سَعَتِ المراجعة التي أجرتها الحكومة البريطانية لجماعة الإخوان المسلمين، وهي وثيقة صدرت في أواخر عام 2014 ولم تنشر بالكامل، بل نشر تقرير موجز عنها فقط علنًا في أواخر عام 2015، سعت نحو إرساء أساس واقعي يمكن للحكومة أن تصوغ بناء عليه سياساتها فيما يتعلق بالمتطرفين الإسلامويين غير العنيفين. وظلت المراجعة قضية مطروحة باستمرار في النقاشات العامة، وأروقة صنع القرار البريطانية، وفي سياسة الأطراف المعنية الأخرى- لأسبابٍ مختلفة، ومؤخرًا احتدم النقاش بشأنها مرة أخرى. الجدير بالذكر أن جون جنكينز، السفير آنذاك لدى المملكة العربية السعودية، هو المؤلف الرئيس للتقرير.
كان اللورد مارلسفورد، وهو عضو من المحافظين، قد طرح سؤالًا على وزارة الداخلية في 23 فبراير:
أودُّ أن أسأل حكومة صاحبة الجلالة عن خططها فيما يتعلق بنشر التقرير الكامل للمراجعة الداخلية لجماعة الإخوان المسلمين، الذي كُلِّفت به في أبريل 2014؛ وما هو التقييم الذي خلصوا إليه من النتائج الواردة في التقرير الموجز بعنوان “مراجعة جماعة الإخوان المسلمين: النتائج الرئيسية (HC 679)، الذي نشر في ديسمبر 2015، الذي يفيد بأن جماعة الإخوان المسلمين تمثِّل “تحديًا ثوريًا للدول الراسخة” ولطالما “كانت تتعارض مع المصالح الوطنية والأمن القومي”؛ وما هي خططها لإجراء مراجعة أخرى للإخوان المسلمين.
في 9 مارس، ردت الحكومة عبر البارونة ويليامز عن دائرة ترافورد:
لا توجد خطط لنشر المراجعة الداخلية لجماعة الإخوان المسلمين. لا يزال تقييمنا للإخوان المسلمين كما هو مُحدد في التقرير الموجز الذي نُشر في ديسمبر 2015. وتواصل حكومة المملكة المتحدة تقييم أنشطة جماعة الإخوان المسلمين عند الاقتضاء لضمان أن موقفنا يستند إلى أحدث المعلومات المتاحة، وسننظر في اتخاذ إجراءات فيما يتعلق بالتزامات المراجعة حال استيفاء الشروط القانونية.
من جانبها سألت “عين أوربية على التطرف” اللورد مارلسفورد، عن موقفه حيال رد الحكومة البريطانية على تساؤله، فأجاب: “أشعر بخيبة أمل لأن حكومة جلالة الملكة تواصل رفض نشر التقرير الكامل للسير جون جنكينز عن جماعة الإخوان المسلمين”. وتابع مارلسفورد قائلًا “في رأيي، الإسلام السياسي يشكل تهديدًا خطيرًا لأمن الدول الديموقراطية… الثيوقراطية، التي يفضلها [الإخوان] هي نقيض الديمقراطية. وإنكار الإسلامويين لحق الدول المستقلة في الوجود هو تحدٍ لأساس الحضارة الحديثة. والحل هو أنه يجب على الزعماء الدينيين، أيًا كان دينهم، إدراك أن دورهم هو التوجيه وليس الحكم”.
من جانبه، أوضح جون جينكينز لموقع “عين أوروبية على التطرف”، عندما تم الاتصال بها للتعليق على الموضوع، أن هذه القضية المثارة بشأن إصدار “التقرير الكامل” قد تكررت منذ إصداره في ديسمبر 2015، وهي تستند إلى سوء فهم كبير لدى الرأي العام وقال: “بالنسبة لي، فإن الحكومة ردت ردًّا نموذجيًّا على اللورد مارلسفورد لأنه سبق وأن ناقشنا هذه المسألة في ذلك الوقت، وتمت تسويتها وحسمها. هناك التباس حادث لدى الجمهور ووسائل الإعلام البريطانية، فالمراجعة من الأساس لم يكن يُقصد أن تكون علنية على الإطلاق”.
