في الفترة ما بين مايو وسبتمبر 2020، “كل تهمة بموجب هذا الجزء من القانون غير قانونية”7.
والأمور ليست أفضل حالًا في أماكن أخرى في أوروبا الغربية.
في ألمانيا، قُدم اقتراح لوضع منتهكي الحجر الصحي في “معسكرات احتجاز”، ما أثار ضجة في ضوء سجل الألمان في مثل هذه المسائل، وعند الفحص، ظهر أن هذا التدبير البائس كان غير ضروري بقدر ما كان شريرًا، على اعتبار أن أقل من ثلاثين شخصًا قد أدينوا بهذه الجريمة بين مايو وديسمبر 2020: فهذه لا تعتبر حالة طوارئ وطنية بين سكان يبلغ عددهم 83 مليون نسمة8.
وفي بلدي، إيطاليا، فُرض نظامٌ للإقامة الجبرية الفعلية في المنازل، وغير ذلك من القيود الخطيرة على الحريات الدستورية الأساسية من خلال إجراءات إدارية لرئيس الوزراء، تُنفذ دون تمحيص من البرلمان أو رئيس الجمهورية أو المحكمة الدستورية. وهكذا أصبحنا للأسف معتادين على مشاهد تراجيدية وكوميدية، في الوقت ذاته؛ مثل استخدام الطائرات بدون طيار للقبض على الذين يمارسون رياضة الجري بمفردهم على الشواطئ المهجورة وتغريمهم9، وقيام قوات الشرطة بالتحقق من أكياس تسوق الناس وتقرير، على الفور، أن زجاجة من النبيذ وكيس معكرونة لا يمكن اعتبارهما أعذارًا صالحة لانتهاك تدابير عدم الخروج من المنزل10.
ووفقًا لعدد من الفقهاء القانونيين، بمن فيهم جميع الرؤساء السابقين للمحكمة الدستورية، وكما أكدت قرارات المحكمة، فإن هذه الأفعال قد انتهكتِ الدستور انتهاكًا خطيرًا لأسبابٍ إجرائية وموضوعية على السواء. ومن أبرز الانتقادات: المساواة الزائفة بين حالة الطوارئ الصحية وحالة الحرب (التي تمنح صلاحية أوسع للسلطة التنفيذية)؛ والفرضية الخاطئة لاعتبار الحق في الصحة يعلو على ما سواه من الحقوق الأخرى، بدلًا من أن تكون متوازنة؛ وغياب التناسب والضرورة المثبتة للقيود؛ بل والأكثر وضوحًا، استخدام قانون إداري للتدخل في الحريات الشخصية، وهو ما تحميه المادة 13 من خلال اشتراط إجراء تشريعي، وأمر من القاضي لفرض أي نوع من القيود11.
الشرعية وعمليات الإغلاق
في الواقع، ألغت محاكم في جميع أنحاء أوروبا تدابير مختلفة لمكافحة كوفيد-19، باعتبارها تفتقر إلى تبريرٍ أو أكثر من المبررات التي تنص عليها القوانين الدولية، وفوق الوطنية والمحلية لقمع الحقوق الفردية، أي الأساس القانوني، والتناسب، والضرورة في مجتمع ديمقراطي12. تتبع هذه الأحكام، من بين جملةِ أمور، متطلباتِ المجلس الأوروبي بشأن “احترام الديمقراطية، وسيادة القانون، وحقوق الإنسان، في إطار الأزمة الصحية المتعلقة بكوفيد-19”. ويرى المجلس أنه “حتى في حالة الطوارئ، يجب أن تسود سيادة القانون”، ويجب أن تكون التدابير مؤقتة، ويجب أن تراعي مبدأ الضرورة والتناسب. بعبارةٍ واحدة “لا ينبغي أن تؤدي سلطة الحكومة في إصدار قوانين الطوارئ إلى تفويضٍ مطلق من قبل المشرع للسلطة التنفيذية”13.
