فرزاد رامزاني بونش*
منذ وصول الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى مقاليد السلطة، تحوّلت حركة طالبان لوضعية الهجوم، وقبل أكثر من أسبوع بقليلٍ أكملت غزوها لأفغانستان، ما أدخل “إمارة” الجماعة الجهادية في تماس حدودي مع آسيا الوسطى..
العلاقات الأفغانية-الطاجيكية-التركمانية
عندما كانت أفغانستان تخضع لسيطرة طالبان بالكامل تقريبًا في التسعينيات، لم تعترف طاجيكستان -وهي دولة تقع على حدودها الشمالية الشرقية- بطالبان ودعّمت تمامًا الرئيس الأفغاني الرسمي في ذلك الوقت، برهان الدين رباني. وساندت طاجيكستان الجماعات التي قاومت الجماعة الإرهابية، مثل الجمعية الإسلامية؛ حزب رباني وأقوى منظمة عسكرية وحزب سياسي عابر للأعراق داخل أفغانستان، فضلًا عن الفصيل السياسي للدكتور عبد الله عبد الله، وهو سياسي أفغاني قاد المجلس الأعلى للمصالحة الوطنية في الحكومة التي سقطت الآن.
وفي السنوات الأخيرة، انخرطت طاجيكستان في مفاوضاتٍ مع حركة طالبان من أجل حماية حدودها المشتركة مع أفغانستان من سيطرة الجماعة الإرهابية. وتحقيقًا لهذه الغاية، عزَّزت أيضًا دعمها للطاجيك الأفغان؛ الجماعة الإثنية الرئيسة والمنافسة للبشتون، الذين تتمتع حركة طالبان بنفوذٍ بينهم. طاجيكستان كانت تأمل في أن تلعب دورًا حاسمًا في تشكيل حكومة أفغانية مقبلة يتم التوصل إليها عن طريق التفاوض؛ وسيتعين عليها الآن التأثير على الأحداث بوسائل أخرى.
إلى جانب ذلك، فإن لدى تركمانستان التي تقع على الحدود الشمالية الغربية لأفغانستان مصالح في الدولة أيضًا. فهناك أقلية تركمانية صغيرة في أفغانستان، وتستخدم تركمانستان إلى حدٍّ كبير تكتيكات القوة الناعمة لممارسة النفوذ. ومنذ بدء انسحاب القوات الأجنبية، في وقتٍ سابق من هذا العام، ضغطت تركمانستان من أجل إيجاد حلٍّ سلمى ودبلوماسي من خلال ما يُسمى بعملية السلام الأفغانية. وتحقيقًا لهذه الغاية، استضافت حركة طالبان، وعقدت مشاورات عدّة مع الجماعة الإرهابية، بما في ذلك محادثات “مجموعة الخمسة زائد واحد” التي شارك فيها وزراء خارجية أفغانستان وآسيا الوسطى في عشق أباد.
خلال العقدين الماضيين، ارتفع التبادل التجاري بين أفغانستان وتركمانستان وطاجيكستان بنسبةٍ كبيرة. ونُفِّذت مشروعات عدة، بما في ذلك مشروع الطاقة في آسيا الوسطى وجنوب آسيا المعروف اختصارًا باسم (CASA 1000)، وبناء خطوط لنقل الكهرباء، وسكة حديد تربط ما بين تركمانستان وطاجيكستان وأفغانستان. كما أبرمتِ الدول الثلاث مذكراتِ تفاهمٍ لتعزيز التعاون في شتى المجالات.
وتبحث تركمانستان، على وجه الخصوص، عن مجالاتٍ لتوسيع التجارة وتعزيز العلاقات الاقتصادية، مثل “ممر لابيس لازولي”- طريق عبور كان من المقرر أن يظهر كممر اقتصادي يمكن لأفغانستان من خلاله أن تتصل بأوروبا عبر تركمانستان وأذربيجان وجورجيا وتركيا- وبناء خط أنابيب الغاز الذي يعرف باسم “تابي” من تركمانستان إلى أفغانستان، على طول الطريق إلى باكستان والهند. ومن غير الواضح كيف أو ما إذا كانت هذه المشروعات ستمضي قدمًا الآن، بعد أن استولت طالبان على الدولة بالكامل.
المخدرات واللاجئون
من المؤكد أن الأمن القومي لأي دولة يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالأمن القومي لجيرانه. ولذلك، فليس من المستغرب أن يكون الأمن الأفغاني عنصرًا مهمًا من عناصر السياستين الخارجيتين لطاجيكستان وتركمانستان.
تركمانستان تشترك في حدود طولها 800 كم مع أفغانستان، يتكون معظمها من مناطق صحراوية، بينما تشترك طاجيكستان في حدود جبلية طولها 1,350 كم مع أفغانستان. وبما أن أفغانستان هي أكبر منتج للمخدرات -حيث تنتج أكثر من 90% من الهيروين في العالم- فإن هذا يُشكّل تهديدًا كبيرًا للبلدان المجاورة.
