واثق واثق*
قُتل أبو إبراهيم الهاشمي القريشي الزعيم السابق لتنظيم داعش، في غارةٍ شنتها القوات الخاصة الأمريكية. وأفادت التقارير الإخبارية أن الرئيس الأمريكي جو بايدن أكد مقتل زعيم داعش، حيث قال: “لقد قضينا على تهديد إرهابي كبير للعالم”. وفي حين أن الأمر قد يبدو كذلك، فإن الحقيقة هي أن تصفية زعيم إرهابي لا ينهي بالضرورة التنظيم الذي يقوده. فلماذا تعتمد الحكومات على قطع رؤوس قيادات التنظيمات كاستراتيجية للحد من الأنشطة الإرهابية وتدمير الجماعات الإرهابية؟
أبو إبراهيم القريشي هو عراقي يبلغ من العمر 45 عامًا. تولى قيادة داعش في عام 2019 عندما قتل أبو بكر البغدادي في غارة أمريكية أمر بها الرئيس آنذاك دونالد ترامب. تم إعداد القريشي لدور القائد وقاد التنظيم خلال فترة كان يتعرض فيها لضغطٍ عسكري شديد. وقد وصف بأنه “عنصر وحشي”، ووفقًا لمسؤولين أمنيين عراقيين، كان عضوًا في جيش صدام حسين. فقد تمكن حتى وقتٍ قريب من التخفي عن أعين الأجهزة العسكرية والاستخباراتية الأمريكية. يدل هذا أنه على الرغم من أهمية القيادة لبقاء التنظيم، فإن إعداد الجيل المقبل من القادة ضروري للصمود في وجه الهجمات المستمرة.
تجدر الإشارة إلى أن تصفية القيادات كاستراتيجية لمكافحة الإرهاب تحظى بشعبية بين الجمهور، وورقة رابحة أيضًا لكسب الأصوات في الانتخابات للقادة السياسيين. فعلى سبيل المثال، في عام 2011، عندما أمر الرئيس الأمريكي آنذاك باراك أوباما بقتل أسامة بن لادن في المجمع السكني الذي يختبئ فيه في أبوت آباد، باكستان، أسهم ذلك في تحسين معدلات تأييده بنسبة 11%، حيث حقق بذلك نسبة إجمالية بلغت 57%. وفيما يتعلق بما يعتقده الجمهور بشأن تأثير قتله على سلامتهم، يعتقد 54% من الرأي العام في الولايات المتحدة أنهم سيكونون أكثر أمانًا. ويبدو أن القادة السياسيين ينظرون إلى هذه السياسة، التي لها فعالية مشكوك فيها، على أنها تدخل مؤقت للتصدي للجماعات الإرهابية. ومع ذلك، فبينما قد يؤدي تشكيل سياسة لمكافحة الإرهاب تستند إلى الرأي العام إلى تحسين معدلات التأييد، فإنه لا يسفر بالضرورة عن النتائج المرجوة؛ أي إنهاء جماعة إرهابية أو الحد من أنشطتها.
علاوة على ذلك، فهناك تداعيات أخرى تترتب على القضاء على زعيمٍ إرهابي. على سبيل المثال، الهجمات الانتقامية. ذلك أنه بعد يومين فقط من مقتل بن لادن، شنت حركة طالبان هجومًا -من خلال شخصين انتحاريين- لاستهداف أكاديمية الشرطة شبه العسكرية في شمال غرب باكستان، ما أسفر عن مقتل 80 شخصًا. وفي حين أنه قد يكون من الطبيعي أن تستخدم طالبان العنف لأغراضٍ سياسية، فإن الأمر لم يكن كذلك في هذه الحالة. لقد كان ذلك عملًا رمزيًا لإثبات أنه على الرغم من أن بن لادن لم يعد حيًا، فإن القاعدة وطالبان لا يزالان ملتزمين بالقضية الجهادية. وكانت أيضًا فرصة لطالبان لإثبات أنها على الرغم من الضربة التي تعرضت لها، فإنها لم تضعف. ذلك أن إظهار أي علامة ضعف من شأنه أن يلحق ضررًا بالغًا بسمعتها الدولية أمام حلفائها وأعدائها، على حد سواء.
ولم يكن الهجوم الذي استهدف أكاديمية الشرطة شبه العسكرية بعيدًا عن طابع طالبان. ولفهم ذلك، علينا أن ننظر إلى الوراء إلى ما تعتبره طالبان أهدافًا مشروعة. كان الملا عمر، الزعيم الروحي السابق لطالبان، قد أصدر مدونة سلوك لأعضاء الحركة. وكان يدلي بانتظام ببياناتٍ علنية يؤكد فيها أن تستهدف الهجمات أفرادًا عسكريين، لا مدنيين أبرياء. وقال الملا عمر في أحد البيانات: “على المجاهدين أن يبذلوا كل ما في وسعهم لحماية أرواح الناس العاديين وممتلكاتهم”. وهذا يخدم غرضين، الأول هو أن هناك قواعد للاشتباك من حيث الأخلاق والغرض الثاني، هو أن طالبان تريد في نهاية المطاف أن تحكم الأراضي. ولذلك، فإن قتل المدنيين لن يكون في مصلحتهم لأنه سيجدون أنفسهم يفتقرون إلى الدعم الشعبي لعملياتهم وسياساتهم. ولذلك هناك أدلة تشير إلى أن قتل زعيم جماعة إرهابية يمكن أن يؤدي إلى هجمات لم تكن متوقعة، وربما لا تكون من طابع التنظيم الإرهابي.