ومع ذلك، كان رد فعل سلطات الدولة في بعض الأحيان حتى على الأحكام القضائية بالطريقة نفسها التي فعلتها مع كل من تجرأ على استجوابهم منذ عصر كوفيد-19: “لا تزعجونا فيما نقوم به جهود من أجل الصالح العام الأهم للشعب بمثل هذه التفاهات غير ذات الصلة مثل سيادة القانون”. وكانت إحدى القضايا اللافتة للنظر هي قضية رئيس الوزراء الهولندي في فبراير 2021، الذي عندما واجه قراراً قضائياً فيما يتعلق بإعلانه حظر التجول المتنازع عليه على نطاقٍ واسع في جميع أنحاء الدولة، بأنه غير قانوني بسبب الافتقار إلى الأسس القانونية والضرورة، أجاب ببساطة: “إذا لم يكن لحظر التجول الأساس القانوني الصحيح في الوقت الراهن، فهذا لا يعني أنه غير ضروري”14. وجاء رد فعل رئيسة مجلس النواب البلجيكي مشابهًا لذلك: ردًّا على استئناف بشأن مشروعية تدابير الإغلاق التي قدمتها الرابطات الوطنية لحقوق الإنسان، اعترفت بأنه “لا يوجد حاليًا قانون يحكم [المراسيم الوزارية]”، قبل أن تستبعد ببساطة الشكوى المتعلقة بسيادة القانون بحجة أن تلك التدابير هي “ضرورية” بسبب الحالة الطارئة: “علينا أن نواجه الظروف السيئة بحسن نيّة”، على حد قولها حرفيًا15.
ورغم أنني أخاطر بالظهور بمظهر المبالغ في التأكيد، لكنني أعتقد أن خطورة مثل هذه الكلمات التي يقدمها ممثلو المؤسسات الديمقراطية الأوروبية تحتاج إلى مزيدٍ من التأكيد: كونهم غير قادرين على الدفاع عن شرعية القيود الأشد صرامة على الحريات الفردية منذ الحرب العالمية الثانية، عادة ما يكون ردهم هو شيء من قبيل: “حسنًا، ربما لا يُسمح لنا بالقيام بذلك، ولكن هذا لا يهم حقًا”. إن التبرير المستمر هو “ضرورة” متصوّرة لم يثبت أبدًا أنها أقل الوسائل تدخلًا لبلوغ الغاية المنشودة.
هدف متغيّر
حقيقة أن هذه “الغاية” غامضة في المقام الأول هي جزء واضح من المشكلة. ففي بداية الجائحة، كان الأمر يتعلق بمواجهة الطوارئ الفعلية للمستشفيات التي تئن تحت وطأة الضغط عليها، خاصة وحدات العناية المركزة. لقد فرضت عمليات الإغلاق على عَجَلٍ استجابةً للمنظور الدرامي المتمثل في أنه سيترك الناس يموتون في منازلهم في وقتٍ قريب جدًا. ومع الموجة الثانية، انحرفت العتبة التي حددتها الحكومات تدريجيًا بعيدًا عن الخطر الواضح والقائم المتمثل في المستشفيات المكتظة، إلى “الاتجاه السيئ” في معدل العدوى (بغض النظر عن الخطورة)، وفي التحول الأخير، إلى إمكانية انتشار الطفرات الفيروسية في المستقبل، والمخاطر المرتبطة بها التي لم يتم التحقق منها.
هذه هي صورة قارة مصدومة بعدما ضربتها على حين غرة جائحة ليست مرة واحدة فقط (وهو ما كان يمكن تبريره إلى حد ما) فحسب، بل مرتين، تتأرجح بين القواعد والمحددات المتغيرة باستمرار، دون أي ضوء توجيهي واضح ما عدا حملة التطعيم التي -باستثناء المملكة المتحدة- تسير للأسف أبطأ مما كان مخططًا.