وبصرف النظر عن خطر المخدرات، فهناك قضية اللاجئين. وهذه مشكلة قائمة منذ أشهر منذ تقدم طالبان العنيف. ولا شك أن سقوط الدولة بأكملها الآن أمام الجهاديين يمكن أن يفجّر فيضانًا جديدًا يضم ملايين اللاجئين إلى الدول المجاورة، وهو مصدر لعدم الاستقرار في المنطقة.
طالبان تعزز تجنيد الأجانب
رغم أن تركمانستان قد سرّعت، في السنواتِ الأخيرة، محادثاتها مع طالبان، فإن المسئولين الطاجيك لم يدعوا ممثلي طالبان لزيارة الدولة أو يرسلوا أي مسئولين للاجتماع مع ممثلي طالبان في دولة ثالثة. وبمساعدة تنظيم القاعدة، تمكّنت حركة طالبان من أن تجند في صفوفها عدة جماعات جهادية أوزبكية وطاجيكية، مثل الحركة الإسلامية في أوزبكستان” السابقة، و”اتحاد الجهاد الإسلامي”، و”كتيبة الإمام البخاري”، و”جماعة أنصار الله”. وتحاول حركة طالبان منذ سنواتٍ إنشاء قاعدة لها في شمال أفغانستان بمساعدة مقاتلين أجانب، وقد آتت تلك المحاولات ثمارها، فهي تسيطر الآن على المنطقة.
من جهتها، كثّفت حركة طالبان من تجنيد مواطنين من جنسياتٍ أخرى من آسيا الوسطى، لا سيما الطاجيك والتركمان، في الفترة التي سبقت الاستيلاء على أفغانستان، ونشر أيديولوجيتها وثقافتها في المجتمعات الريفية في شمال أفغانستان عن طريق جملة من الأمور، منها إنشاء مدارس دينية.
ولا شك أن هذه التطورات زادت من اهتمام تركمانستان وطاجيكستان بأمن أفغانستان، ناهيك عن تزايد عدم الاستقرار في شمال أفغانستان مع تدخل ميليشيات من إيران وأماكن أخرى ضد طالبان، ما أدى إلى تدهور الحالة الأمنية في وادي فرغانة. وهكذا، يتضح أن الأخطار التي تُشكّلها الجماعات الجهادية -طالبان، والمقاتلون الطاجيك، وحتى الحركة الإسلامية غير الشرعية في طاجيكستان- كبيرة ويتعين مواجهتها.
فرصة لداعش
على الرغم من أن العديد من قادة طالبان قد تنصلوا من خططهم لتوسيع نطاق الحرب لتشمل آسيا الوسطى، إلا أن تنظيم داعش مختلف تمامًا. تجدر الإشارة إلى أن لدى داعش فرع في أفغانستان، هو “ولاية خراسان”، ولديه متعاطفون في صفوف طالبان. علاوة على ذلك، استغل داعش رسائل “طالبان الجديدة” منذ أن استولى على كابول لانتقاد حركة طالبان، ودعوة الجهاديين إلى التخلي عنها. وقد ينجح هذا المسعى، ما يفاقم التهديد لأمن البلدان المجاورة.
يرى تنظيم داعش في شمال أفغانستان قاعدةً لتوسيع وجوده في آسيا الوسطى، وقد ظهرت مؤشرات مختلفة في السنوات الأخيرة- مثل الاشتباكات على الحدود التركمانية-الطاجيكية- تؤكد أن التنظيم حقق بعض النجاح.
ورغم أن شمال أفغانستان كان موطنًا للجماعات المسلحة من مختلف الدول، قبل وقتٍ طويل من ظهور داعش، فإن عودة النشاط الإرهابي على الجانب الآخر من الحدود، في تركمانستان وطاجيكستان، هي الأكثر إثارة للقلق. فهي تزيد من خطر تحول العلم الأبيض لطالبان إلى العلم الأسود لداعش.
الخلاصة
أشارت التنبؤات الاستخبارية القادمة من “جامعة براون” في شهر يوليو أن الحكومة الأفغانية قد تسقط بعد ستة أشهر من اكتمال انسحاب قوات حلف الناتو. لكن، وكما اتضح فيما بعد، تمكّنت حركة طالبان من الإطاحة بالحكومة في هجومٍ لم يستغرق سوى تسعة أيام قبل مغادرة قوات حلف الناتو. ومن الطبيعي أن تشعر طاجيكستان وتركمانستان بقلقٍ بالغ إزاء هذا التطور.
لذا، أرسلت طاجيكستان وتركمانستان بالفعل آلاف الجنود المدججين بالسلاح إلى الحدود، ورفعتا مستوى التعاون الاستخباراتي، وطلبتا المساعدة من “منظمة معاهدة الأمن الجماعي”، و”منظمة شانغهاي للتعاون”.
ومن المؤكد أن هناك استعداداتٍ أخرى جارية، مثل المناورات العسكرية على الحدود مع أفغانستان، وتشديد الرقابة على الحدود، وتعزيز التعاون السياسي والأمني مع الجهات الفاعلة الإقليمية والعالمية. وجميع هذه الإجراءات مطلوبة الآن أكثر من أي وقتٍ مضى.
*باحث ومحلل في الشؤون الدولية.