منذ الانتصار العسكري على تنظيم داعش في مارس 2019، لا تزال المخيمات الكردية في شمال سوريا مليئة بالمقاتلين السابقين في التنظيم، وزوجاتهم وأطفالهم. من بين المقاتلين الأجانب الذين سافروا إلى سوريا، ينتمي قرابة 2,838 منهم إلى أربع دول فقط؛ هي: بلجيكا، وفرنسا، وألمانيا، والمملكة المتحدة. وفي عام 2019، كشفت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) أن حوالي 29,000 طفل من أطفال المقاتلين الأجانب تقَطَّعَت بهم السُبل في سوريا، ومعظمهم دون سن 12 عامًا. ومن بين هؤلاء، يأتي 20,000 من العراق و9,000 من 50 دولة مختلفة، كثير منها أوروبية. بالإضافة إلى ذلك، فهناك 1,200 طفل لمقاتلين أجانب في العراق، أكثر من 200 منهم من فرنسا.
تثير أعداد أسر المقاتلين الأجانب، في المخيمات السورية والعراقية، مسألة إعادتهم إلى بلدانهم الأصلية. الجدير بالذكر أن الدول الأوروبية تتبنى سياسةً حذرة في التعامل مع إعادة المقاتلين الأجانب وأسرهم. على سبيل المثال، تتعامل الحكومة الفرنسية مع قضية المقاتلين الأجانب على أساس كل حالة على حدة، وترفض إعادة البالغين، بمن فيهم الأمهات اللواتي يرفضن الانفصال عن أطفالهن. في منتصف يونيو، أعادت الحكومة الفرنسية خمسة عشر يتيمًا لمقاتلين فرنسيين، وطفلين سمحت أمهاتهما بسفرهما إلى فرنسا.
وقد أدانت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان فرنسا، وطالبتها بإعادة النظر في هذا النهج. وعلى الرغم من أن الحكومة الفرنسية أحيطت علمًا بهذه الإدانة، وأشارت إلى أن فرنسا قد أعادت بالفعل عائلات عدة للجهاديين إلى وطنها في أوائل شهر يوليو، فإن أعداد العائدين لا تزال منخفضة. وفي حين أن فرنسا كانت الأكثر صراحة بشأن نهجها، فلا تزال دول الاتحاد الأوروبي -بشكلٍ عام- مترددة بشأن إعادة الجهاديين وعائلاتهم.
دول الاتحاد الأوروبي تخشى بوضوح من أن تُتاح لهؤلاء العائدين فرصٌ لارتكاب أعمالٍ إرهابية داخل حدودها، وأن يتمكن هؤلاء الأشخاص، سواء كانوا متطرفين في المخيمات أو قاتلوا في صفوف داعش، من الوصول المباشر إلى المواطنين لنشر هذا التطرف، وربما حث الآخرين على الإرهاب. وأي عمل إرهابي يرتكبه العائدون سيضع الحكومات في موقفٍ محفوف بالمخاطر سياسيًا، ما يؤدّي إلى تقليص هائل من شعبيتها.
هذا هو العامل الأساسي الذي يجعل جميع ساسة الاتحاد الأوروبي في جميع الدول الأوروبية مترددين في اتخاذ أي خطواتٍ جريئة في هذا الصدد. علاوة على ذلك، فهناك تكاليف أخرى، بالمعنى الحرفي للكلمة: فالدول الأوروبية التي تعيد المقاتلين الأجانب وعائلاتهم الذين لا يمكن احتجازهم بتهمٍ جنائية سوف تُضطر إلى تخصيص ميزانيات أكبر لوكالات الاستخبارات لمراقبتهم، ولبرامج إعادة الإدماج.
يعتبر أطفال المقاتلين الأجانب وبعض زوجاتهم ضحايا، فقد أُجبروا على الانضمام قسرًا إلى صفوف داعش. ومع ذلك، فإن التجارب المروِّعة والجرائم البشعة التي شهدوها أو ارتكبوها خلال الحرب قد تسهم في تحوّلهم للتطرف. ونظرًا لأن العديد من الأطفال عملوا جنودًا لداعش والجماعات الإرهابية الأخرى في المنطقة العراقية السورية، فقد يصبحون مصدر تهديدٍ خطيرٍ لأمن الدول الأوروبية.