في خضم كل هذه الفوضى، ضاع الهدف المشترك: هل نحاول النزول إلى “صفر من العدوى”، كما توصي بعض السلطات الصحية؟16. وإذا كان الأمر كذلك، أين التوازن القانوني (أو حتى الأخلاقي)؟ وكما أشار رجلا قانون (قاضٍ ومحامٍ)، لم يتم اقتراح أي قواعد تقييدية، ناهيك عن تنفيذها، لتجنب 16,220 حالة وفاة بسبب الالتهاب الرئوي في إيطاليا في عام 2018. هذا لا يعني أن كوفيد-19 “هو مجرد انفلونزا”- إذ تظهر البيانات الرسمية زيادة ستة أضعاف في معدل الوفيات من كوفيد-19 مقارنة بالانفلونزا العادية، ولكن إذا كان هدفنا هو الوصول إلى “صفر عدوى”، فيجب تطبيق هذا المحددات على جميع أنواع الأمراض المعدية، وينبغي أن يستخدم جزء من التدابير القاسية والشاملة التي فرضت لمكافحة كوفيد لإنقاذ أكبر عدد ممكن من تلك الأرواح البالغ عددها 16,220 شخصًا.
هل يمكن للمجتمعات أن تتحمل “صفر عدوى”، سواء من منظور نفعي أو فردي؟ ربما لا. وفي هذا الصدد، قال وزير الصحة الألماني ينس سبان: “إن هدف ألمانيا هو منع انهيار النظام الصحي، وليس تجنب كل عدوى. الوصول إلى صفر عدوى، والحفاظ على هذا، يأتي بتكلفة غير متناسبة في مجالاتٍ أخرى من الحياة”17. (ومع ذلك فإن تدابير الإغلاق التلقائي في بلده لا تقارن بإشغال المستشفيات بل بمعدل العدوى فقط18). ووفقًا لفرانك شوفين؛ رئيس المجلس الأعلى للصحة العامة في فرنسا، ينبغي أن يتحول التركيز من “معدل العدوى” إلى حماية الأشخاص الأكثر ضعفًا (كما تظهر البيانات بوضوح أن الخطر الاستثنائي على الحياة من كوفيد يقتصر في الغالب على الأشخاص الذين تجاوزوا 70 عامًا أو ممن يعانون من ظروفٍ صحية سابقة19)، لأن تخيّل الاستمرار لأشهر أخرى من الإغلاق أمر غير مستدام وغير أخلاقي من منظور طبي20.
تساؤلات بلا إجابات
بعد مرور عام من فرض القيود الصارمة بشكلٍ متقطع، حان الوقت لتقييم آثارها الإيجابية والسلبية، وهي: ضرورتها وتناسبها بالمعنى القانوني. لماذا يتم استبعاد إجراءات مثل حظر التجول، الذي يعتبر “ضروريًا” في هولندا لدرجة تحدي قرار المحكمة، بهذه السرعة في ألمانيا المجاورة؟
ولماذا قررت هذه الأخيرة فرض إغلاق صارم على مستوى البلاد، والاستمرار عليه لعدة أشهر حتى بعد انخفاض معدلات العدوى بشكل حاد، في حين أنشأت إيطاليا نظام “إشارة مرور”، حيث يتم تخصيص لون على غرار إشارات المرور حسب خطورة كل منطقة، بحيث يسمح تلقائيًا بإعادة فتح معظم الأنشطة تحت مستوى محدد من العدوى؟ وكيف نفسر أنه منذ أشهر قيل لنا إن 50 حالة لكل 100,000 مواطن هي العتبة لرفع القيود، لنجد في يوم من الأيام أن هذا الحد المهم قد انخفض الآن إلى 35؟21
