أعلن وزير الداخلية الألماني هورست زيهوفر في 30 أبريل، حظراً تاماً لحزب الله، التنظيم اللبناني المتطرف، الذي سبق لألمانيا أن حظرته جزئياً في الماضي. هذه الخطوة لم تأتِ من فراغ. ففي نهاية العام الماضي، صوّت البرلمان الألماني على قانون يُطلق عليه بالألمانية Betätigungsverbot؛ أي حظر جميع أنشطة الحزب في ألمانيا، والآن وُضع القانون موضع التنفيذ. وبحسب زيهوفر، فإن حزب الله، الذي يعتبر جزءًا من الحكومة الثورية في إيران، ينكر حق إسرائيل في الوجود، ويدعو إلى العنف ضد الإسرائيليين. ومن ثم، رأى البرلمان الألماني أن مسؤولية ألمانيا التاريخية الخاصة عن حماية إسرائيل تحتم حظر حزب الله.
الجدير بالذكر أن حزب الله في ألمانيا يتخفى خلف ستارِ الانقسام بين منظماتٍ متعددة تعمل في ألمانيا منذ سنوات عديدة. وقد خضعت هذه المنظمات وأعضاؤها البالغُ عددهم 1,050 تقريبًا للمراقبة من قبل جهاز الاستخبارات المحلي الألماني أو “المكتب الاتحادي لحماية الدستور”، ولكن القيود لم تصل إلى حد الحظر التام لأنشطتها1.
ورغم أن الاتحاد الأوروبي صنّف ما يسمى بالجناح العسكري لحزب الله منظمةً إرهابية في عام 2013، فإن الدول الأعضاء لم تتعامل مع الوضع بشكل موحد2. على النقيض من هولندا، أو المملكة المتحدة، كانت ألمانيا حتى هذا العام تفرِّق بين الذراع المسلحة والذراع السياسية للحزب، ما سمح للأخير بالعمل على الأراضي الألمانية. وحتى أواخر العام الماضي، نفتِ الحكومة الألمانية وجود نية لحظر حزب الله بالكامل، مشيرة إلى أنه من المهم مواصلة الحوار مع جميع القوى في لبنان، حيث إن حزب الله ليس الكيان السياسي المهيمن فحسب، بل هو لاعب مهم في إدارة المستشفيات والمدارس ومرافق الرعاية3. لكن يبدو أن هذا الاعتقاد قد تغير الآن.
وكنتيجةٍ مباشرة لسن قانون الحظر السابق ذكره، شنت أجهزة إنفاذ القانون مداهمات على جمعياتٍ تابعة لمساجد في برلين وبريمن ودورتموند ومونستر، وعلى شقق خاصة بأعضاء الحزب في جميع أنحاء ألمانيا4. والآن، يُحظر على المنظماتِ التابعة لحزب الله في ألمانيا جمعُ التبرعات، وإظهارُ علم حزب الله الأصفر الذي يحتوي على شعار القبضة والبندقية.
وتعليقًا على هذا، قال ماتياس ميدلبرج؛ المتحدث باسم حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي؛ حزب المستشارة أنجيلا ميركل، إن ألمانيا كانت ملاذًا لأنشطةِ حزب الله، ولم يعد من الممكن التسامحُ مع هذا الأمر. وأضاف أن الحزب جمع أموالًا في ألمانيا تُستخدم في الإرهاب في مناطق أخرى5. في العام الماضي، أطلق عالم السياسية رالف غضبان على ألمانيا اسم “إل دورادو” في إشارةٍ إلى أنشطة غسل الأموال التي يقوم بها حزب الله6. والآن، ومع تطبيق الحظر، أصبح بالإمكان مقاضاةُ الأنشطة المتعلقة بحزب الله في المحاكم الألمانية.
قوبل قرارُ الحظر الذي اتخذته ألمانيا بإشادة من إسرائيل والولايات المتحدة. وأعرب وزير الخارجية الإسرائيلي كاتس عن امتنانه لألمانيا، وتحدث عن أنها “خطوة مهمة جدًّا” للحدِّ من أنشطة حزب الله7. كما تحدث السفير الأمريكي بشكلٍ إيجابي عن الحظر، لكنه أعرب عن رغبته في وضع لوائح أكثر صرامة في جميع دول الاتحاد الأوروبي8.
وحاليًا، يريد بنجامين ستراسر؛ السياسي في “الحزب الديمقراطي الحر” الليبرالي، اتخاذَ المزيد من الإجراءات، واستخدام رئاسة ألمانيا المقبلة للاتحاد الأوروبي للضغط من أجل فرض حظر على الحزب على نطاق الاتحاد الأوروبي، وهو مسعى صعب على الأرجح، لا سيما بالنظر إلى علاقات فرنسا التاريخية مع لبنان9.
يمكن القول إن الخطوة التي قام بها زيهوفر حاليًا قد جاءت لزيادة سلطات وكالات إنفاذ القانون في التعامل مع الاحتجاجات المناهضة لإسرائيل في يوم القدس، الذي يوافق تقليديًّا آخر يوم من شهر رمضان. في هذا اليوم، تنظَّم احتجاجاتٌ من أجل “تحرير” القدس من “قوات الاحتلال الصهيوني”. وفي العام الماضي، هتف المتظاهرون: “إسرائيل قاتلة الأطفال” إضافة إلى شعارات مختلفة مناهضة للولايات المتحدة10.