وأضاف: “رغم التلميحات المستمرة بأن رئيس الوزراء ديفيد كاميرون أمر بعملية المراجعة لجماعة الإخوان تحت ضغطٍ من الحكومات الأجنبية، فإنه لم يفعل شيئًا من هذا القبيل”. وكما يشير جنكينز، “تبنت الحكومة التي يقودها المحافظون موقفًا يحاول احتواء انتشار التخريب الإسلاموي في وقتٍ مبكر عن ذلك بكثير، عن خطاب كاميرون حول “التعددية الثقافية للدولة” في عام 2011. وما كلفت به هو مراجعة داخلية كان المقصود منها أن تكون مادة يُسترشد بها في صنع السياسة الحكومية لا أن يتم نشرها، وبالتالي تحتوي على كمياتٍ هائلة من المعلومات الاستخبارية الحساسة، وتفاصيل عن المصادر… إلخ”.
وأضاف جنكينز “أنه كان من المقرر أن تكون هناك “عملية منفصلة لتقديم توصيات حكومية”، مضيفًا أنه إذا أو عندما يتم إدخال هذه التوصيات في شكل مقترحٍ تشريعي، وتحويله إلى البرلمان، عند هذه المرحلة “ستكشف” المراجعة للجمهور، ولكن ليس بالضرورة أن تعرض المراجعة كوثيقة، بل حقيقة أن الحكومة قد راجعت موقف الدولة مقارنة بما كانت عليه في ظلِّ حكومة حزب العمال السابقة”.
ينبغي إذن ألا يُنظر إلى المراجعة على أنها مجرد عملية لتقصي الحقائق -وإن كانت بالتأكيد كذلك- بل كأداة للحوكمة الإدارية. فلقد قررتِ الحكومة في ذلك الوقت إجراء تغيير عام في توجهاتها، فيما يتعلق بكيفية تعاملها مع النزعة الإسلاموية على المستوى المحلي، وكانت المراجعة وسيلة لتوفير مواد مرجعية حول الأسباب الداعية للقيام بذلك، وإقناع الوزارات المختلفة بالبدء في أخذ الاتجاه نفسه الذي يسير فيه رئيس الوزراء. ولا بد من التذكير بأن هذا هو الوقت الذي تتعافى فيه أجهزة الأمن من فكرتها بأن تمكين المتطرفين “غير العنيفين” هو استراتيجية قابلة للتطبيق لمكافحة الإرهاب، وتعمل وكالات الدولة مثل وزارة التنمية الدولية بشكلٍ وثيق مع الجمعيات الخيرية الإسلاموية التي وضعت على القائمة السوداء منذ ذلك الحين.
في هذا الصدد يقول جنكينز لقد “اكتسبت المراجعة هذه الصفة الأسطورية”، ومن ثم حازت أهمية أكبر مما يجب، وهذا يعزى جزئيًا إلى سوء فهم خطير حول السياق البيروقراطي الذي أُعدت فيه.
وختامًا، وكما يشير جنكينز، تكمن الأهمية الكبيرة للمراجعة في “المسار” الذي تسلكه أوروبا، بمعنى إدراك أن التصدي للإرهاب والعنف وحدهما لا يكفي؛ وأن النزعة الإسلاموية كتهديدٍ للنظام الليبرالي والدستوري يجب مواجهتها. لقد حظيت فرنسا والنمسا باهتمامٍ إعلامي كبير نظرًا للحملات الصارمة التي شنتها على هذا التطرف، ولكن الدول الأوروبية التي كانت مترددة من قبل في القيام بهذا -ألمانيا الأكثر وضوحًا- اتخذت النهج الأساسي ذاته مؤخرًا لسببٍ بسيط هو أن المشكلات التي اعترفت بها الحكومة البريطانية، وسَعَت إلى معالجتها عن طريق المراجعة هي مشكلاتٌ حقيقية، وشائعة في جميع أنحاء الغرب، ولم تزل مع مرور الوقت.