ثم كيف تأتي الدول الأوروبية في مقدمة التصنيفات المأساوية للضحايا في العالم -التشيك وبلجيكا والمملكة المتحدة وإيطاليا- التي فرضت إجراءات إغلاقٍ صارمة؟ في حين أن السويد، دولة تُصوّر باستمرار على أنها الدولة الشاذة في القارة لرفضها اعتماد السياسة نفسها، أفضل حالًا بكثير من أقرانها الذين يطبقون إجراءات الإغلاق ممن لديهم عدد السكان ذاته، على الرغم من الكثافة العالية للسكان في المناطق الحضرية22. وأخيرًا، فقط من أجل تقليص عدد الأسئلة، ما هو التأثير السلبي للإغلاق على حياة الناس، فيما يتعلق بخسارة الوظائف23، والعنف المنزلي24، والأضرار النفسية والانتحار25، وتأخر الفحوص الطبية والوفيات المستقبلية26؟ أين يمكننا تحقيق التوازن؟
هذه ليست مسائل عويصة لا يفهمها سوى المحامين، بل مسائل ملموسة تؤثّر بشدة على حياة الناس الآن. وتزداد هذه الأسئلة إلحاحًا بمجرد أن ندرك أنه حتى في الأوساط العلمية، لا يوجد توافق في الآراء بشأن سياسات الإغلاق. وقد توصلت مقالة حديثة مُحكّمة من قبل باحثين في جامعة ستانفورد إلى أنه “لا توجد فوائد كبيرة” من الإغلاق الإلزامي للأعمال التجارية، وإجبار الناس على البقاء في المنزل، وخلصت إلى أنه “يمكن تحقيق خفض مماثل في حالات الإصابة عبر تدخلات أقل تقييدًا”27. واعتبارًا من 9 مارس 2021، وقّع على “إعلان بارينجتون العظيم”- عبارة عن التماس ضد استراتيجية الإغلاق التي أطلقها ثلاثة خبراء في علم الأوبئة، والإحصاء الحيوي، وسياسات الصحة العامة؛ إضافة إلى أساتذة الطب في جامعة هارفارد وأكسفورد وستانفورد على التوالي، 13,705 من علماء الطب والصحة العامة و41,455 ممارسًا طبيًا في جميع أنحاء العالم28.
كما كل شيء آخر يتعلق بكوفيد، أصبحت هذه المناقشات للأسف حزبية للغاية، حيث يتبارى بعض الخبراء للظهور على البرامج التلفزيونية وغيرها من وسائل الإعلام للدفاع عن المواقف الأيديولوجية المرتبطة بـ “دوائرهم الانتخابية”. بل لقد وصل الأمر أنهم، في بعض الحالات، يناقضون أنفسهم، حيث يقدمون قراءات معاكسة لأحداثٍ مختلفة سياسيًا ولكن متطابقة من الناحية الوبائية، ولعل المثال السيئ السمعة هو مسؤولي الصحة العامة الذين قالوا أشياء مثل: “مخاطر التجمع خلال وباء عالمي لا ينبغي أن تمنع الناس من الاحتجاج على العنصرية”، “تفوق البيض هو قضية صحة عامة قاتلة تسبق كوفيد-19وتساهم فيه”، و”مخاطر الصحة العامة التي تتأتى من عدم الاحتجاج من أجل وضع حد للعنصرية الممنهجة تتجاوز إلى حد كبير أضرار الفيروس”. وقد قدمت كل هذه الأعذار، بل التشجيع على مظاهرات حياة السود مهمة، من قبل خبراء الصحة الذين، حتى اليوم السابق لذلك، كانوا يفضحون علنًا الناس الذين يتجمعون لأسباب أخرى29.
الخلاصة
قبل أن أُصلب في ميدانٍ عام على موقفي هذا، في ظلِّ العدد الهائل من الخبراء الذين يفهمون في كل المجالات من الذين ظهروا على وسائل التواصل الاجتماعي، أود أن أوضح أنني لست عالمًا في مجال الصحة العامة، وأفتقر إلى الأدوات المعرفية للتعليق على المناقشات الوبائية. ومع ذلك، فلا يزال لديّ، ويجب أن يكون لديّ، كلمة عن التعاطي الاجتماعي والسياسي والقانوني مع الأزمة.