ولم يتضح بعد ما إذا كانت وكالات إنفاذ القانون ستستخدم بالفعل سلطاتها الجديدة خلال تلك المسيرات، خاصة في ضوء أزمة كوفيد-19، وعدم اليقين بشأن ما إذا كان سيتم تنظيم الاحتجاجات من الأساس. وقد يكون الدافعُ الآخر وراء هذا التصرف الآن هو إشارة رمزية بأن الحكومة لا تزال ملتزمة بإنفاذ التدابير الأمنية رغم تفشي الوباء، حيث كتب متحدثٌ باسم وزارة الداخلية أن الدولة لا تزال قادرة على التدخل حتى في أوقات الأزمات11.
رغم أننا سنعرف مع الوقت عما إذا كان الحظر الكامل على حزب الله في ألمانيا سيكون أكثر من مجرد خطوة رمزية، فإن هناك أسبابًا تدعو إلى التشكيك في أنه سيكون له تأثيرٌ ملموس. ففي ظلِّ عملها على الأراضي الألمانية لسنوات، من المرجح أن تكون المنظماتُ التابعة لحزب الله في ألمانيا قد أنشأت بالفعل شبكة ممتدة قد تدفعها القيود ببساطة إلى ممارسة أنشطة سرية. علاوة على ذلك، يفتقر الاتحاد الأوروبي دائمًا إلى الوحدة، والخلافات في المصالح حول هذه المسألة، حادة بشكل خاص، ما قد يسمح لحزب الله بتحريك بعض أنشطته في القارة.
وحتى في ألمانيا، سيُطرح السؤال القانوني حول المنظمات التي تدَّعي أنها ليست جزءًا “رسميًّا” من حزب الله، بل هي مجرد منظمة تابعة أو داعمة. ومن المرجح أن تؤدي مخاطرُ هذه الحرب القانونية إلى كبح جماح وكالات إنفاذ القانون، ما لم تتمكن، أو أن تكون قد تمكنت بالفعل، من اختراق شبكة حزب الله على نطاقٍ واسع، ويمكنها توفير معلومات من الداخل، يمكن استخدامها في المحكمة لإجراء محاكماتٍ سريعة، وفي الوقتِ المناسب.
ونظرًا لكلِّ هذه الأسباب، فإن الاحتمال المرجح هو أن يظلَّ الحظر الكامل على حزب الله في ألمانيا رمزيًّا، وإن كانتِ الرمزية أفضلَ مما أظهرته أوروبا في كثيرٍ من الأحيان، في الصراع الذي دام أربعين عامًا مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية. لكن هناك الكثير من الجهد الذي يجب أن يُبذل لتحويلِ هذه الرمزية إلى فعلٍ حقيقي.
*يسعى موقعُ «عين أوروبية على التطرف» إلى نشرِ وجهاتِ نظرٍ مختلفة، لكنه لا يؤيد بالضرورة الآراء التي يُعبِّر عنها الكتّابُ المساهمون، والآراء الواردة في هذا المقال تُعبِّر عن وجهةِ نظر الكاتب فقط.
**مستشارة في مكافحة الإرهاب في مؤسسة كونراد أديناور ببرلين
المراجع:
[1] Middlehoff, P. (2020). Bundesinnenministerium verbietet Hisbollah-Aktivitäten in Deutschland. https://www.zeit.de/politik/deutschland/2020-04/deutschland-razzia-gegen-hisbollah-unterstuetzer
[2] Flade, F. and Mascolo, G. (2020). Hisbollah in Deutschland ganz verboten. Jansen, F. (2020). Seehofer verbietet Hisbollah in Deutschland. https://www.tagesspiegel.de/politik/schlag-gegen-libanesische-terrorvereinigung-seehofer-verbietet-hisbollah-in-deutschland/25789740.html
[3] Ibid.
[4] Jansen, F. (2020). Seehofer verbietet Hisbollah in Deutschland. https://www.tagesspiegel.de/politik/schlag-gegen-libanesische-terrorvereinigung-seehofer-verbietet-hisbollah-in-deutschland/25789740.html
[5] Hasselbach, C. (2020). Was steckt hinter dem Hisbollah-Verbot? https://www.dw.com/de/was-steckt-hinter-dem-hisbollah-verbot/a-53293853
[6] Ibid.
[7] Zeit Online (2020). Israel lobt deutsches Hisbollah-Verbot als „bedeutenden Schritt“. https://www.zeit.de/politik/deutschland/2020-04/hisbollah-verbot-terrorismus-antisemitismus-extremismus
[8] Jansen, F. (2020). Seehofer verbietet Hisbollah in Deutschland.
[9] Hasselbach, C. (2020). Was steckt hinter dem Hisbollah-Verbot?
[10] Jansen, F. (2020). Seehofer verbietet Hisbollah in Deutschland.
[11] Die Welt (2020). Seehofer verbietet Hisbollah – Polizei durchsucht Vereine. https://www.welt.de/politik/deutschland/article207623603/Hisbollah-Verbot-Razzien-in-Deutschland-USA-und-Israel-loben-den-Schritt.html