القضية
كشف مقال حديثٌ في صحيفة “برلينجسكي” الدنماركية، ما يبدو أنه الخطوة الأحدث في تحركات قطر لتمويل المساجد الأوروبية والمراكز الإسلامية، والتسلل إليها. هذه المرة كان مركز حمد بن خليفة الحضاري في الجامع الكبير في كوبنهاجن -في حي مدينة نوربرو- هو الذي تلقى قرابة ربع مليار دولار على شكل تبرعات من الدولة الخليجية.
بُني مركز حمد بن خليفة الحضاري في عام 2014، وهو أحد أكبر المساجد في أوروبا، وأول مسجد تم بناؤه في الدولة الإسكندنافية. وفي سعيها نحو السيطرة على المركز الذي يُعتبر تحت تبعية المجلس الإسلامي الدنماركي، تم استبدال مجلس الإدارة جزئيًّا، بحيث أصبحت قطر تتمتع بالأغلبية المطلقة فيه. ومن أبرز القيادات في المجلس الجديد شاهين الغانم، الذي كان يعمل سابقًا في وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في قطر.
ردود الفعل الدنماركية
كانت استجابة مختلف الأحزاب ووجهات النظر الدانماركية قوية جدًّا، وضد الهيمنة القطرية. فعلى سبيل المثال، تشكو المتحدثة باسم حزب الشعب الدنماركي، بيا كيارسجارد، من “الهيمنة على مجلس إدارة مسجد في الدنمارك من قِبل أشخاص لا يعيشون هنا بل في قطر أمر غريب.. ويعني أن المصالح التي يحاول مثلُ هذا المجلس تحقيقها لن تكون مصالح الدنمارك بكل تأكيد”. وأضافت كيارسجارد أن بعض المبادرات التي يُزعم أن قطر تقوم بها في الدولة “ستصيب المرءَ بالذعر“.
وطالب السياسيون الدنماركيون، على نطاقٍ واسع، الحكومةَ بإنهاء التدخل الأجنبي في المساجد الدنماركية بعد سيطرة قطر على المسجد الكبير في كوبنهاجن. وعندما تبين بعد ذلك بوقتٍ قصير أن جمعية قطر الخيرية المثيرة للجدل، المرتبطة ارتباطًا وثيقًا بجماعة الإخوان المسلمين، تبرعت بأموالٍ لمدرسة مجانية في مدينة آرهوس، أوضح وزير الهجرة والاندماج ماتياس تسفاي أن “الحكومة ترى أنه من الخطير جدًّا أن تحاول قوى ذات رؤى تعود للقرون الوسطى فيما يتعلق بالديمقراطية والحرية والمساواة، كسب النفوذ في الدنمارك من خلال التبرعات، لتقويض الديمقراطية والحريات الأساسية وحقوق الإنسان”.
وفي الوقتِ نفسه، أعلنتِ الحكومةُ أنها ستقترح مشروع قانون يحظر تلقي التبرعات “من أشخاص طبيعيين واعتباريين معينين”.
دعاة متطرفون
ألقى الإمام أبو بلال، الذي أُدين بالدعوة إلى قتل اليهود، دروسًا دينية لمراتٍ عدة في المسجد. وعندما وردت معلومة دعوته إلى قتل اليهود في شهر فبراير، دافع عنه ممثلو المسجد الكبير ونفوا اعتباره متطرفًا، على الرغم من أنه يظهر في مقطع فيديو يحث على “تدمير اليهود الصهاينة”.
ما يزيد الطين بلَّة، أن التصريحات المتطرفة لهذا الداعية تعود على ما يبدو على الأقل إلى 2014-2016، عندما كان إمامًا في مسجد جريمو في مدينة آرهوس، وتم التسجيل له بكاميرا خفية بينما يشرح أن رجم النساء حتى الموت هو العقوبة المناسبة للزنا.
قصر النظر الغربي في مواجهة مخاطر القوة الدينية الناعمة
يمكن النظر بإيجابية إلى الاهتمام الكبير الذي أولاه المجتمع في الدنمارك للقضايا المتعلقة بتأثير قطر في الشؤون الاجتماعية والدينية في أوروبا، خاصة أن هذه القضية أثارت حوارًا مجتمعيًّا، وسمحت للسياسيين الدنماركيين والجمهور بالانخراط في نقاشٍ تشتد الحاجة إليه حول المستوى المناسب من التدقيق فيما يسمَّى بالقوة الناعمة الدينية التي تمارسها بعض الدول الخارجية.
علاوةً على ذلك، تظهر المناقشة الدانماركية درجةً عالية من الحكمة وبعد النظر، بدلًا من قصر النظر المنتشر بين الدول الأوروبية عندما يتعلق الأمر بهذا النوع من التدخل، المالي أو غير المالي. لقد موَّلت جمعيةُ قطر الخيرية 140 مسجدًا ومركزًا إسلاميًّا في أوروبا، معظمها في إيطاليا، ومع ذلك فلا يوجد اهتمام واضح بخطورة هذا النفوذ إلا بالكاد.
قصر النظر في التعامل مع هذا النفوذ ليس مردّه نوايا خبيثة على الأرجح. وفي أغلب الأحيان، يُعزى ذلك إلى نقص المعرفة والوعي بآليات القوة الناعمة، وعمليات التطرف، ونظم التمويل.
كريستيان شينو وجورج مالبرونو؛ اللذان نشرا مؤخرًا تحقيقهما المتعمق حول تمويل قطر لجماعة الإخوان المسلمين في أوروبا، بعنوان “أوراق قطر“، حقَّقا في أنشطة قطر ومؤسسة قطر الخيرية؛ في إيطاليا وسويسرا وألمانيا وبلجيكا وكوسوفو وبريطانيا، وفرنسا1، وعلى حد تعبيرهما، أُصيبا بالذهول مما اكتشفاه2.
من الممكن الحد من السلوكيات القطرية الإشكالية، كما رأينا مع الضغوط القوية المتنامية التي تمارسها دول مجلس التعاون الخليجي منذ منتصف عام 2017، التي كبحت جماح المغامرة القطرية في أماكن مثل ليبيا وسوريا. وعلى نحو مماثل، فإن رد الفعل السلمي، ولكن الحازم من قبل الدنمارك، على تدخل قطر في شؤونها الداخلية، يمثل نموذجًا ينبغي على أكثر من دولة أوروبية أن تحذو حذوه الآن.
المراجع:
[1] Christian Chesnot — George Malbrunot, Qatar Papers. How Doha finances the Muslim Brotherhood in Europe, Global Watch Analysis Editions, 2019, p. 8.
[2] Ibid. p. 7.