أستطيع أن أقول بثقةٍ تامة أنه من الغباء أن تصرخ قائلًا “الفيروس وهمي” أو “إنها مؤامرة من قبل سوروس، واليهود، وبيل جيتس، ولوبيات اتصالات الجيل الخامس، وشركات اللقاحات”، إلى آخر هذه العبارات التي لا حد لها. ويمكنني القول بالقدر ذاته إنه من غير العلمي والمثير للشفقة أن يخبرنا الفطاحل من مدعي التقوى والورع أننا حاملون للعدوى فقط بقدر ما لا نتصرف وفقًا لأجنداتهم السياسية.
والأهم من ذلك، يمكنني بل ويجب عليّ أن أقول إنه من غير المشروع وغير المقبول، بالنسبة لحكومةٍ ما، أن تنفذ بشكل عشوائي وبلا تمييز قواعد مدمرة للحريات، لم يسبق لها مثيل ولا يمكن تصورها في زمن السلام، دون دافعٍ مناسب ومفصّل من حيث الشرعية والضرورة والتناسب.
لا توجد في إطار نظام سيادة القانون استثناءات من الدستور، بل هناك استثناءات فقط في الدستور. وإلا، فهذا يعني أن النظام قد تغيّر بالفعل بشكل لا يمكن إصلاحه.
* باحث في مركز برلين للعلوم الاجتماعية.
** يسعى موقعُ «عين أوروبية على التطرف» إلى نشرِ وجهاتِ نظرٍ مختلفة، لكنه لا يؤيد بالضرورة الآراء التي يُعبِّر عنها الكتّابُ المساهمون، والآراء الواردة في هذا المقال تُعبِّر عن وجهةِ نظر الكاتب فقط.
المراجع:
[1] Daniele Raineri, ‘Dopo le proteste arrivano le milizie’, Il Foglio, 7 July 2020, https://www.ilfoglio.it/esteri/2020/07/07/news/dopo-le-proteste-arrivano-le-milizie-321913/.
[2] Daniele Raineri, ‘Disrupt America’, Il Foglio, 15 May 2020, https://www.ilfoglio.it/esteri/2020/05/15/news/disrupt-america-318186/.
[3] Camilla Cavendish, ‘Personal Liberty Is Another, Unsung Victim of the Pandemic’, 29 January 2021, https://www.ft.com/content/5adb9714-e2d0-4457-a3da-9a6d1420a583.
[4] Daniel Baer, ‘The Shocking “Coronavirus Coup” in Hungary Was a Wake-Up Call’, Foreign Policy (blog), 31 March 2020, https://foreignpolicy.com/2020/03/31/viktor-orban-hungary-coronavirus-coup/.
[5] Lydia Gall, ‘Ending Hungary’s State of Emergency Won’t End Authoritarianism’, Human Rights Watch, 29 May 2020, https://www.hrw.org/news/2020/05/29/ending-hungarys-state-emergency-wont-end-authoritarianism; Gabor Tanacs and Natalie Huet, ‘Hungary Ends Emergency Powers, but New Law Opens up Potential to Re-Apply Them’, euronews, 16 June 2020, https://www.euronews.com/2020/06/16/hungary-debates-end-to-emergency-powers-but-new-law-opens-up-potential-to-re-apply-them.
[6] Inter alia, Maximillian Shreeve-McGiffen, ‘The Coronavirus Act 2020: Unprecedented Powers, But Are They Necessary?’, Oxford Law Faculty, 7 May 2020, https://www.law.ox.ac.uk/ouulj/blog/2020/05/coronavirus-act-2020-unprecedented-powers-are-they-necessary. Joelle Grogan, ‘Rule of Law and COVID-19: The Need for Clarity, Certainty, Transparency and Coordination’, British Politics and Policy at LSE (blog), 26 October 2020, https://blogs.lse.ac.uk/politicsandpolicy/rule-of-law-and-covid19/.