بالنظر إلى أن هناك تداعيات للقتل المستهدف للقادة الإرهابيين، فإن السؤال الحقيقي الذي ينبغي طرحه هو، كيف يمكن للحكومات أن تصيب الهدف وتحقق الغاية الكبرى أيضًا؟ للإجابة عن هذا السؤال ينبغي إعادة التفكير في ماهية الجماعات الإرهابية. لم تعد الجماعات الإرهابية مجموعة غير متجانسة من قطاع الطرق، بل أصبحت منظمات بيروقراطية متطورة. اعتمد داعش بشكلٍ كبير على مجنديه الأجانب الذين زودوه بالمعرفة والمهارات والترتيبات التي يحتاجها لحكم مساحات شاسعة من الأراضي في العراق وسوريا. وتمكن من استخدام السوق السوداء، والعصابات الإجرامية، وكذلك زعماء القبائل للصمود والاستمرار، وفرض نفسه كقوة مقاومة مشروعة.
وبالنظر إلى أن الجماعات الإرهابية تعلمت من الماضي، وتعمل الآن كمنظمات، ينبغي على الحكومة الأمريكية أن تواصل حملتها لاستهداف القادة الإرهابيين، ولكن لا ينبغي لها أن تعتمد عليها فقط. بل ينبغي للحكومات أن تركز أيضًا على تعطيل سلاسل إمداداتها، ومنع مواطنيها من السفر إلى المناطق التي يسيطر عليها الإرهابيون، والتصدي للأيديولوجية التي تقوم عليها الحاجة الواضحة لوجود هذه الجماعات الإرهابية وتحديها.
ما هي تداعيات مقتل أبو إبراهيم الهاشمي القريشي على سياسات مكافحة الإرهاب، والمنطقة التي كان يعمل فيها وعلى تنظيم داعش نفسه؟ بالنسبة لسياسة مكافحة الإرهاب، فإن الموت سوف يعمل على سد فجوة معرفية فيما يتعلق بما إذا كانت هذه العملية ستضعف القدرات العملياتية للتنظيم. وعلاوة على ذلك، يدرك داعش تمامًا أن قادته دائمًا ما يتعرضون للهجوم؛ لذلك، يتم تدريب جيل جديد وإعداده للدور، وهذا ما يسمى بالإعداد للخلافة. وهنا تحتاج الحكومات إلى تطوير سياساتٍ ذكية. يجب أن يكون دور قيادة منظمة إرهابية جهادية أقل الأدوار جاذبية لأي شخص يرغب في الانضمام إلى جماعة إرهابية. قد يكون لردع الأشخاص عن الانضمام تأثير إيجابي أكثر من إزالة شخص ما من المجموعة.
ومن المرجح أن تؤدي وفاة القريشي أيضًا إلى اندلاع المزيد من الاضطرابات داخل المنطقة، وداخل تنظيم داعش نفسه. ومن المتوقع أن تقع هجمات انتقامية ضد المدنيين الأبرياء، وهذا صحيح بشكلٍ خاص بالمقارنة بتنظيم القاعدة الذي يُعتقد أن داعش متطرف للغاية بالنسبة له، فيما يتعلق بمن استهدفوه. وعلاوة على ذلك، ستوفر الهجمات الناجحة لداعش الزخم الذي يحتاجه لمواصلة عملياته، وسيزيد بالتالي من قوة تحمله. وفي حين أن بعض أعضاء داعش قد يتركون التنظيم بعد هذه العملية، فإن هذا لن يعني بالضرورة أنهم سيتركون الجهاد. في الواقع، من المرجح تمامًا أن ينضم بعض أعضاء تنظيم داعش إلى جماعاتٍ منشقة، ويأخذون معهم المعرفة والمهارات التي اكتسبوها أثناء وجودهم في التنظيم.
إذا تعرضت لعضة ثعبان وقتلته قاطعًا رأسه، فإن قتله لا يعني تقليل العواقب المترتبة على عضته. كما أنه لا يعني أيضًأ أن الثعابين ستختفي من الوجود. وبالتالي، لمنع التهديد الذي تشكله الثعابين، تحتاج إلى تغيير البيئة، بحيث لا تعيش في الأماكن التي يمكنها فيها عضّك. وينبغي أن ينطبق المبدأ نفسه أيضًا على الجماعات الإرهابية. قطع رأس الزعيم سيكون له تأثير ضئيل، ولن يكون له التأثير المنشود إذا كان هذا هو كل ما تقوم به. لذا، يتعين على الحكومات الآن أن تفكر في أهدافٍ مختلفة، وليس فقط في زعماء تلك التنظيمات، من أجل تحقيق مبتغاها.
*مستشار منظمة “مسلمون ضد معاداة السامية”