فابريزيو مينيتي
في هذا التقرير، يشرح الخبير الإيطالي الأسباب التي تجعل قمة أبوظبي بشأن المصالحة في أفغانستان مغايرة لجميع جهود المصالحة السابقة التي أخفقت تحقيق اتفاق سلام على طاولة المفاوضات.
التقى يوم الثلاثاء المنصرم ممثلون عن الإمارات العربية المتحدة، والمملكة العربية السعودية، والولايات المتحدة، وأفغانستان، في أبوظبي، لمناقشة سبل تحقيق الأمن والاستقرار في أفغانستان. لم يتم الكشف عن تفاصيل الاجتماع، إلا أنه كان جزءًا من جهود تبذلها الأسرة الدولية بأسرها، من أجل عملية سلام شاملة تتضمن كل الأطراف السياسية وغير السياسية التي لديها مصلحة في أمن البلاد.
وقد أعرب المبعوث الأمريكي الخاص لجهود السلام في أفغانستان، زلماي خليل زاد، الذي يقوم بجولة في الشرق الأوسط للقاء ممثلي أفغانستان وباكستان والإمارات العربية المتحدة وقطر، عن ارتياحه حول تفاصيل الاجتماع.
وكانت موسكو قد استضافت كذلك مؤتمرًا في أوائل نوفمبر/تشرين الثاني، جمع دبلوماسيين وممثلين عن حكومات أفغانستان، والصين، والهند، وإيران، وكازاخستان، وقيرغيزستان، وباكستان، وطاجاكستان، وتركمانستان، والولايات المتحدة، وأوزباكستان. وحتى طالبان، فقد أرسلت كذلك وفدًا إلى قمة موسكو، ساعية إلى تحقيق شرعية سياسية على أعلى مستوى، برغم استمرارها في معارضة عمل قوات الأمن الأفغانية بكل الوسائل.
لدى الولايات المتحدة قناة مفتوحة مع طالبان من خلال السفير زلماي خليل زاد، وقد بذلت محاولات عدة من أجل إشراك ممثلي طالبان في مجموعة التنسيق الرباعية، التي تضم أفغانستان والصين وباكستان، ولكن بدون تحقيق أي نجاح. أما روسيا، كما أشير سابقًا، فتمكنت من جلب ممثلي طالبان إلى موسكو في 9 نوفمبر/تشرين الثاني. ولكن حينها، طالب ممثلو طالبان بانسحاب القوات الأجنبية بشكل كامل من البلاد كشرط لأي مفاوضات.
في الواقع، هذا الشرط غير عملي بالنظر إلى المصاعب الأمنية الداخلية المستمرة التي تواجه أفغانستان؛ فخلال الانتخابات البرلمانية في شهر أكتوبر/تشرين الأول -التي شهدت تنافس 2000 مرشح على 250 مقعدًا، واعتبرت كاختبار هام قبيل الانتخابات الرئاسية العام المقبل- لقي 15 مواطنًا مصرعهم في هجوم انتحاري في كابول. هذا الهجوم وغيره من الحوادث جعلت من الصعب على المواطنين الأفغان الذهاب إلى مراكز الاقتراع. علاوة على ذلك، جرى تأجيل الانتخابات في ولاية قندهار لمدة أسبوع بعد مقتل الجنرال عبد الرازق، قائد شرطة قندهار، على يد طالبان. كما تمكنت حركة طالبان من مهاجمة مراكز الاقتراع دون أن تتكبد أي عقاب، ما أسفر عن مقتل 28 عنصرًا من قوات الأمن الأفغانية، بالإضافة إلى مرشح منافس في الانتخابات.
وعلى الحدود مع طاجاكستان، في إقليم تاخار بالتحديد، وقعت الكثير من الاشتباكات في آب/أغسطس وسط تصاعد العنف من قبل الجماعات المسلحة، وليس من قبل طالبان وحدها. وقد أصبحت فجوات حدود أفغانستان مشكلة بالنسبة لدول مجاورة مثل طاجاكستان وأوزباكستان وتركمانستان وباكستان.