[7] Martha Spurrier, ‘The Coronavirus Act Is an Attack on Our Liberties. MPs Must Seize This Chance to Scrap It’, The Guardian, 29 September 2020, http://www.theguardian.com/commentisfree/2020/sep/29/coronavirus-act-liberties-powers-police-public-health-crisis.
[8] ‘COVID Jails: Germany Clamps down on Quarantine Violators’, Deutsche Welle, 26 January 2021, https://www.dw.com/en/covid-jails-germany-clamps-down-on-quarantine-violators/a-56344226.
[9] ‘Coronavirus, Pescara: runner intercettato da un drone e multato dopo un inseguimento sulla spiaggia’, ABR24 NEWS (blog), 9 April 2020, https://www.abr24.it/coronavirus-pescara-runner-intercettato-da-un-drone-e-multato-dopo-un-inseguimento-sulla-spiaggia/.
[10] Cristina Palazzo, ‘Coronavirus, multato perché al supermercato compra solo bottiglie di vino: “Non sono beni necessari”‘, la Repubblica, 30 March 2020, https://torino.repubblica.it/cronaca/2020/03/30/news/coronavirus_multato_perche_al_supermercato_compra_solo_bottiglie_di_vino_non_sono_beni_necessari_-252700895/.
[11] Alberto Rizzo, ‘Bomba giudiziaria sui Dpcm Conte: sono illegittimi ed incostituzionali’, Avvocato Alberto Rizzo (blog), 25 December 2020, https://avvocatoalbertorizzo.it/bomba-giudiziaria-sui-dpcm-conte-sono-illegittimi-ed-incostituzionali/. Maria Giuliana Civinini and Giuliano Scarselli, ‘Emergenza sanitaria. Dubbi di costituzionalità di un giudice e di un avvocato’, Questione Giustizia, 14 April 2020, http://www.questionegiustizia.it/articolo/emergenza-sanitaria-dubbi-di-costituzionalita-di-un-giudice-e-di-un-avvocato_14-04-2020.php.
[12] Rizzo, ‘Bomba giudiziaria sui Dpcm Conte’. ‘Francia: Mascherine All’aperto, Tar Di Strasburgo Boccia Il Decreto. Pioggia Di Ricorsi’, accessed 21 February 2021, https://www.lastampa.it/esteri/2020/09/03/news/francia-mascherine-all-aperto-tar-di-strasburgo-boccia-il-decreto-pioggia-di-ricorsi-1.39262979/amp/?fbclid=IwAR1M5urIn6iB791KuKFamW7neKBQlHQdo0ExXl7Q-jyGNM1Z6o96pLcBcI4. ‘Coronavirus, Catalogna: revocato l’obbligo di chiusura entro la mezzanotte per bar e ristoranti’, Il Fatto Quotidiano, 31 July 2020, https://www.ilfattoquotidiano.it/2020/07/31/coronavirus-catalogna-revocato-lobbligo-di-chiusura-entro-la-mezzanotte-per-bar-e-ristoranti/5886353/. Deutsche Welle (www.dw.com), ‘Coronavirus: Can German Courts Overturn All Lockdown Measures?’, DW.COM, 2 November 2020, https://www.dw.com/en/coronavirus-can-german-courts-overturn-all-lockdown-measures/a-55477209. Adam Bouzi and Eline Schaart, ‘Dutch Government to Appeal after Court Orders Coronavirus Curfew to Be Lifted’, POLITICO, 16 February 2021, https://www.politico.eu/article/netherlands-coronavirus-curfew-lifted-court-ruling/.
[13] Council of Europe, ‘Respecting Democracy, Rule of Law and Human Rights in the Framework of the COVID-19 Sanitary Crisis: A Toolkit for Member States’, 7 April 2020, SG/Inf(2020)11, https://rm.coe.int/sg-inf-2020-11-respecting-democracy-rule-of-law-and-human-rights-in-th/16809e1f40.
[14] Bouzi and Schaart, ‘Dutch Government to Appeal after Court Orders Coronavirus Curfew to Be Lifted’.
