وقع هجوم إرهابي إسلاموي في العاصمة النمساوية فيينا، مساء 2 نوفمبر، أسفر عن مقتل أربعة أشخاص وإصابة أكثر من 20 آخرين. وأطلقت الشرطة النار على الجاني وأردته قتيلًا، وكان مسلحًا ببندقية هجومية ومنجل وأسلحة أخرى مختلفة، فضلاً عن ارتدائه سترة ناسفة. وذكرت بعض وسائل الإعلام أن أسلحة من “الطراز العسكري” استخدمت في الحادث.
بدأ الهجوم حوالي الساعة 8 مساء بالتوقيت المحلي في منطقة برمودا-دريك في فيينا، وتحديدًا في محيط ميدان شفيدنبلاتس، الذي يحظى بشعبية لمرتادي الحفلات. ويُزعم أن المسلحين أطلقوا النار على المارة ومرتادي الحانات المختلفة في ستة مواقع على الأقل. والجدير بالذكر أن كلًّا من دار الأوبرا والكنيس اليهودي الرئيس يقعان بالقرب من هذه المنطقة. وفي حين أن التحقيق لا يزال جاريًا، فإن حقيقة أن الكنيس والمكتب الملحق به كانا مغلقين، وأن مشرف الكنيس رأى المسلحين يطلقون النار على الحانات والمطاعم وليس مبنى الكنيس، يشير إلى طريقة عمل واختيار مستهدف على غرار هجوم باريس، وليس دوافع تنم عن معاداة السامية على وجه التحديد.
وفي أعقاب الهجوم مباشرة، لم يتضح ما إذا كانت أجهزة إنفاذ القانون تتعامل مع شخص واحد أو أكثر من الجناة. وتحدث وزير الداخلية النمساوي كارل نيهامر عن “شخص آخر على الأقل” يبدو طليقًا في مؤتمر صحفي عقد في الساعات الأولى من صباح يوم 3 نوفمبر ونصح المواطنين بالبقاء في منازلهم. ولكن بعد مراجعة أكثر من 20 ألف مقطع فيديو لشهود عيان وكاميرات مراقبة في المنطقة، قال مسؤولون إنهم يعتقدون أن الهجوم نفّذه شخص واحد.
مهاجم موالٍ لداعش
تحدث وزير الداخلية نيهامر عن هجوم إسلاموي، وذكر في مؤتمر صحفي أن المسلح المقتول كان مواليًا لداعش. وحدد المسؤولون المهاجم الذي قتل بأنه نمساوي يبلغ من العمر 20 عامًا ومهاجر من مقدونيا الشمالية، ويحمل الجنسيتين النمساوية والمقدونية الشمالية على حد سواء.
ويُزعم أن محققي الشرطة فحصوا بالفعل شقة المهاجم المقتول وعثروا على أدلة تشير إلى وجود دوافع جهادية. وذكرت تقارير إخبارية أنه سبق وأن قُبض عليه بالفعل وحُكم عليه بالسجن لمدة 22 شهرًا لمحاولته الانضمام إلى ما يسمى بـ “الدولة الإسلامية” في سوريا في أبريل 2019. ومع ذلك، فقد أُطلق سراحه في وقت مبكر بعد مضي 8 أشهر، في ديسمبر 2019، عقب مشاركته في برنامج لإعادة تأهيل المتطرفين في السجن وحصوله على تقييم إيجابي لإعادة الإدماج في المجتمع.
وقبل وقت قصير من وقوع هجوم فيينا، كان الجاني قد خضع لتحقيق من جانب سلطات إنفاذ القانون في سلوفاكيا بعد محاولته شراء ذخيرة غير مسموح بها قانونيًا. والسؤال المطروح الآن هو لماذا لم تتحرك الشرطة النمساوية بعد تلقي هذه المعلومات من السلطات السلوفاكية.
فحص الشبكة الاجتماعية لمنفذ الهجوم
اعتقلت السلطات النمساوية بعض الأفراد في الشبكة الاجتماعية للجاني من المقيمين فيها، وفي سويسرا أيضًا، واحتجزتِ السلطات اثنين ممن لهم صلة به واستجوبتهما. وفي ألمانيا، داهمت الشرطة شققًا مختلفة في مقاطعات متعددة على صلة بالهجوم.
وتلقت مجلة “دير شبيجل” الألمانية معلومات تفيد بأن شخصين من الإسلاميين السياسيين المعروفين من منطقة أوسنابروك في غرب ألمانيا زارا الجاني المزعوم في شقته في فيينا في شهر يوليو. ويُزعم أن سلطات إنفاذ القانون الألمانية قد بدأت عملية استباقية فيما يتعلق بالجاني واتصالاته في ألمانيا في سبتمبر من هذا العام.
وفي حين أن التحقيق لا يزال جاريًا، إلا أنه يظهر حتى الآن أن الجاني “الوحيد” المزعوم لم يكن وحده في الواقع، وهذا استنتاج شائع في قضايا الإرهاب، بل كان جزءًا من شبكة من الإسلامويين في جميع أنحاء أوروبا. وقد يشير هذا إلى تنامي خطر الأنشطة الإسلاموية السرية في جميع أنحاء القارة ككل، ومن المرجح أن يشغل سلطات إنفاذ القانون في بلدان مختلفة.
تصاعد النزعة الجهادية في أوروبا
يأتي الهجوم وما تلاه من نقاش حول النهج النمساوي في برامج إعادة تأهيل المتطرفين داخل السجون والأفراد الخطرين المحتملين في وقتٍ يزداد فيه الانخراط في النشاط الجهادي في أوروبا بشكل عام، ونشاط داعش على وجه التحديد.
في الأسبوع السابق، عانت فيينا بالفعل من حادث إسلاموي عندما اقتحم 50 مراهقًا كنيسة كاثوليكية، وهم يصرخون “الله أكبر” وألحقوا أضرارًا بالمقاعد، وشهدت فرنسا هجمات متعددة قبل بضعة أسابيع من حادث فيينا، ما أثار القلق مجددًا إزاء نشاط داعش. ورفعت المملكة المتحدة مستوى التهديد إلى “خطير” في أعقاب تصاعد الهجمات في القارة.
والجدير بالذكر أن فرنسا تعرّضت لانتقادات بسبب ردها على الموجة الأخيرة من الهجمات الإرهابية الإسلاموية، واللافت أن رد النمسا مشابه جدًا، حتى في لهجة الخطاب.
من جهته، أعرب المستشار النمساوى كورتز عن قلقه إزاء إمكانية وقوع هجمات مشابهة في الأسابيع المقبلة وناشد زملاءه رؤساء الحكومات في الاتحاد الأوروبي “وقف التسامح الذي يُساء فهمه” للإسلام السياسي. ودعا إلى اتخاذ المزيدِ من التدابير ضد الإسلام السياسي كأيديولوجيا تهدد الثقافة والحرية في أوروبا.
*مستشارة في مكافحة الإرهاب في مؤسسة كونراد أديناور ببرلين