كما بات اهتمام إسلام أباد الأساسي منصبًا على احتواء المجموعات الجهادية من أفغانستان، بدءًا من تنظيم “الدولة الإسلامية – خراسان”، الناشط في ولاية ننكرهار الأفغانية، المتاخمة للمناطق القبلية الخاضعة للإدارة الاتحادية في باكستان. في 6 يوليو/تموز، نفذت المجموعة هجومًا في بلوشستان أسفر عن مقتل 149 شخصًا، ما يجعله ثاني أكبر الهجمات الإرهابية فتكًا في تاريخ باكستان.
علاوة على ذلك، يهدد تنظيم “الدولة الإسلامية – ولاية خراسان” إيران بشكل مباشر، الأمر الذي دفعها إلى تقديم الدعم لحركة طالبان. وبرغم الأيديولوجيات المختلفة والرؤى المتباينة على المدى الطويل، رأت طهران أنه من الأفضل الحفاظ على تحالف تكتيكي مع طالبان من أجل احتواء التهديدات الجهادية على حدودها.
تساعد تحركات إيران في هذا الشأن في توضيح أن “ملف أفغانستان” معقد ويؤثر بشكل مباشر على المجتمع الدولي. إن الهيكل العرقي المعقد في أفغانستان -الذي يشمل البشتون (الأغلبية في البلاد)، والطاجيك، والهزارة، والأوزبك (جميعهم أصحاب رؤى مختلفة)- يعوق جهود البلدان التي تود التفاوض بشأن سلام مستقر ودائم في أفغانستان.
وبالإضافة إلى ذلك، هنالك انقسامات داخلية غير مفيدة داخل طالبان، لا سيما أن دور شبكة حقاني يعقّد مفاوضات السلام المحتملة. لا يمكن تجاهل واقع إستراتيجية شبكة حقاني، الموجهة نحو الصراع، واستخدام القوة ضد الأعداء الداخليين والغزاة على حد سواء. من شأن هذا التفتت أن يجعل من الصعب الحصول على موافقة ورضا جميع فصائل طالبان عند إرسال ممثلين إلى مزيد من المفاوضات حول استقرار البلاد.
في شباط/فبراير المنصرم، قدّم الرئيس الأفغاني، أشرف غني، عرض مصالحة سياسية كاملة على حركة طالبان، مقابل وقف إطلاق النار واستئناف مفاوضات السلام، لكن محاولته لم تنجح، بل قوبلت بردود فعل شملت هجمات ضخمة في ولايات فارياب وبادغيس وفراه.
إن الصراع داخل حركة طالبان ومجلس الشورى الخاص بها لن ينتهي بسرعة. هنالك قادة في طالبان منفتحون على المصالحة، لكن هنالك آخرون متشددون ولا يرغبون بأي اتفاق. لقد حاول الملا هيبة الله أخوندزاده استعادة السيطرة على الحركة في شباط/فبراير الماضي، بهدف احتواء العناصر المتطرفة مثل الملا يعقوب وسراج حقاني، لكن العناصر الأكثر تعنتًا أعلنت نفسها المجموعة الوحيدة القادرة على قيادة الجهاد في أفغانستان. وفي هذا السياق، فإن تنظيم الدولة الإسلامية مستعد لخوض الحرب القذرة التي لا يرغب فيها أعضاء طالبان المنفتحون على المفاوضات.
وبالنظر إلى الظروف المذكورة أعلاه، فإن القمة التي انعقدت في 14 نوفمبر/تشرين الثاني، في أبو ظبي، قد أثارت على الأقل إمكانية نحو التغيير، وساعدت كذلك الأطراف المعنية في تفسير رغبات وأهداف جميع الأحزاب والفصائل المنخرطة في أفغانستان.
النص كاملًا متوفر باللغة الإنجليزية هنا