[15] Jean-François Noulet, ‘Plainte de la Ligue des Droits humains contre les arrêtés ministériels “Covid” : “Il y a un travail de fond qui s’effectue”, répond le Parlement’, RTBF Info, 22 February 2021, https://www.rtbf.be/info/belgique/detail_plainte-de-la-ligue-des-droits-humains-contre-les-arretes-ministeriels-covid-il-y-a-un-travail-de-fond-qui-s-effectue-repond-le-parlement?id=10703225.
[16] ‘German Health Minister Hints at Easing of Covid-19 Measures’, The Local Germany (blog), 4 February 2021, https://www.thelocal.de/20210204/german-health-minister-hints-at-easing-of-coronavirus-measures/. Pauline De Saint Remy, ‘POLITICO Playbook Paris : La Question Confinement — Zéro COVID, Zéro Tracas ? — Il y a Un Os Dans La Majorité’, POLITICO, 23 February 2021, https://www.politico.eu/newsletter/playbook-paris/politico-playbook-paris-la-question-confinement-zero-covid-zero-tracas-pompili-cantine/.
[17] ‘German Health Minister Hints at Easing of Covid-19 Measures’.
[18] AFD/DPA/The Local, ‘German States Seek Covid Restrictions Extension into April as Case Rise Continues’, The Local, accessed 22 March 2021, https://www.thelocal.de/20210321/merkel-seeks-covid-restrictions-extension-into-april-as-case-rise-continues/
[19] ‘Mortality Risk of COVID-19—Statistics and Research’, Our World in Data, accessed 10 March 2021, https://ourworldindata.org/mortality-risk-covid.
[20] De Saint Remy, ‘POLITICO Playbook Paris’.
[21] Franck Jordans, ‘Germany to Reopen Schools, Hairdressers as Virus Cases Drop’, ABC News, accessed 9 March 2021, https://abcnews.go.com/Health/wireStory/merkel-state-governors-decide-lockdown-extension-75796637.
[22] ‘COVID-19 Deaths Worldwide per Million Population as of March 9, 2021, by Country’, Statista, accessed 9 March 2021, https://www.statista.com/statistics/1104709/coronavirus-deaths-worldwide-per-million-inhabitants/.
[23] Steven Swinford, ‘Secret Dossier on Coronavirus Damage’, 1 December 2020, https://www.thetimes.co.uk/article/secret-dossier-on-coronavirus-damage-f28c5nxg8.
[24] Estimations tell about a 20% increase: Megha Mohan, ‘Coronavirus: Domestic Violence “Increases Globally during Lockdown”‘, BBC News, accessed 9 March 2021, https://www.bbc.com/news/av/world-53014211.
[25] Anna Collinson, ‘Covid: Lockdown Had “major Impact” on Mental Health’, BBC News, 21 October 2020, https://www.bbc.com/news/health-54616688.
[26] Richard Sullivan, ‘Additional Cancer Deaths Due to Delayed Diagnoses during Pandemic’, King’s College, 20 July 2020, https://www.kcl.ac.uk/news/study-predicts-additional-cancer-deaths-in-england-due-to-delayed-diagnoses-during-covid-19-pandemic.
[27] Eran Bendavid et al., ‘Assessing Mandatory Stay-at-Home and Business Closure Effects on the Spread of COVID-19’, European Journal of Clinical Investigation n/a, no. n/a (2021): e13484, https://doi.org/10.1111/eci.13484.
[28] ‘Great Barrington Declaration and Petition’, Great Barrington Declaration, accessed 9 March 2021, https://gbdeclaration.org/.
[29] Thomas Chatterton Williams, ‘We Often Accuse the Right of Distorting Science. But the Left Changed the Coronavirus Narrative Overnight | Coronavirus | The Guardian’, 8 June 2020, https://www.theguardian.com/commentisfree/2020/jun/08/we-often-accuse-the-right-of-distorting-science-but-the-left-changed-the-coronavirus-narrative-overnight.