وعلى الرغم من أن بعض دول الاتحاد الأوروبي توفر برامج شاملة لإعادة إدماج المقاتلين الأجانب وأسرهم، فلا يوجد ما يضمن نجاح هذه البرامج في إعادة تأهيل المتطرفين العائدين، أو درء الخطر الذي يشكِّلونه على المجتمع. وفي حين أن مشاركة الأطفال في برامج مكافحة التطرف يمكن أن تقودهم إلى التخلي عن الأفكار المتطرفة، فإن وصم المجتمع للأطفال بأنهم من أسر المقاتلين الأجانب يمكن أن يمثل أيضًا خطرًا حقيقيًا كونه ربما يقود إلى انتكاستهم. وقد ثبت أن الوصم والشعور بالاغتراب من بين العوامل الدافعة لتطرف المقاتلين الأجانب.
من المنظور الأمني، تنطوي إعادة أسر المقاتلين الأجانب إلى ديارهم على مخاطر كبيرة، ويجب الاعتراف بذلك. لكن من ناحيةٍ أخرى، فإن الظروف التي تعيش فيها تلك الأسر في المخيمات لا تزال قاسية. فالأطفال يعيشون في ظروف غير إنسانية، ويفتقرون إلى الضروريات الأساسية، بما في ذلك الماء والغذاء والتعليم والرعاية الصحية، ويواجهون خطر الوفاة الوشيك. ويُعتقد أن ما لا يقل عن 62 طفلًا لقوا حتفهم في المخيمات، بسبب هذه الظروف منذ بداية عام 2021. وتثير الظروف القاسية التي تعيش فيها تلك الأسر مسائل خطيرة، تتعلق بمسؤولية المجتمع الدولي والدول التي تأتي منها تلك الأسر.
تقبل دول الاتحاد الأوروبي مسؤولية الرعاية -بكل معانيها- لمواطنيها الذين تقَطَّعَت بهم السُبل في المخيمات. ولا تزال أسر وأطفال المقاتلين الأجانب من مواطني دول الاتحاد الأوروبي، وبالتالي لهم الحق في أن يُعاملوا كمواطنين، وينبغي السماح لهم بالعودة إلى بلدانهم الأصلية. إن رفض دول الاتحاد الأوروبي إعادة مواطنيها لا يسهم في الأمد القريب في استمرار المعاناة فحسب؛ بل يحمل رسالة تُنكر الانتماء إلى شرائح من السكان أيضًا. وفي هذا الصدد، تحذِّر العديد من التقارير من تطرف الأطفال داخل المخيمات: فكلّما طالت مدة بقاء الأطفال في تلك المخيمات، زاد احتمال تمكّن الجهاديين من تلقينهم، والزج بهم في ساحة المعركة، بما في ذلك في أوروبا.
لقد حظي موضوع المقاتلين الأجانب العائدين بقدرٍ هائل من البحث والتحليل، على مدار السنوات القليلة الماضية. وأكّدت جميع الدراسات والتحليلات التي أُجريت أن الأطفال يعانون في المخيمات السورية والعراقية، الأمر الذي من شأنه أن يعطي شعورًا بالإلحاح لدول الاتحاد الأوروبي للاضطلاع بمسؤولية إعادة مواطنيها.
نعم هناك مخاطر، وسيتعين على دول الاتحاد الأوروبي تكريس موارد جادّة لمراقبة العائدين ودمجهم في المجتمع. ولكن هذه ليست مشكلة ستتحسن بمرور الوقت. لذا، فمن الأهمية بمكان العمل على إعادتهم في أقرب وقت ممكن، لأنه كلّما طالت مدة بقائهم في المخيمات، زادت الفرصة المتاحة للمتطرفين لتجنيدهم للجولة التالية من الجهاد.